أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - عبدالله الفكي البشير - السودان: الإرث الثوري لدولة ما بعد الاستقلال: إضاءة على ثورة 19 ديسمبر 2018 (3- 5)















المزيد.....

السودان: الإرث الثوري لدولة ما بعد الاستقلال: إضاءة على ثورة 19 ديسمبر 2018 (3- 5)


عبدالله الفكي البشير
كاتب وباحث سوداني

(Abdalla Elfakki Elbashir)


الحوار المتمدن-العدد: 8564 - 2025 / 12 / 22 - 18:14
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


"عندما تشتعل الثورة من جديد في عقول الشعب فإنها تكون قد بدأت المرحلة الإيجابية.. وهذه في الحقيقة هي الثورة الكبرى. وواجب اشعالها يقع على أفراد الشعب عامة وعلى المثقفين بصفة خاصة، بتسليط الأضواء على الركود الفكري والتبعية العمياء للطائفية السياسية والطائفية الدينية التي يرسف في أغلالها أغلبية شعبنا".
محمود محمد طه، 15 أكتوبر 1965


ثورة العقول والوعي المتنامي

عبَّرت ثورة 19 ديسمبر عن ثورة عقول يشهدها السودان. حيث الوعي الجديد، وإعادة التعريف للذاتية السودانية، إلى جانب أشواق التحرر من الأوصياء على العقول. وهنا أستميح القراء الكرام عذراً بأن أورد الفقرة الآتية كما جاءت بالنص في ورقة كنا قد فرغنا من إعداداها في 21 يوليو 2014، وكانت الورقة بعنوان: ثورة أكتوبر ومناخ الستينيات: الانجاز والكبوات (قراءة أولية)"، ونُشرت ضمن: حيدر إبراهيم علي وآخرون (تحرير)، خمسون عاماً على ثورة أكتوبر السودانية (1964- 2014) نهوض السودان الباكر، (مجموعة مؤلفين)، مركز الدراسات السودانية، القاهرة، 2014. فالفقرة تخاطب هذا المحور، فهي تقول:
"إن المد الثوري، كحالة إنسانية تنشد التغيير والتحرير، في حالة توسع وتجدد واستمرار. كما أن مغذيات الثورة الشعبية وأسبابها في السودان، اتسعت وتعمقت الآن، أكثر من أي وقت مضى، وتسربت إلى وعي الجماهير، بمعزل عن الأوصياء على العقول، ولهذا فنحن الآن على مشارف انفجار "الثورة الكبرى". وهي ثورة ستشتعل في عقول الجماهير، وهدفها التغيير الشامل والجذري، ولا يفصلنا عنها، سوى لحظة الاجماع، وقيام المثقفين بواجبهم نحو اشعالها في عقول الجماهير. فمتى ما تمت الثورة الكبرى، الآن أو مستقبلاً، ستكون إدارة السودان على أساس التعدد الثقافي، وقيم الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية وكرامة الإنسان، من أبجديات الحراك السياسي والفكري، وعندها ستتم الوحدة بين أقاليم السودان المختلفة، بما في ذلك جنوبه، الذي اختار اسم (جمهورية جنوب السودان) لدولته وفي هذا نبوءة مستقبلية لوحدة قادمة" .

ثورة 19 ديسمبر والتاريخ الجديد للثورات الإنسانية

أودع الشعب السوداني العملاق في سجل الثورات الإنسانية، أعظم لوحة في التاريخ الثوري للشعوب، كان قوامها السلمية والاجماع وقوة الإرادة، وشعارها حرية سلام وعدالة. اندلعت الثورة في 19 ديسمبر 2018، واستمرت على مدى (142) يوماً من الحراك الثوري المتواصل والمنضبط في المواقيت مع الالتزام بالسلمية والاصرار على المواجهة. كان الشعب السوداني يخرج في مسيرات جماهيرية ضخمة وسلمية، وصفتها بعض وسائل الإعلام العالمية، بأنها من حيث الحجم والسلمية تمثل تاريخاً جديداً للثورات الإنسانية. ظل هذا الحراك الثوري بهذه العزيمة والحيوية والعنفوان حتى انهار النظام المستبد فسقط في 11 أبريل 2019.
كانت ثورة 19 ديسمبر تعبيراً عن أشواق الشعب السوداني في مستوى جديد. فالثورة لم تكن محصورة في المركز أو العاصمة الخرطوم، كما هو الحال مع ثورة أكتوبر 1964، وانتفاضة أبريل 1985، وإنما كانت كل أقاليم السودان حاضرة وبقوة في الحراك الثوري. بل أن الثورة اندلعت في الأقاليم أولاً، ثم لحقت الخرطوم بالركب الثوري. وفي هذا دلالات تتصل بالشعور بالوحدة والتضامن مع المناطق والجماعات المهمشة في السودان، إلى جانب اتساع رقعة التهميش. فقد كانت ثورة 19 ديسمبر خلاصة لتراكم نضالي طويل شارك فيه أهل الهامش الذين قادوا الثورة المسلحة في جنوب وغرب وشرق السودان، من أجل الحقوق وكرامة الإنسان السوداني، فكان شهداء الهامش، إلى جانب شهداء 19 ديسمبر، هم وقود الثورة. كما تميزت ثورة 19 ديسمبر عن الثورات السودانية السابقة، وربما عن كل الثورات في العالم، بأنها ثورة المهمشين المرأة والشباب والأطفال. فقد كانت المرأة هي القائد والأعلى صوتاً وحضوراً في الميدان الثوري، كما قدم الشباب نموذجاً نادر المثيل في التضحية والفداء والجسارة.

ثورة تحالف المهمشين المرأة والشباب
المرأة السودانية وتجسيد الكنداكة في أفق جديد

كانت المرأة عنواناً لثورة 19 ديسمبر، بل يمكننا، من دون مبالغة، أن نطلق على هذه الثورة "ثورة المرأة"، باعتبار ما قدمته من عطاء وتضحية وحضور مستمر. فقد قدمت المرأة السودانية أعظم نموذج إرشادي للثورة من أجل التغيير. تقدمت صفوف الحراك الثوري، وظلت مقيمة في الميادين العامة من أجل استمرار الثورة، وهي تستنهض الشباب والرجال. نتيجة لهذا الحضور القوي استطاعت المرأة السودانية، ليس استدعاء الإرث الثوري في أكتوبر 1964، وانتفاضة أبريل 1985، وطاقة التعدد الثقافي الذي ينعم به السودان، فحسب؛ وإنما استدعت إرثاً حضارياً يعود إلى آلاف السنين، حيث بعثت اسم الكنداكة وجسدته في أفق جديد. أخرجت المرأة السودانية بقوة عزيمتها واصرارها على الانتصار مفردة الكنداكة من جوف تاريخ السودان. إذ لم يكن هناك ما يضاهي ما قدمته المرأة السودانية من بذل وتضحيه في الثورة، سوى دور الكنداكة ودلالاتها في معنى الصمود والاستعداد للمواجهة وتحقيق الانتصار في حقبة كوش Kush (750ق.م.- 350م). فالكنداكة هو لقب ملوكي يشير إلى "المرأة القوية" أو "الملكة العظيمة"، وأطلق على عدد من الملكات اثنين منهن كانتا من أعظم ملكات كوش اللائي تميزن بالقوة والحنكة والانتصار، وهما الملكة أماني ريناس (40 ق. م- 10 ق. م) والملكة والحاكم أماني شاخيتي (شاخيتو) (10 ق.م – 1م).
أستطاعت المرأة السودانية من خلال دورها في ثورة 19 ديسمبر أن تحقق بعثاً حضارياً وثقافياً حرمت منه شعوب السودان وظلت منبتة عنه حتى اندلاع الثورة، فاستدعت فيما استدعت الكنداكة. وبهذا يمكن القول بأن المرأة السودانية نجحت في سودنة ثورة 19 ديسمبر وتجذيرها في أعماق التاريخ السوداني. شاعت مفردة الكنداكة، بعد الثورة، في العالم، فاحتفى بها العالم إيما إحتفاء، وهو احتفاء لا ينفصل عن الاحتفاء بثورة 19 ديسمبر، الأمر الذي أعاد للمواطن السوداني بعضاً من كرامته في الشارع العالمي.

التضحية في سبيل الوطن تمنع الانتهازية في الممارسة السياسية
ثورة 19 ديسمبر وشهداء الحرية من الشباب اليافعين

"من ذا الذي يزعم أن الحرية تفدى بأقل من الأنفس الغوالي؟"
محمود محمد طه، سبتمبر 1955

قدم الشباب السوداني في ثورة 19 ديسمبر الشعبية، تضحية لم يشهدها السودان من قبل. فقد واجه الشباب اليافع قمع النظام وقسوته بصدور عارية، وظلوا على استعداد لمواجهة الموت وكل أشكال العنف، وفي هذا إخلاص للسودان وشعور بوحدة المصير لم نجد له نظيراً في ثورة أكتوبر أو انتفاضة أبريل. بل كان مستوى التضحية التي قدمها الشباب السوداني مع الاصرار على السلمية أمراً جديداً، ليس على السودان فحسب؛ وإنما على العالم. وبهذه التضحية يكون الشباب السوداني قد أدخل معنى جديداً في سجل الممارسة السياسية، وهو معنى التضحية. فغياب التضحية من أجل الوطن، كما يرى الأستاذ محمود محمد طه، صاحب مشروع الفهم الجديد للإسلام ، أورثنا الانتهازية في الممارسة السياسية. كان الأستاذ محمود محمد طه، قد لفت الانتباه باكراً إلى خلو الإرث السياسي من التضحية في سبيل مواجهة الاستعمار. وأشار إلى أن غياب التضحية في سبيل الاستقلال أدى إلى غياب الإخلاص للسودان الأمر الذي أوجد الانتهازية لدى قادة الحركة الوطنية. وأوضح بأن الانتهازية تعنى أن كل شخص يريد لنفسه، وهذه هي الصورة التي تربى عليها قادة السودان، حتى، كما يقول، أن الشعب قد شعر بأن قادته وسياسييه انتهازيون . وعلى الرغم من أن قادة السودان وساسته من الشعب السوداني الأصيل، وهم بذلك، كما يقول محمود محمد طه، يشاركونه أصالته، بيد أن الاستعمار زيفهم وأوسعهم تزييفاً، وعلمهم فأفسد تعليمهم، ولم تكن روح التضحية ولا روح الوطنية الحقة عنصراً من عناصر تعليمنا ولا عاملاً من عوامل تربيتنا على يد مستعمرينا .
عبَّر الشباب السوداني في ثورة 19 ديسمبر من خلال ما قدمه من تضحية، عن أشواقه لاستكمال الاستقلال، كما أوجد معاني وقيماً جديدة في واجبات ومفهوم المواطنة والإخلاص للوطن. لاريب في أن هذه القيم والمعاني ستظل باقية في القاموس السياسي وسيكون لها أثر كبير ومستمر في الممارسة السياسية في السودان.
نلتقي في الحلقة الرابعة، وهي تتناول: ثورة 19 ديسمبر ضد الفهم المتخلف للإسلام- ثورة 19 ديسمبر وبعث قيم الشراكة والبناء الجماعي- ثورة 19 ديسمبر وأشواق السودنة واستكمال الاستقلال.



#عبدالله_الفكي_البشير (هاشتاغ)       Abdalla_Elfakki_Elbashir#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تجليات يُتم الفكر في الفضاء الإسلامي: تأثير المفكر محمود محم ...
- السودان: الإرث الثوري لدولة ما بعد الاستقلال- إضاءة على ثورة ...
- السودان: الإرث الثوري لدولة ما بعد الاستقلال: إضاءة على ثورة ...
- تجليات يُتم الفكر في الفضاء الإسلامي: تأثير المفكر محمود محم ...
- تجليات يُتم الفكر في الفضاء الإسلامي: استدعاء المحكمة لفتوتى ...
- تجليات يُتم الفكر في الفضاء الإسلامي: التحالف الديني العريض ...
- تجليات يُتم الفكر في الفضاء الإسلامي: من محكمة الردة 1968 وح ...
- تجليات يُتم الفكر في الفضاء الإسلامي: التحالف الديني العريض ...
- تجليات يُتم الفكر في الفضاء الإسلامي: التحالف الديني العريض ...
- تجليات يُتم الفكر في الفضاء الإسلامي: التحالف الديني العريض ...
- تجليات يُتم الفكر في الفضاء الإسلامي: التحالف الديني العريض ...
- تجليات يُتم الفكر في الفضاء الإسلامي: الفتوى بتكفير المفكر م ...
- عن مذكرات الشيخ بابكر بدري ولماذا لم ترد فيها إشارة عن المفك ...
- تجليات يُتم الفكر في الفضاء الإسلامي: الذكرى 57 لمحكمة الردة ...
- تجليات يُتم الفكر في الفضاء الإسلامي: الذكرى 57 لمحكمة الردة ...
- تجليات يُتم الفكر في الفضاء الإسلامي: الذكرى 57 لمحكمة الردة ...
- تجليات يُتم الفكر في الفضاء الإسلامي: الذكرى 57 لمحكمة الردة ...
- تجليات يُتم الفكر في الفضاء الإسلامي: الذكرى 57 لمحكمة الردة ...
- تجليات يُتم الفكر في الفضاء الإسلامي: الذكرى 57 لمحكمة الردة ...
- تجليات يُتم الفكر في الفضاء الإسلامي: الذكرى 57 لمحكمة الردة ...


المزيد.....




- في لندن .. الشيوعيون العراقيون يشاركون في تظاهرة تضامن مع ال ...
- الحزب الاشتراكي الحاكم في إسبانيا يتكبد هزيمة قاسية في الانت ...
- انتخابات إسبانيا الإقليمية تكشف تراجع الاشتراكيين وتقدم اليم ...
- م.م.ن.ص// يريدوننا ان نموت في صمت.. الموت هو الموت...
- بيان الحزب الشيوعي في تشيلي بعد الانتخابات الرئاسية
- ميشيل فوكو: الأفكار والتأثير والنقد السياسي
- السودان.. القوى المدنية تطالب بتصنيف الإخوان جماعة إرهابية
- جريدة “الفجر” تتوقف عن الصدور وصحفيوها بلا رواتب منذ 6 أشهر ...
- حزب التقدم والاشتراكية بتازة يجدد هياكله وينتخب الرفيق سعيد ...
- What Germans Think About AI


المزيد.....

- ليبيا 17 فبراير 2011 تحققت ثورة جذرية وبينت أهمية النظرية وا ... / بن حلمي حاليم
- ثورة تشرين / مظاهر ريسان
- كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - عبدالله الفكي البشير - السودان: الإرث الثوري لدولة ما بعد الاستقلال: إضاءة على ثورة 19 ديسمبر 2018 (3- 5)