أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - محمد بن سعيد الفطيسي - الدبلوماسية القائمة على الإكراه















المزيد.....

الدبلوماسية القائمة على الإكراه


محمد بن سعيد الفطيسي

الحوار المتمدن-العدد: 1895 - 2007 / 4 / 24 - 12:23
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


الدبلوماسية القائمة على الإكراه, مصطلح غريب ودخيل على أخلاقيات الفكر السياسي والدبلوماسي الحقيقي, حيث إننا تعودنا دائما في عالم السياسة أن نفهم مصطلح الدبلوماسية على انه العمل الذي يقوم على الإصلاح والتسوية السلمية, وهو الوسيلة الأنسب لحل جل النزاعات السياسية والخلافات الدولية بالطرق اللينة, وذلك من اجل الابتعاد عن الأعمال القائمة على العسكرية والسياسة الصلبة والعنف السياسي وسياسة الإكراه, وكل ذلك كي يبقى العالم في حالة من الاستقرار والرخاء واللذين لا يمكن أن يكونا مع الحرب والقوة, ولكن ـ المؤسف ـ انه قد تغير هذا المفهوم الأخلاقي لأدبيات السياسة الدولية, واستخدم بطريقة جديدة وغير صحيحة, بل أصبح أشبه بسياسة الردع المضاد للدبلوماسية والقائم على الغلظة والابتزاز السياسي وإرهاب الحوار ومنطق القوة ولي الذراع وسياسة العصا من غير جزرة وازدواجية المعايير السياسية.
وبمعنى آخر قد تحولت إلى ما يمكن أن نطلق عليه (بدبلوماسية الإكراه), وهذا ما نلاحظه اليوم في تعامل بعض الدول الكبرى كالولايات المتحدة الاميركية على سبيل المثال في علاقاتها السياسية والاقتصادية مع العديد من الدول والشعوب, مع العلم بان أسلوب الدبلوماسية القائمة على القوة قد أصبح مهيمنا على السياسة الخارجية الاميركية في الآونة الأخيرة, بل وأصبح له مؤيدين كثر من صناع القرار السياسي الاميركي وبشكل ملفت للنظر, وبالتالي فان الرؤية السياسية الاميركية لمثل هذا النوع من الاستراتيجيات قائم على تبني رسمي له, بل وهناك مساع كثير من اجل (إعادة الحياة إليها جنبا إلى جنب مع الدعم الشعبي المتنامي لدبلوماسية أكثر تشددا تعزز من مواقع صانعي القرار السياسي المستعدين, في أي أزمة محددة لتحدي الدعوة إلى الإحجام عن اللجوء إلى القوة العسكرية إلا في حالة الضرورة القصوى).
كما قامت بإعادة إحيائه بعض دول الاتحاد الأوروبي على خلاف الولايات المتحدة الاميركية في تعاملها السياسي والدبلوماسي مع الدول الصغرى والنامية وخصوصا دول (الشرق الأوسط), وقد برز تطبيق هذا الاتجاه السياسي على سبيل المثال مع الحكومة الفلسطينية في الآونة الأخيرة, وذلك من خلال قطع المعونات المادية التي كانت تضخ إليهم سابقا في حال لم تعترف منظمة حماس والتي وصلت بطريق الانتخابات الحرة والمباشرة إلى تلك السلطة إن هي لم تعترف بإسرائيل كدولة وشريك في العملية السلمية, كذلك برفض تلك الدول لامتلاك الجمهورية الإيرانية للطاقة النووية مع الصمت المتواصل على الترسانة النووية الإسرائيلية, وسابقا في تعامل دول الناتو مع أزمة إنقاذ (ترويض) كوسوفا في العام 1999م, وعن هذه الناحية فقد استخلص ابرز كاتبين قاما بدراسة وتحليل الظاهرة الدبلوماسية القسرية في حرب كوسوفا ووضعا توصيفا لشكلها الحقيقي من الناحيتين السياسية والاستراتيجية ما يلي:
إن استراتيجيات القصف والدعاء والصلاة جنبا إلى جنب مع الميل إلى الاكتفاء بخفض مستوى القدرة العسكرية لخصم معين بأنماط غامضة ومحدودة ولا تنطوي عموما إن انطوت إلا على قليل من التأثير الاستراتيجي في أولئك الذين نسعى إلى ممارسة النفوذ عليهم... وبالتالي فان الحاجة إلى استخدام فعلي للقوة تتزايد مثلها مثل كمية القوة الضرورية في آخر المطاف لبلوغ الأهداف المرجوة.. وبعبارة أخرى ليست دبلوماسية الإكراه فكرة جيدة على الإطلاق حين لا تكون مسنودة إلا بتهديدات ضعيفة.
كما برزت كذلك تلك السياسة القائمة على القوة ولي الذراع في طريقة تعامل الولايات المتحدة الاميركية مع أزمة الملف النووي الإيراني وذلك من خلال ازدواجية معاييرها السياسية وضغطها المستمر على جل الدول المعنية بهذه القضية وخصوصا الدول المؤثرة كروسيا من خلال تدخلاتها المستمرة في شئونها الداخلية والخارجية إن هي لم تتساعد وتكون في الصف الاميركي في توجهاته القادمة والقائمة تجاه إيران, و(ابتزازها) لتركيا من خلال رفضها لأي تدخل تركي بالعراق إلا بشرط التعاون التركي التام وغير المشروط في حال وجهت الولايات المتحدة الاميركية ضربة عسكرية للجمهورية الإيرانية, وكان لسان حال الولايات المتحدة الاميركية يقول: نحن لا نرفض تدخلكم في القضية الكردية بأي شكل من الإشكال وبمختلف الوسائل التي ترونها مناسبة, لأننا ننظر إليها من الناحية الإنسانية أو السياسية أو القانونية ولكنها المصلحة أولا, والمصلحة أخيرا ونحن مستعدون للتنازل والصمت عنها في حال تعاونتم معنا سياسيا وسياديا لضرب الجمهورية الإيرانية التي أصبحت هذه الأيام من وجهة النظر الاميركية الشوكة المميتة في خاصرة السياسة الخارجية للإمبراطورية الاميركية.
كذلك بالتدخلات الاميركية المستمرة في الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي واستخدام حق النقض (الفيتو) على كل كبيرة وصغيرة قد تمس سلامة وسياسة (المشاعر الحساسة) للحكومة الإسرائيلية, والضغوطات المتواصلة على الجمهورية العربية السورية ولبنان والسودان ودول عديدة في مختلف أرجاء العالم بذريعة نفس القانون وتحت مسميات الديمقراطية وحفظ السلام وحقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب, وغيرها الكثير من الوسائل التي تنطوي تحت مسمى الدبلوماسية الصلبة أو سياسة الإكراه بطريقة القانون الجديد الذي تتسيده بعض القوى العالمية الكبرى.
وقد قمنا باستقراء أدبيات هذا النوع من السياسات الخارجية الحديثة فوجدناه يعود إلى ما قبل حرب فيتنام ويعود في أصله الأدبي إلى عدد من الباحثين والمحللين السياسيين المعاصرين كتوماس شلنغ وهيرمان كاهن وروبرت اوزغود وهنري كيسنجر وهو نوع من الاعمال الفكرية السياسية الاستراتيجية القائمة على (التهديد بالقوة واستخدامها كجزء لا يتجزأ من المساومة الدبلوماسية, كما لو كان هذا التهديد (العصا) المكملة (للجزرة) في جعبة أدوات الإغراء لدى هذا البلد أو ذاك.. كما يميل الباحثون المعاصرون المهتمون بالدبلوماسية القسرية إلى تأكيد مطباتها جنبا إلى جنب مع نقاط قوتها الكامنة فيها).
وقد يكون هذا النوع من الدبلوماسية ليس بجديد في عالم السياسة المعاصرة ـ أي ـ أننا لا نستطيع أن نقول بأنه نتاج الأحداث السياسية الراهنة وتطوراتها, فقد استخدم قبل ذلك أثناء الحرب الباردة (أزمة الصواريخ الكوبية) مع الاتحاد السوفيتي, مع التأكيد كذلك على أننا لا نستطيع أن نقول بأنه قد اثبت نجاحه أو فشله, فقد كان العالم واقعا تحت رحمة دولتين نوويتين كادتا أن تتواجها لولا رحمة الله بهذا العالم, وفي اتجاه آخر فإننا نستطيع أن نقول بان هذا الأسلوب قد استطاع بوجود الدعم الكامن في قوة الردع النووية من ارضاخ جميع دول النزاع إلى الركون إلى الحوار والهدوء, أما حديثا فقد برز وبأشكال عديدة ومختلفة وخصوصا خلال السنوات الماضية في كثير من المواقف السياسية الدولية وخصوصا بعد أعقاب حرب الخليج وأحداث الحادي عشر من سبتمبر مع العديد من الدول ذات الشأن وغيرها, ولكن الجديد هو في تطبيق هذا المفهوم السياسي وبأن تستخدم الدبلوماسية بهذه الطريقة غير القانونية والملتوية وتحت ذرائع (ما انزل الله بها من سلطان), وان تكون الأهداف من وراء هذا النوع من الاستراتيجيات السياسية هو المصلحة الفردية للدول الكبرى وليس المصلحة العامة للدول والشعوب المعنية بهذه القضايا.
وختاما فإننا نستطيع أن نؤكد بان ظاهرة استفحال الدبلوماسية القائمة على القسرية والمبنية على القوة ستستمر لوقت ليس بالقصير في ظل التغيرات الدولية ذات الاتجاه العالمي نحو تبني لهجة الحوار بالقوة في التخطيط الاستراتيجي للحوار السياسي المستقبلي على مستوى السياسة الخارجية الدولية بشكل عام, والاستراتيجية الأميركية بشكل خاص لتغيير خارطة العالم لمواكبة رغباتها وطموحاتها الامبريالية, والمرعب في الأمر بأننا نتخوف من جرها لدول أخرى لتبني نفس المعايير المزدوجة في سياستها الخارجية, وبالتالي فإننا نخلص إلى نتيجة واحدة وهي.. أن ملامح الحروب والنزاعات المسلحة إقليميا ودوليا ستبقى تلوح في الأفق مما يجعل واقع ومصير الأنظمة والكيانات الهشة يسير نحو نفق مظلم.
محمد بن سعيد الفطيسي
كاتب وباحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية
سلطنة عمان



#محمد_بن_سعيد_الفطيسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- علم التحليل السياسي بين الإخفاق والإهمال العربي
- العالم في مواجهة الإرهاب النووي
- ظلم الديكتاتورية أم فوضى الديمقراطية؟
- إلا حق العودة للوطن الفلسطيني
- نحو سيناريو شبيه للحرب الباردة
- الحتمية التاريخية للصراع الجيو استراتيجي على العالم
- الفوضى , الاداة التي ستنهي العالم وتدمر الحضارة
- معوقات الدبلوماسية وإدارة الأزمات الدولية
- المتسللون من خلف الخطوط الحمراء
- السياسة بين الأخلاق والقانون والإرهاب
- الظواهر السياسية الحديثة وأثرها على العلاقات الدولية
- العودة إلى جذور العهود الكلاسيكية للسياسة
- تأملات في البناء الإنساني للسياسة الدولية الحديثة
- حتى لا نسقط جميعا في عالم فوضوي
- السلام الإسرائيلي الدامي في الشرق الأوسط
- السياسة الدولية ومبدأ التدخل الإنساني
- فصول الخوف
- الفوضوية ... استثنائية جديدة في متناقضات السياسة الدولية
- الإرهاب من النظرية السياسية إلى العلاج الأمني


المزيد.....




- صياد بيدين عاريتين يواجه تمساحا طليقا.. شاهد لمن كانت الغلبة ...
- مقتل صحفيين فلسطينيين خلال تغطيتهما المواجهات في خان يونس
- إسرائيل تعتبر محادثات صفقة الرهائن -الفرصة الأخيرة- قبل الغز ...
- مقتل نجمة التيك توك العراقية -أم فهد- بالرصاص في بغداد
- قصف روسي أوكراني متبادل على مواقع للطاقة يوقع إصابات مؤثرة
- الشرطة الألمانية تفض بالقوة اعتصاما لمتضامنين مع سكان غزة
- ما الاستثمارات التي يريد طلاب أميركا من جامعاتهم سحبها؟
- بعثة أممية تدين الهجوم الدموي على حقل غاز بكردستان العراق
- أنباء عن نية بلجيكا تزويد أوكرانيا بـ4 مقاتلات -إف-16-
- فريق روسي يحقق -إنجازات ذهبية- في أولمبياد -منديلييف- للكيمي ...


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - محمد بن سعيد الفطيسي - الدبلوماسية القائمة على الإكراه