أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أمل المزكلدي - آسفي تغرق: حين تتحول السياسات العمومية إلى سبب الكارثة – قراءة سوسيولوجية في فشل تدبير الكوارث















المزيد.....

آسفي تغرق: حين تتحول السياسات العمومية إلى سبب الكارثة – قراءة سوسيولوجية في فشل تدبير الكوارث


أمل المزكلدي
طالبة باحثة

(Amal El Mazgualdi)


الحوار المتمدن-العدد: 8558 - 2025 / 12 / 16 - 09:12
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


مقدمة:

شكّلت الفيضانات التي عرفتها مدينة آسفي بتاريخ 14 شتنبر 2025 فاجعة إنسانية أعادت إلى الواجهة سؤال الكوارث في المغرب: هل ما نعيشه فعلٌ للطبيعة أم نتيجة مباشرة لاختيارات بشرية وسياسات عمومية متراكمة؟
ما وقع لا يمكن اختزاله في منسوب التساقطات والسيول أو قوة الطبيعة ، بل يفرض قراءة تحليلية أعمق، تتجاوز التفسير القدري أو التقني، نحو مساءلة "نمط التخطيط و التدبير للمجال الحضري، وعلاقة القرار العمومي بالمعرفة، وقدرة الدولة على الوقاية والتدخل في لحظات الطوارئ". فالأمطار وحدها لم تكن سبب الكارثة، بل تفاعلها مع هشاشة البنى التحتية، واختلال توزيع الموارد والخدمات، جعل من الحدث كارثة متوقعة.

في هذا الإطار، يعتمد التحليل على مقاربة سوسيولوجية نقدية، تستند إلى مفاهيم "سوسيولوجيا المخاطر، العنف البنيوي، العدالة الترابية، وأدبيات تدبير الأزمات". وفق هذه المقاربة، الكوارث ليست مجرد أحداث طبيعية، بل نتائج اجتماعية وسياسية تفرض قراءة نقدية لمسؤولية الفاعلين والمؤسسات. من هنا، يصبح فهم ما جرى بآسفي أقل مسألة صدفة أو قدر، وأكثر مسألة تراكمية للقرارات والتجاوزات والهشاشة البنيوية.
من الناحية المفاهيمية، ما وقع يوضح ثلاثة عناصر رئيسية: أولاً، "الخطر الطبيعي" ليس في ذاته قاتلاً، بل يصبح كارثة عند تقاطعه مع "هشاشة حضرية" متجذرة؛ ثانياً، "سوء تدبير المعرفة"، حيث لم تُستفد السلطات المحلية من الدراسات الهيدرولوجية والتقارير التقنية التي حذرت من مخاطر واد الشعبة وغيرها؛ وثالثاً، "ضعف الاستجابة الطارئة"، الذي كشف قصور منظومة الإنقاذ والتدخلات الاستعجالية، سواء من حيث سرعة التدخل أو التنسيق المؤسسي أو التواصل مع السكان.
الهشاشة الحضرية في آسفي ليست جديدة، فهي نتاج سنوات طويلة من تراكم غياب التخطيط الجيد، وضعف البنى التحتية، وعدم توزيع عادل للثروة والخدمات. فالمدينة، رغم أنها تحتوي على مرافق صناعية استراتيجية تُدر الملايين على الدولة، تعيش فقرًا وتهميشًا، وتفتقر إلى الحماية الأساسية لسكانها. هذه المفارقة تجعل أي خطر طبيعي اختبارًا قاتلًا للهشاشة الاجتماعية والبنية التحتية المتدهورة.
ما حدث في التدخل العمومي أثناء الفيضانات يؤكد الفشل المؤسسي: تأخر فرق الإنقاذ في الوصول إلى بعض المناطق، الاعتماد المفرط على المبادرات الفردية، وضعف التنسيق بين أجهزة الدولة. كل ذلك يعكس أزمة قدرة الدولة على الوقاية والاستجابة في لحظات الطوارئ، ويطرح سؤالًا جوهريًا حول مدى فعالية السياسات العمومية في حماية المواطنين.
وبالرغم من الفاجعة، يجب النظر إليها أيضًا من منظور "مساءلة اجتماعية وسياسية"، وليس مجرد تعاطف إنساني. فإعادة إنتاج الكوارث نفسها في المستقبل سيبقى ممكنًا ما لم يتم تقييم السياسات، ومعالجة الاختلالات البنيوية، وإدماج المعرفة العلمية في اتخاذ القرار، وتطوير قدرات الاستجابة الطارئة بشكل فعال.
إن تحليل فاجعة فيضانات آسفي الذي يُظهِر بوضوح أثر تراكم الهشاشة البنيوية على النتائج الإنسانية يكتسب عمقه من النظرية السوسيولوجية والمقاربات العلمية لدراسة الكوارث والهشاشة. وقد ساهمت سوسيولوجيا المخاطر، كما صاغها "أولريش بيك"، في توضيح أن المخاطر المعاصرة ليست مجرد نتائج طبيعية، بل "نتاج اختيارات تنموية وسياساتية" متراكمة، حيث تتحول الأخطاء في التخطيط والتسيير إلى أضرار ملموسة. وفق هذا التصور، لا يُقاس نجاح المجتمع بمقدار وقوع الكوارث، بل بكيفية إدراكه للمخاطر، ومدى قدرته على الوقاية منها واحتوائها قبل أن تتفاقم.
كما يوضح "جوهان غالتونغ" من خلال مفهوم العنف البنيوي، أن السياسات غير العادلة والاختلالات المؤسسية تولّد أذى مستمرًا وساكنًا، غالبًا ما يصيب الفئات الأكثر هشاشة. في سياق آسفي، نجد أن الأحياء الفقيرة والمتوسطية كانت الأكثر تعرضًا للأضرار، مما يعكس هذا النوع من العنف غير المباشر الذي لا يترك أثره في القانون مباشرة، لكنه يترسخ في الواقع اليومي لسكان المدينة.
من جهة أخرى، ركّز "ديفيد هارفي" على أهمية "العدالة الترابية"، مشيرًا إلى أن توزيع البنى التحتية والخدمات بشكل غير متكافئ يزيد من تعرض بعض الفئات لمخاطر يمكن تداركها. الهشاشة في آسفي ليست نتيجة عشوائية، بل هي انعكاس مباشر لسياسات تُركّز الموارد في بعض المواقع وتهمش أخرى، ما يجعل بعض الأحياء أكثر عرضة للكوارث الطبيعية البسيطة قبل أن تتحول إلى كارثة حقيقية.
و يمكن تفسير هشاشة التدخل العمومي في الكوارث من منظور تحليلي لفوكو حول الحوكمة البيولوجية، حيث أن الدولة، في سعيها لإدارة السكان وضمان السلامة العامة، تعتمد على نظم معرفية وتقنية لتقدير المخاطر واتخاذ القرارات. إهمال هذه المعرفة العلمية في التخطيط الحضري وتحليل المخاطر يجعل قدرة الدولة على الوقاية والاستجابة ضعيفة، ويحوّل أي حدث طبيعي محتمل إلى كارثة حقيقية، وهذا ما حدث في فيضانات آسفي. من هذا المنظور، هشاشة المدينة ليست محض صدفة، بل نتيجة مباشرة لطريقة إدارة السكان والمجال الحضري التي تتجاهل أو تقلل من شأن المعلومات العلمية والتقنية المتوفرة.
تضاف إلى ذلك دراسات حديثة في مجال "تدبير الكوارث والأزمات"، مثل أعمال " Ben Wisner" وزملائه"، التي تؤكد أن الفشل في الوقاية والاستجابة الفعّالة لا ينتج فقط عن قلة الموارد، بل عن "ضعف الحوكمة، وانفصال السياسات عن واقع السكان، وتهميش التجارب والخبرات المحلية". كل هذه الأدبيات تؤطر التحليل في هذا المقال، إذ تربط بين الفيضانات والتراكمات السياسية والاجتماعية، وتوضح أن الحدث الطبيعي يصبح كارثة ليس لشدته فقط، بل لغياب الاستعداد والهشاشة الممنهجة.

ختامًا، فيضانات آسفي لا تُعد حادثًا طبيعيًا محايدًا، بل "مرآة لفشل مؤسساتي وتراكمي"، يظهر بوضوح الحاجة الملحة إلى مراجعة السياسات العمومية، وإعادة بناء القدرة على الوقاية، وتعزيز العدالة المجالية، وتأهيل منظومة التدخل الاستعجالي، لضمان أن لا تُعاد تجربة الفاجعة نفسها. فالدرس المستخلص من هذه الكارثة هو أن المسؤولية البشرية والسياساتية هي ما يصنع الفرق بين الأمطار العادية وكارثة مميتة.


الكلمات المفتاحية: سوسيولوجيا الكوارث – السياسات العمومية – الحكامة – العدالة الترابية – الهشاشة الحضرية – تدبير المعرفة – التدخل الطارئ – الدولة الحامية – فيضانات آسفي.

المراجع:

 Beck, Ulrich. "Risk Society: Towards a New Modernity". Sage Publications.
 Giddens, Anthony. "The Consequences of Modernity". Polity Press.
 Galtung, Johan. “Violence, Peace, and Peace Research”, Journal of Peace Research.
 Harvey, David. "Social Justice and the City". University of Georgia Press.
 Foucault, Michel. "Sécurité, territoire, population". Gallimard / Seuil.
 Wisner, Ben et al. "At Risk: Natural Hazards, People’s Vulnerability and Disasters". Routledge.



#أمل_المزكلدي (هاشتاغ)       Amal_El_Mazgualdi#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -سوسيولوجيا التنمية بين الخبرة والهيمنة الرمزية- دراسة مقارن ...


المزيد.....




- تداول فيديو لـ-فيضانات تغمر أطفالا داخل خيمة في غزة-.. ما حق ...
- ما معنى أن تضم إسرائيل الضفة الغربية، وهل يمنعها ترامب من ذل ...
- 340 إعدامًا في السعودية هذا العام.. رقم قياسي جديد
- محكمة فرنسية تأمر سان جيرمان بدفع 60 مليون يورو إلى مبابي
- فرنسا: عصابات المخدرات اخترقت سناب شات وتيك توك لنشر عروض عم ...
- ليبيا: بيوت منحوتة في الصخور.. إرث معماري وثقافي صامد على ال ...
- دونالد ترامب: المزيد من الدول ترغب في الانضمام لقوة تحقيق ا ...
- فولوديمير شوماكوف: من قال إن تنازل أوكرانيا عن أراضيها سيوقف ...
- الكاريبي: ضربات أمريكية جديدة على قوارب مشتبه بتهريبها المخد ...
- المملكة العربية السعودية.. تسارع وتيرة الإعدامات رغم الوعود ...


المزيد.....

- العقل العربي بين النهضة والردة قراءة ابستمولوجية في مأزق الو ... / حسام الدين فياض
- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- تقديم وتلخيص كتاب " نقد العقل الجدلي" تأليف المفكر الماركسي ... / غازي الصوراني
- من تاريخ الفلسفة العربية - الإسلامية / غازي الصوراني
- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أمل المزكلدي - آسفي تغرق: حين تتحول السياسات العمومية إلى سبب الكارثة – قراءة سوسيولوجية في فشل تدبير الكوارث