أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - يوسف هريمة - التنوع الثقافي والتنمية المنشودة















المزيد.....

التنوع الثقافي والتنمية المنشودة


يوسف هريمة

الحوار المتمدن-العدد: 1881 - 2007 / 4 / 10 - 11:19
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


أصبح عالم اليوم عالما صغيرا، بحكم الوتيرة المتسارعة لمسلسل العولمة، وبحكم التقارب الكبير بين بلدان العالم نتيجة الثورة الهائلة في ميداني التكنولوجيا والبحث العلمي. غير أن هذا التقارب الإيجابي والتماسك العالمي، يكاد يكون وهما في أذهان من يتطلعون إلى وحدة الشعوب والتحامها بعضها البعض، إذا ما نظرنا إلى خطورة مثل هذا التنميط الذي تساهم في بناء قواعده عولمة ثقافية، لا تراعي الخصوصيات ولا تؤمن بالتكامل الثقافي للشعوب.
إن انطلاقتنا من هذا المعطى الهام في بنية العولمة المعاصرة، يهدف بالأساس إلى وضع اليد على الداء الذي يمكنه أن يأتي من مثل إذابة الفوارق والخصوصيات الثقافية، وكذا تنميط الناس بشكل لا يحترم أشكالهم الثقافية اختلف معها الناس أو اتفقوا. وهو وضع خطير يمكن التنبؤ بعواقبه من خلال الوقائع والأحداث المعاصرة بمختلف مستوياتها.
والثقافة من هذا المنظور جزء لا يتجزأ من حياة الناس، فهي تعبير عن إنسانيتهم بكل ما تحمله الكلمة من معنى. فعَبْرَها تُكَرَّس أنماط التفكير، وتُؤسَّسُ الرؤى والاتجاهات في مختلف المستويات الحياتية للإنسان. وبالتالي فأيُّ مَسَاس بهذا المكوِّّن الأساسي في حياة الإنسان، هو مساس بشكل أو بآخر بهذا الجزء الأصيل المرتبط بإنسانيته.
وانطلاقا من هذا التصور لأهمية الثقافة في حياة الإنسان، نعتبر أن من حق كل إنسان أن يُعبِّر عن هذا الثراء الإنساني والغنى الثقافي، دون أن يشعر في لحظة من اللحظات أن كيانه الثقافي مهدد، أو يجد نفسه محاصرا، عَبْر مجموعة من السياجات المعيقة للممارسة الحرة لأي كيان ثقافي دون جبر أو إكراه. وهو تصور نابع من أن أيَّ تنمية لا تراعي في حسبانها البعد الثقافي للإنسان، هي تنمية بتراء لا تستطيع أن تَبلُغَ مبلَغَها من الناس، ولا أن تحقق أيًّا من مطالبهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية. إذ البعد الثقافي في المقاربة التنموية ركيزة أساسية تمكِّنُ الناس من توسيع نطاق خياراتهم، وممارسة مواهبهم وطموحاتهم، دون الإحساس بالتضييق والإكراه. فنخرج بالتنمية البشرية من المقاربات الأحادية رغم أهميتها، إلى عالم رحب تصبح فيه التنمية عملية توسيع الخيارات بما فيها الحريات الثقافية، ويصبح البعد الثقافي بعدا إيجابيا وعاملا رئيسيا في النهوض بالأمم بدل تأخرها وتخلفها.
ولنحاول الآن أن نشرح بعض ملامح الدور الذي يمكن أن تلعبه التعددية الثقافية في مجال تقدم الشعوب وتنميتها، والحد من كل الأسباب المساهمة في إيقاف عجلة التقدم والمشاركة الفعالة في عالم اليوم. وذلك عبر النقاط التالية:
*- التنوع الثقافي مدخل للسلام العالمي:
إن الناظر إلى أحداث عالمنا المعاصر، يجد أنها أحداث يتركز البعد الثقافي بشكل كبير في إدارة مجرياتها. إذ الإقصاء الثقافي وعدم احترام الجانب الإنساني في تركيبة الإنسان الثقافية، لا يمكن أن ينتج إلا نوعا من الحقد الدفين، والعداء المُضْمر لثقافة الآخر المحتكرة، أو غير المراعية للخصوصيات الثقافية للشعوب والأقليات.
ومن هذا المنظور فإن أيَّ مقاربة لا تراعي التنوع الثقافي، هي مقاربة فاشلة بالضرورة، إذ أن مآلها آجلا أم عاجلا الاندثار والموت البطيء، لأنها تحمل بوادر موتها من خلال احتضانها بشكل من الأشكال لأسباب العنف وعدم الاستقرار واستحالة العيش المشترك. وقد قلت في مقال سابق بأن قضية السلام قضية محورية في عملية التنمية المستدامة، إذ لا يمكن الحديث عن تنمية دون هذا العامل الأساسي، فالتنمية تحتاج إلى مناخ من الاستقرار والأمن من أجل تعبئ الموارد لتحقيق التنمية. ومن هذا المنطلق كانت جهود الأمم المتحدة تَنْصَبُّ حول حفظ السلام العالمي، الذي يضمن جوا ملائما لمسيرات تنموية في بقاع الأرض. غير أن تحقيق هذا المبتغى، ظلََّ رهين مجموعة من الاعتبارات، لعل أهمها صيانة الحريات الثقافية. فأيُّ تصور يريد قمع الحريات، وقولبة الإنسان في قالب واحد دون احترام عوامل اللغة والعرق والدين، يكون مآله الفشل والتشرذم والتنازع في تحقيق التنمية. وهذا ما حدث بالفعل في الكثير من الدول التي حاولت فرض توجه واحد لا تراعي فيه هذه الخصوصيات الإنسانية. فالتنمية البشرية تتطلب إلى جانب تحقيق الشروط الأساسية لإنسانية الإنسان، الاعتراف بحرية الناس الثقافية وحقهم في انتمائهم الديني، وتضع حدا لكثير من الاضطرابات السياسية التي تتسبب في خلخلة السلم الاجتماعي وعرقلة عملية التنمية البشرية.

*- الإقرار بالتنوع الثقافي:
وهذه نقطة مفصلية داخل هذا المقال المختصر، فلا يمكن أن نتحدث عن مناخ ملائم وجوٍّ من الاستقرار السلمي، إلا في ظل إقرار حقيقي بحق كل إنسان أن يُعبِّر عن مكوِّنات ثقافته والغنى في تركيبته الثقافية دون ضرر أو ضرار. وهو أمر لا تكفي فيه النيات الحسنة، أو الندوات الفارغة المحتوى هنا أو هناك. وإنما هي نظرة متكاملة لهذا المشروع المجتمعي والإنساني، عبر نشر القيم الديمقراطية والتشاركية لإدارة الشأن العام، وعَبْر منظومة تشريعية تحفظ لهذا الغنى الثقافي وجوده واستمراره، من أجل خلق جوٍّ إنساني ينعم فيه الإنسان بالحياة الكريمة على جميع المستويات.
كما ينبغي محاربة سياسة الإقصاء الثقافي، التي لم تأت لشعوب العالم إلا بالمشاكل المتتالية والصراعات الجماعية، وتعويضها بالتعددية والتنوع قولا وفعلا في الممارسة الديمقراطية. لأن الإقرار بالحريات الثقافية ضرورة آنية يفرضها الواقع المتعدد لشعوب العالم. ولهذا فمن الطبيعي أن يكون لهذا الغنى الثقافي الحق في أن يمارس حريته، في اختيار دينه أو لغته أو تراثه دون جبر أو إكراه. أما سياسة الاتجاه الواحد وسياسة الأكثرية، فلن يكون مآلها إلا فشل المسيرات التنموية، للعديد من الدول وخلق أجواء من الاضطرابات والصراعات الاجتماعية، التي تحول دون بلوغ التنمية المنشودة.
*- التنمية والمقاربة الشاملة:
لعل المقاربات السابقة للتنمية، لم تأخذ في حسبانها المُكَوَِّن الثقافي في المسيرة التنموية للشعوب. وهذا لم ينتج في الحقيقة إلا تنميات محدودة الأفق سرعان ما تنهدم، لأن الجو الذي لا يراعي الخصوصيات الثقافية، هو جوٌّ ملغوم سرعان ما ينقلب سلبا على المسيرات التنموية. إذ كما أكدنا سابقا هناك علاقة وثيقة بين المكوِّن الثقافي، وبين التنمية البشرية وفق المنظور الجديد لمفهوم التنمية، المتجاوز للأفق الاقتصادي الضيق. والسياسة التي تؤمن بالتنوع الثقافي وحق الإنسان في ممارسته بشكل طبيعي، هي وحدها الضمان للجوِّ السلمي والتعايش المشترك، بعيدا عن الروح العدائية والانتقامية. وهي الكفيل أيضا بالقضاء على أسباب الاضطرابات والتوترات، التي تؤدي إلى خلخلة النظم الاجتماعية، وزعزعة السلم الذي يعوق التنمية البشرية المنشودة.



#يوسف_هريمة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- علم مصطلح الحديث وتأسيس الثقافة الروائية
- الأديان ومستقبل الإنسانية
- نزول عيسى مسيانية يهودية مسيحية في قالب إسلامي
- القرآن الكريم والتسلط باسم الدين
- ثقافة الشيخ والمريد وأزمة الفكر الديني
- العواصم الثقافية ورهانات المستقبل
- النص الديني بين العلوم الشرعية والعلوم الإنسانية


المزيد.....




- “TV Toyour Eljanah”‏ اضبطها حالا وفرح عيالك.. تردد قناة طيور ...
- إنشاء -جيش- للشتات اليهودي بدعم من كيان الاحتلال في فرنسا
- بينهم 5 أمريكيين.. الشرطة الإسرائيلية تعتقل سبعة يهود حاولوا ...
- اضبط تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 لمشاهدة ممتعة لاحلي اغ ...
- لم تصمد طويلا.. بعد 6 أيام من ولادتها -صابرين الروح- تفارق ا ...
- -باسم يوسف- يهاجم -إيلون ماسك- بشراسة ..ما السبب؟
- إسرائيل تغتال قياديا بارزا في -الجماعة الإسلامية- بلبنان
- -بعد استعمال الإسلام انكشف قناع جديد-.. مقتدى الصدر يعلق على ...
- ماما جابت بيبي.. تردد قناة طيور الجنة الجديد الحديث على القم ...
- معظم الفلسطينيين واليهود يريدون السلام، أما النرجسيون فيعرقل ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - يوسف هريمة - التنوع الثقافي والتنمية المنشودة