|
الراقصة والشيخ والشاعر !
ابراهيم جابر ابراهيم
الحوار المتمدن-العدد: 1847 - 2007 / 3 / 7 - 12:14
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
تتجاور القيم والقيم النقيضة في المجتمع العربي على نحو مدهش ؛ وأتذكر في هذا السياق حادثة طريفة حين اختارت ( النيوزويك العربية ) الشخصيات الثلاثة والأربعين المؤثرة في الوطن العربي فكان في المقدمة : نانسي عجرم مع عمرو خالد وتجاور كلاهما مع محمود درويش ! وبغض النظر ، الآن ، عن موضوعية الاستقراء ، أو بواعثه غير العلمية ، إلا أن النتائج لم تكن صادمة أبدا ، بل ويجب أن تكون متوقعة ، فالقراءة البسيطة والسريعة لأية مجموعة عشوائية من المواطنين العرب ، كأن نأخذ ركاب باص عمومي صغير ، أو رواد كفتيريا جامعية ، هي مقدمات واضحة لهكذا نتائج ؛ حيث ( يتقابل ) الحجاب مع الشورت ، والمتدين مع العلماني ، و" السبع المنجيات " مع قصيدة النثر ، والملفق مع العالم ! وقتها كان تكريم مجتمع بدوي محافظ ، في عاصمة عربية ، لـ ( فنانة ) مثل عجرم على انها ( من الذين ساهموا في تغيير مسار جيل بكامله) ، ثم تكريم داعية الدين النشط ، على نفس المنصة ، عصيّا على العقل و من الصعب تفهمه ، الا لجهة الفصام الذي تعيشه الثقافات الناشئة او تلك التي ما زالت تتشكل ، وفي الأثناء تتخبط في طريقها للمدينية . وكما هو واضح ، تشير العبارة ، التي سوغت التكريم ، الى سخطٍ وحنقٍ بالغين ، من مسار تلك الأجيال السابقة والتي لم تتداركها ( عبقرية عجرم ) !! ويبدو العالم العربي الآن كما أوروبا قبل انفجار ( الثورة الصناعية ) مع فارق بسيط ... أن لا ثورة صناعية ولا غيرها في الأفق العربي المنظور ! أما ( التعايش ) بين القيم المهددة بالأفول والقيم المنبعثة للتو فهو ادعاء هش لا يملك من الصلابة ما يكفيه للصمود أمام أي امتحان ، ذلك أن فكرة التعايش السلمي بين القيم تتحقق بالضرورة بعد اصطخابها وفورانها ، وبعد انتاجها أيضا لسلة قيم ثالثة ، وسيطة ، يتضافر الموروث مع المقترح الحداثي ، ليصوغانها ، معاً . ما أعنيه هنا، بالضبط ، هو أن لا قيم حقيقية تتشكل بمعزل عن تاريخها وجغرافياها القومية ، وعن الصياغة الجينية لأفرادها ، كما أن لا قيم حقيقية بوسعها أن تبقى جامدة أمام علائقيتها مع العالم المتسارع واقتراحاته ( العملانية ) ، لكن هذا للأسف ما يحدث ، الآن ، في البنية العربية ، من شرخ أفقي حاد ، في طرائق الحياة والتفكير . وقد تم ، على نحو متعجل ، اختراع تسميات ملطفة ، تحفظ ماء الوجه لطرفي التجاذب ، فسمي أتباع القيم الكلاسيكية بـ ( الرومانسيين ) ودعي المنقادون لثقافة وقيم الصناعات الحديثة بـ ( العقلانيين والعمليين ) ، حيث يتعامل الطرفان تجاه بعضهما بنوع من الرثاء والإشفاق ! ولا تبدو الحياة مشوقة ، في كلا المربعين ، لكنها أكثر إنسانية ، من وجهة نظري في الأقل ، حين تتخفف من جفاف (العملانية ) وتلوذ قليلا بوجدانها وأخلاقياتها ، كما أنها أكثر قسوة حين تتسابق الى تحويل الكائنات الى جمع من ( الروبوتات ) الخالية من أحاسيس الضعف ، والحب ، والخطأ ! هنا ، في المجتمع العربي ، يبدو أننا نمر في حقبة خطيرة وشائكة ، هي مرحلة ما قبل انتاج سلة القيم الثالثة ، وهي مرحلة تجعل النموذجين يتقابلان يوميا في طريقهما الى المختبر ، ويتبادلان نظرات حادة. وما دام الحلم ( وهو أجمل ما نصر على الاحتفاظ به من لوازم رومانسيتنا ) مباحا ، حتى الآن ، فلنحلم بأن يخرجا من باب المختبر متصالحين ؛ فلا تناقض بأن نرسل على ( الإيميل ) وصفة قروية لعلاج المعدة بالشيح !
#ابراهيم_جابر_ابراهيم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ايميل الى اطوار بهجت في ذكراها الاولى
-
لقميص خفيف على بحر - غزة - !
-
بنادق مخزية
-
حروب ايران
-
هل - الظواهري - فعلاً الرجل الثاني ؟!
المزيد.....
-
فيديو أسلوب استقبال وزير الخارجية الأمريكي في الصين يثير تفا
...
-
احتجاجات مستمرة لليوم الثامن.. الحركة المؤيدة للفلسطينيين -ت
...
-
-مقابر جماعية-.. مطالب محلية وأممية بتحقيق دولي في جرائم ارت
...
-
اقتحامات واشتباكات في الضفة.. مستوطنون يدخلون مقام -قبر يوسف
...
-
تركيا .. ثاني أكبر جيش في الناتو ولا يمكن التنبؤ بسلوكها
-
اكتشاف إنزيمات تحول فصائل الدم المختلفة إلى الفصيلة الأولى
-
غزة.. سرقة أعضاء وتغيير أكفان ودفن طفلة حية في المقابر الجما
...
-
-إلبايس-: إسبانيا وافقت على تزويد أوكرانيا بأنظمة -باتريوت-
...
-
الجيش الإسرائيلي يقصف بلدتي كفرشوبا وشبعا في جنوب لبنان (صور
...
-
القضاء البلغاري يحكم لصالح معارض سعودي مهدد بالترحيل
المزيد.....
-
النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف
...
/ زهير الخويلدي
-
قضايا جيوستراتيجية
/ مرزوق الحلالي
-
ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال
...
/ حسين عجيب
-
الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر )
/ حسين عجيب
-
التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي
...
/ محمود الصباغ
-
هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل
/ حسين عجيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع
/ عادل عبدالله
-
الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية
/ زهير الخويلدي
-
ما المقصود بفلسفة الذهن؟
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|