أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - شرين الناجي - اللي بيته من زجاج… لا يرمي الناس بالحجارة














المزيد.....

اللي بيته من زجاج… لا يرمي الناس بالحجارة


شرين الناجي

الحوار المتمدن-العدد: 8557 - 2025 / 12 / 15 - 14:31
المحور: السياسة والعلاقات الدولية
    


بقلم: دكتورة شرين الناجي
في الوجدان الشعبي، لا يُقال المثل عبثًا، ولا يُتداول إلا لأنه وُلد من تجربة جمعية طويلة مع البشر وأخطائهم. ومثل «اللي بيته من زجاج ما برمي الناس بالحجارة» ليس مجرد حكمة أخلاقية عابرة، بل قاعدة سلوكية وقانونية وسياسية، تصلح لأن تكون ميزانًا للنقد، ومعيارًا للمساءلة، وضابطًا للخطاب العام.
هذا المثل يضعنا أمام حقيقة بسيطة وصادمة في آنٍ معًا: من يملك سجلًا مثقلاً بالأخطاء، أو تاريخًا ملتبسًا بالقصور والتقصير، يفقد أهليته الأخلاقية قبل السياسية في محاكمة الآخرين. فالنقد ليس حقًا مطلقًا يُمارَس بلا قيود، بل مسؤولية تسبقها مراجعة للذات، وجرأة في الاعتراف، ونزاهة في المقارنة.
حين يتحول النقد إلى رجم
في واقعنا العام، كثيرًا ما نشهد أصواتًا ترفع راية «الإصلاح» وهي أول من عطّل الإصلاح، وتطالب بـ«المساءلة» وهي أبعد ما تكون عنها، وتدين الفساد وهي غارقة في شبكاته. هؤلاء لا يمارسون نقدًا، بل رجمًا بالحجارة من بيوتٍ زجاجية، يتوهم أصحابها أن الصراخ العالي يغطي على الشقوق، وأن الاتهام المسبق يُخفي العجز.
الخطر هنا لا يكمن فقط في النفاق، بل في تشويه مفهوم النقد ذاته. فحين يُستخدم النقد أداة للتشفي أو تصفية الحسابات أو التزلف للسلطة، يتحول من فعل إصلاحي إلى سلوك هدّام، يزرع الشك، ويهدم الثقة، ويُغذّي الانقسام.
بين الحكمة الشعبية ومبدأ سيادة القانون
هذا المثل الشعبي يتقاطع بعمق مع جوهر سيادة القانون، التي تقوم على مبدأ «المساءلة المتكافئة» لا «الانتقائية». فلا يجوز لمن هو موضع مساءلة أن يتصدر منصة الاتهام، ولا لمن أخفق في أداء واجبه أن يتحول إلى قاضٍ أخلاقي على الآخرين. فالقانون، كما الحكمة، يبدأ من الذات قبل الآخر.
ومن هنا، فإن أخطر ما يواجه المجتمعات ليس الخطأ بحد ذاته، بل إنكار الخطأ، وتجميل الفشل، وإسقاطه على الآخرين. فالمجتمع الذي يُكافئ من يرمي الحجارة من بيته الزجاجي، هو مجتمع يشرعن الازدواجية ويقنن الظلم.
مراجعة الذات شرط الإصلاح
الإصلاح الحقيقي لا يبدأ بفضح الآخرين، بل بكشف الذات على حقيقتها. لا يبدأ بالخطاب العالي، بل بالمسؤولية الصامتة. ولا يقوم على الشماتة، بل على العدل. فالنقد النزيه لا يخشى أن يطال صاحبه أولًا، ولا يخجل من الاعتراف بالخطأ، لأنه يرى في الاعتراف قوة لا ضعفًا.
خاتمة
«اللي بيته من زجاج ما برمي الناس بالحجارة» ليست نصيحة أخلاقية فحسب، بل تحذير سياسي وقانوني واجتماعي. تحذير من وهم الطهارة الكاذبة، ومن ثقافة الاتهام بلا محاسبة، ومن خطاب يدّعي الإصلاح وهو عاجز عن إصلاح نفسه. وفي زمن الأزمات، أحوج ما نكون إلى من يُصلح بيته أولًا، قبل أن يشهر الحجارة في وجه الآخرين.



#شرين_الناجي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التفكك الأسري وانعكاس حالات الطلاق على المجتمع الفلسطيني


المزيد.....




- فيضانات آسفي تودي بحياة العشرات وتغرق منازل ومحال تجارية
- تقدّم حذر في مفاوضات برلين.. زيلنسكي: نؤكد على أهمية الضمانا ...
- تونس.. محاكمة نشطاء ومسؤولين بتهمة تسهيل الهجرة غير النظامية ...
- غابة بكاسين اللبنانية.. أشجار الصنوبر المثمرة تحت تهديد ظاهر ...
- الضفة الغربية: إسرائيل تصدر قرار هدم 25 مبنى في مخيم بطولكرم ...
- كأس العرب: المغرب يهزم الإمارات بثلاثية نظيفة ويبلغ النهائي ...
- مصدر بغزة يكشف للجزيرة معلومات حول اغتيال المقدم بجهاز الأمن ...
- الذكاء الاصطناعي ينتج مقاطع فيديو تنتحل شخصيات أطباء وخبراء ...
- سوريا تواجه أخطاراً خارجية
- فاجعة آسفي.. المنصات ترفض -شماعة القضاء والقدر- وتطالب بالمح ...


المزيد.....

- النظام الإقليمي العربي المعاصر أمام تحديات الانكشاف والسقوط / محمد مراد
- افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار ... / حاتم الجوهرى
- الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن / مرزوق الحلالي
- أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا ... / مجدى عبد الهادى
- الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال ... / ياسر سعد السلوم
- التّعاون وضبط النفس  من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة ... / حامد فضل الله
- إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية / حامد فضل الله
- دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل ... / بشار سلوت
- أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث / الاء ناصر باكير
- اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم / علاء هادي الحطاب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - شرين الناجي - اللي بيته من زجاج… لا يرمي الناس بالحجارة