|
اللوذ من القبور إلى القبور
فاطمة الزهراء مجبير
الحوار المتمدن-العدد: 1917 - 2007 / 5 / 16 - 10:42
المحور:
الادب والفن
إن القبور التي تسكن دواخلنا هي أشد ظلمة من التي تدفن فيها العظام التي تشرب المطر و تستف الثرى، إنها ظلمة تجتث أحلامنا و تجثم عليها حتى تضيق، و يستحيل وصول الضوء لها. و هنا سنفرق بين الذي يصنعها بداخلها، و الذي تصنع بدواخلنا. و سنجد أنفسنا أمام الصانع لا نملك سوى أن نرسم ملامح الرخوة للرجل الشرقي، إنه تراكم معقد لعدة سنين خلت حقا من صحاري بدأت معه بالصيد و الإلتهاف وراء الفرائس و نثر شعره الذي يصعد به مكبوتا ته، و تستعد عشيرته النسائية في استنفار تام تخدمه و تسهر على راحته، و هو يهمهم برأسه المثقل بوساوس الدنيا و الآخرة مجتمعة تدور في فلكه هو، و ليس مع الآخرين. فاستمر به الحال هكذا حتى ظهور الإسلام الذي صنع منه إنسانا متصالحا مع نفسه يشاء فيفعل، يصنع فيعمر و يتوحد مع روحه في ديباجة حريرية نقية ألا و هي نفسه، و لكن بمجرد خروجه من هذه المحطة الروحية إلا و تدفق الدم الساخن من جديد في عقله المريض، و ألصقه بالنفحة الترابية التي تحط به إلى أصقاع الأرض و تشده نحو التقاليد البالية و المعتقدات القبلية. فصار في العصر الحالي،و هنا سنذكر المرأة لانسلاخها عن الجماعة، و بداية و عيها بذاتها الفردية، و تصالحها مع مفاتنها و شعورها بأنها ليست رجلا ناقصا بل امرأة كاملة بخصوصيتها الأنثوية المتفردة بها.سيظهر هو الرجل ليحمل معه قبور الوئد و خيام الرايات الحمر و عاشقاته، وطرا بيش الطابوهات التي يفرضها و لا تفرض عليه. ليعاني من شيزوفرينيا مخيفة فهو المثقف المتخلف، هو الديكتاتور الديمقراطي و هو العاشق الذي لا يؤمن بالعشق.
و هنا سيقع الصدام الكبير عندما تحس المرأة بنبل و قداسة العشق و الحب،و أن تلك اللحظات الوجدانية ما هي إلا عنفوان و جداني صارخ تشكل فوق خريطة جسدها، و يراقبها هو بعينيه التي لا ترى سوى الجسد، لا ترى سوى الرذيلة، لا ترى في الحب و العشق سوى ساعات تنقضي باعتبارها جزء من ماض سحيق يجرجره بعقله، و يدكه تحت غرائزه، فيحطم جميع وسائل الحوار معها خاصة فيما يتعلق بالزوجة، الابنة، الأخت، و كأنها صنف ثالث من البشر خلقت لوظيفة واحدة، و هي احترام صلة القرابة التي تحكمه بها. و للخروج من هذه الوضعية التي تقتل الرجل أولا و تصنعه قبرا مخيفا مظلما تكاد ظلمته تستولي عليه و تبلع كل ماهو جميل و رفيع في خصوصية رجولته الأنيقة الاأنانية، التي لا تكتمل سوى بوجود امرأة تخرج من دور الضحية و تضيء مدن الصمت و تخرجها منها، و تحطم جدران القبور التي تقيده و تقيدها في مؤسسات اجتماعية، لم تخلق إلا لتفسد كل ماهو جميل في الحياة. ليعرف الرجل أخيرا أنه لولا تاء التأنيث لما كان للتذكير معنى.
#فاطمة_الزهراء_مجبير (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قهوة مساء
-
طفل لطخ وجه العالم بثرى شعره ورجل دفن بأضلعه امرأة...ليرحل
-
البوح الصغير
المزيد.....
-
عبد الرحمن بن معمر يرحل عن تاريخ غني بالصحافة والثقافة
-
-كذب أبيض- المغربي يفوز بجائزة مالمو للسينما العربية
-
الوثائقي المغربي -كذب أبيض- يتوج بجائزة مهرجان مالمو للسينما
...
-
لا تشمل الآثار العربية.. المتاحف الفرنسية تبحث إعادة قطع أثر
...
-
بوغدانوف للبرهان: -مجلس السيادة السوداني- هو السلطة الشرعية
...
-
مارسيل خليفة في بيت الفلسفة.. أوبرا لـ-جدارية درويش-
-
أدونيس: الابداع يوحد البشر والقدماء كانوا أكثر حداثة
-
نيكول كيدمان تصبح أول أسترالية تُمنح جائزة -إنجاز الحياة- من
...
-
روحي فتوح: منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطي
...
-
طرد السفير ووزير الثقافة الإيطالي من معرض تونس الدولي للكتاب
...
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|