علي الوائلي
الحوار المتمدن-العدد: 8569 - 2025 / 12 / 27 - 15:13
المحور:
قضايا ثقافية
المقدّمة
منذ أن تبيّن أن الكون لا يتمدّد فحسب، بل إن تمدّده يتسارع، اتّجه التفسير السائد إلى افتراض وجود قوّة خفيّة أو طاقة إضافية تدفع هذا الاتّساع. هكذا ظهر مصطلح “الطاقة المظلمة” بوصفه تسمية لكيان غير مرصود، يُفترض به تفسير ما تعجز النماذج الحالية عن احتوائه. غير أن إطلاق الاسم، مهما بدا علمياً، لا يحلّ الإشكال بقدر ما يؤجّله.
ينطلق هذا المقال من تشكيك بسيط لكنه جوهري: هل المشكلة فعلاً في غياب كيان فيزيائي يفسّر التمدّد، أم في الافتراض المسبق بأن كل تغيّر يحتاج سبباً خارجياً؟ بعبارة أخرى، هل التمدّد ظاهرة طارئة تستدعي محرّكاً، أم أنه صفة بنيوية في الوجود ذاته؟
يميل الخطاب العلمي، بحكم أدواته، إلى البحث عن الأسباب والقوى. غير أن هذا الميل قد يعكس حدود المنهج بقدر ما يعكس طبيعة الظاهرة المدروسة. فالسؤال عن “سبب” التمدّد يفترض سلفاً أن السكون هو الحالة الأصلية، وأن الحركة استثناء يحتاج تفسيراً. هذا الافتراض، الذي يبدو بديهياً في التجربة اليومية، قد لا يكون صالحاً حين يُسقَط على بنية الكون ككل.
لا يهدف هذا المقال إلى إنكار نتائج الرصد الكوني ولا إلى استبدال النماذج الفيزيائية المعاصرة، بل يسعى إلى العمل على مستوى أعمق: مستوى الافتراضات الأولى التي يقوم عليها سؤال الطاقة المظلمة نفسه. ومن هذا المنطلق، يُقترح إطار مفاهيمي يرى التمدّد بوصفه صفة للوجود، ناتجة عن اختلافه المستمر عن ذاته، لا عن تأثير قوة إضافية تعمل عليه من الخارج.
1. إشكالية السبب في تفسير التمدّد
تُعدّ السببية من أكثر المفاهيم رسوخاً في التفكير البشري. فما من حدث، في التجربة اليومية، إلا ونبحث له عن سبب. غير أن تحويل السببية إلى مبدأ كوني مطلق قد يكون إسقاطاً معرفياً أكثر منه ضرورة ontological. فالسببية أداة فعّالة داخل الأنظمة المحدودة، لكنها لا تملك بالضرورة الصلاحية لتفسير النظام الكوني بوصفه كلاً.
حين يُسأل عن سبب تمدّد الكون، يُفترض أن التمدّد حالة غير طبيعية تحتاج تفسيراً. لكن ماذا لو كان التغيّر هو الحالة الأصلية؟ في هذه الحالة، لا يعود السؤال عن السبب ضرورياً، بل يصبح السؤال موجّهاً إلى سبب افتراض السكون ابتداءً.
إن التعامل مع التمدّد بوصفه “مشكلة فيزيائية” قد يكون نتيجة تلقائية لتقاليد تفسيرية اعتادت البحث عن محرّك لكل ظاهرة. غير أن هذا التقليد نفسه قد يعجز عن التعامل مع ظواهر لا تنتمي إلى فئة “الأحداث”، بل إلى فئة “الصفات”.
2. نقد مفهوم الطاقة المظلمة
ظهر مفهوم الطاقة المظلمة بوصفه حلاً حسابياً لإدخال تسارع التمدّد ضمن معادلات الكونيات الحديثة. إلا أن هذا المفهوم، رغم نجاحه الرياضي، يظلّ غامضاً من حيث الطبيعة والمعنى. فلا رصد مباشر له، ولا توصيف فيزيائي متّفق عليه، ولا تفسير لثبات كثافته تقريباً عبر الزمن الكوني.
من هذا المنظور، يمكن النظر إلى الطاقة المظلمة لا كاكتشاف لكيان جديد، بل كتسمية لحدٍّ من حدود الفهم. فالاسم يملأ الفراغ الاصطلاحي، لكنه لا يقدّم تفسيراً بقدر ما يعلن عن وجود مشكلة مفتوحة.
يقترح هذا المقال أن الإشكال لا يكمن في نقص “طاقة” ما، بل في الطريقة التي يُفهم بها التمدّد نفسه. فإذا كان التمدّد صفة بنيوية في الوجود، فإن الحاجة إلى افتراض قوة إضافية تصبح غير ضرورية، ويغدو مفهوم الطاقة المظلمة تعبيراً عن أثر هذا الاختلاف البنيوي حين يُقاس رياضياً.
3. الوجود بوصفه اختلافاً
تنطلق الفرضية المركزية لهذا المقال من اعتبار الوجود غير مطابق لذاته عبر الزمن. فالاختلاف ليس حدثاً يقع على الوجود، بل صفة ملازمة له. لا يوجد “كون ساكن” بدأ بالحركة، بل وجود يتغيّر باستمرار، لأن الثبات ذاته ليس حالة ممكنة إلا بوصفه تجريداً ذهنياً.
في هذا الإطار، لا يُفهم التمدّد بوصفه انتقالاً من حالة إلى أخرى، بل بوصفه أثراً لقياس وجود يختلف عن نفسه. كلما اتّسع المقياس، ظهر هذا الاختلاف بصورة أوضح، حتى يتجلّى على مستوى كوني بوصفه تمدّداً متسارعاً.4. الصياغة الرياضية المفاهيمية
تنويه منهجي
تُستخدم الصياغة الرياضية التالية بوصفها ترميزاً مفاهيمياً توضيحياً، لا كنموذج فيزيائي حسابي، وتهدف إلى تقريب فكرة الاختلاف البنيوي للوجود بلغة رمزية مبسّطة.
يمكن تمثيل فكرة الاختلاف الأصلي للوجود بالعلاقة الآتية:
نسخ التعليمات البرمجية
Δ(t) = B(t) − B(t + ε)
حيث تمثل
B(t) حالة الوجود عند لحظة زمنية معيّنة،
وتمثل ε مقداراً زمنياً متناهياً في الصغر.
لا يُقصد بهذه العلاقة حساب فرق زمني، بل التعبير عن عدم تطابق الوجود مع ذاته عبر الزمن.
ضمن هذا الإطار، يمكن فهم ما يُعرف بالطاقة المظلمة بوصفه أثراً ناتجاً عن تغيّر هذا الاختلاف:
نسخ التعليمات البرمجية
E_dark = dΔ / dt
أي أن الطاقة المظلمة لا تُفهم هنا كقوة مستقلة، بل كمؤشر على معدل تغيّر الاختلاف البنيوي حين يُقاس رياضياً.
أما تسارع التمدّد، فيمكن التعبير عنه رمزياً بالعلاقة:
نسخ التعليمات البرمجية
d²a / dt² ∝ Δ(a)
حيث يشير الرمز إلى أن ازدياد عامل التمدّد a يضاعف مجال الاختلاف، فيظهر التسارع بوصفه أثراً قياسياً لا نتيجة قوة خارجية.
5. نفي السكون كحالة كونية
ضمن فرضية الاختلاف الأصلي، لا يُعد السكون حالة كونية ممكنة، بل تصوراً ذهنياً ناتجاً عن التبسيط الرياضي. ويمكن التعبير عن ذلك بالصيغة التالية:
نسخ التعليمات البرمجية
dB / dt ≠ 0
أي أن حالة الوجود في تغيّر مستمر، وليس هناك لحظة يمكن وصفها بثبات مطلق. فالحركة هنا ليست نتيجة دافع، بل الحالة الافتراضية للوجود.
ويمكن اختزال جوهر الفرضية بالصيغة الآتية:
نسخ التعليمات البرمجية
B(t) ≠ B(t + ε)
وهي صيغة رمزية تعبّر عن أن الاختلاف هو القاعدة، لا الاستثناء.
الخاتمة
يقترح هذا المقال إعادة النظر في السؤال الذي يُطرح عادة حول الطاقة المظلمة. فبدلاً من البحث عن كيان فيزيائي جديد يفسّر تمدّد الكون، يُطرح احتمال أن التمدّد صفة بنيوية في الوجود نفسه، ناتجة عن اختلافه المستمر عن ذاته.
وما نسمّيه اليوم “الطاقة المظلمة” قد لا يكون أكثر من اسم نطلقه حين نواجه حدود أدواتنا المفاهيمية، لا دليلاً على وجود قوة خفيّة. وعليه، قد يكون السؤال الأجدر بالطرح ليس: ما الذي يدفع الكون إلى التمدّد؟ بل: لماذا افترضنا أن الثبات هو الحالة الأصلية التي تحتاج الحركة بعدها إلى تفسير؟الخاتمة
يقترح هذا المقال إعادة النظر في السؤال الذي يُطرح عادة حول الطاقة المظلمة. فبدالًمن البحث عن كيان فيزيائي جديد يفسّر تمدّد
الكون، يُطرح احتمال أن التمدّد صفة بنيوية في الوجود نفسه، ناتجة عن اختالفه المستمر عن ذاته.
وما نسمّيه اليوم ”الطاقة المظلمة“ قد ال يكون أكثر من اسم نطلقه حين نواجه حدود أدواتنا المفاهيمية، ال دليالًعلى وجود قوة خفيّة.
وعليه، قد يكون السؤال األجدر بالطرح ليس: ما الذي يدفع الكون إلى التمدّد؟ بل: لماذا افترضنا أن الثبات هو الحالة األصلية التي تحتا ج
الحركة بعدها إلى تفسير؟
.
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟