أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جمال الدين بن عبد الجليل - اكتشاف الهوية الجديدة














المزيد.....

اكتشاف الهوية الجديدة


جمال الدين بن عبد الجليل

الحوار المتمدن-العدد: 1909 - 2007 / 5 / 8 - 08:17
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    



تكررت أمامي في أكثر من مناسبة، مواقف تردّدت فيها جملة بصيغ عديدة، جملة يكررها عرب (رجالا و نساء) يقيمون و يعيشون منذ سنوات، وأحيانا كثيرة منذ عدّة عقود في بلاد المهجر (خاصة في أوروبا) حيث استقرّوا وأنجبوا فيها البنين و البنات و يقومون على تربيتهم، هذه الجملة التي حيّرتني في البداية، في فهم مقصود ( و ليس بالضرورة منطوق) قائلها و الحالة التي تدفعه إلى هذا القول، مفادها : هنا فقط اكتشفت أنّني مسلم أو مسلمة ، أنّني شيعي أو شيعية، أنّني سنّيّ أو سنّيّة ، أنّني مسيحيّ أو مسيحيّة، أنّني و أنني...
ما أثارني في هذه الجملة التقريرية، هو الربط الواضح ما بين المكان و الفعل و النتيجة. في الحقيقة إنّ الكثيرين من المصرّحين بمثل هذا المقال هم في غالب الأحيان من القادمين من مجتمعات عربية تعددية ، متنوّعة الأديان والإثنيات، وهم في الغالب تجدهم يُثنون ويتذكّرون بإيجابيّة (تبدو لي أحيانا مبالغا فيها) على ما كانوا يعيشون فيه من وئام و تعايش اجتماعي على اختلاف مللهم و مرجعياتهم الدينية و المذهبية، و هذا أمر أعتقد أنّه في الغالب صحيح، إذ أنّ التركيبة الفسيفسائية التعددية و المتنوّعة لمجتمعات المشرق العربي خاصة، هي متأصّلة وقديمة قدم نشوء هذه المجتمعات ، وواقع الحال أنّها ما زالت هكذا إلى يومنا هذا، فإنّه يشهد لهذه الشعوب على قدرتها على التعايش على الرغم من الاختلاف فيما بينها اختلافا لم يمنعها من تشكيل هويّة جمعيّة مشتركة ظلّ الاختلاف المذهبي و الإثني داخلها أمرا طبيعيا، ولم يكن أبدا عاملا يحاول التفرّد بتعريف الهويّة تعريفا حصريّا ماهويّا نقيّا مطهّرا من الشوائب الأخرى المجاورة له. هذا الأمر كان و مازال هو السائد على مستوى اجتماعي تاريخي منذ القدم.
إنّ الاكتشاف الجديد للهوية و الذي يصل إليه البعض أحيانا بشكل فجائيّ، بعد سنين من الغربة و الاغتراب، في المكان و الثقافة و الذات الجماعية، يعبّر عن الرغبة في تقمّص شكل وجود وتبنّ لهويّة، مرتبط بواقع الغربة و الهجرة و العلاقات السائدة فيه الذي يعيشه المغترب أكثر من ارتباطه بالبلد الأصلي. هو على الأغلب سعي للتعبير عن موقف تجاه مجتمع الهجرة الذي تتّسم العلاقة معه بالتوتّر وعدم القبول المتبادل، وهو سعي لتحقيق هويّة عجزت عن نيل الاعتراف اللاّئق و المطلوب وبقيت تحمل داخلها إحساسا متزايدا بالغُبن والتجاهل من طرف مجتمع الهجرة. إنّ التقمّص لهويّة جديدة على هذه الصورة يمنح الاحساس بولادة جديدة على درجة من الطُّهر و التطهُّر و النقاء و الصفاء مقابل واقع نجس شديد التعقيد يرفض أن ينصاع للفهم البسيط، والإدراك السطحي له ويسبب دوما الاحساس بالنقص و بالعجز تجاهه، وتمنح هذه الهوية الجديدة صاحبها فرصة اقتناص معنى أرقى لوجوده يوفّر له إحساسا و لو ذاتيّا بالتفوّق و بالأفضليّة حتى و لو كان الواقع الموضوعي على خلاف ذلك.
فاللاّفت للنظر أنّ الكثيرين ممّن كانوا في مجتمعاتهم غيرمتديّنين مثلا أو من ذوي التديّن العادي الشعائري الغير مبالغ فيه يتحوّلون في مجتمع الهجرة بعد سنوات من الغربة و الاغتراب إلى متديّنين شديدي التديّن حيث يصير الدين لديهم الحامل الأوّل بل الوحيد أحيانا للهويّة المكتشفة الجديدة، و يلعب التديّن هنا دورا بالغ الأهمية في التعبيرعن الهوية الاجتماعية و التموضع داخل فئة المتدينين على هذه الشاكلة التي يتحقق فيها الانتماء الجديد بعد تعذّر تحقق الانتماء للمجتمع الكبير. إلى هذا الحدّ يمكن اعتبار هذه الظاهرة إحدى تداعيات تجربة الهجرة و الاغتراب في المجتمعات الأوروبية والتي تعود أيضا إلى سياسات الهجرة و الاندماج المتبعة فيها. وتزيد الأمور تعقيدا عندما يحاول هذا المغترب المتقمّص للهوية الجديدة المكتشف لها حسب قوله عندما يحاول تقديم تفسيرات و قراءات لواقع مجتمعه الأصلي، المنقطع عنه حسب تشكّل هويّته الجديد، فيسقط على ذلك تجربته الذاتية التي هي نتاج صيرورة هجرة و اغتراب مشحونة بتجارب و مشاعر لا تخلو من التوتّر و حتى التناقض أحيانا. فتصير الهويّة الجديدة الضيقة هي منظار التحليل و التقييم لمجريات الأحداث و يصبح أن تكون مسيحيّا، مسلما، سنّيا، شيعيّا، علويّا، آشوريّا، كلدانيّا... عاملا حاسما في اتخاذ موقف سياسي أو في تقديم تحليل لأوضاع اقتصادية، اجتماعية، ثقافية تاريخية و حتى نفسية شديدة التعقيد. الخطير في الأمر على ما يبدو أنّ هناك من يحاول أن يراهن على تشكّلات خطاب و محاولات سياسية على هذه الصفة المكرّسة للوعي الأقلّياتي الطائفي، الذي هو في الحقيقة نتاج مجتمع الغيتو والاغتراب في أوروبا لتسويقها في بلدان المشرق العربي خاصة فيجد نفسه يعاني اغترابا مضاعفا في كلا الواقعين.
إنّ تجربة ما يسمّى بنقل من كانوا سابقا روّاد نوادي ومقاهي المهاجرين في الشتات الأوروبي، إلى كراسي السلطة من خلال المثال العراقي، قد جعلت البعض يبذل قصارى الجهد لاستنساخ هذا الجزء من التجربة العراقية، ففتحت شهياتهم لذلك وأغرقت خيالاتهم في تصوّر و تصوير ما يمكن أن يكون، فيما لو كان لهم ما يشاؤون، سواء في قراءة الواقع أو توقّع المستقبل. إن سماسرة و مسوّقي الأسهم في بورصات الأطروحات الطائفية و الديماغوجية الضيقة و القصيرة النظر، يبحثون جاهدين عن المتلقّفين لما يعرضونه من مشاريع في ظاهرها الخلاص و في باطنها العذاب.
د. جمال الدين بن عبد الجليل



#جمال_الدين_بن_عبد_الجليل (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في العلاقة بالتراث و الموروث و التاريخ
- التابو المسكوت عنه
- بين السؤال و الجواب
- الفرد و الجماعة و المجتمع
- قراءة الواقع و قراءة النصوص
- الأفكار و التفكير
- عَقْل و عِقَالٌ


المزيد.....




- السعودية.. ضجة وفاة -الأمير النائم- بين تداول تصريح سابق لوا ...
- مصر.. رد علاء مبارك على تعليق ساويرس عن عمر سليمان نائب حسني ...
- سوريا.. السفارة الأمريكية بعد لقاء مع مظلوم عبدي: الوقت قد ح ...
- أسرار الحياة المزدوجة لـ-السلطان- زعيم المخدرات المولع بالبو ...
- هجوم على النائب العربي أيمن عودة.. كسروا زجاج سيارته وبصقوا ...
- بالفيديو.. الجزيرة نت داخل سفينة حنظلة المتجهة لكسر حصار غزة ...
- إسرائيل تستهدف صيادين حاولوا دخول بحر غزة
- تداول فيديو لـ-الشرع بين أنصاره على تخوم السويداء-.. ما صحة ...
- وزير الدفاع الإسرائيلي يشيد بعملية -مطرقة منتصف الليل-
- العشائر السورية تعلن إخراج كافة مقاتليها من السويداء


المزيد.....

- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جمال الدين بن عبد الجليل - اكتشاف الهوية الجديدة