أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عببر خالد يحيي - الذاكرة بوصفها بنية سردية وفعلًا تداوليًا دراسة ذرائعية مقارنة في رواية -ماتريوشكا: أرواح من قطن- للكاتبة الجزائرية عائشة بنّور















المزيد.....



الذاكرة بوصفها بنية سردية وفعلًا تداوليًا دراسة ذرائعية مقارنة في رواية -ماتريوشكا: أرواح من قطن- للكاتبة الجزائرية عائشة بنّور


عببر خالد يحيي

الحوار المتمدن-العدد: 8567 - 2025 / 12 / 25 - 21:36
المحور: الادب والفن
    


الملخص التحكيمي (Abstract)
تهدف هذه الدراسة إلى مقاربة رواية "ماتريوشكا: أرواح من قطن" لعائشة بنّور مقاربةً ذرائعية، تنظر إلى النص بوصفه خطابًا تداوليًا هادفًا، لا يكتفي ببناء جماليات سردية، بل يُنتج أثرًا معرفيًا ونفسيًا وأخلاقيًا في المتلقي. وتنطلق الدراسة من تحليل دلالة العنوان بوصفه عتبة نصّية موجِّهة، لتكشف عن بنية سردية طبقية تقوم على الاحتواء والكشف التدريجي، حيث تتداخل الذاكرة الفردية بالذاكرة الوطنية، ويتحوّل المكان الأثري إلى شاهد حيّ، والأنثى إلى وسيط ذاكرة، والرمز إلى أداة مقاومة معرفية.
تعتمد الدراسة المستويات الذرائعية (الفكرية، الأخلاقية، النفسية، الرمزية، الديناميكية، الجمالية)، مع توثيق الشواهد النصية، لتبيّن أن الرواية لا تشتغل على الذاكرة بوصفها استرجاعًا للماضي، وإنما بوصفها ممارسة إدراكية متوترة بين الرغبة في الكشف والخوف من نتائجه. كما تُبرز الدراسة البعد الوطني الجهادي في الرواية، حيث تُعاد صياغة البطولة بعيدًا عن الخطاب الشعاري، لتغدو بطولة وعي وجهاد ذاكرة في مواجهة السردية الاستعمارية وسياسات الطمس والإخفاء.
وتخلص الدراسة إلى أن ماتريوشكا: أرواح من قطن تمثّل نموذجًا للرواية العربية المعاصرة التي توفّق بين الفني والمعرفي والتاريخي، فالنص لا يتحرك وفق منطق الحبكة التصاعدية، بل يقوم على بنية كشفٍ طبقيّ تتداخل فيها الذاكرة الفردية بالذاكرة الوطنية، ويتحوّل فيها المكان الأثري إلى شاهد حيّ، والرمز إلى وسيلة مقاومة معرفية، وتنجح في تقديم نصٍّ سرديٍّ مقاوم، يشتغل ضد النسيان عبر الجماليات، لا عبر المباشرة، مؤكدة قدرة الرواية على أداء دور معرفي ووطني في زمن ما بعد الاستعمار.
الكلمات المفتاحية: الذرائعية، الذاكرة السردية، الرواية العربية المعاصرة، المكان، الأنثى، المقاومة المعرفية.

أولًا: دلالة العنوان (العتبة الذرائعية)
يشكّل عنوان الرواية "ماتريوشكا: أرواح من قطن" عتبة تفسيرية موجِّهة للقراءة، تقوم على شقّين متكاملين:
1. ماتريوشكا: تحيل إلى البنية الطبقية للاحتواء:
ذاكرة داخل ذاكرة، ذات داخل ذات، تاريخ مُخفى داخل طبقات السرد
وهو ما يطابق آلية اشتغال النص، حيث لا يُكشف المعنى دفعة واحدة، بل عبر فتحٍ تدريجي للصناديق السردية والنفسية والتاريخية.
2. أرواح من قطن: يحيل القطن إلى الهشاشة والامتصاص:
أرواح لا تصرخ، لكنها تختزن الألم، وتمتص العنف الاستعماري بصمت.
وبذلك يعلن العنوان منذ البدء أن ما سيُحتوى داخل هذه البنية ليس مادّة صلبة، بل أرواح مقاومة جُرحت ولم تُمحَ.

ثانيًا: البؤرة الفكرية – الذاكرة بوصفها ممارسة
لا تُقدَّم الذاكرة في الرواية بوصفها استرجاعًا حكائيًا للماضي، بل فعلًا إدراكيًا متوترًا بين الرغبة في الكشف والخوف من نتائجه.
شاهد:
"إنها ترتعش، في صمتٍ كضياءِ شمعةٍ في مهبّ الريح… نسمع هسيس الأشياء، ونشعر بكلامها الخفيّ." (ص 9)
الذاكرة هنا إحساس جسدي ونفسي، لا خطاب اعترافي، وهو ما يحوّل السرد إلى تجربة وعي لا حكاية فقط.

ثالثًا: الخلفية الأخلاقية – أخلاق الكشف وحدوده
تحضر في الرواية أخلاق غير تقريرية، تقوم على مساءلة المعرفة ذاتها.
شاهد مركزي:
"لا تفتحه! قد تصيبنا لعنة باندورا!" (ص 38)
الصندوق يتحوّل من عنصر سردي إلى اختبار أخلاقي:
هل كل ما دُفن يجب أن يُكشف؟
وهل المعرفة خلاص أم عبء؟
ذرائعيًا، تُدار الأخلاق هنا بوصفها أثرًا نفسيًا لا حكمًا جاهزًا.

رابعًا: المستوى الديناميكي: حركية السرد بين الكشف والتأجيل
يمثّل المستوى الديناميكي في رواية "ماتريوشكا: أرواح من قطن" أحد أكثر مستوياتها دلالة، إذ لا تقوم الحركية السردية على الفعل الخارجي أو تصاعد الحدث، بل على توتر داخلي متدرّج تحرّكه عملية الكشف المؤجَّل. فالسرد هنا لا "يتقدّم" بالمعنى التقليدي، بل "يتعمّق"، وكل خطوة فيه ليست انتقالًا في الزمن، بل غوصًا في طبقة أعمق من الذاكرة.
1. ديناميكية الكشف بدل ديناميكية الحدث:
لا تبني الرواية حركتها على: صراع خارجي، أو حبكة متسلسلة، أو ذروة تقليدية.
بل على: اقتراب من الصندوق، تردّد أمام فتحه، خوف من محتواه، ثم تأجيل الكشف.
وهذا يجعل الحركة السردية نفسية – معرفية أكثر منها حدثية، حيث يصبح التوتر نابعًا من: ما قد نعرفه، لا مما يحدث فعليًا.
ذرائعيًا، هذا الاختيار يُحوّل السرد إلى تجربة اختبار أخلاقي، لا إلى مجرّد حكاية.
2. البطء بوصفه خيارًا ديناميكيًا مقصودًا:
يتّسم إيقاع الرواية بالبطء والتأمّل، وهو بطء وظيفي لا إنشائي، يخدم:
ثِقَل الذاكرة، حساسية الأثر، خطورة الاستعمار بوصفه جرحًا ممتدًا.
فكل إبطاء في السرد يقابله: تضخيم في التوتّر، وتعليق للمعنى، وتأجيل للحسم.
وبذلك يصبح البطء نفسه أداة ديناميكية تولّد المعنى بدل أن تعيقه.
3. حركة دائرية لا خطّية
تتحرّك الرواية وفق مسار دائري: عودة إلى المكان، عودة إلى الصندوق، عودة إلى الذاكرة،عودة إلى الصمت.
وهذه الدائرية ليست تكرارًا، بل إعادة نظر في المعنى من زاوية أعمق في كل مرة، على طريقة فتح دمى الماتريوشكا طبقة بعد أخرى.
ذرائعيًا، هذه الحركة: تُحاكي اشتغال الذاكرة نفسها، حيث لا يُستعاد الماضي دفعة واحدة.
4. ديناميكية المكان بوصفه محرّكًا للسرد:
المكان ليس ثابتًا في الرواية، بل فاعل ديناميكي: يُربك الشخصيات، يفرض الصمت، يستدعي الذاكرة، ويدفع السرد إلى الأمام دون حدث صريح.
فكل انتقال مكاني يقابله: انتقال في الوعي، أو انكشاف رمزي جديد.
وهنا تتجلّى الذرائعية في جعل المكان محرّكًا سرديًا لا إطارًا وصفيًا.
5. المكان – من فضاء سردي إلى شاهد جهادي
المكان في الرواية ليس خلفية محايدة، بل كائن حيّ متألم، يحمل آثار الاستعمار والمقاومة.
شاهد:
" الأمكنة أرواح يا كلثوم.. تغيّرت كثيرًا.... من أخبرك أن الأشياء من حولنا لا تتحرك، ولا تتكلم، ولا تتعرى، ولا تبلسم جروحها؟" (ص 9)
كما تتحوّل اللقى الأثرية (العظام، المومياء، السيوف) إلى وثائق مقاومة:
شاهد:
«…وجود مومياء صغيرة ممدّدة، ترقد على الذراع الأيمن المتآكل، كانت ملفوفة في قطع من القماش… وبجانبها سيوف مدفونة.» (ص 28–29)
ذرائعيًا، يصبح التنقيب فعل مقاومة معرفية ضد طمس الذاكرة الاستعمارية.

6. البعد الوطني الجهادي – البطولة بوصفها وعيًا
لا تُقدَّم البطولة في الرواية بوصفها مشهدًا حربيًا، بل تُعاد صياغتها بوصفها:
صمودًا في الذاكرة، ورفضًا للنسيان، وجهادًا ضد الإخفاء الاستعماري.
1) الأثر الأثري بوصفه وثيقة مقاومة وطنية:
الشاهد:
"…كُشف – بعد إزالة التراب – عن بقايا عظام إنسانية، ونقود برونزية متآكلة… وبجانب الهيكل العظمي، وُجدت مومياء صغيرة ملفوفة في القماش… وإلى جوارها سيوف مدفونة." (ص 28–29)
وجود العظام، المومياء، السيوف يحوّل المكان إلى أرشيف مقاومة، حيث لا يُقرأ الأثر بوصفه بقايا ماضٍ منتهي، بل شاهدًا على صراع تاريخي، وعلى حضور الفعل الجهادي الذي حاول الاستعمار طمسه ماديًا ورمزيًا.
2) الذاكرة الاستعمارية وجرائم الطمس والتجويع
الشاهد (لوحة المجاعة في الجزائر) ل "غوستاف غيوميه":
«لوحة المجاعة… سياسة تجويع ممنهجة مارسها الاستعمار الفرنسي منذ أن وطئت قدماه أرض الجزائر صيف 1830… شعبٌ كامل ضحية جفاف مقصود وجوعٍ قاسٍ.» (ص 52–53)
تُستدعى المجاعة هنا بوصفها جريمة استعمارية ممنهجة، لا كارثة طبيعية، ويُعاد إدراجها في الوعي الجمعي عبر الفن (اللوحة/السرد)، بما يحوّل الرواية إلى أداة تفكيك للسردية الاستعمارية.
3) الجماجم والرفات: من الجسد الفردي إلى الجسد الوطني:
الشاهد:
"ذكّرتني الجمجمة بجماجم شهداء المقاومة الشعبية الجزائرية، الجماجم التي التي قطعتها فرنسا الاستعمارية وهرّبتها في صناديق مرقمة إلى ما وراء البحار." (ص 30)
هذا المقطع يُحوِّل الجسد إلى وثيقة اتهام تاريخية، ويؤكد أن الصندوق (المتكرر رمزيًا) ليس مجرد حاوية نفسية، بل أداة استعمارية للإخفاء والتشييء، تقابلها في الرواية إرادة كشفٍ معرفي.
4) المكان بوصفه ذاكرة جهادية حيّة
الشاهد:
"كأنها مدن هشة... أجل لكنها تعرف كيف ترمم فجواتها، وتداعب بؤسها برفق، ثم تنام محتضنة أوجاعها." (ص14)
المكان هنا ذات جريحة، يحمل آثار القتل والمقاومة، ويغدو شريكًا في البطولة الوطنية، لا مسرحًا محايدًا للأحداث.
5) البطولة بوصفها وعيًا لا مشهدًا حربيًا
الشاهد:
"كلّ شخصية تحمل صندوقها في داخلها… ماضيها الذي لا يراه الآخرون." (ص 20)
تُعاد صياغة البطولة من الفعل العسكري المباشر إلى بطولة الذاكرة: حمل الماضي، عدم التخلّي عنه، ورفض النسيان بوصفه شكلًا من أشكال الهزيمة.
6) جهاد الذاكرة مقابل عنف الإخفاء الاستعماري
الشاهد:
"حياتنا كلّها صناديق مغلقة… وكذبة كبيرة نختبئ خلفها." (ص 38)
الصندوق هنا يُعاد تأويله بوصفه:
أداة استعمارية للإخفاء (الجماجم، الرفات، التاريخ)، ومقابلها جهاد معرفي يصرّ على الفتح والمساءلة.
5. الأثر التداولي للمستوى الديناميكي
يُفضي هذا البناء الديناميكي إلى أثر واضح في المتلقي: شعور بالقلق المعرفي، توتر أخلاقي أمام الكشف، مشاركة وجدانية في البطء والتردّد.
وبذلك يتحقق الهدف الذرائعي الأعلى:
تحويل القارئ من متابع للأحداث، إلى مشارك في التجربة
يؤكد المستوى الديناميكي في "ماتريوشكا: أرواح من قطن" أن الحركة السردية لا تُقاس بسرعة الأحداث، بل بعمق التحوّل الداخلي. فالرواية تتحرّك ببطء، لكنها تُحدث أثرًا عميقًا، وتُنجز ديناميكية قائمة على:
الكشف المؤجَّل، التوتر الأخلاقي، ودائرية الذاكرة.
وهو ما ينسجم تمامًا مع طبيعة النص بوصفه رواية وعي ومقاومة معرفية.
رواية "ماتريوشكا: أرواح من قطن" لا تكتفي بالاشتغال على الذاكرة الفردية، بل:
- تُعيد كتابة الذاكرة الوطنية الجزائرية
- تُؤرشف الجرائم الاستعمارية فنيًا
- وتُقدّم بطولة جهادية معرفية قوامها: الكشف، التذكّر، مقاومة النسيان.
وهو ما يجعل الرواية نصًّا فنيًا مقاومًا، يشتغل ضد الاستعمار في زمن ما بعد السلاح، بأدوات الوعي والسرد.

خامسًا: المستوى البصري: تشكّل المعنى عبر الصورة المتخيَّلة
يشتغل المستوى البصري في رواية "ماتريوشكا: أرواح من قطن" بوصفه آلية إدراك قبل أن يكون وصفًا مشهديًا؛ فالرواية لا تُغرق في المشهدية السينمائية الصريحة، بل تبني صورها عبر اللمح، والتجزئة، والتكثيف، ما يجعل القارئ يُنتج الصورة في ذهنه بدل أن تُقدَّم له مكتملة.
1. الصورة الجزئية بدل المشهد الكامل
مثلًا، في أحد مشهديات الرواية، تعتمد الرواية على: لقطة العظام، ومشهد الجمجمة، ولمعان السيف تحت التراب، وظلّ الصندوق المغلق.
ولا تقدّم المكان في صورة بانورامية شاملة.
هذا التفتيت البصري ينسجم مع:
تشظّي الذاكرة، وتكسّر التاريخ، واستحالة رؤية الحقيقة كاملة دفعة واحدة.
ذرائعيًا، الصورة الجزئية تُجبر القارئ على إعادة التركيب، فيتحوّل من مشاهد سلبي إلى مشارك بصري في إنتاج المعنى.
2. البصر بوصفه أداة قلق لا طمأنينة
الرؤية في الرواية ليست فعل سيطرة، بل فعل ارتياب:
ما يُرى لا يُفهم كاملًا، وما يظهر يهدّد بالكشف، وما يلمع (السيوف، الصندوق) يحمل خطرًا أخلاقيًا
وهذا يجعل البصر:
أداة توتر معرفي، لا وسيلة كشف مريح. وهو ما يتناغم مع أخلاق الكشف المؤجَّل التي تحكم الرواية.
3. المكان بوصفه صورة حيّة
المكان الأثري لا يُوصف بوصفه هندسة أو مساحة، بل بوصفه:
جسدًا يرتعش، وفضاءً معتمًا، ودهليزًا بصريًا يبتلع الضوء.
تُبنى الصورة هنا عبر:
الظل، العتمة، اللمعان الخاطف.
وهي ثنائية بصرية (الضوء/العتمة) تحمل دلالة واضحة:
العتمة = الطمس الاستعماري
اللمعان = ومضة الذاكرة والمقاومة
4. البصري والإيحائي: تواطؤ الصمت والصورة
لا تعمل الصورة البصرية في الرواية منفصلة عن الإيحائي، بل:
الصورة تُلمّح، ولا تُصرّح، وتترك فراغًا دلاليًا.
فمشهد الجمجمة أو الصندوق لا يُشرح أخلاقيًا، بل يُترك:
ليعمل بصريًا في وجدان القارئ كصدمة صامتة؛ وهذا ما يمنح الصورة قوة تأثير تتجاوز الوصف.
5. الأثر التداولي للمستوى البصري
ذرائعيًا، ينجح المستوى البصري في:
- خلق توتر وجداني
- تثبيت الذاكرة في شكل صورة لا تُنسى
- دعم البعد الوطني الجهادي دون خطاب مباشر
فالصورة هنا: تقوم بما لا تقوله اللغة، وتُرسّخ ما لا يُعلَن.
إذن، يتبدّى المستوى البصري في "ماتريوشكا: أرواح من قطن" بوصفه مستوى:
- غير استعراضي
- غير سينمائي مباشر
- لكنه عالي الكثافة الدلالية
إنه بصرٌ متردّد، قَلِق، ومجزّأ، ينسجم مع:
طبيعة الذاكرة الجريحة، وأخلاق الكشف، وتجربة المقاومة المعرفية
وبذلك، لا تكون الصورة عنصر تزيين، بل أداة وعي تُكمل المستويات الإيحائية والديناميكية، وتُسهم في بناء الأثر الكلي للرواية.

سادسًا: المستوى النفسي
- الأنثى بوصفها ذاكرة حيّة
الأنثى في الرواية ليست ذاتًا اعترافية ولا خطابًا احتجاجيًا مباشرًا، بل:
حاملة لذاكرة مركبة، ووسيطًا بين الفردي والوطني:
شاهد:
" المدن التي تكبر في داخلي، وتتربع على عرش ذكرياتي الماضية والحاضرة، كدليل يعلمني أن الأشياء الجديدة غالبًا ما تستوطن الذاكرة القديمة." (ص 15)
الجسد الأنثوي يتحوّل إلى مستودع ذاكرة، لا منصة خطاب، وهو ما يمنح النص عمقه النفسي والرمزي.

- التناصّ الروائي (مقارنة ذرائعية)
وتدخل "رواية ماتريوشكا: أرواح من قطن" في حوار تناصيّ دلالي مع عدد من الروايات العربية، من بينها أعمال أحلام مستغانمي، وغسان كنفاني، ونوال السعداوي، وجوخة الحارثي، وعبد الرحمن منيف، والطيب صالح، حيث لا يقوم التناصّ على المحاكاة، بل على تقاطع الأسئلة السردية حول الذاكرة، والأنثى، والمكان، والبطولة.
تدخل الرواية في حوار دلالي وبنيوي مع روايات:
الذاكرة (ذاكرة الجسد)
الأنثى (امرأة عند نقطة الصفر، سيدات القمر)
المكان (مدن الملح)
والسرّ (موسم الهجرة إلى الشمال)
1) التناص مع ذاكرة الجسد
محور: الذاكرة كجرحٍ ساكن في الجسد
الشاهد النصّي:
"إنها ترتعش، في صمتٍ كضياءِ شمعةٍ في مهبّ الريح… نسمع هسيس الأشياء، ونشعر بكلامها الخفيّ."
(ص 9–10)
التوظيف الذرائعي:
الذاكرة هنا إحساس جسدي/نفسي صامت، لا خطاب اعترافي مباشر، وهو ما يوازي ذاكرة الجسد دلاليًا، ويختلف عنها وظيفيًا بتحويل الجرح إلى تجربة حسّية مؤجَّلة.
2) التناص مع رجال في الشمس
محور: الحاوية / الصمت / الموت المؤجَّل
الشاهد النصّي:
"لا تفتحوه! قد تصيبنا لعنة باندورا!" (ص 38)
ويليه مباشرة:
"حياتنا كلّها صناديق مغلقة، وكذبة كبيرة نختبئ خلفها." (ص 38)
التوظيف الذرائعي:
الصندوق، كما الخزان عند كنفاني، فضاء صامت قاتل، غير أن الرواية تحوّله من أداة إعدام إلى بؤرة سؤال أخلاقي: الصمت هنا ليس موتًا نهائيًا، بل معرفة خطرة.
3) التناص مع (امرأة عند نقطة الصفر) لنوال السعداوي
محور: الجسد الأنثوي كحامل للذاكرة
الشاهد النصّي:
"... لا تتحرك، ولا تتكلم ولا تتعرى، ولا تبلسم جروحها" (ص 9)
التوظيف الذرائعي:
الجسد الأنثوي هنا لا يعلن قمعه خطابًا، بل يختزنه إحساسًا، ما ينقل التجربة من المواجهة الصريحة إلى التوتّر النفسي الطويل الأثر.
4) التناص مع (سيدات القمر) لجوخة الحارثي
محور: الذاكرة الأنثوية العابرة للأجيال
الشاهد النصّي:
"الأماكن تشبهنا في الفقد، وتسكننا عند الاشتياق، وتغرقنا في الحنين، نختبئ في دهاليزها المظلمة ، ونتوشّح بابتسامة شمس صباح لنضيء بها الأمكنة المنسية في أعماقنا." (ص 12)
التوظيف الذرائعي:
الذاكرة هنا لا تُنقل سرديًا بين نساء بأسمائهن، بل تُضمَر في المكان، فيتحوّل الصمت إلى وسيط تاريخي.
5) التناص مع (مدن الملح) ل عبد الرحمن منيف
محور: المكان ككائن حيّ وفاعل
الشاهد النصّي:
"مدن عُلقت على مدافنها الحكايات الخالدة لضحايا الحب الموجع في طي النسيان" (ص12)
التوظيف الذرائعي:
المكان في الرواية ليس خلفية للأحداث، بل ذات متألمة، وهو ما يلتقي مع منيف في فاعلية المكان، ويختلف عنه بتحويل السياسة إلى نفسٍ إنساني.
6) التناص (مع موسم الهجرة إلى الشمال) ل الطيب صالح
محور: السر / الصندوق / الازدواجية الداخلية
الشاهد النصّي:
"كل شخص فينا يسكن في صندوقه وحش صغير… وتختلف صناديق ذواتنا المغلقة."(ص 38)
التوظيف الذرائعي:
السرّ هنا داخلي لا حضاري؛ الصندوق يحلّ محل الغرفة السرّية عند الطيب صالح، بوصفه موضع الصراع الباطني لا الصدام الخارجي.

الخلاصة :
أن التناص في "ماتريوشكا: أرواح من قطن" تناص تداولي موثَّق، يقوم على:
- تقاطع الأسئلة لا استنساخ الأجوبة
- وتشغيل الرمز لا تكرار الحكاية
التناص هنا وظيفي لا استنساخي كما أسلفنا، إذ: تتحوّل الذاكرة من اعتراف إلى احتواء، والبطولة من فعل عسكري إلى وعي مقاوم، والمكان من خلفية إلى شاهد جهادي صامت.

سابعًا: المستوى الإيحائي: حين يُقال المعنى دون أن يُصرَّح به
يُعدّ المستوى الإيحائي أحد أكثر المستويات فاعلية في رواية "ماتريوشكا: أرواح من قطن"، إذ لا تقوم التجربة السردية فيها على التصريح أو المباشرة، بل على توليد المعنى عبر الإيماء والرمز والصمت. فالنص لا يقدّم أفكاره الكبرى (الذاكرة، الاستعمار، البطولة، الجهاد، الألم) بوصفها معطيات جاهزة، بل يُودعها في بنية إيحائية تتطلّب قارئًا مشاركًا في الاكتشاف.
1. الإيحاء بوصفه استراتيجية سردية
تعتمد الرواية على:
الصندوق بدل الحقيقة، الأثر بدل الحدث، الارتعاش بدل الصراخ، الصمت بدل الخطاب.
وهذا يعني أن الإيحاء ليس تزيينًا لغويًا، بل اختيارًا استراتيجيًا نابعًا من وعي الكاتبة بأن:المعنى العميق لا يُلقَّن، بل يُستدرج.
2. الإيحاء والذاكرة: ما لا يُقال أكثر مما يُقال
الذاكرة في الرواية لا تُسرد كاملة، بل تُستدعى عبر:
- ارتجاف المكان.
- همس الأشياء.
- توتر الشخصيات أمام الرموز.
هذا الحضور الناقص للذاكرة يولّد إيحاءً مستمرًا بأن:
ما خفي أعنف مما ظهر، وأن الصمت نفسه حامل للمعنى.
ذرائعيًا، يتحوّل الإيحاء هنا إلى أداة ضغط نفسي على القارئ، تجبره على ملء الفراغات وتأويل الغياب.
3. الإيحاء في تمثيل الاستعمار والبطولة
لا تُسمّى الجرائم الاستعمارية دائمًا بأسمائها، بل تُلمَّح عبر:
- الجماجم
- الرفات
- السيوف المدفونة
- الصناديق المغلقة
والبطولة لا تُعرض في مشاهد مواجهة، بل تُفهم إيحائيًا بوصفها:
بقاء الذاكرة، مقاومة النسيان، الإصرار على الكشف.
وهنا تتجلّى قوة الإيحاء: إذ يُحوّل البطولة من صورة بطولية جاهزة إلى تجربة أخلاقية داخل القارئ.
4. الإيحاء والأنثى: الجسد بوصفه لغة صامتة
الأنثى في الرواية لا تشرح ألمها، بل: ترتعش، تصمت، تُخفي جراحها.
وهذا الصمت ليس ضعفًا، بل لغة إيحائية عالية الكثافة، تجعل الجسد نفسه نصًا مفتوحًا على التأويل، وتمنح التجربة الأنثوية عمقًا إنسانيًا يتجاوز الاعتراف والخطاب المباشر.
5. الإيحاء وأثره التداولي
وفق المنهج الذرائعي، يُقاس الإيحاء بقدرته على: إشراك القارئ، إرباك اليقين، تأجيل الاكتمال الدلالي.
وتنجح الرواية في ذلك عبر:
ترك نهايات مفتوحة، وتجنّب التفسير النهائي، والاكتفاء بإشارات تقود ولا تُمسك.
فيتحوّل القارئ من متلقٍ إلى شريك تأويلي.
إذن، يمثّل الإيحاء في "ماتريوشكا: أرواح من قطن" قلب التجربة الجمالية والمعرفية، إذ:
- يحمي النص من المباشرة
- ويمنحه عمقًا تأويليًا
- ويجعل المقاومة والبطولة والذاكرة معاني تُعاش لا تُلقَّن
وبذلك، لا يكون الإيحاء مجرد مستوى فني، بل أداة وعي وجهاد معرفي، تنسجم تمامًا مع الرؤية الذرائعية التي ترى أن أقوى المعاني هي تلك التي لا تُقال كاملة.

ثامنًا: المستوى اللغوي والجمالي: الاقتصاد التعبيري وجمالية الصمت
يُبنى المستوى اللغوي والجمالي في رواية «ماتريوشكا: أرواح من قطن» على مبدأ الاقتصاد لا الزخرفة، وعلى جمالية تقوم على الاختزال، والتلميح، والانزياح الهادئ، لا على البيان الخطابي أو التزيين البلاغي. فاللغة في الرواية ليست وسيطًا محايدًا لنقل الحدث، بل أداة تشكيل للوعي، تعمل في تناغم وثيق مع المستويات الديناميكية والإيحائية والبصرية.
1. لغة غير تقريرية: السرد بوصفه همسًا
تتجنّب الرواية اللغة التقريرية والتفسيرية، فلا تشرح مشاعر الشخصيات، ولا تُفصّل دلالات الرموز، بل تعتمد:
جُمَلًا قصيرة نسبيًا، تراكيب هادئة، إيقاعًا لغويًا متأنّيًا.
هذا الاختيار يمنح اللغة طابعًا همسيًا، ينسجم مع:
ثِقَل الذاكرة، حساسية الكشف، وخطورة المعنى المؤجَّل.
الشاهد:
" إنها ترتعش في صمت كضياء شمعة في مهب الريح، ترتعد في كل الأماكن المغلقة.... ونشعر بكلامها الخفي الذي لا يُفهم"(ص 9)
الدلالة الجمالية:
لغة تعتمد التشخيص والانزياح الهادئ، وتُحيل إلى الألم عبر الفعل ("ترتعش"، "كلامها الخفي") لا عبر التفسير المباشر، ما يؤسس لجمالية منخفضة النبرة.
ذرائعيًا، اللغة هنا لا تُقنع بالقوة، بل تُؤثّر بالتراكم الصامت.
2. الانزياح اللغوي بوصفه أداة إيحائية
لا تلجأ الكاتبة إلى المجاز الصارخ، بل إلى انزياح لغوي دقيق، يظهر في:
تشخيص المكان، إضفاء الارتعاش على الأشياء، تحويل الصمت إلى دلالة.
فاللغة لا تقول إن المكان متألم، بل تجعله:"يرتعش" "يهمس" "يخفي جراحه"
"نشعر بكلامها الخفيّ، ذاك الذي لا يُفهم" (ص9)
الدلالة الجمالية:
اللغة هنا تُحوِّل الصمت إلى كيان دلالي، وتمنح "اللامقول" قيمة جمالية ومعرفية، وهو ما يعزّز الإيحائي دون خطاب.
وهذا الانزياح لا يخدم الزينة، بل يُنتج كثافة إيحائية تجعل اللغة قادرة على حمل المعنى التاريخي والنفسي دون تصريح.
3. جمالية الصمت والفراغ النصّي
من أبرز ملامح المستوى الجمالي في الرواية حضور الصمت بوصفه مكوّنًا لغويًا:ما لا يُقال، ما يُترك ناقصًا، ما يُعلّق دون خاتمة.
الفراغات النصية ليست ضعفًا في التعبير، بل جزء من الجماليات المقصودة، إذ تفتح المجال أمام القارئ ليُكمل المعنى، ويتورّط وجدانيًا في النص.
"لكنني ... ابتلعت لساني." (ص41)
الدلالة الجمالية:
الفراغ النصي (…) جزء من البناء الجمالي، حيث يُحمَّل الصمت معنىً أكبر من الكلام، وتُترك المسافة التأويلية للقارئ.
وهنا تتحقّق الذرائعية الجمالية:
الجمال ليس في الاكتمال، بل في المسافة بين النص والقارئ.
4) الاقتصاد التعبيري في وصف الأثر
الشاهد:
"عظامٌ بشرية… نقود برونزية متآكلة… ومومياء صغيرة ملفوفة في القماش." (ص 28)
الدلالة الجمالية:
لغة تقريرية ظاهرًا، لكنها جمالية وظيفيًا؛ إذ يعتمد السرد على التعداد البارد، ما يزيد من وقْع الصدمة ويمنع التهويل البلاغي.
5) الصورة اللغوية المكثفة (اللغة–البصر)
الشاهد:
"فهي مدن لا أرى فيها سطوع الشمس ولا شفق المغيب." (ص18)
الدلالة الجمالية:
جملة قصيرة، مكثفة، تقوم على مفارقة الضوء/العتمة، وتُنتج صورة بصرية إيحائية عالية التأثير دون أي شرح.
6) اللغة بوصفها موقفًا أخلاقيًا
الشاهد:
"حياتنا كلّها صناديق مغلقة… وكذبة كبيرة نختبئ خلفها." (ص 39)
الدلالة الجمالية:
الجملة تجمع بين البساطة التركيبية والعمق الدلالي، وتُظهر كيف تتحوّل اللغة من وصف إلى موقف أخلاقي دون خطاب مباشر.
7) جمالية التلميح في تمثيل العنف الاستعماري
الشاهد:
"ذكّرتني جمجمة (رأس المحنة) بجماجم شهداء المقاومة الشعبية… وهرّبتها في صناديق مرقّمةإلى ما وراء البحار". (ص 30)
الدلالة الجمالية:
اللغة لا تصرخ، بل تُلمّح، وتترك للصورة التاريخية أن تُنتج أثرها الأخلاقي والجمالي عبر الاقتصاد اللفظي.
8) الإيقاع الداخلي واللغة البطيئة
الشاهد:
"مشيت خطوات بظهر منحنٍ، يؤلمني منذ فترة طويلة" (ص36)
الدلالة الجمالية:
الإيقاع اللغوي يحاكي الحركة الديناميكية البطيئة، فتغدو اللغة امتدادًا لزمن الوعي لا مجرّد أداة وصف.
بل تُنتج إيقاعها عبر:
البطء، التقطيع، التوازن بين الجملة والفكرة
وهذا الإيقاع الداخلي ينسجم مع:
حركية السرد البطيئة، والدائرية الديناميكية، والبعد التأملي للتجربة
فتغدو اللغة امتدادًا لحركة الوعي، لا عنصرًا منفصلًا عنها.
9) اللغة والجمال بوصفهما موقفًا أخلاقيًا
لا يمكن فصل المستوى اللغوي والجمالي عن الموقف الأخلاقي للنص؛ فاختيار:
لغة غير صاخبة، وجماليات غير استعراضية، وبلاغة منخفضة النبرة
هو موقف واعٍ ضد:
- الاستهلاك العاطفي
- والتجميل الزائف للألم
- وتحويل المأساة إلى مشهدية
وبذلك تصبح الجمالية نفسها أخلاق كتابة، لا مجرد ذائقة أسلوبية.

إذن ، يتجلّى المستوى اللغوي والجمالي في "ماتريوشكا: أرواح من قطن" في لغة:
- مقتصدة
- موحية
- منخفضة النبرة
- عالية الكثافة الدلالية
لغة لا تُعلن المعنى، وإنما تُهيّئه، ولا تُغري بالبلاغة، لكن تدعو إلى التأمّل.
وهو ما يجعل الجمال في الرواية جمالًا وظيفيًا، يخدم الذاكرة، ويُعزّز المقاومة المعرفية، ويُكمِل المشروع الإبداعي للنص.
أن المستوى اللغوي والجمالي في الرواية يقوم على:
- الاقتصاد التعبيري
- الانزياح الهادئ
- جمالية الصمت
- تكامل اللغة مع الإيحائي والبصري والديناميكي
وهو ما يجعل اللغة في "ماتريوشكا: أرواح من قطن" لغة وظيفية مقاومة، لا بلاغية استعراضية.


عاشرًا: دراسة التجربة الإبداعية
من الذاكرة الفردية إلى الكتابة بوصفها مقاومة معرفية
تنطلق رواية "ماتريوشكا: أرواح من قطن" من تجربة إبداعية واعية، لا تقوم على الانفعال الآني أو التخييل الحرّ وحده، بل على مشروع كتابة مُدرك لوظيفته المعرفية والتاريخية. فالنص لا يُنتج سردًا للمتعة الجمالية فقط، بل ينهض بوصفه فعل وعي ومساءلة، يتقاطع فيه الذاتي بالوطني، والأنثوي بالتاريخي.
1. وعي الكاتبة بوظيفة السرد: تكشف بنية الرواية عن كاتبة:
لا تكتب لتروي ما حدث، وإنما لتسأل: كيف يُمحى التاريخ؟ وكيف يُعاد كشفه؟
اختيار الرمز المركزي (الصندوق/الماتريوشكا)، والمكان الأثري، واللقى التاريخية، يدلّ على وعي مسبق بأن السرد أداة كشف، وأن الرواية قادرة على أداء دور معرفي موازٍ للوثيقة التاريخية، دون أن تحلّ محلّها.
ذرائعيًا، تتجلّى التجربة الإبداعية هنا بوصفها:
انتقالًا من الكتابة بوصفها تعبيرًا، إلى الكتابة بوصفها ممارسة معرفية مقصودة
2. من التجربة الشعورية إلى البناء الفني
لا تنطلق الرواية من تجربة شعورية خام، بل من:
تجربة تأمّل في الذاكرة، وإعادة ترتيبها فنيًا، وصياغتها ضمن بنية احتواء طبقية.
وهذا يفسّر:
- بطء الإيقاع
- غياب الذروة التقليدية
- هيمنة الكشف على الحدث
وهي اختيارات فنية تعكس نضجًا في التجربة الإبداعية، حيث لا تُقاد الكاتبة بالحدث، بل تقوده.
3. التجربة الأنثوية بوصفها وعيًا لا خطابًا:
تحضر التجربة الأنثوية في الرواية لا بوصفها:
اعترافًا ذاتيًا، ولا خطابًا احتجاجيًا مباشرًا، وإنما بوصفها وعيًا صامتًا يحمل:
- الجرح
- والذاكرة
- والمسؤولية التاريخية
فالأنثى في الرواية ليست "موضوع كتابة"، بل أداة رؤية، ترى العالم من زاوية إنسانية، وتعيد ترتيب البطولة بعيدًا عن النماذج الذكورية التقليدية.
وهذا يشي بتجربة إبداعية تجاوزت مرحلة إثبات الصوت الأنثوي، إلى مرحلة توظيفه معرفيًا.
4. الكتابة بوصفها جهادًا معرفيًا:
في ضوء البعد الوطني الجهادي، يمكن قراءة التجربة الإبداعية للكاتبة بوصفها:
امتدادًا رمزيًا للمقاومة، وفعلاً ثقافيًا في مواجهة السردية الاستعمارية
فالكتابة هنا: لا تُطلق الشعارات، ولا تستعيد البطولات بصورة مباشرة، بل تمارس جهاد الذاكرة:
- عبر كشف الرفات
- واستحضار الجماجم
- وتحويل المكان إلى شاهد
وهو ما يجعل التجربة الإبداعية جزءًا من مشروع وعي وطني، وليس مجرّد فعل فني فردي.
5. أثر التجربة الإبداعية في المتلقي (البعد التداولي):
ذرائعيًا، لا تُقاس التجربة الإبداعية بنيّة الكاتب فقط، بل بـ أثرها في القارئ، وتنجح الرواية في:
- إرباك اليقين السهل
- إشراك القارئ في السؤال الأخلاقي
- دفعه إلى إعادة التفكير في التاريخ والذاكرة
وبذلك تتحقق الوظيفة الذرائعية العليا:تحويل القارئ من مستهلك للسرد إلى شريك في الكشف

بالنتيجة : تكشف رواية "ماتريوشكا: أرواح من قطن" عن تجربة إبداعية ناضجة:
- واعية بوظيفة الرواية
- مدركة لخطورة الذاكرة
- ومُنخرطة في مشروع مقاومة معرفية ضد النسيان الاستعماري
وهي تجربة لا تفصل بين:
- الجمالي والمعرفي
- الذاتي والوطني
- الأنثوي والتاريخي
بل تدمجها في فعل كتابة واحد، يُثبت أن الرواية ما تزال قادرة على أداء دور ثقافي وجهادي في زمن ما بعد الاستعمار.

في الختام:
تُقدّم رواية ماتريوشكا: أرواح من قطن نصًا سرديًا مركّبًا، ينجح في بناء بنية معرفية فنية وتاريخية، تُعيد الاعتبار للذاكرة الوطنية الجزائرية، وتُفكّك السردية الاستعمارية لا عبر الخطاب المباشر، بل عبر الرمز، والمكان، والأنثى، والأثر.
ومن منظور ذرائعي، تتبدّى الرواية بوصفها نصًا مقاومًا معرفيًا، يقدّم بطولة وطنية وجهادية من نوع مختلف:
- بطولة الوعي
- وجهاد الذاكرة
- ومقاومة النسيان
وهي رواية لا تسأل: ماذا حدث؟ بل تسأل: هل نحتمل أن نعرف، وألا ننسى؟
"وتتّكئ هذه القراءة، في بعدها الوطني، على ما وثّقته الدراسات التاريخية حول سياسات الإخفاء والتجويع وقطع الرؤوس التي انتهجها الاستعمار الفرنسي في الجزائر، وهو ما تعيد الرواية تفكيكه سرديًا عبر الذاكرة والمكان والأثر."

#دعبيرخالديحيي مرسين- تركيا 20 / 12/ 2025













المراجع

1. بنّور، عائشة. (سنة النشر). ماتريوشكا: أرواح من قطن. الجزائر: دار نشر خيال للنشر والترجمة
2. مستغانمي، أحلام. (1993). ذاكرة الجسد. بيروت: دار الآداب.
3. كنفاني، غسان. (1963). رجال في الشمس. بيروت: دار الآداب.
4. السعداوي، نوال. (1975). امرأة عند نقطة الصفر. بيروت: دار الآداب.
5. الحارثي، جوخة. (2010). سيدات القمر. بيروت: دار الآداب.
6. منيف، عبد الرحمن. (1984–1989). مدن الملح (خماسية روائية). بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر.
7. صالح، الطيب. (1966). موسم الهجرة إلى الشمال. بيروت: دار العودة.
8. الغَالِبي، عبد الرزاق عودة. (2019). الذرائعية بين المفهوم الفلسفي واللغوي. طنطا: دار النابغة للنشر والتوزيع.
9. الغَالِبي، عبد الرزاق عودة. (2021). الذرائعية والعقل. بغداد: منشورات اتحاد الكتّاب العراقيين.
10. يحيى، عبير خالد. (2020). قصيدة النثر العربية المعاصرة بمنظور ذرائعي. القاهرة: دار الحكمة.
11. يحيى، عبير خالد. (2022). الأدب النسوي العربي المعاصر بمنظور ذرائعي. القاهرة: دار المفكر العربي.
12. يحيى، عبير خالد. (2023). القصّ الموجز المكثف (ق.م.م). القاهرة: دار الأدهم للنشر والتوزيع.
13. أبو القاسم سعد الله. (1981). الحركة الوطنية الجزائرية (جـ1). الجزائر: المؤسسة الوطنية للكتاب.
14. أبو القاسم سعد الله. (2007). تاريخ الجزائر الثقافي (جـ1–جـ4). بيروت: دار الغرب الإسلامي.
15. ستورا، بنيامين. (2004). تاريخ الجزائر منذ الاستعمار إلى الاستقلال (ترجمة: عمار عمار). الجزائر: دار القصبة.
Stora, B. (1991). Histoire de l’Algérie coloniale. Paris: La Découverte.
16. عباس، فرحات. (1980). تشريح حرب. بيروت: دار الطليعة.
17. بن نبي، مالك. (1986). شروط النهضة. دمشق: دار الفكر.
18. بن نبي، مالك. (1987). مشكلة الثقافة. دمشق: دار الفكر.
19. مينييه، جيلبير. (1999). الجزائر: حرب بلا صور (ترجمة عربية). باريس/الجزائر: منشورات CNRS – دار القصبة.
20. أجرون، روبير. (2002). تاريخ الجزائر المعاصرة (ترجمة عربية). الجزائر: دار الأمة.






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- ريهام عبد الغفور.. صورة الفنانة المصرية تحدث جدلا ونقابة الم ...
- زلزال -طريق الملح- يضرب دور النشر في لندن ويعيد النظر إلى أد ...
- الكوميدي هشام ماجد: أنا ضد البطل الأوحد وهذا دور والدتي في ح ...
- فنان هندي يصنع تمثالًا لبابا نويل باستخدام 1.5 طنًا من التفا ...
- مكتبة الحكمة في بغداد.. جوهرة ثقافية في قبو بشارع المتنبي
- وفاة الممثل الفلسطيني المعروف محمد بكري عن عمر يناهز 72 عاما ...
- قرار ترامب باستدعاء سفراء واشنطن يفاقم أزمة التمثيل الدبلوما ...
- عرض فيلم وثائقي يكشف تفاصيل 11 يوما من معركة تحرير سوريا
- وفاة الممثل والمخرج الفلسطيني محمد بكري عن عمر يناهز 72 عاما ...
- رحيل محمد بكري.. سينمائي حمل فلسطين إلى الشاشة وواجه الملاحق ...


المزيد.....

- دراسة تفكيك العوالم الدرامية في ثلاثية نواف يونس / السيد حافظ
- مراجعات (الحياة الساكنة المحتضرة في أعمال لورانس داريل: تساؤ ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ليلة الخميس. مسرحية. السيد حافظ / السيد حافظ
- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عببر خالد يحيي - الذاكرة بوصفها بنية سردية وفعلًا تداوليًا دراسة ذرائعية مقارنة في رواية -ماتريوشكا: أرواح من قطن- للكاتبة الجزائرية عائشة بنّور