ابن حزم 994-1064 أديب وعالم أندلسي

صباح ميرزو

الحوار المتمدن-العدد: 1927 - 2007 / 5 / 26 - 08:42
المحور: سيرة ذاتية
    

أعلام من الشرق 6

أسرة ابن حزم أسرة نبيلة من مولّدي الأندلس مثلت دوراً سياسياً وثقافياً مرموقاً في آخر الدولة المروانية أصلها من كورة بلّة في غرب الأندلس فرعها الكبير أبو محمد علي بن أحمد المعروف إطلاقاً بابن حزن أشهر ممثلي الثقافة الأندلسية فيه يقول ابن بشكوال:
"كان أبو محمد أجمع أهل الأندلس قاطبة لعلوم الإسلام وأوسعهم معرفة مع توسعة في علم اللسان ووفور حظه من البلاغة والشعر والمعرفة بالسير والأخبار وقريب من هذا القول قول أبي مروان بن حيّان فيما يروى عنه:
"كان أبو محمد حامل فنون من حديث وفقه وجدل ونسب ما يتعلق بأذيال الأدب مع المشاركة في كثير من أنواع التعليم القديمة من المنطق والفلسفة".
وأخيراً ليس آخراً أنقل قولاً لشيخ جليل هو الذهبي في ابن حزم: “كان إليه المنتهى في الذكاء حدّة الذهن وسعة العلم بالكتاب والسنّة والمذاهب والملل والنحل العربية والآداب والمنطق والشعر مع الصدق والديانة والحشمة والسؤدد والرياسة والثروة وكثرة الكتب” ونذكر أن جَلَدْ ابن حزم في التأليف والمراجعة والكتابة لم يعرف قبله إلا لأبي جعفر الطبري المشهور بأنه أكثر أهل الإسلام تصنيفاً وقد ترك نحو 400 مجلد تشتمل على ما يقرب من 80 ألف ورقة وكان معدل ما يكتبه يومياً 14 ورقة ولم يهدأ نشاطه إلا بوفاته في بلدته الصغيرة منت ليشم كان أبوه من علماء قرطبة موصوفاً بالخير معروفاً بالحكمة وحسن الإدارة والتدبير فضلاً عن اهتمامه بالكتابة ونظم الشعر وكان وزيراً في الدولة المروانية عهد سيادة لأسرة العامرية ولكنه قاسى المحن أثناء اضطرابات قرطبة عقب سقوط هذه الأسرة وهكذا نشأ أبو محمد ابنه نشأة رفيعة وانصرف إلى التحصيل والدرس ولكن عقب وفاة أبيه بسنتين أكره على مغادرة قرطبة إلى المزية إثر اشتداد الحرب الأهلية في قرطبة وهجوم البربر على قصره في بلاط مغيث وتدميره، وذاق الأمرّين من التقلبات السياسية التي تعاقبت في أيامه وسُجن فترة من الزمن وتقلّد الوزارة غير مرة وكانت آخر وزارة له في عهد هشام الثالث الملقب "المعتمد" وهو آخر الخلفاء الأمويين الذين حكموا من سنة 1028 إلى سنة 1031 وعندها بدأت حياته الثقافية وهو بعد دون الأربعين بعد أن سئم السياسة وتفرّغ للتأليف مجتهداً في نشر آرائه والدفاع عنها والرّد على مناوئيها غير أن حياة التأليف هذه كانت عاصفة كحياته السياسية ذلك بأن خصومه دينياً وفلسفياً أثار وأحواله أعاصير الجدل وعصف الاضطهاد السياسي بمؤلفاته تمزيقاً وتحريماً وإحراقاً وليس هنا مجال التبسيط في أسباب ذلك بل نذكر أنه لما علم بإحراق كتبه في إشبيلية علناً بأمر من المعتمد بن عبَّاد قال الأبيات الأربعة التالية:
وإن تحرقوا القرطاس لا تحرقوا الذي تضمّنه القرطاس، بل هو في صدري
يسير معي حيث استقلّت ركائبي وينزل إن أنزل ويُدفن في قبري
دعوني من إحراق ورق وكاغد وقولوا بعلم كي يرى الناس من يدري
وإلا فعودوا في المكاتب بدأة فكم دون ما تبغون لله من سترٍ
وكان من مريديه في حياته أحمد بن رشيق فضلاً عن ابن الرومية المعروف بابن فرتون الذي بذل المال الكثير في استنساخ كتبه وإظهارها ونشرها والمتصوف ابن عربي الذي انتصر له مثل ابن فرتون عقب وفاته واختصر كتابه "المُحلّى" وأسهم في نشر مؤلفاته كذلك وبعد أن دخل ابن حزم حقبة طويلة من النسيان كسائر الأدباء الأندلسيين راحت الأنظار تتجه اليوم إليه بعد أن اتجهت من قبل إلى الفلاسفة والمؤرخين الأندلسيين عند بدء نهضة الآداب العربية فهو اليوم موضع اهتمام المستشرقين والشرقيين من علماء وأدباء ومؤرخين على السواء ودراستهم لإظهار مآثر، وإبرازها مثالاً صالحاً للثقافة العربية الأندلسية الصحيحة وإن فضله لبارز في التاريخ بكتابه جمهورة الأنساب الذي كثيراً ما استند إليه ابن خلدون في كلامه عن التاريخ القديم وخصوصاً في أبحاثه في أنساب العرب والبربر في المغرب والأندلس وله في الفن نفسه "نقط العروس في تواريخ الخلفاء" و"رسالة في فضل الأندلس" وفيها صفحة رائعة في آثار الأندلسيين الأدبية والعلمية ولكي يفيد غيره من اختباراته الكثيرة التي جمعها من حياته السياسية المليئة بالدروس النفسية والملاحظات الأخلاقية والعبر وضع رسالة عرفت سماء مختلفة منها: "أخلاق النفس” و”كلمات في الأخلاق” و”كتاب الأخلاق” والسير في مداواة النفوس” ونأتي إلى أشهر كتبه "طوق الحمامة في الألفة والآلاف" وكان أول تصانيفه ـ وكان بعد في الرابعة والثلاثين من عمره، مُقيماً بشاطبة ولم يكن قد اعتزل السياسة بعد ولا تعمق في دراساته الفقهية وفي هذا الكتاب فصّل كل ما ذكر ومثّل عليه بأخبار المحبين وأشعارهم مع نماذج من شعره نفسه وأكثر مواده مستمدة من اختباراته الخاصة واختبارات معاصريه، فأتى الكتاب صورة واقعية صريحة واضحة لشخصيته ولحياة عصره من الناحية العاطفية ونال شهرة واسعة في الشرق والغرب وتعددت الأبحاث فيه وشنرت نماذج منه وترجم إلى الألمانية والإيتالية والإسبانية والفرنسية والإنكليزية، وهو يقع في ثلاثين باباً تكاد تكون جامعة مانعة في هذا الموضوع الحيوي الجدّي: الحب.

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل