أحمد حسنين الحسنية
الحوار المتمدن-العدد: 1852 - 2007 / 3 / 12 - 03:50
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
الكيفية التي تعاملت و تتعامل بها السلطات الحاكمة في مصر مع قضية الأسرى المصريين، هي أجلى مثال حي على إفتقاد نظامنا الحاكم لميزتان، عزة النفس، و القدرات الدبلوماسية.
فمن غير المقبول قبول الأسلوب التي تعاملت به السلطات المباركية المسئولة مع القضية، فمن نفي أولي للحادثة – رغم إعترافها بها في تسعينات القرن الماضي مع الكشف على المقابر الجماعية، ثم إعتراف بالحادثة هذه الأيام، ثم رجاء للسلطات الإسرائيلية أن تفتح هي التحقيق، إلى إعلان تأجيل زيارة المتهم بن إليعازر، مع التأكيد إن ذلك تأجيل و ليس إلغاء للزيارة، بما يوصل رسالة للسلطات الإسرائيلية ألا تقلقوا، فالمسألة مسألة وقت لحين خمود العاصفة في مصر ، أي لحين أن ينسى الشعب المصري أو ننسيه القضية بقضية أخرى، إلى قبول بأقوال المخرج الإسرائيلي للفيلم، و الذي لا شك قد تعرض لضغوط من سلطات بلاده.
مع تأكيد وزير الخارجية المصري أن مصر لن تلغي معاهدة السلام، و لن تقطع العلاقات و لن تستدعي السفير المصري من إسرائيل، و هي تصريحات تنم على خلط للأوراق متعمد، فليس للحديث عن محاكمة المجرمين، و لو غيابيا في مصر، أو تحويل الأمر برمته للمحكمة الدولية، إعلان للحرب، و لا إلغاء لمعاهدة السلام.
هل عندما حاكمت إسرائيل، في الستينات من القرن الماضي، مجرم الحرب النازي إيخمان على جرائمة أبان الحرب العالمية الثانية، كان إعلانا للحرب على ألمانيا الإتحادية - الغربية- آنذاك؟؟؟
هل عندما تم تحويل بعض مجرمي الحرب من الصرب إلى المحكمة الدولية كان إعلان حربا من طرف على أخر؟؟؟ لقد حوكم صرب و كروات و صدرت بحقهم أحكام نهائية، بل حوكم رئيس جمهورية سابق، و أعني ميليسوفيتش، و توفي في محبسه، دون أن يكون في ذلك حشد لجيش أي دولة و قرع لطبول الحرب.
من قال إننا نبحث عن إعلان للحرب، أو تمزيق لمعاهدة السلام، كل ما نريدة أن يحاكم عدة أفراد، أمام قضاء نزيه، بقانون عادل مدني، و ليس عسكري كما يحاكم المصريين اليوم بواسطة سلطات بلادهم، و ذلك في مصر أو أمام محكمة دولية، كما حوكم مجرمي الصرب و الكروات، و مجرمي راوندا.
لماذا هذا الخوف المباركي من المساس بإسرائيل؟ لماذا هذا الخنوع أمامها؟ لماذا نبدو دائما و كأننا نحن المتلهفين على السلام و على حفظ العلاقات، و إبقاء عرى العلاقات بيننا و بين إسرائيل مهما مرمطط بنا الأرض، و كأننا زوجة مهيضة الجناح، تعيش مع زوج متكبر قاسي يهينها كل يوم، و لكن رغم ذلك تصر على البقاء معه خوفا من الإلقاء في الشارع؟؟؟
إسرائيل - أيها السادة المرتعدين من إسرائيل - هي التي تحتاج معاهدة السلام بأكثر مما تحتاجها مصر بكثير، إنظروا للتلهف الإسرائيلي لمعاهدة سلام مع سوريا مع إنها تحتل بقعة من أجمل البقاع، و أعني الجولان، و رغم أن الجبهة هادئة منذ أخر حرب بين الطرفين.
إنظروا إلى لبنان، و كيف ضغطت إسرائيل لإدخال قوات دولية كثيفة إلى الجنوب اللبناني، و تأكيدها المتكرر بإنها لا تريد إحتلال أي قطعة من الأراضي اللبنانية، و تلاشى حلمها في مياه الليطاني، تلك الأحلام التي طالما داعبت عقول قادتها، و أبرزهم بن جوريون.
إسرائيل اليوم تفتقد للزعامة القوية، صاحبة العزيمة و التصميم، منذ إنسحاب بن جورويون من الساحة السياسية و وفاة ليفي أشكول رئيس وزرائها الأسبق.
إسرائيل تلاشى حلمها في وطن من النيل للفرات، بل حتى من الليطاني إلى إيلات، و من نهر الأردن للبحر.
لقد تلاشت الفورة و بسرعة، فالهجوم الصليبي في الماضي إحتاج فترة إمتدت إلى أكثر من مائة و خمسين عاما ليقنع بأن محاولته إحتلال الشرق فاشلة و أن أقصى طموح هو المحافظة عما بيده، بينما إسرائيل إحتاجت إلى واحد و ثلاثين عاما فقط لتدرك نفس الحقيقة، و تتوقف عن المحاولة، و تتحول من مبدأ التوسع إلى مبدأ القناعة بالحفاظ عما بيدها.
إسرائيل هي التي بحاجة إلى معاهدة السلام بأكثر مما تحتاجها مصر، و لكن للأسف فإن مبارك لا يبدو إنه يدرك هذا، و يعيش في رعب من إسرائيل لا أساس له في الواقع، بل و رعب من كل دول العالم، و خوف من أي دولة تكشر قليلا عن أنيابها، و لا يخجل من نقل مثل هذا الشعور للدول الأخرى، فعندما كشرت تركيا عن أنيابها قليلا لسوريا بخصوص المناضل أوجلان، طار صاحبنا إلى دمشق ليقنع دمشق بالإستسلام، غير عابىء بأي حسابات إستراتيجية تقول بأن من المستحيل على تركيا أن تحارب فعلا سوريا، أو أن تقيم حزام أمني على الأراضي السورية، لأن من الخطأ إستراتيجيا توفير عوامل قد تسهم في سقوط النظام السوري.
و عندما ضغطت الولايات المتحدة على القذافي، لم يكف صاحبنا الحكيم عن الضغط عليه، حتى يرضخ للشروط، و للأسف إكتشف القذافي مؤخرا خطأ الرضوخ، و الإستماع لنصيحة مثله من المرتعدين، و صرح - أي القذافي - منذ عدة أيام أن الغرب بمجرد تسليمه للمتهمان و محاكمتهما و دفع التعويضات و إستكماله شحن البرنامج التسليحي الليبي الغير تقليدي، سرعان ما نسى وعوده كلها التي قطعها معه، لقد أدرك القذافي متأخرا أن التجرد من الأنياب و المخالب يعني أن تفقد الدول أهميتها، لأنها تفقد قدراتها على المناورة و إملاء الشروط، فكيف تفاوض، بل علام تفاوض، و قد أسلمت لعدوك، مقدما، كل أوراق لعبك؟
و في فلسطين لا يكف أخينا الحكيم عن الضغط على الفلسطينيين، و بث التثبيط في نفوسهم، بالتخويف الدائم من إسرائيل وقوتها، و لو إستمع له الفلسطينيين، فإن ذلك لن يعني إلا معاهدات تصب كلها في صالح الطرف الإسرائيلي.
مبارك الأب لا يريد أن يدرك - أو لنقل بدقة أكثر، إنه عاجز عن إدراك - أن الوضع في تغير لصالح الشرق، و أن حرب 1967، و حتى 1973، قد إنتهت منذ أكثر من جيل، و أن موازين القوى تغيرت كثير مع الغزو اللبناني، حيث أثبتت المقاومة الشعبية البسيطة قدرتها في 2000، ثم مرة ثانية في صيف العام الماضي، 2006، في لبنان أيضا، و لم يرد أن يتعلم من مغزى فك الإرتباط في غزة، و لا يريد أن ينظر ليتعظ من الورطة الأمريكية في العراق اليوم.
مبارك لازال يعيش في زمن الإجتياحات الإسرائيلية السريعة الخاطفة، و في زمن الذراع الإسرائيلية الطويلة، و في زمن حروب الجيوش النظامية الضخمة، و معارك الدبابات الرهيبة.
مبارك للأسف حفظ كلمة من السادات، و هي أن تسعة و تسعين من أوراق اللعب في يد أمريكا، و أضاف هو إلى الحكمة الساداتية حرف و كلمة و هما: و إسرائيل.
لقد توقف تعليم مبارك و تجمدت خبراته منذ عام 1981، و لم يتعلم من كل ما دار حوله، و لم يدرك بأن مصر في حقيقة الأمر - و مع فقرها و مرضها و ضعفها الحالي - هي الأقوى من إسرائيل و حتى الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، و أن كلمة تهديدية قوية صادقة - و أشدد على كلمة صادقة - من رئيس مصر، سوف تزلزل الأرض من تحت أقدام إسرائيل، و تجعل الولايات المتحدة تعيد الكثير من حساباتها، بالرغم أن نصف خبزنا يأتي معونة من أمريكا.
مبارك يحتاج إلى تعلم فنون الدبلوماسية من أسسها، و إدراك أن الدبلوماسية ليست إستسلام، بل أن الدبلوماسية الناجحة تحتاج لقوة تساندها، حتى لو كانت تلك القوة هي مجرد صلابة الشخصية و الكلمة الصادقة القوية، مادام الشعب يقف معه ليسانده.
و لكن بما أن الوقت قد فات على تعليمه و هو يطرق أبواب الثمانين عاما، و أبنه من بعده يسير على صراطه الأعوج بعيدا عن الشعب، فلم نسمع أنه غضب من تصرف أي دولة معنا، و لم تثر حميته لأي إهانة لمصر أو المصريين، و لم يعلم أن مصر قوة يجب أن يحسب حسابها في المنطقة و من الدول خارج المنطقة، حتى لو إفتقرت، إذا لا أمل معهما في إستعادة الدور المصري بالمنطقة، و لا أمل حتى في الحفاظ على الكرامة المصرية، و لا أمل في الرفاهية الواسعة النطاق، و هما - أي مبارك الأب و الإبن - ألد أعداء الفقراء.
لا حل إلا بإطاحة الشعب بهذا النظام بأكملة، إن أردنا حقا أن نستعيد الدور المصري الذي إحتله آل سعود، و إذا أردنا أن تكف الدول المختلفة، و رعاياها، عن إنتهاك كرامة مصر و أبنائها، و إذا أردنا أن تبدأ مصر السير في طريق العدالة الإجتماعية.
#أحمد_حسنين_الحسنية (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟