أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - يوسف هريمة - النص الديني بين العلوم الشرعية والعلوم الإنسانية















المزيد.....

النص الديني بين العلوم الشرعية والعلوم الإنسانية


يوسف هريمة

الحوار المتمدن-العدد: 1756 - 2006 / 12 / 6 - 11:52
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


كان ولا يزال الدين، أحد أهم المظاهر التي رافقت مسيرة الإنسانية عبر مختلف محطاتها، واستمرت في مواكبتها لتطور المجتمع الإنساني، تصوغ لهذا الكائن الإطار النظري والمعرفي والعقدي، الذي سيشكل بشكل أو بآخر إطاره الوجودي، ضمن نسق الحياة والكون والطبيعة.
وانطلاقا من الأهمية القصوى التي يتبوؤها الدين في الفكر الإنساني، وحركة وجود الكائن البشري، عرفت بقاع الأرض على اختلاف مناطقها وتصوراتها ظاهرة الدين، باعتبارها جزءا لا يتجزأ من التركيب الإنساني، وموجها أساسيا من قريب أو من بعيد لمسار التاريخ والكون والطبيعة.
فالدين جزء لا يتجزأ من التركيب الإنساني، وموجه أساسي لمسار تاريخه، نحو البناء الحضاري، وعمارة الأرض والاستخلاف فيها:" هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها ". هذه الجدلية بين الإنسان والدين، هي علاقة دائبة نحو المطلق، ونحو استشراف المستقبل الإنساني، المتعارف والمنسجم في بوتقة التآلف والمحبة والإخاء.
إلا أنه بالرغم من الدور الذي يضطلع به الدين في البناء الحضاري والإنساني، فإن هناك مجموعة من الإشكالات والخلافات، في فهم النصوص الدينية، وحول الآليات التي يمكن من خلالها مقاربة النص الديني، حتى يستجيب لمطالب وطموحات العالم المعاصر، في ظل شبح العولمة المخيف، وفي ظل النظريات والفلسفات الرامية إلى إحداث الصدام بين الحضارات والثقافات، والمتنبئة بنهاية التاريخ المتجسد في عصر الهيمنة الأمريكية.
كل هذه الاختلافات والإشكالات المرتبطة بالنص الديني، أنتجها العقل البشري من خلال تعامله مع الظاهرة الدينية. فكل قراءة للنص الديني هي قراءة نسبية إنسانية، لا تعدو أن تكون مظهرا من مظاهر الجدلية القائمة بين الكائن البشري في أي زمان ومكان، وبين النص الديني المؤطر لهذا التفاعل الإيجابي.
وانطلاقا من هذه الإشكالية المتعلقة بمقاربة النص الديني، يأتي بحثنا ليطرح النقاش من جديد حول العلاقة بين الإنسان والدين من خلال النص الديني، الذي ظلت ما يسمى " بالعلوم الشرعية" تحتكر حق فهمه، ومراجعته، وتصادر أي تدخل أو فهم قد يعكر توجهها أو تخريجاتها.
ومن هنا يحق لنا أن نتساءل: هل العلوم الشرعية علوم تجاوزت ماهو نسبي بشري إلى أفق يجعلها بعيدا عن المساءلة والنقد؟ وهل يمكن أن نتحدث الآن عن موت هذه العلوم وعدم نجاعتها في مقاربة النص الديني؟.ألا يمكن أن نستعيض عن هذه العلوم المسماة بالشرعية بالعلوم الإنسانية وفق ما وصل إليه تطور العلوم في العالم المعاصر؟. وما هي معيقات تطبيق العلوم الإنسانية على النص الديني. هل يمكن أسلمة العلوم كما يحلو للبعض أن يقول؟. وكيف يمكن تطبيق العلوم الإنسانية على النص الديني؟.
كل هذه التساؤلات المشروعة في البحث العلمي النزيه، المتعالي على إكراهات الفكر الديني الجامد،- الذي يرى البحث في هذه المواضيع خروجا عن الدين، وهرطقة يستحق صاحبها اللعنة الأبدية- تدفع بنا إلى خوض التجربة من جديد، من أجل تعبيد الطريق أمام الإصلاح، ليخطو بجسارة في ظل ما هو نسبي إنساني.
من أجل ذلك نحاول تسليط الضوء على بعض جوانب هذا الموضوع الحساس من خلال النقاط التالية:
1- مفهوم العلوم الشرعية:
يحسن بنا ونحن نتحدث عن العلوم الشرعية، أن نلقي إطلالة على الجانب التاريخي لهذا المفهوم، من شأنها أن تعبد لنا الطريق، من أجل معرفة موضوعية وواضحة لكيفية نشأة هذه العلوم.
لقد كان التشريع زمن رسول الله يعتمد القرآن أساسا له، حيث كان الرسول يبين لهم به ما اختلفوا فيه من الأمر، ويجيب عن تساؤلاتهم ومشاكلهم:" ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا ".
وهكذا ظل القرآن الكريم ينزل مفرقا ليواكب إصلاح المجتمع، عبر هدايته للتي هي أقوم، وتثبيتا لقلب المصطفى من أن يدخله اليأس والقنوط:" وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا ". كان هذا هو القرآن الكريم ينشر رحمته بين الناس بلسان عربي مبين لا غموض فيه ولا إبهام، حتى وفاة الرسول الكريم، وانتقاله إلى لقاء ربه.
لقد مثلت وفاة الرسول حدا فاصلا، بين مرحلة كان القرآن الكريم هو الوحي الموحى به إلى الناس، وبين مرحلة ستتعدد فيها المصادر التشريعية. هذه المرحلة جسدها بشكل جلي عصر الصحابة والتابعين، لأسباب تاريخية وسياسية كان الدين طرفا مستغلا فيها من طرف هذه الفرقة أو تلك.
على أن الفترة التي ستشهد ظهورا لمصطلح العلوم الشرعية، هي مرحلة تابعي التابعين، إبان عصر التدوين الذي شهد توسعا حضاريا كبيرا، وحركة علمية ضخمة نتيجة احتكاك المسلمين بالأمم الأخرى، وانفتاحهم على الثقافات التي اعتنقت الإسلام. فكان لزاما في خضم هذه التطورات التي عرفها العالم الإسلامي، علوما استندت في أصولها إلى القرآن والسنة فكانت شرعية بذلك. وهذه العلوم جسدتها" الرسالة للإمام الشافعي "، والتي كانت بمثابة قواعد معلومة وملزمة ومحددة لممارسة الاجتهاد في النص الديني، وكفيلة بالحد من الفوضى التشريعية وبغية الانسجام التشريعي والعقدي.
إذن وبعد هذه الجولة المختصرة حول ظروف نشأة العلوم الشرعية، وخلفيات ظهورها نخلص إلى تحديد مفهوم لها:" العلوم الشرعية هي علوم استمدت قداستها من نصوص الشرع الإسلامي، كأصول الفقه والفقه وعلم القراءات...والتي من دونها لا يمكن مقاربة النص الديني، إذ هي عبارة عن قواعد وضوابط لاستنباط واستخراج الحكم".
2- مفهوم العلوم الإنسانية:
كانت بوادر ظهور مصطلح العلوم الإنسانية إبان عصر الأنوار. هذا العصر الذي شهد ثورة علمية منقطعة النظير، كان لها الأثر الكبير في تغيير مسار التاريخ الأوربي حتى وقتنا المعاصر. والمصطلح كان وليد ظروف تاريخية، مزرية عاشت في كنفها أوربا تحت الضغط الذي مارسته الكنيسة ورجالاتها، على الإنسان الأوربي حتى شمل التسلط الميادين كلها بما في ذلك العلمية منها.
لقد شكلت الثورة العلمية التي قاد مسيرتها كبار العلماء مثل كوبرنيك وغاليلو، نقطة تحول في تاريخ الفكر الديني الأوربي، إذ أصبحت الكثير من المسلمات الدينية آيلة للسقوط، نتيجة تصادمها مع مقررات العلم، وأصبح كيان الكنيسة مهددا بعدما كانت لها الكلمة الفصل في مختلف المجالات.
في ظل هذا الانتقال الخطير في الفكر الإنساني عموما، كان ميلاد العلوم الإنسانية إيذانا بميلاد مرحلة يتحول فيها الإنسان من ذات ومصدر للمعرفة إلى ذات موضوع لها. وللوصول إلى هذا المبتغى كان لزاما على الفكر الإنساني أن يتحرر من مجموعة من العوائق المعرفية التي وقفت وحالت حينا من الدهر دون تحقيق هذا الهدف، ومن جملتها:
*- الفكر الإسكاتولوجي( الأخروي): وكان هو السائد في الدراسات الإنسانية، التي كانت تستهدف بشكل كبير البحث عن طبيعة الإنسان الروحية، فهو مخلوق على صورة الله، وهو المجسد لإرادة الله على هذه الأرض، وطبيعة أخلاقه وحالته الأصلية، وغير ذلك...هذه المعرفة كانت تمتزج ضمن نسق يشمل المعارف كلها دون تمييز بينها، مما حذى بالمعرفة الإنسانية أن تعزل هذا الكائن عن موضوعات المعرفة الأخرى.
*- تسلط رجال الدين: وكان عائقا ابستومولوجيا كبيرا يحصر الحق في ما استقرت عليه المجامع والكنائس، ويحارب كل توجه مهما كان انتماؤه يخالف الأعراف الكنسية. فكان ظهور العلوم الإنسانية حدا فاصلا بين هذا التسلط الخطير باسم الدين، وباسم احتكار فهم الكتاب المقدس، وبين عالم نسبي إنساني ينظر إلى الأشياء بعين النسبية والموضوعية.
3- معيقات تطبيق العلوم العلوم الإنسانية على النصوص الدينية:
ورغم الدعوات المتتالية لمجموعة من المفكرين، لإخضاع النص الديني إلى المقاربة الإنسانية، من أجل فهم أعمق للأمور وفق ما وصلت إليه البشرية من علوم. فإن مثل هذه الدعوات تظل معزولة في ظل واقع يؤثر المقاربة الشرعية بسبب مجموعة من العوائق المعرفية ونجملها:
*- الإسلام دين استوعب الدين والدنيا: وهذا أحد أكبر العوائق المانعة، من اقتحام المعرفة الإنسانية إلى حقل النص الديني. وهي رؤية متعالية على الواقع ترى أن الله قد جمع في الدين علوم الأولين والآخرين، ولم يترك صغيرة ولا كبيرة إلى أحصاها، ففيه السياسة والاقتصاد والاجتماع... وبذلك فلا حاجة لعلوم إنسانية نشأت في أحضان الغرب لمقاربة النص الديني المقدس.
هذه الرؤِية المتحيزة التي عبر عنها الدكتور عبد الكريم سروش بالرؤية الأكثرية، أو التوقع الأكثري من الدين، هي التي أغنت المؤمنين عن أي مصدر آخر غير الدين.
بيد أن هذه النظرة بدأت تفقد مصداقيتها من خلال تكذيب الواقع التاريخي لها. والعلوم الإنسانية بمناهجها وآلياتها مستقلة عن الدين، وهي وليدة الفكر الإنساني يطورها وينميها حتى تستجيب لمطالبه الاجتماعية والاقتصادية والسياسية حسب الظروف والوقائع.
*- قداسة العلوم الشرعية:
لقد أحيطت العلوم الشرعية بقداسة جعلتها تتجاوز حدود الفكر المتزن، وما وصفها:" بالشرعية "، إلا تأكيدا على هذه القدسية التي تميزها عن غيرها من العلوم:" غير الشرعية". والخطورة في وصفها بالشرعية، هو الطابع الإطلاقي والشمولي الذي أصبحت تتميز به، والمخترق لحواجز الزمان والمكان، والمتناسي بأن هذه العلوم المسماة "بالشرعية"، هي نتاج فكر بشري وظروف تاريخية معينة.
والذي يجب أن يفهم هو أن العلوم الشرعية، ما هي إلا ثمرة تفاعل الإنسان مع الظاهرة الدينية. و مفاد هذه القضية المحورية في أي دين، هو أن أي رؤية للدين هي في جوهرها إنسانية نسبية يتساوى فيها احتمال الخطأ والصواب، وتتأثر بالعوامل المختلفة التي تشكل عقل الإنسان من زمان ومكان وثقافة. فتغييب هذا الجانب المحوري في الدين قد تكون له انعكاسات خطيرة قد تنسف بجهود البشر في ترسيخ مبادئ العدل والسلام والإخاء، وتقضي بشكل نهائي على أمل التواصل الحضاري مع الآخر. ومن أسباب هذا الخلط عاملين اثنين:
أ- الخلط بين الفكر والدين":
إن التوحيد بين الفكر والدين، أو بين النصوص الدينية وقراءة الإنسان لهذه النصوص من الأمور الخطيرة في بنيات الفكر الديني عموما والإسلامي منه على وجه الخصوص. وتزداد خطورة هذا الدمج وضوحا حينما يلغي الفكر الديني كل الشروط المعرفية المنتجة للفكر ويدعي بشكل وثوقي الوصول إلى القصد الإلهي. هذه الوثوقية التي ترمي بالإنسان في منطقة الحديث باسم الله التي مثلتها الكنيسة في العصور الوسطى، ومارسها علماء الدين بشكل ضمني على مر الحقب التاريخية.
هذا التوحيد بين الفكر والدين يسقط في مغبة التسلط باسم الدين، الذي يمارس على الإنسان الوصاية في شعور استعلائي، وخطاب فرعوني لا يقبل أن تتحرك العقول إلا في إطاره، ولا تفكر إلا بواسطته" وقال فرعون ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد"
ب- التحيز الديني":
يعتبر الدين أحد المجالات الخصبة، التي تستنبت فيها إشكالية التحيز بشكل جلي، إذ أن أي إنتاج فكري ديني نابع من تربة معينة، ويكون منطلقه الفكر والواقع الإنساني، لابد له أن يصطبغ بلون هذا العقل المنشئ له، ويتأثر بالواقع النابت فيه، بحيث يكون هذا المنتوج الفكري معبرا عن ثقافة المجتمع، ودرجة وعيه، وتحصيله المعرفي، الذي يمثل عقل الإنسان الذي أنتجه، كما يعبر عن الواقع الاجتماعي الذي كان له دور ما في تأسيسه من خلال قضاياه و أولوياته.
إن خطورة التحيز في الفكر الديني عموما تكمن في فكرة محورية مفادها" التمركز حول الذات "، التي تفرض على الإنسان التقوقع والانغلاق في رؤية الذات الضيقة، وقياس الآخر بناء عليها، مما يؤدي بالبداهة إلى إنكار الآخر وعدم الاعتراف بشرعية وجوده، ومصادرة حقه في التفكير...
ومن العوامل المنشئة لهذا التحيز نجد:
- عامل نفسي : ويتجلى في أن الإنسان ابن بيئته وتاريخه وواقعه، وكل هذه المكونات تشكل نفسيته على ضوء هذه النفسية يصطبغ فكر العالم أو المفكر.
وقد يصبح التحيز ظاهرة جماعية تتجاوز الفرد، عندما يصبح التحيز تحيزا مؤسساتيا، تسهر عليه مؤسسات ومعاهد وطوائف، تتبنى فكرا متحيزا إلى فئة أو مذهب أو فلسفة، ملغية بذلك الوجود المتميز للهوية الأخرى.
- النظرة التجزيئية للدين: وهي نظرة تغيب النظرة الشمولية للفكر الديني باعتباره نتاج مجموعة من العوامل، مما يؤثر سلبا على مصداقية الفروض والنظريات والتفسيرات التي يعطيها هذا الفكر الديني.
- إيديولوجية الفكر الديني: وذلك لأن الفكر مهما كان انتماؤه أو انتسابه هو إفراز لواقع متأثر به، ونزع الإيديولوجية على الفكر الديني أمر يكذبه الواقع التاريخي، إذ الموضوعية مفهوم جدلي يقوم على فكرة الصراع، أي أن الفكر الديني يظل متأثرا بواقعه النفسي والاجتماعي والثقافي.
وبما أن العلوم الشرعية هي علوم ظللتها الشريعة، ونشأت وترعرعت في أحضانها، فمن البديهي أن يكون الجو ملائما لاستنبات ظاهرة التحيز في العلم، الذي ينكر الآخر الذي تمثله العلوم الإنسانية باعتبارها تجسيدا للغرب المنحرف والمتسيب، كما أنها تحمل بذور الانحراف في السلوك والفكر.
*- هل يمكن أسلمة العلوم:
وهذا سؤال ما زالت الكثير من الأقلام تسيل بالحديث عنه، وتدافع عن أطروحته، ويعرف سجالا واسعا بين مؤيد للفكرة ومعارض لها. وطرحنا له في هذا المقام كان من أجل تسليط الأضواء عن بعض ما يكتنف هذا الموضوع من التباس يساهم فيه كثير من الباحثين في هذا الشأن. ولهذا يحق لنا أن نتساءل: ما معنى أسلمة العلوم؟ هل العلوم كافرة حتى تحتاج إلى أسلمة؟ وإذا كانت العلوم هي معرفة الأشياء على حقيقتها فما معنى أسلمتها أو تنصيرها أو تهويدها؟.
إن مثل هذه التساؤلات لتقود بالضرورة، إلى ما أسماه الدكتور عبد الكريم سروش أدلجة العلوم أو تديين العوم، فالدين لم يأت في ميدان العلوم برؤية أكثرية، بل ترك المجال للإنسان، ليبدع في شتى الحقول المعرفية ليحقق الرفاه والسعادة في بقاع الأرض.
4- كيفية تطبيق العلوم الإنسانية على النصوص الدينية:
كما أكدنا سابقا فإن أي رؤية للدين هي نسبية إنسانية تحتمل الخطأ والصواب، وإذا كان الأمر كذلك، فإنه من الواجب الإصلاح في المقاربات الدينية، وفق السقوف المعرفية التي يتوصل إليها الإنسان في كل زمان ومكان، خاصة إذا كانت المقاربات السائدة تحت أي مسمى، عاجزة عن تحقيق إنسانية الإنسان، ومانعة له من الانخراط في مسلسل العولمة الجارف. وتصورنا لهذا الموضوع سيكون وفق النقاط التالية:
*- التقييم النقدي لجميع المسلمات:
فكل مشروع ديني يحمل في طياته رؤية معينة للحقيقة، ومبادئ وأساليب يسعى لتأطيرها وتشكيلها، من أجل منحها الشرعية اللازمة، وتسييجها واستبعاد ما يخالفها.هذه النزعة اللاإنسانية قد أصيبت بها كل الأديان بما في ذلك الإسلام، وكان لها الأثر الكبير في تفرق الأمة وفشلها، في تحقيق التواصل الحضاري مع الآخر، الذي تقف هذه الثقافة المنغلقة في وجه الحوار معه.
وللخروج من هذا المنزلق الحضاري، ينبغي القيام بعملية تفكيكية لمجموعة من المسلمات التي ألبست ثوب الدين، وذلك من خلال القيام بعملية نقدية موضوعية هدفها تشكيل نزعة إنسانية كونية ينعم فيها الإنسان بالحرية والكرامة على قدم المساواة. وهذا لن يتأتى إلا ب:
- دراسة الفكر الديني دراسة إبستمولوجية
- دراسة الفكر الديني دراسة موضوعية بعيدا عن التحيز والذاتية
- دراسة الفكر الديني في أبعاده المتكاملة
*- فهم النصوص الدينية على ضوء العلم المعاصر:
وهذا شرط أساسي من شروط الفهم الصحيح، إذ القرآن الكريم لم يكن حكرا على طائفة من الطوائف، ولا جنس من الأجناس، بل أعلن عالميته للناس أجمعين:" قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا". وبهذه العالمية يصبح الحق لكل الناس في فهم النص الديني، حسب معارفهم وعلومهم، حتى يتبين لهم من خلال الواقع الإنساني آفاقا كان أو أنفسا:" سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق".
*- إنشاء منظومة معرفية تتلاءم مع الواقع المعاصر:
وذلك بالانخراط في المنظومة الكونية، التي أصبح جزء منها شاء أم أبى،.وذلك لن يتأتى إلا بتغيير منظومته السلفية، التي ترى في القديم الملجأ و المأوى، الذي يتم الاحتماء به عندما تعجز الإيديولوجية الدينية، عن تحقيق رغبات ومطالب فئات اجتماعية نمت وتطورت، في قلب التحولات التي شهدها العالم المعاصر.
والعالم المعاصر هو نتيجة تفاعل الإنسان مع المنظومة الكونية، ويجب أن تكون لنا مشاركة في هذا البناء الإنساني بالاستفادة من التجارب الإنسانية سواء كانت إسلامية أو غير إسلامية، وذلك من أجل الرقي الحضاري عن طريق الإبداع العلمي والمعرفي والجمالي.
عود على بدء:
إن إصلاح الفكر الديني عموما، وإصلاح المقاربات والآليات المستعملة في مقاربة النص الديني على وجه الخصوص، ضرورة آنية وواجب يفرضه الواقع الحالي للأمة الإسلامية، وما وصلت إليه من تفرق وتشرذم على المستويات كلها. ومن هنا نؤكد أنه إذا ظل الإطار النظري ثابتا مطلقا، بلا تجديد أو تطوير في آلياته، أصبح السعي وراء الإصلاح سعيا وراء سراب. فكل رؤية للدين هي في جوهرها رؤية إنسانية، تخضع لعوامل الزمان والمكان، وتلعب فيها الثقافة دورا بارزا. وإذا كان الأمر كذلك وجب فسح المجال أمام الإصلاح ليأخذ مكانه في ظل ما هو نسبي إنساني.



#يوسف_هريمة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...
- لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة ‏زبدين في مزارع شبعا ...
- تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون ...
- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...
- مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حراسة إسرائيلية مش ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - يوسف هريمة - النص الديني بين العلوم الشرعية والعلوم الإنسانية