أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد الأزرقي - الأمبراطورية الصهيونية الأمريکية - الحلقة الثالثة















المزيد.....



الأمبراطورية الصهيونية الأمريکية - الحلقة الثالثة


محمد الأزرقي

الحوار المتمدن-العدد: 1838 - 2007 / 2 / 26 - 11:19
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في مراجعته لکتاب مايکل أورن "القوة والأيمان والخيال الجامح"، التي نُشرت في مجلة نيوزويك، يلخص کرستوفر دِکي رأيه بالقول "إن سيطرة الصهيونية المسيحية علی أمريکا في القرن التاسع عشر کانت علی أوجها مثلما هي الحال عليه في القرن الحادي والعشرين". وهذا الرأي يذکرنا بما قاله الرئيس الأسبق جيمي كارتر من انه يريد ان يثير كتابه الجديد "فلسطين: سلام لا تفرقة عنصرية"، على غرار الوضع السياسي في جنوب افريقيا قبل مجيء نلسون منديلا للحکم، جدالاً حول عملية السلام في الشرق الاوسط. تحققت رغبته أضعافاً مضاعفة بالنظر الى الضجة المستمرة، وحملة المتطرفين من أنصار اسرائيل عليه. وقد شاهدت الرجل علی مدی ثلاث ساعات في برنامج تلفزيوني عرضته محطة التلفزيون العامة، يدافع عن آرائه وسط سيل من الشتائم والأتهامات التي لاحقه بها اليهود والمسيحيون من أنصار إسرائيل، وکان معظمهم من النساء. وشاهدته ثانية وهو يلقي محاضرة عن کتابه في جامعة برندايز اليهودية. کان الحضور أقل عدوانية واکثر التزاماً بعدما توجه رئيس الجامعة للحاضرين بأن يقتصر النقاش علی الطريقة المؤدبة!
ولم تمض أيام حتی طالعنا مقال متحامل في شكل غير مألوف كتبه ايثان برونر، نائب رئيس القسم الخارجي في النيويورك تايمز. إستغل الكاتب حديثاً عابراً بين كارتر وگولدا مائير ليخلص منه الى ان الرئيس الأسبق أصمّ عن قضايا اسرائيل واليهود. ومقال برونر هذا کان بعنوان "اليهود والعرب وجيمي كارتر". والنيويورك تايمز عمياء بالنسبة الى الفلسطينيين، والأخبار من اسرائيل / فلسطين التي يشرف عليها برونر نفسه تروّج للسرد الاسرائيلي عن الارهاب وتهمش الآراء الفلسطينية عن الاحتلال والحرمان من الحقوق. فمثلا يعتبر برونر ان الصعوبات اليومية التي يعاني منها الفلسطينيون "قصة أمس"، مردداً بذلك رأي ابراهام فوكسمان، مدير منظمة "بناي بريث" الصهيونية. وهو يزعم ان "قصة اليوم" هي الارهاب الراديكالي الاسلامي الذي يتفق الکثير من المعلقين انه الارهاب الذي صنعته الولايات المتحدة واسرائيل بالحملة على الفلسطينيين، وعلى كل مصالح العرب والمسلمين خدمة لاسرائيل.
ثم اعقب ذلك استقالة جماعية قدمها أولاً البروفسور كنيث شتاين من عضوية مجلس المستشارين في مركز كارتر في أتلانتا، وتبعه بعد أيام قليلة أربعة عشر عضواً آخرين في المركز. أرفقوا كتاب استقالتهم بحملة هوجاء على الرئيس الاسبق کارتر. والمجلس يضم حوالى 200 عضو يهتمون بحقوق الانسان حول العالم وقضايا الصحة، وهو ليس هيئة صنع القرار في مركز كارتر. وقد لاحظت من اسماء المستقيلين إنها جميعاً ليهود أميركيين، أكثرهم من المنطقة، وبعضهم عمل في ادارة كارتر السابقة. ويبدو انهم لم يتحملوا كلمة حق ضد اسرائيل، فهم من تلك الجماعة بين اليهود الأميركيين التي تؤيد اسرائيل، أخطأت أو أصابت. وقد بلغت حدة الجهد لمحاصرة الکتاب والحيلولة دون انتشاره ان شرکة Amazon.com وهي أکبر شرکة لبيع الکتب علی شبکة الأنترنت، قد توقفت عن عرضه بعد يوم واحد فقط نتيجة للضغط الذي مورس عليها، خاصة بعد نشر مراجعة سلبية للکتاب. وليت الأمر اقتصر علی مراجعة سلبية كتبها رجل مناهض لأفكار كارتر، أو حتی متعاطف مع اليهود عموماً والدولة العبرية تحديداً، فهذا ليس سلوكاً عجيباً في الولايات المتحدة. ما هو أنكي هو أنّ كاتبها جيفري غولدبيرگ، ليس يهودياً أمريكياً فقط، بل هو أيضاً: 1) مواطن اسرائيلي منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي، و2) متطوّع سابق في جيش الدفاع الاسرائيلي ، و3) تطوّع، أثناء سنوات الانتفاضة الأولی، للعمل حارساً في معتقل" كتزيوت"، الواقع في صحراء النقب، أحد أسوأ سجون اسرائيل، والشبيه بمعسكرات الاعتقال النازية. وقد ضمّ،هذا المعتقل في فترة تطوّع غولدبيرگ، أكثر من ستة آلاف سجين فلسطيني.
عندما وصلت الی الولايات المتحدة الأمريکية، عام 1978 هرباً من سياسة البعث البغيضة وتمييزها إزاء کل ما هو غير بعثي، کان رئيس البلاد حينها جيمي کارتر. اهتممت منذ ذلك الوقت بمراقبة المشهد السياسي الأمريکي بقية مدة حکم کارتر وفترتي حکم ريگن، ثم فترة حکم جورج هربرت بُش، وفترتي حکم کلنتون ومجيء جورج دبليو بُش الأبن وولايته الأولی ونحن الآن تجاوزنا منتصف ولايته الثانية. وبقدر ما يتعلق الأمر بالشرق الأوسط تابعت ردود السياسة الأمريکية ازاء سقوط الشاه وأزمة رهائن السفارة الأمريکية ومعاهدة السلام بين السادات وبيگن في عهد کارتر. وفي فترتي ريگن کانت الحرب العراقية الأيرانية فيما سميَّ حرب الخليج الأولی وما رافقها من حملة الأنفال وجرائم الحرب الکيماوية التي تسترت عليها الأدارة الأمريکية.، کما تابعت اغتيال السادات وغزو اسرائيل للبنان واحتلال جنوبه. وفي عهد جورج هربرت بُش کان احتلال صدام للکويت ثم تحريرها في حرب الخليج الثانية والأنتفاضة العراقية الباسلة إثر الهزيمة، وما اعقبها من جرائم التنکيل والأبادة والمقابر الجماعية، ووقوف الأدارة الأمريکية المُخُزي وهي تتفرج علی جرائم النظام ومقابره الجماعية. وفي عهد کلنتون تابعت الحصار الجائر علی أهلنا في العراق، وخاصة نقص الأدوية والخدمات وارتفاع نسبة الوفيات بين الأطفال. کما تابعت هجمات القاعدة الأولی في نيويورك ومن ثم في أفريقيا واليمن. وفي عهد دبليو بُش الأبن شهدتُ الجرائم الأرهابية الکبيرة التي استهدفت برجي نيويورك وبناية الپنتاگون والحرب التي اعقبتها واحتلال افغانستان. ومن ثم أخيراً حرب الخليج الثالثة لاسقاط نظام صدام واحتلال الوطن المنکوب.
کانت صدمتي الأولی سياسياً في هذه البلاد، هي عندما اُجبرَ مندوبُ أمريکا في الأمم المتحدة في فترة ولاية الرئيس کارتر علی الاستقالة من منصبه لأنه تناول الشاي في جلسة لم تستمر أکثر من عشر دقائق مع مراقب منظمة التحرير الفلسطينية في مکتبه في بناية المنظمة! لقد اعتبر الصهاينة ان أندرو يونگ قد تجاوز "الخطوط الحمراء" فاجبروا البيت الأبيض علی سحب الثقة منه. وأندرو يونگ زنجي من ولاية جورجا، کان من حواريي بطل حرکة الحقوق المدنية مارتن لوثر کنگ في الستينات، ومن المقربين للرئيس کارتر. لکن ذلك لم يشفع له، فانتهی الرجل من الناحية السياسية. أنتخب رئيساً لبلدية عاصمة الولاية، أتلانتا، ثم انصرف بعدها للأعمال الخاصة. وبين إجبار کارتر علی اتخاذ الخطوة لأقالة مندوبه أندرو يونگ في اواخر السبعينات وسقوط بغداد في نيسان من عام 2003، تولدت لدي القناعة عن قوة النفوذ الصهيوني وسيطرته علی دوائر القرارات التي تتحکم في مصير العالم، والشرق الأوسط علی وجه الخصوص.
والسؤال هو کيف استطاع الصهاينة اليهود من السيطرة علی مواقع الحکم واتخاذ القرار في أقوی دولة في العالم؟ اعتقد ان ذلك قد تم عن طريق استخدام المال والعقل. فقد استثمر اليهود ثرواتهم في تأسيس الشرکات الکبيرة التي تتحکم بإدارة النشاطات الأقتصادية والمالية من جانب، وبعثوا ابنائهم وبناتهم للدراسة في افضل الجامعات الخاصة، حيث تمَّ الترکيز علی فروع الدراسات الأکاديمية کالطب والمحاماة والأعلام والعلوم السياسية والأستثمارات وإدارة المال. وربما کان تحالفهم مع اليمين المسيحي من أهم رکائز انشطتهم الأساسية وأنجحها.
وبقدر ما يتعلق الأمر بالعراق المنکوب، فإن احتلاله عام 2003 والفخ الذي وُضع لصدام في الکويت فدخله بغباء مشين، يعتبران مثالان لهيمنة النفوذ الصهيوني. لقد أصبح جلياً ان احتلال العراق قد خُطط له منذ منتصف الثمانينات وحانت الفرصة له لحظة وصول جورج دبليو بُش الی البيت الأبيض، حيث استغل الصهاينة جهله وغبائه ورعونته بشکل ملحوظ. ويری العديد من المراقبين ان سيطرة النفوذ الصهيوني قد بدأت بمجيء الرئيس هاري ترومان الی الحکم. لقد قام هذا النفوذ عن طريق استغلال جرائم النظامين النازي والفاشي في أورپا قبل واثناء الحرب العالمية الثانية، وما ترتب عليها من الخسائر الفادحة التي حلت بالبشرية. لکن ذاکرة التاريخ قد تناست ما حلَّ بحوالي عشرين مليون من ضحايا تلك الجرائم، واکتفت هذه الذاکرة بالحديث والتوثيق والترکيزعلی ما أصاب الضحايا من اليهود فقط، فيما اطلق عليه بـ"المحرقة". فأقاموا للمحرقة متحفاً بين بناية الکونگرس والبيت الأبيض يتردد إليه طلاب المدارس وزوار مدينة واشنطن العاصمة وسواحها. واصبح موضوع المحرقة مقرراً دراسياً في کل الجامعات والکليات والمدارس، تعقد من اجله المؤتمرات والحلقات الدراسية وتعاد ذکراه کل عام لکي يبقی عالقاً في اذهان الجميع.
لقد اتاحت لي فرصة عملي التعرف شخصياً علی واحد ممن کتبوا عن المحرقة في کتاب مهم عنوانه "الخذلان". تحدثتُ مع المؤلف واستمعت الی أطروحاته وقرأت کتابه واعدت أکثر من مرَّة. لقد جعل الدکتور ديفد وايمان، الذي کان رئيساً للقسم الذي أعمل فيه لفترة طويلة حتی تقاعده، الموقف "اللأخلاقي للولايات المتحدة الأمريکية والعار الذي لحق بها لأنها تأخرت في دخول الحرب"، محور بحثه ودراساته! وهذا الخذلان في رأيه وايمانه "جريمة" لأنه کان بالأمکان انقاذ الکثير من ملايين اليهود الذين انتهوا الی المحرقة النازية. وهکذا اصبح "الشعور بالذنب" هو المحرك الحقيقي للتأثير علی الرأي العام الأمريکي، واغراقه بتفصيلات الجرائم النازية والفاشيه لحد ان أصبحت المسألة ما يصافي عملية "غسيل دماغ" للعقل والضمير الأمريکي. وهذه الحملات يديرها ويغذيها اللوبي الصهيوني/الأسرائيلي.
إضافة إلی نفوذهم الكبير داخل وسائل الإعلام الأمريكية ومطبوعاته وجد الصهاينة حليفاً قوياً متمثلاً باليمين الأمريكي والمحافظين الجدد وتأثيرهم القوي علی وسائل الإعلام الليبرالية بالولايات المتحدة. إنّ اللوبي الصهيوني/الاسرائيلي لا يختلف عن غيره من مجموعات الضغط في الولايات المتّحدة باستثناء انّه الأكثر قدرة علی التأثير ويمتلك قوّة غير مسبوقة. فلا شيء استثنائيا في دوره فهو يقوم بنفس الدور الذي تقوم به الجماعات الأخری ولكن بفاعلية أكثر. وقد ساهم وضع اللوبي العربي في الولايات المتّحدة الضعيف الی درجة عدم الوجود في تسهيل مهمّة اللوبي الصهيوني/الاسرائيلي.

يعتمد اللوبي الصهيوني/الاسرائيلي علی عدد من الاستراتيجيات السياسية للتأثير واكتساب القوّة ومنها:

1ـ التأثير علی الكونگرس من خلال التعاون مع المسيحيين الصهاينة داخله، ممّن يعتبرون ان الأولوية المطلقة في السياسة الخارجية الامريكية هي حماية اسرائيل. وأيضا عبر دعم الآخرين بما يحتاجونه من مال في حملاتهم الانتخابية أو لشخصهم والاقتصاص من المعادين بطرق مختلفة.

2ـ التأثير علي السلطة التنفيذية. وغالبا ما يتم ذلك عبر الناخبين اليهود في امريكا. فعلی الرغم من انّ عدد هؤلاء صغير ولا يتعدي 3% من عدد السكان، الاّ انّهم قادرون علی تنظيم حملات التبرّع الکبيرة والمنظّمة للمرشحين الذين يسعون لفوزهم.

3ـ التحکم بالاعلام عبر السيطرة علي الصحف والمجلات الرئيسية في أمريكا وعلی الكتّاب والمحللين. ومن هذه الصحف الوول ستريت جورنال ، الشيكاگو سن تايمز و الواشنطن تايمز، ومن المجلات كومينتري، ذنيو ريپابلك ، والويكلي ستاندارد، والی درجة ما النيويورك تايمز والواشنطن پوست.

4ـ السيطرة علي مراكز الدراسات. لقد ذهب تأثير اللوبي الصهيوني/الاسرائيلي الی ابعد من انشاء مركز دراسات خاص به، ليصل الی عدد كبير من مراكز الدراسات خلال الـ25 سنة الماضية ومنها تحديدا، معهد أميريكان انتربرايز، معهد بروكينگز، مركز سياسات الأمن، معهد السياسة الخارجية، مؤسسة التراث، معهد هدسون، معهد تحليلات السياسة الخارجية، والمعهد اليهودي لقضايا الأمن القومي. كل هذه المراكز داعمة لاسرائيل وقلّما نجد فيها انتقادا للدعم الأمريكي للدولة اليهودية او قد لا نجد اطلاقا.

5ـ مراقبة الأكاديميين. قامت أيباك، وهي منظمة صهيونية، بمضاعفة انفاقاتها بحدود ثلاث مرّات فيما يتعلّق ببرامج مراقبة النشاطات الجامعيّة وتدريب الشباب المخلصين لاسرائيل لكي يكونوا سندا لها داخل المجمّعات الاكاديمية. ويقوم اللوبي ايضا بمراقبة كل ما يقوله ويكتبه الأساتذة. ففي أيلول من العام 2002 علي سبيل المثال، قام مارتن كرامر ودانييل پايپس وهما من الداعمين لأقصي حد جماعة المحافظين الجدد الاسرائيليين، بتأسيس موقع علي الانترنت مهمته مراقبة المجمّعات الأكاديمية ووضعوا فيه دعوة لحث الطلاّب علی تقديم تقارير عن أي من التصرفات او الكتابات التي قد يقوم بها أي استاذ يرون فيها "معاداة لاسرائيل".
6- استغلال المحرقة وجرائم الحکم النازي الی أقصی قدر ممکن. وهذا أيضا ما فعله العالم الغربي مع ظاهرة الإبادة النازية ليهود أوروبا والتي يطلق عليها "الهولوكوست". فقد نزعها تماما من سياقها الحضاري الغربي وقام بأيقونتها، أي جعلها مثل الأيقونة، التي يظن العابد أن الإله قد حل فيها، وبالتالي لا يمكن للمؤمن بها أن يشكك فيها أو أن يتساءل عن معناها أو دلالتها، فالأيقونة لا تشير إلى شيء خارج عنها، فهي مرجعية ذاتها ولا تشير إلا إلى ذاتها ولذا بدلا من أن ينظر العالم الغربي إلى الإبادة النازية لليهود باعتبارها جزءً من نمط أوسع، وهو قيام الحضارة الغربية بإبادة الملايين مثل إبادة السكان الأصليين فى أميركا الشمالية وأستراليا ونيوزلندا، وملايين الأفارقة الذين تم إبادتهم إبان عملية استرقاقهم،ثم إبادة سكان الكونغو الأصليين على يد الاستعمار البلجيكي وإبادة مليون في الجزائر على يد الاستعمار الفرنسي. لقد وُضعت کل هذه الجرائم ضد الأنسانية جانباً، وأصبحت الإبادة النازية فعلا إجراميا قامت به ألمانيا النازية ضد اليهود، واليهود وحدهم.
وبالتالي تتحول المسألة إلى لونين، أبيض وأسود، النازيون الجزارون واليهود الضحية. وتحاط الإبادة بالقداسة، وكأنها الحق المطلق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. وهو الذي لا يمكن مقارنته بأي ظاهرة أخرى، وكأن الإبادة ليس كمثلها شيء. ومن هنا ظهرت قوانين تجرم من يشكك في الإبادة، في الوقت الذي لا توجد قوانين مماثلة تجرم من يشكك في وجود الله مثلاً، أو حتى القيم الأخلاقية الثابتة المطلقة. في حين يتطلب المنطق التقليل من هذه الرؤية الاختزالية عن طريق وضع الإبادة في إطارها الحضاري والسياسي الغربي فننزع القداسة عنها ونبين أنها ظاهرة إنسانية تاريخية لا تختلف عن ظواهر مماثلة، وأنه لا يمكن رؤية الإبادة من خلال لونين اثنين فقط.

7- اسكات المعارضين عبر استخدام سلاح معاداة السامية من اجل اخراس كل من يحاول تناول سياسات اسرائيل بأي نقد او حتی مجرد عرض الوقائع المتعلّقة بها. وقضية دراسة جون ميرزهايمر وسيفن والت التي نشرتها جامعة هارفارد واشرت اليها في الحلقتين السابقتين، قد أثارت جنون اللوبي الصهيوني/الاسرائيلي ومناصريه من المسيحيين الصهاينة في واشنطن. فتمّ شن هجوم كبير علی جامعة هارفرد كونها المنبر الذي قام بنشرها. وعلی الرغم من إيضاح الجامعة علي الصفحة الاولی من الدراسة انّ الجامعة غير مسؤولة عمّا ورد في هذه الدراسة بأي شكل من الأشكال، وانّ الآراء الواردة فيها لا تمثّل وجهة نظر الجامعة الرسمية، وانها تمثّل رأي مؤلفيها فقط. الاّ انّ اللوبي الصهيوني /الاسرائيلي كثّف من هجوماته وانتقاداته فاضطرّت اكبر واشهر الجامعات الأمريكية الی سحب شعارها، الذي كان مطبوعا علي غلاف الدراسة. وأعلن ستيفن والت العميد الأكاديمي لكلية السياسة بالجامعة استقالته من منصبه في 30/3/2006 أي بعد حوالي اسبوعين من نشر الدراسة وبعد عدّة ايام من نزع الجامعة شعارها عن الغلاف. وشن أستاذ مادة القانون في الجامعة آلان درفويچ، المدافع الأشد عن مصالح إسرائيل، هجوما غير مسبوق علی والت، واعتبر أن الدراسة التي وجهت انتقادات هائلة لحجم تأثير اللوبي الصهيوني/الاسرائيلي، منقولة عن مواقع إلكترونية للنازيين الجدد، أو مواقع مناهضة لإسرائيل. ووصف إليوت إنجل ، وهو عضو ديمقراطي بالكونگرس ويهودي من نيويورك، إن الدراسة تستحق بالفعل احتقار الشعب الأمريكي ، كما وصفها بأنها تمثل نفس الهراء القديم المعادي للسامية والمعادي للصهيونية. فيما اعتبر روبن بدهتسور الكاتب والمحلل السياسي في صحيفة هآرتس الاسرائيلية انّ الدراسة هي وثيقة مخجلة، سواء "بسبب مستواها الاكاديمي أو بسبب الادعاءات الواردة فيها"، والتي كان كل الهدف منها البرهنة علي ادعاء لا أساس له من الصحة ومفاده أن اللوبي الصهيوني/الاسرائيلي المصاب بشبق التسلط علی العالم يقود الادارة الامريكية من أنفها ويُملي علی الرئيس سياسته الخارجية، وفي مقدمتها الشرق اوسطية.
واذا کانت الدراسة قد کسرت محظوراً في السياسة الأمريکية، وهو النقاش حول اسرائيل، فإن کتاب الرئيس کارتر قد عزز اتجاهاً في النقاش بقي مغلقاً عقوداً بفضل نفوذ اللوبي الصهيوني/الاسرائيلي. وقد تطرق جهاد الخازن في مقالة له نَشرت في صحيفة "الحياة" إلی أن الكتاب لقي ما لقيت الدراسة من حملات، ومن الجماعات نفسها والأفراد المعروفين بالولاء لاسرائيل الى حد التستر على جرائمها. غير انه هناك في المقابل من اليهود الأميركيين وغيرهم من دافع عن الكتاب وحق صاحبه في ابداء رأيه، حتى وإن اختلف الناقد معه. والحقيقة هي أنه يكاد يكون نادرا أن تجد كتابا غربيين منصفين للعرب والمسلمين والفلسطينيين، وإذا وجدوا فلا تكاد تسمع أصواتهم وسط الجلبة الإعلامية التي يسيطر عليها اللوبي الصهيوني والعقل الصهيوني. بل إن كثيرا منهم يتعرضون للاغتيال والإعدام الإعلامي والشنق المعنوي. ومن واجب المنصفين والإعلاميين العرب ذوي الصدى الدولي أن يعرفوا بهؤلاء المنصفين ويقدموا لهم السند اللازم لأنهم أقدر على مخاطبة إخوانهم باللغة التي يفهمونها، فإن خدمتهم للقضايا العربية والعالمية العادلة لا تقدر بثمن، ومنهم من يدفع مستقبله وحياته ثمنا لإحقاق الحق وإزهاق الباطل. ويأتي في طليعة هذا الصنف من الکتاب والمفکرين نعوم چومسکي الذي کان دائم الظهور مع الفقيد الکبير أدوارد سعيد في مختلف الندوات واللقاءات دفاعاً عن شعوب العالم الثالث وفي طليعتها الشعب الفلسطيني، وسيمور هرش الذي يکتب في مجلة "النيويورکر".
لقد أشار الخازن الى دراسة موثقة للباحث العربي الأميركي مازن قمصية، كما تابع جهد ايمي گودمان، وهي يهودية تقدمية، عبر برنامجها التلفزيوني الأخباري "الديموقراطية الآن". وقد استعانت گودمان مرة بمقابلة أجراها الرئيس الأميركي الأسبق کارتر مع لاري كينگ في "سي أن أن"، كما انها استعانت بآراء الدكتور أحمد الخالدي الذي صدر له أخيراً كتاب بعنوان "القفص الحديدي: قصة النضال الفلسطيني من أجل الدولة" والدكتور علي ابو نعيمة، وله كتاب صدر أخيراً بعنوان "بلد واحد: اقتراح جريء لانهاء النزاع الاسرائيلي-الفلسطيني". کما لفت الخازن الأنتباه الی مقال كتبه هنري سيگمان في مجلة "ذي نيشن" وكان عنوانه "إعصار كارتر". لاحظ سيگمان ان صدور كتاب كارتر تزامن مع الانتخابات النصفية الأميركية وسخر من جهد السياسيين الديموقراطيين التنصل من الكاتب وكتابه. کما تحدث عن جهل المؤسسة السياسية الاميركية بخفايا الصراع الفلسطيني-الاسرائيلي. وتحدی الكاتب النائب الصهيوني المتحمس توم لانتوس، الرئيس الجديد للجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب، وسلفه هنري هايد أن يعرفا من هاجم انضمام رحفام زئيفي، من حزب "موليدات" الاسرائيلي الذي يدعو الى "تسفير" الفلسطينيين، أي طردهم، الى حكومة اسحق شامير. ذکر سيگمان القراء قائلاً ان انضمام حزب التسفير لطخة على اسرائيل ، وهو الذي برَّر صدور قرار من الأمم المتحدة الذي نصَّ علی ان الصهيونية حرکة عنصرية.
وقال سيگمان إن المهاجم كان بيني بيگن، وهو سياسي يميني وابن رئيس الوزراء الأسبق مناحيم بيگن. وشكا سيگمان من انه لو قال مثل هذا الكلام سياسي أميركي لاتّهم بالعداء لدولة اسرائيل. ثم لاحظ أن إيهود أولمرت، قد ضمّ الى حكومته قبل أشهر أفيگدور ليبرمان، الذي يطالب بالتطهير الإثني وطرد الفلسطينيين، بعدما كان أولمرت نفسه قبل شهور يخشى وصمة أبارتيد، أو التفرقة العنصرية على طريقة جنوب افريقيا. وقد دفعه هذا الخوف الى درجة انه عندما كان نائباً لرئيس الوزراء مع آرييل شارون اقترح الانسحاب من قطاع غزة، حتى لا تقاطع المنظمات اليهودية الأميركية التي قاطعت جنوب افريقيا بسبب التفرقة العنصرية، اسرائيل هذه المرة. ويقول سيگمان ان ليبرمان الذي لا يعترف بحق الفلسطينيين على أي بوصة من أرضهم يريد فرض عقوبات مشددة على "حماس" التي ترفض الاعتراف بشرعية اسرائيل، ويجد في هذا التناقض نوعاً من ازدواجية المعايير.
إن دراسة "لوبي اسرائيل" وكتاب كارتر اخترقا جدار الصمت الأميركي ازاء اسرائيل، وسيگمان الذي يؤيد كيهودي وجود اسرائيل، وقف دائماً مع حقوق الفلسطينيين ودان تجاوزات الحكومة الاسرائيلية ضدهم. وهناك كثيرون مثله يجب الاعتراف لهم بالفضل، فهم يمثلون مجموعة من اليهود الاميركيين، لا يمثلها اللوبي أو "بناي بريث". وأختتم سيگمان مقالته بالرد على زعم المحامي آلان ديرشوفيچ وغيره من ان كارتر لا يهتم بأمن اسرائيل، بالقول ان كارتر كان الرئيس الأميركي الوحيد الذي نجح في عقد معاهدة سلام بين بلد عربي واسرائيل، وإن إخراج مصر من محور الحرب على اسرائيل هو أكبر خدمة تقدّم لأمن اسرائيل.
كتاب الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر "فلسطين ... السلام لا الفصل العنصري" يمثل في رأي العديد من المعنيين بمتابعة الوضع في الشرق الأوسط خدمة جليلة للمعنيين بتوعية الشعب الأميركي بحقوق الشعب الفلسطيني وبمواجهة ماكينة الدعاية المساندة لإسرائيل في الولايات المتحدة، وذلك لطبيعة ومضمون الكتاب، کما يقول الکاتب علاء بيومي في مراجعته. ويضيف بيومي إن الكتاب أشبه بشهادة يقدمها كارتر للتاريخ، تتضمن مذكراته وانطباعاته الشخصية كمواطن أميركي مسيحي متدين معني بإحلال السلام في العالم بشكل عام وفي الأراضي المقدسة بشكل خاص، وكسياسي أميركي وصل إلى أعلى المناصب السياسية وبنى شبكة علاقات شخصية واسعة ومباشرة مع قادة العالم المعنيين بالصراع العربي الإسرائيلي، وشارك بصفته رئيسا للولايات المتحدة، وبعد تركه كرسي الرئاسة، في العديد من اللقاءات الرسمية وغير الرسمية المعنية بإحلال السلام في الشرق الأوسط.
يبدأ كارتر كتابه بتسجيل تشوقه لزيارة إسرائيل كرجل مسيحي متدين قرأ دوما عن إسرائيل والأراضي المقدسة في الإنجيل. ثم يتحدث عن أول زيارة قام بها لإسرائيل في العام 1973 ردا على دعوة قدمها له إسحاق رابين، عندما كان كارتر حاكما لولاية جورجيا الأميركية، وذلك ضمن جهود إسرائيل لتحسين صورتها وسط القادة الأميركيين. ثم يبدأ كارتر عبر كتابه في تسجيل انطباعاته عن إسرائيل والفلسطينيين وقيادات الطرفين وعن دور القوى المختلفة المعنية بصراع الشرق الأوسط منذ ذلك الحين وحتى نهاية العام 2006 تقريبا، بما في ذلك تبعات الهجوم الإسرائيلي على لبنان، مرورا باتفاقات كامپ ديفد وأوسلو والانتخابات الفلسطينية المختلفة وحائط الفصل الذي تعمل إسرائيل على بنائه حاليا.
لذا يتميز الكتاب بمسحة من المصداقية النابعة من أن مؤلفه هو جيمي كارتر بما يتمتع به من مكانة وكاريزما لدى الشعب الأميركي، ومن المشاعر والملاحظات الشخصية التي يسجلها في الكتاب كسياسي أميركي متدين معني بإحلال السلام في العالم اختار بعد نهاية فترة رئاسته لأميركا أن يبني معهدا لنشر السلام في العالم. أضف إلى ذلك سهولة الكتاب اللافتة للنظر، حيث يقع محتوى الكتاب الرئيس في حوالي 200 صفحة من القطع الصغير المزودة بالخرائط المبسطة والملاحق التي توضح أهم اتفاقات السلام. كما أن الكتاب مكتوب بلغة سهلة واضحة تبتعد عن الغوص في التفاصيل الدقيقة لصراع الشرق الأوسط. لذا قد لا يقدم الكتاب شيئا جديدا من الناحية العلمية، ولكنه يقدم خدمة جليلة لحقوق الشعب الفلسطيني بالولايات المتحدة، وهو هدية يقدمها كارتر للفلسطينيين الذين يجب أن يعملوا بدورهم على تقديمها لكل مواطن أميركي.
نقطة انطلاق مضمون الكتاب هي اتفاقات كامپ ديفد بين مصر ممثلة في الرئيس أنور السادات وإسرائيل ممثلة في رئيس وزرائها مناحيم بيگن والولايات المتحدة ممثلة في جيمي كارتر، الذي كان رئيسا لأميركا في ذلك الوقت وأشرف بنفسه على الاتفاقية وعلى إنجاح المفاوضات التي قادت إليها. ويعبر كارتر عبر صفحات كتابه عن ارتباطه القوي بتلك الاتفاقية، ويعود إليها تكرارا لأنه أشرف عليها من ناحية ولأنها تضمنت كما يؤكد في أكثر من موضع اتفاقا شاملا على سبل ومتطلبات إحلال السلام في الشرق الأوسط الذي التزمت به مصر ولم تلتزم به إسرائيل، بشكل يجعل إسرائيل منتهكة لاتفاقية كامپ ديفد ولجهود إحلال السلام منذ توقيع الاتفاقية عام 1978.
ويقول كارتر في الفصل الثالث من الكتاب إن "السادات أراد اتفاقية سلام شاملة" وإنه لم يأت إلى كامپ ديفد بحثا عن اتفاقية سلام بين مصر وإسرائيل فقط، ولكنه جاء يبحث عن اتفاقية سلام عربية شاملة مع إسرائيل تقوم على إعادة الأرض المحتلة وضمان حقوق الشعب الفلسطيني ووقف بناء المستوطنات وتطبيق قرار الأمم المتحدة رقم 242. ويقول كارتر إن بيگن تعهد لفظيا بشروط السلام التي طالب بها السادات ولم تنص عليها اتفاقية كامب ديفد ولكنه لم يف بوعوده، وهنا يشير كارتر إلى أن "الجوهر الأصلي للاتفاقية المتعلق بالأراضي المحتلة الأخرى غير المصرية تم التخلي عنه أو تغييره بشكل كبير". كما يذكر أن "أخطر شيء حذف من اتفاقية كامب ديفد كان الفشل في توضيح وعود بيگن اللفظية الخاصة بتجميد المستوطنات كتابة خلال محادثات السلام التالية". كما يوضح أن "إسرائيل لم تعط أي استقلال ذي معنى للفلسطينيين، وبدلا من أن يسحبوا قواتهم العسكرية والسياسية قام قادة إسرائيل بتقوية قبضتهم على الأراضي المحتلة". وهنا يعبر كارتر عن انتقاده لقادة إسرائيل السياسيين بما في ذلك مناحيم بيگن، موضحا بالقول "لم يكن سرا أنه كان بيني وبين بيگن خلافات علنية تتعلق بتفسير اتفاقات كامپ ديفد، وللأسف قادت هذه الخلافات إلى بعض الخلافات الشخصية أيضا". وأوضح كارتر أن انتقاده لبيگن ولموقف إسرائيل من عملية السلام دفع بيگن إلى سوء معاملته وتجاهل الرد على أسئلته في أحد اللقاءات التي جمعتهما.
أما السادات فيخصه كارتر بأكبر قدر من المديح والتقدير، إذ يقول في الفصل الخامس من الكتاب، في معرض حديثه عن دور دول الجوار في الصراع العربي الإسرائيلي، إن "من بين حوالي 100 رئيس دولة تقابلت معهم عندما كنت رئيسا كان السادات صديقي الشخصي المفضل والأقرب". كما يمتد حديث كارتر الإيجابي عن قادة عرب آخرين تعاني صورتهم درجة كبيرة من التشويه في دوائر الإعلام الأميركية، وعلى رأسهم الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد. يتحدث كارتر عن لقائه الأول مع الأسد في سويسرا عام 1977، ويقول واصفا الأسد "وجدت الأسد كما يصفونه أكثر قائد لباقة في التعبير عن جوهر المعتقدات العربية الخاصة بإسرائيل وبفرص السلام". وهنا يبدأ كارتر في وصف تلك المعقدات بلهجة تتحلى بالموضوعية، مؤكدا أنه "من المهم تلخيص آراء الأسد التي نادرا ما تسمع في العالم الغربي". ويتحدث كارتر على لسان حافظ الأسد عن رفض إسرائيل منذ نشأتها عودة اللاجئين الفلسطينيين، ورغبة بعض أهم قادتها في بناء إسرائيل كبرى، وكيف أن هؤلاء القادة يؤمنون بأن التوسع والغزو وضم أراض جديدة هو أفضل وسيلة لحماية أمن إسرائيل وحدودها.
هذا إضافة إلى إيمان إسرائيل بحقها في إعادة بناء دولة انهارت منذ آلاف السنين، في حين ترفض منح الفلسطينيين حقهم في بناء دولة عاشوا عليها لأجيال، ناهيك عن نظرة إسرائيل إلى اليهود عبر العالم على أنهم شعب واحد، في حين ترفض النظر إلى الفلسطينيين على أنهم شعب متجانس. كما يؤكد كارتر "استعداد" الأسد للعمل من أجل السلام إذا كان قائما على احترام جميع قرارات الأمم المتحدة الخاصة بالصراع العربي الإسرائيلي، ومنح الفلسطينيين حقهم في تقرير مصيرهم، واحترام القوانين الدولية التي تحرم اغتصاب الأراضي بالقوة واحترام حدود الدول.
يبدأ كارتر في الفصل السابع من كتابه في الحديث المفصل عن الفلسطينيين ولقاءاته معهم ومع قياداتهم، وعن ظروف معيشتهم تحت الاحتلال. فيذكر أن عدد المسيحيين الفلسطينيين "فاجأه" وكيف أن نفوذ الأحزاب الدينية اليهودية داخل إسرائيل وأجندة تلك الأحزاب أدت إلى تقييد حريات الفلسطينيين المسيحيين الدينية، وكيف يعامل الجنود الإسرائيليون المواطنين الفلسطينيين معاملة غير إنسانية. كما تحدث كارتر، في الفصل نفسه، عن سياسة العقاب الجماعي التي تمارسها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني وعن المعتقلين وعن غياب العدالة القانونية وعن وجود اليهود المتطرفين في الأراضي المقدسة وعن المستوطنين الإسرائيليين وكيف يعيش بضعة آلاف منهم في الأراضي الفلسطينية المحتلة محاطين بعدد أكبر منهم من الجنود الإسرائيليين المكلفين بحمايتهم. ووصف كيف ينفرد هؤلاء المستوطنون بموارد وثروات الأراضي المحتلة الطبيعية بمقادير تفوق مرات مضاعفة ما يعيش عليه الفلسطينيون أنفسهم.
لذا يقول كارتر في نهاية الفصل السادس من كتابة "بدا واضحا لي أكثر فأكثر أن هناك إسرائيلين. واحدة تحتوي على الثقافة والقيم الأخلاقية القديمة للشعب اليهودي كما تعرفها الكتب الدينية اليهودية، وهي النسخة التي اعتدت عليها منذ الصغر وتمثل دولة إسرائيل الشابة كما يتصورها غالبية الأميركيين. إما الأخرى فتوجد في الأراضي المحتلة وتمارس سياسات قائمة على رفض الاعتراف بأبسط حقوق الإنسان الخاصة بالمواطنين، وعلى عدم احترامها". كما يتحدث كارتر في بداية الفصل السابع من كتابه عن اتفاقات أوسلو وما تبعها من جهود فلسطينية لإحلال السلام وإجراء انتخابات وبناء سلطة وطنية مستقلة بعض الشيء. ويتحدث عن مراقبته للانتخابات الفلسطينية أكثر من مرة وكيف شاهد بشكل مباشر العراقيل التي تضعها إسرائيل أمام مشاركة الفلسطينيين في الانتخابات، خاصة لأهالي القدس الشرقية.
ويشرح کارتر كيف أنه هدد إسرائيل في إحدى المرات بأن يعقد مؤتمرا صحفيا دوليا للتنديد بتلك العراقيل ما لم تقم إسرائيل فورا بإزالتها، وكيف أن إسرائيل تراجعت أمام تهديده بعد أن ضيعت جزءا كبيراً من يوم الانتخابات وأخافت أهل القدس الشرقية من المشاركة. كما يتضمن الفصل الحادي عشر من الكتاب شهادة ضرورية تنصف الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات الذي نجحت إسرائيل في تصويره على أنه رفض فرصة ذهبية لإحلال السلام في نهاية عهد الرئيس الأميركي بيل كلينتون. يقول كارتر إن ما عرضه كلينتون ورئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك إيهود باراك على عرفات كان مجحفا في جوانب عدة، مثل حق عودة اللاجئين وإبطال القرارات الدولية السابقة التي تحمي حقوق الشعب الفلسطيني، وتمزيق الضفة الغربية بين المستوطنات الإسرائيلية وعزلها عن الأردن. ويقول كارتر "لم يكن هناك احتمال أن يقبل أي قائد فلسطيني هذه البنود ويضمن لنفسه البقاء، ولكن البيانات الرسمية من واشنطن والقدس نجحت في إلقاء كل ثقل الفشل على عرفات".
في الفصل قبل الأخير من الكتاب يتحدث كارتر عن حائط الفصل الذي بدأت إسرائيل في بنائه بكل تفاصيله المجحفة التي يقدمها كارتر بتبسيط ووضوح متميزين. يقول إن الحائط تجسيد لرؤى التطرف الإسرائيلية التي عاقت عملية السلام، وإنه أشبه بالفصل العنصري الذي مارسته جنوب أفريقيا، وإن كان الفصل الإسرائيلي فصلا بين شعبين لا بين عنصرين. ويتحدث كارتر في خاتمة كتابه عن عقبات ثلاث رئيسة أمام عملية السلام، هي الاحتلال الإسرائيلي والموقف الأميركي المساند له والموقف الدولي الذي غض الطرف عما يحدث. كما يتحدث كارتر في اقتضاب عن دور اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة. ولكنه يعود ليؤكد تفاؤله بأن غالبية الإسرائيليين والفلسطينيين باتوا يريدون السلام وباتوا يتفقون على التفاصيل الرئيسة لأي تسوية نهائية. ويؤكد في نهاية كتابة أن "السلام سوف يحل في إسرائيل والشرق الأوسط، فقط عندما تكون حكومة إسرائيل مستعدة للوفاق على القانون الدولي وخريطة الطريق والسياسة الأميركية وأماني غالبية مواطنيها، وتكون مستعدة لاحترام التزاماتها السابقة والقبول بحدودها التي يعرفها القانون".

المصادر التي ورد ذکرها في المقالة:
1. جانيس ج. تيري، السياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط، دور جماعات الضغط ذات الاهتمامات الخاصة، ترجمة حسان البستاني، الدار العربية للعلوم، بيروت، الطبعة الأولى 2006، مراجعة ابراهيم غرايبة.
2. نعوم چومسكي، طموحات إمبريالية، ترجمة عمر الأيوبي، دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الأولى 2006، مراجعة ابراهيم غرايبة.
3. جهاد الخازن، "تخلوا عن بوش"، الحياة 9/11/2006.
4. جهاد الخازن، "أصمّ وأعمى"، الحياة 18/1/2007
5. هاشم صالح، "المشروع الأميركي ـ الإسرائيلي، تقسيم المنطقة إلى طوائف وأعراق"، الشرق الأوسط 11/11/2006.
6. سمير عطا الله، " لأنه خدعهم"، الشرق الأوسط 12/11/2006.
7. توماس فريدمان، "هل اصبحت بلادنا جمهورية موز"، نيويورك تايمز، 4/11/2006.
8. روبرت فسك، "الإنكار واللجوء إلى الخيال"، الأندپندنت، 7/12/2006
9 . نيل فيرگسون، الصرح: ارتقاء الإمبراطورية الأميركية، ألن لين، بريطانيا العظمى، الطبعة الأولى 2004، مراجعة مکتب کمبرج.
10. جيمي كارتر، فلسطين.. السلام لا الفصل العنصري، سيمون آند سيشتر/نيويورك، الطبعة الأولى 2006، مراجعة علاء بيومي.
11 . صافي ناز کاظم، "اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون"، الشرق الأوسط 12/11/2006.87.
12. روبرت موري، رمال الإمبراطورية، سيمون آند شيستر، نيويورك، الطبعة الأولى 2005، مراجعة علاء بيومي.
12. بوب وودورد، حالة إنكار: بوش في حرب: الجزء الثالث، الطبعة الأولى، سبتمبر 2006، سيمون آند شيستر، مراجعة علاء بيومي.
13. Christopher Dickey, “Intimate Strangers”, Newsweek, February 19, 2007.
14. David Wyman, Abandonment of the Jews, University of Massachusetts Press, 1975.



#محمد_الأزرقي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المرأة في الدخيل الجائر من التراث - الحلقة الأولی
- الأمبراطورية الصهيونية الأمريکية
- ألأمبراطورية الصهيونية الأمريکية
- المرأة في الدخيل الجائر من التراث -الحلقة الرابعة
- 3-ألمرأة في الدخيل الجائر من التراث
- المرأة في الدخيل الجائر من التراث - الحلقة الثانية
- المرأة في الدخيل الجائر من التراث-الحلقة الثانية


المزيد.....




- إيلون ماسك ونجيب ساويرس يُعلقان على حديث وزير خارجية الإمارا ...
- قرقاش يمتدح -رؤية السعودية 2030- ويوجه -تحية للمملكة قيادة و ...
- السعودية.. انحراف طائرة عن مسارها أثناء الهبوط في الرياض وال ...
- 200 مليون مسلم في الهند، -أقلية غير مرئية- في عهد بهاراتيا ج ...
- شاهد: طقوس أحد الشعانين للروم الأرثودكس في القدس
- الحرب على غزة| قصف إسرائيلي مستمر وبلينكن يصل السعودية ضمن ج ...
- باكستان.. مسلحون يختطفون قاضيا بارزا ومسؤول أمني يكشف التفاص ...
- كلاب المستوطنين تهاجم جنودا إسرائيليين في الخليل
- بلينكن يصل إلى السعودية للاجتماع مع وزراء خارجية دول مجلس ال ...
- ما علاقة الحطام الغارق قبالة سواحل الأردن بالطائرة الماليزية ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد الأزرقي - الأمبراطورية الصهيونية الأمريکية - الحلقة الثالثة