سعد محمد رحيم
الحوار المتمدن-العدد: 1842 - 2007 / 3 / 2 - 12:14
المحور:
المجتمع المدني
"حبل الكذب قصير" هذا ما كان يُقال في الماضي، واليوم مع تطور تقنيات الاتصال ووسائط الإعلام بات ذلك الحبل أقصر بكثير. وكان يُقال أيضاً " إنك تستطيع أن تكذب على بعض الناس لبعض الوقت، لكنك لن تستطيع أن تكذب على الناس كلهم الوقت كله" ولا شك أن بعض الناس أولئك قد تقلص حجمهم في الزمن الراهن، وكذلك تضاءل الوقت الذي يبقون فيه مخدوعين. وحتى في ظل أكثر الحكومات قمعاً، وأشدها قدرة على غلق حدودها، لم يعد الأمر كما كان في السابق. ويوماً بعد يوم صارت قبضة مثل تلك الحكومات ترتخي، فيما تجد المعلومات مسارب لها لتصل في النهاية إلى من تعنيهم.
ينقل ولتر. ب. رستون في كتابه ( أفول السيادة ) عبارة عدّها مدهشة قالها له صديق روسي مهاجر مؤداها: "من الممكن لشعب كامل أن يعرف بأنه يُكذب عليه ومع ذلك لا تكون لديه فكرة واضحة أو مفيدة عمّا يمكن أن تكون عليه الحقيقة". وأعتقد أن حساسية المواطن الاعتيادي تجاه الأكاذيب باتت أكثر رهافة، وقد تتطرف أحياناً في حكمها. أما الحقيقة فلا بد أن تتوضح عاجلاً أو آجلاً، وهي بحاجة، في عصر المعلوماتية والإعلامياء إلى مدة زمنية أقل لتتكشف وتُفضح.
كانت السياسة في مفهومها وممارساتها التقليديين تعتمد الكذب أحياناً لتحقيق مآرب وغايات محددة لفئات معينة، ومن قرأ كتاب ( الأمير ) لميكافيللي يعرف تلك الوصفات التي يوصي بها المؤلف أمراء ورجال السياسة كي ينجحوا في خططهم ويحتفظوا بكراسي الحكم، ومنها الكذب. ولغوبلز، وزير الدعاية النازي، شعار شهير هو "اكذب واكذب واكذب حتى يصدقك الناس" وهذه كانت بديهية في السياسة لم تعد ناجعة تماماً إن لم تكن مؤذية يمكن أن تُذيق العامل بها الفشل والخزي والهوان.
وكما يتغير كل شيء في العالم فإن قواعد اللعبة السياسية القديمة لم تعد تصمد أمام التحولات في جوانب الحياة المختلفة، وكلمة "الشفافية" المتداولة الآن في الحقل الإعلامي والسياسي ليست مصطلحاُ عابراً بل أحد الأسس في أي نظام سياسي عصري يقول بالديمقراطية وحرية الرأي والتعبير وحرية تدفق المعلومات. والمضي قدماً بمقتضى الشفافية كان سبباً مباشراً في تقويض دولة الاتحاد السوفيتي، كما نعلم.
كان أورويل في روايته ذائعة الصيت ( 1984 ) قد تحدث عن الأخ الأكبر الذي يراقب مواطنيه على مدار الساعة بوساطة كاميرات منصوبة في كل ركن وزاوية، لكن تبدلاً قد جرى بهذا الصدد، فبفضل أجهزة الاتصال وقنوات الإعلام فائقة الفعالية، والشبكة العنكبوتية التي غدت بنية تحتية لعصرنا، وكما يقول ولتر رستون، فإن المسألة انقلبت الآن، إلى حد بعيد، فالمواطنون في كثر من بلدان العالم باتوا هم من يراقبون الأخ الأكبر.
#سعد_محمد_رحيم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟