أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أحمد محمد الرديني - الشرعية بعد إنهيار الدولة : من خرّب المعنى أولاً ؟














المزيد.....

الشرعية بعد إنهيار الدولة : من خرّب المعنى أولاً ؟


أحمد محمد الرديني

الحوار المتمدن-العدد: 8563 - 2025 / 12 / 21 - 14:16
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يفترض كثير من الجدل السوري الدائر اليوم وجود دولة كانت قائمة ثم تعرّضت للتفكك، وأن ما جرى لاحقًا لم يكن سوى خروجٍ عليها. غير أن هذا الافتراض ينهار عند أول احتكاك جدي بمفهوم الدولة. فالدولة ليست مجرد سلطة حاكمة، بل عقدًا اجتماعيًا، واحتكارًا مشروعًا للعنف، ومؤسسات تُدار لصالح المجتمع. وما كان قائمًا في سوريا في عهد النظام البائد لم يكن دولة بهذا المعنى، بل سلطة وراثية–أمنية، قامت على تدمير السياسة، وتجفيف المجال العام، وتحويل المجتمع إلى كتلة خاضعة لا شريكة.

لم يكتفِ هذا النظام بإدارة البلاد، بل أعاد تعريفها على مقاس بقائه. اختزل الوطن في شخص رأس السلطة، والمؤسسات في أجهزته، والقانون في أوامره. وحين اندلعت الثورة، لم يسقط “كيان الدولة” كما يُروَّج، بل انكشف فراغه؛ إذ تبيّن أن ما كان يُسمّى دولة لم يكن سوى هيكل قمعي، صمد ما دام العنف يعمل، وانهار حين واجه مجتمعًا قرر كسر الصمت.

بهذا المعنى، لا تمثل سلطة رأس النظام البائد الأب والإبن مجرد مرحلة من الفشل، بل لحظة تأسيس للخراب. فهي التي دمّرت فكرة الدولة قبل أن تُدمَّر جغرافيتها، وفتحت الباب أمام عسكرة المجتمع، وتطييف السياسة، واستدعاء الخارج، ثم ادّعت لاحقًا أنها تحارب نتائج صنعتها بيديها. لقد حوّلت سوريا إلى مختبر للعنف، ثم طالبت فوق أنقاضه بالشرعية.

حين تغيب الدولة على هذا النحو، لا يعود حمل السلاح خروجًا عليها، بل يصبح أحد أعراض غيابها. غير أن هذا لا يمنح أي فاعل مسلح تفوقًا أخلاقيًا، بل يضع التشكيلات التي نشأت خارج الإطار المؤسسي في موقع واحد من حيث الأصل: نتاج فراغ سياسي، لا بدائل مكتملة للدولة.

من هنا، يمكن فهم مشاريع الميليشيات مثل قسد أو حكمت الهجري بوصفها محاولات لملء فراغ السلطة ضمن جغرافيا أو جماعة محددة، عبر صيغ سياسية متباينة تتراوح بين الحكم الذاتي أو الانفصال. وهي مشاريع، مهما اختلفت دوافعها أو سياقاتها، وُلدت جميعها في ظل غياب الدولة كمرجعية جامعة.

أما السلطة القائمة اليوم، وقد حازت اعترافًا دوليًا واندرجت ضمن شبكة العلاقات الإقليمية والدولية، فهي تمثّل انتقالًا من طور الفاعل الصراعي إلى طور إدارة الحكم. غير أن هذا الانتقال، مهما بلغت درجته، لا يمكن اعتباره استعادة تلقائية للدولة أو ترميمًا فوريًا للمعنى السياسي الذي جرى تدميره سابقًا.

وهنا تتجلى المفارقة المركزية: الشرعية في النظام الدولي المعاصر لا تُمنح على أساس إعادة بناء العقد الاجتماعي، بل على أساس القدرة على فرض الاستقرار وإدارة الواقع. من ينتصر ويضبط المشهد يُسمّى دولة، ومن يبقى خارج هذه المعادلة يُدان، بصرف النظر عن السياق الذي أنتج الجميع.

الاعتراف الدولي يمنح صفة قانونية، لكنه لا يصنع دولة. فالدولة لا تُبنى على أنقاض السياسة التي دمّرها نظام العصابة البائدة، ولا تُستعاد بلغة السيادة ذاتها التي استُخدمت لعقود لتبرير القمع. وكل سلطة لا تعترف بأن هذا الإرث هو أصل الأزمة، ستظل تدير نتائجه، لا تتجاوزه.

إن المأزق السوري ليس صراعًا بين دولة وميليشيات، بل نتيجة مباشرة لانهيار المعنى السياسي بفعل سلطة حوّلت الدولة إلى أداة، ثم تركت المجتمع يواجه الفراغ. والخروج من هذا المأزق لا يكون بتقديس اعتراف الخارج، ولا بتسوية شكلية بين فاعلين غير متكافئين، بل بإعادة بناء الدولة كمعنى قبل أن تكون سلطة.






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- مرتبطة بـ-بعقوبات النفط الإيراني-.. مسؤول أمريكي: خفر السواح ...
- لماذا يكثف ترامب هجماته على فنزويلا؟
- رغم الجدل.. ويكيبيديا تُبقي توصيف -الإبادة- لأفعال إسرائيل ف ...
- بايرن -بطل الخريف- ويبتعد عن دورتموند قبل العطلة بتسع نقاط
- كأس الأمم الأفريقية 2025: المغرب يسجل أول انتصار في الدورة ب ...
- كأس الأمم الأفريقية 2025: المغرب يبدأ حملة البحث عن اللقب بف ...
- -مجربة ميدانيا-.. إسرائيل استغلت إبادة غزة لتسويق أسلحتها وح ...
- جلين.. -قرية أفريقية- في قلب حوران السورية
- تفاكر.. لماذا نحتاج اليوم إلى المراجعات الفكرية؟
- انتقادات لتواطؤِ شركات التقنية العالمية مع إسرائيل


المزيد.....

- الوثيقة التصحيحية المنهجية التأسيسية في النهج التشكيكي النقد ... / علي طبله
- الطبقة، الطائفة، والتبعية قراءة تحليلية منهجية في بلاغ المجل ... / علي طبله
- قراءة في تاريخ الاسلام المبكر / محمد جعفر ال عيسى
- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أحمد محمد الرديني - الشرعية بعد إنهيار الدولة : من خرّب المعنى أولاً ؟