|
مغرب حق وقانون ومؤسسات حقيقية أم مجرد وهم؟
إدريس ولد القابلة
(Driss Ould El Kabla)
الحوار المتمدن-العدد: 1933 - 2007 / 6 / 1 - 11:59
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
على إيقاع تكرار الكلام واجتراره حول دولة حق وقانون ومؤسسات، لازال المغاربة ينتظرون ملامسة، ولو بعض إشارات ما يقال ويتم اجتراره منذ سنوات، فمنذ اتفاقية أيكس ليبان وهم ينتظرون ولا زالوا. فهل مغربنا اليوم هو مغرب حق وقانون ومؤسسات؟ سؤال طرح، ربما قد يعتقد البعض أن واضعه مجنون فوق العادة، إذ أضحى من شيمه النبش في اللامعقول وترك الاعتماد على العقل والارتماء بين أحضان الجنون، كما دأب أحد المعلقين على التعليق فيما أنشره على شبكة الويب منذ أن صدر ملف عن فؤاد عالي الهمة، إذ ظل يبحر في الشبكة ليعلق على ما يستطيع العثور عليه مما أرمي به عن طريق الانترنيت، بعبارة "مجنون فوق العادة شيمته النبش في اللامعقول". المهم، هل مغربنا مغرب حق وقانون ومؤسسات؟ والداعي إلى طرح هذا السؤال هو أنه أصبح واضحا للعيان أن وزراءنا وأحزابنا وإعلامنا كثيرا ما يكونوا آخر من يعلم بخصوص جملة من القرارات الكبرى والإجراءات الاستثنائية. إن الملفات الكبرى الحساسة والأساسية تُحْبَكُ خيوطها خارج دهاليز الحكومة وبعيدا عن البرلمان ودون علم الأحزاب، التي غالبا ما لا تحظى حتى بالإخبار الشرفي، لا القبلي ولا البعدي. لقد أخذ الملك محمد السادس منذ اعتلائه العرش في صيف 1999 على عاتقه، تفعيل آليات التغيير وتسريع وتيرة التنمية في مختلف الميادين، فماذا كان موقع الحكومة من كل هذا؟ وما دورها في الأوراش الملكية، علما أنها هُيّئت كلها وبرمجت وتوبعت خارج دائرة الحكومة. ولعل أبرز ورش ساهم في إبراز هذه الحقيقة، المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، إذ إن الحكومة كانت مسببا رئيسا في تصريف هذه المبادرة في اتجاهات طغى عليها الفساد واستمرار استغلال النفوذ وخدمة المصالح الضيقة؟ وقد قال قائل، إذا كان المغرب شهد في السنوات الأخيرة أوراشا كبرى، فإنها أوراش ملكية بالدرجة الأولى، لم يظهر فيها للحكومة أي أثر، بل هناك ما تعرقلت مسيرته وانحرف عن سُبُل تحقيق مراميه المتوخاة بفعل تدخل الحكومة والإدارة، وهذه أمور وجب الوقوف عليها لوضع الإصبع على أسبابها ومسبباتها لمعرفة هل هي ناتجة عن بنية آليات تصريف السلطة أو عن قصور في تحمل المسؤوليات؟ فالوزراء عندنا ما زالوا أعوان سامين لا يملكون أن يقرروا أو أن يجتهدوا خارج ما يرسمه الملك من سياسات وتوجيهات، وما يصدره من أوامر وقرارات، هي أولا وأخيرا، ترسيخا لسلطة الملك المطلقة والكلية، على أساس أن الملك أمير المؤمنين يرجع إليه أمر الحل والعقد في كل أمور الرعية. وفي هذا الصدد سبق للمحجوبي أحرضان، عندما سئل عن قضية دولية في فجر التسعينيات، أن قال: "هذا مرتبط بالخارج، ولا يفهم فيه إلا سيدنا". أما أحزابنا السياسية، فالصراع القائم بينها، مرده، ليس الأفكار والتصورات والبرامج والخطط من أجل المساهمة بـ "قيمة مضافة" لبناء الغد والتصدي للمعضلات والتحديات، وإنما مرده إلى الصراع حول المقاعد والمواقع. إن أحزابنا لا تتنافس حول تصورات وبرامج وأجندة سياسية ومعالم خطة تنموية. وهو في نظر الكثيرين علامة من علامات استمرار تأثير الفكر القبلي العائلي، المتمحور في نهاية المطاف حول فكرة من يملك القوة والإمكانيات ليكون مسؤولا، وغالبا ما يكون المرشح أضعف الموجودين داخل حلقة المنافسة. فهل مثل هذه الأحزاب بمقدورها القيام بدورها الأول في تكوين الرأي العام وتجميع الأشخاص المعبرين عن نفس القناعات والأفكار والتصورات والتوجهات، والراغبين في تحقيق نفس الأهداف السياسية وتكوين الناخبين والمنتخبين؟ أي هل هي، والحالة هذه، قادرة على العمل على خلق برامج فعلية قابلة للتطبيق، أو أن أقصى ما يمكن أن تقوم به هو لعب دور لوبيات مصلحة وانتهازية في العمل السياسي والحزبي؟ وبالتالي، فلا غرابة بخصوص ما وصل إليه ركحنا السياسي من تمييع ومن نفور المغاربة وفقدانهم الثقة بالأحزاب والعمل السياسي. فهل أحزابنا قادرة حاليا على تملك برنامج سياسي حقيقي ينسجم مع واقع الشعب؟ وبرجوعنا إلى الواقع سنجد أن أكثر قياديي الحزب والراغبين في الاضطلاع برأس اللوائح يرون في المناصب والمقاعد المستهدفة نوعا من السلطة والامتياز وإرضاء الأنا، ولا يرونها مسؤوليات وواجبات اتجاه قضايا الجماهير وانتظاراتها. والحالة هذه، إن مسألتي السلطة والمسؤولية لا يمكنهما أن تصيرا واقعا فعليا ببلادنا السعيد إلا عبر تصور ورؤية وخطة وبرامج ومناهج سياسية فاعلة، منسجمة مع واقع طموح المغاربة من جهة ومن جهة أخرى ملائمة لروح والمرحلة التاريخية؛ وهذا ما ظل غائبا ببلادنا. وماذا بخصوص زعمائنا؟ وكيف يفهم سياسيونا مسألة القيادة؟ وكيف ينظرون إليها؟ وهل هم فعلا قادرون على الفعل من خلال مواقعهم وانطلاقا منها؟ وكيف يعملون على التأكيد بأنهم، هم بالفعل رجالات المرحلة وبأن لهم القدرة والإمكانيات على تحمل المسؤوليات، وعلى رأسها حضور تصور ورؤية وخطة وبرنامج عمل يلبي حاجة وطموحات الجماهير التي صرفت حياتها في الانتظار منذ حصول بلدنا السعيد على الاستقلال. أما البرلمان فتصرف عليه الملايير كما تصرف على الانتخابات، ورغم أنه لازال برلمانا حسب المقاس، فإنه يظل على هامش القضايا الكبرى والحساسة، ليصبح حاليا عبئا. وهكذا أضحت الحكومة والبرلمان والكثير من الأحزاب السياسية تبدو كأنها دمى تحرك من الكواليس وخلف الستار. صار المغرب يتوفر على مؤسسات وهيئات استشارية ولجان فاق عددها العشرين، هي التي تمسك بخيوط الملفات الكبرى بعيدا عن الحكومة والبرلمان، وأصبحت تعمل كأنها حكومة وبرلمان موازيان في ظل افتقارهما للمسؤولية وللسند الشعبي. لقد اتضح بجلاء أن كل القضايا الحساسة الكبرى باتت تحسم في فضاءات ودوائر لا تمت بصلة للحكومة ولا للبرلمان، في دائرة مستشاري الملك أو محيطه أو شبكات أصحاب الامتيازات. نتكلم كثيرا عن الديمقراطية ونتوق إليها، لكن القضايا الكبرى والحساسة تحسم خارج، وعلى هامش المؤسسات، التي يقال إنها تحظى بالشرعية "الديمقراطية" و"الشعبية".. وبفعل تمركز الثروات ومصادر إنتاجها بيد قلة لا تكاد تبين، أضحت قوة المال نمطا من أنماط الحكم.. فالمال هو من يحكم عندنا حاليا، حيث بالمال يمكن شراء السلطة وشراء المؤيدين والمؤازرين، بل حتى المعارضين، وشراء الذمم وشراء الإعلام والسيطرة على الخبر وتوزيعه أو التستر عليه للتأثير على الرأي العام. وتظل المحاسبة غائبة.. هل سبق لنا أن حاسبنا القائمين على أمورنا عن أخطائهم وتقصيرهم في أداء واجباتهم والمهمات الملقاة على عاتقهم؟ خلاصة القول.. هل هذا كل ما استحقه المغاربة بعد كل التضحيات الجسام وبعد هذا الانتظار الطويل؟ وهل مغرب الحق والقانون والمؤسسات مازال مجرد وهم؟ إدريس ولد القابلة
#إدريس_ولد_القابلة (هاشتاغ)
Driss_Ould_El_Kabla#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-اختطاف- ومحاصرة إدريس البصري
-
الحكم الذاتي وخطر الانزلاق
-
غضب الملك يجب أن يندرج ضمن ثقافة المحاسبة والمساءلة والعقاب
-
مسؤولون فجروا غضب الملك محمد السادس
-
لا يمكن الحديث عن غضب الملك ما دامت الحكومة ملتزمة بالخطة غي
...
-
لا تكذبوا على الملك .. الواقع مر ومزري
-
- المغرب إلى أين ؟ - زاوية مبادرات الملك-
-
حاكمة وزراء الحسن الثاني
-
الخط الأحمر بالنسبة للبوليساريو هو تقرير المصير
-
الأسرار الصادمة لسيديات قضاة الخلاعة
-
جماعة العدل والإحسان تستعد لإستراتيجية مرحلية جديدة
-
تجاوزات الحرس الخاص ̷
...
-
حكومتنا وثقافة النفي والتبرير
-
-طز- ياديمقراطية و-طز- يا حقوق الإنسان و-طز- يا حرية الاحتجا
...
-
هل يطيح الانتحاريون برأس فؤاد عالي الهمة الحلقة الأولى
-
هل يطيح الانتحاريون برأس فؤاد عالي الهمة الحلقة الثالثة
-
على عالي الهمة أن يستعد للمستقبل.. فإن التاريخ يعيد نفسه
-
قانون الإرهاب السيئ الصيت مهندسه ومدبره فؤاد عالي الهمة
-
منير محمد رشيد / التقدم والاشتراكية
-
كيف قمع الحسن الثاني الاحتجاجات؟ الحلقة الثانية
المزيد.....
-
-ستكون نهاية حزينة للغاية-.. شاهد كيف هدد ترامب حماس أمام ال
...
-
-إذلال- و-خيانة-.. اعتذار بنيامين نتنياهو من قطر يثير غضبا إ
...
-
ترامب رئيساً لمجلس السلام في غزة.. فما هو دور توني بلير ونجي
...
-
هل يتسبب سد النهضة في فيضانات بالسودان؟
-
احتجاجات المغرب.. شباب جيل زد 212 يتحدثون لترندينغ
-
مع بدء العام الدراسي في السودان: ملايين الأطفال خارج قاعات ا
...
-
سكان غزة المنهكون يطالبون حماس بقبول خطة ترامب
-
الإسرائيليون يعبرون عن الأمل بينما يكشف ترامب عن خطة السلام
...
-
اختيار فتاة عمرها سنتان كإلهة حية جديدة في نيبال
-
تهنئة في مؤتمره التاسع … حزب الوحدة الشعبية الديمقراطي الأرد
...
المزيد.....
-
التاريخ يكتبنا بسبابته
/ د. خالد زغريت
-
التاريخ يكتبنا بسبابته
/ د. خالد زغريت
-
جسد الطوائف
/ رانية مرجية
-
الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025
/ كمال الموسوي
-
الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة
/ د. خالد زغريت
-
المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد
/ علي عبد الواحد محمد
-
شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية
/ علي الخطيب
-
من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل
...
/ حامد فضل الله
-
حيث ال تطير العقبان
/ عبدالاله السباهي
-
حكايات
/ ترجمه عبدالاله السباهي
المزيد.....
|