أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سليم سليمان سليمان الحشاش - النهاية المأساوية للأدوات المحلية في مشاريع الاحتلال الاستعمارية















المزيد.....

النهاية المأساوية للأدوات المحلية في مشاريع الاحتلال الاستعمارية


سليم سليمان سليمان الحشاش

الحوار المتمدن-العدد: 8548 - 2025 / 12 / 6 - 16:04
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


عبر التاريخ، الاحتلال الأجنبي يستخدم أسلحة متنوعة لفرض سلطته على الشعب المحتل، ولم تكن القوة العسكرية فقط، بل يعتمد دائمًا على فئة محلية من المتعاونين الذين ارتضوا دعم المحتل، وساهموا في تثبيت أقدامه مقابل امتيازات سياسية أو مادية، أو أحقاد داخلية، أو انتقام وكراهية ورغبة في الانتقام من نظام أ معارضة، وقد تعددت دوافع هؤلاء العملاء، كما اختلفت أشكال تعاونهم، لكن الجامع بينهم هو خيانة روح الانتماء الوطني. ومن خلال دراسة مصائر هؤلاء في تجارب تاريخية متعددة — من الاستعمار الأوروبي في إفريقيا وآسيا، مرورًا بالحرب في فيتنام، ثم الاحتلال الأمريكي لأفغانستان، والعراق، وصولًا إلى الاحتلال الإسرائيلي في لبنان وفلسطين، والان في قطاع غزة، يتضح أن النهاية كانت دائمًا واحدة: النبذ، أو المحاسبة، أو الإعدام، أو الهروب إلى مصير مجهول.
ففيروس العمالة، الجاسوسية، الخيانة الوطنية، الخيانة العظمى، مصطلحات كلها تدل على ارتهان مجموعة من المواطنين إلى أهوائهم الشخصية ونزواتهم الداخلية، ففي التاريخ المعاصر كانت هناك عدة أمثلة على هذا الانحدار الأخلاقي، والشذوذ الفكري، والولوج في مستنقع العار لهؤلاء العملاء ووكلاء الاحتلال، فخلال احتلال ألمانيا النازية لفرنسا، أُنشئت حكومة فيشي بوصفها سلطة فرنسية متعاونة مع الاحتلال، وضمت هذه الحكومة آلاف المتعاونين في الأجهزة الأمنية والإدارية. وبعد تحرير فرنسا سنة 1944م، شهدت البلاد ما عُرف بـ التطهير القانوني حيث قُدِّم أكثر من 300 ألف شخص للمساءلة، نُفِّذت آلاف أحكام الإعدام، سُحبت الحقوق المدنية من عشرات الآلاف، وأُجريت محاكمات لمسؤوليها بتهمة الخيانة، وأُعدم قادتها مثل بيير لافال وأُودع المارشال بيتان السجن مدى الحياة، ويعطينا هذا النموذج أن العميل، مهما بلغ موقعه الوظيفي، يفقد شرعيته فور سقوط سلطة الاحتلال، وأثناء الاستعمار الفرنسي للجزائر استخدم الاستعمار العملاء الذي أطلق عليهم الجزائريون "الحركيون"، و"الحركي" تعني في الجزائر "العميل" أو "الخائن"، ويطلقها الجزائريون أيضاً على الذين حاربوا إلى جانب الجيش الفرنسي خلال حرب تحرير الجزائر بين عامي 1954 و1962م، سواء بحمل السلاح في وجه أبناء وطنهم من الجزائريين، أو الذين اعتمدوا الوشاية لكشف مخططات جيش التحرير وتحركات المحارب، ويروي أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر، رابح لونيسي، أن "الحركيين هم الذين وقفوا مع فرنسا أثناء ثورة التحرير، ومن الطبيعي أن ترفضهم الجزائر، فهؤلاء يجب اعتبارهم فرنسيين ما داموا قد اختاروا فرنسا على حساب الجزائر". ويذكر أن "فرنسا تخلت عنهم في 1962م، وكان ذلك درساً لكل خائن لوطنه، فمن هرب منهم عاش في الغيتوهات ملاحقاً بنظرة الاحتقار". وختم أن "فرنسا لا تثق بهم
وبعد الاستقلال، تعرّض الآلاف منهم لعمليات تصفية وانتقام مباشر، ونُقل أكثر من 60 ألفًا إلى فرنسا، وعاشوا في مخيمات معزولة في ظروف اجتماعية واقتصادية صعبة، وقد تخلّت فرنسا عنهم سياسيًا وأخلاقيًا لسنوات طويلة، في حين ظلّوا مرفوضين وطنيًا في الجزائر، بما يجسّد الخسارة المزدوجة للعميل: الوطن والمحتل معًا
ومع الاحتلال الأمريكي لفيتنام 1955م، شكل الجيش الأمريكي جيش محلي من الفيتناميين أطلق عليه جيش فيتنام الجنوبي (ARVN) كان جيش فيتنام الجنوبي يمثّل القوة العسكرية العميلة الأساسية، وقد تلقّى السلاح والتدريب والرواتب من الولايات المتحدة، خاض حربًا مباشرة ضد أبناء وطنه في الشمال والجنوب، وعند انهيار سايغون عام 1975، انهزم الجيش الأمريكي و انهارت جيش فيتنام العميل خلال أيام، وألقي السلاحه، بعد فقدان الحماية الأمريكية ، وقد شكل الثوار الفيتناميين المحاكمات الثورية لكبار الضباط ورموز الأجهزة الأمنية، وإعدام المسؤوليين المتورطين في جرائم قتل، كما أرسل عشرات الألاف لمعسكرات لإعادة تأهيلهم واستمر ذلك لسنوات، كما فر ألاف عبر البحر لأمريكا وكندا وغيرها من الدول خوفاً على أنفسهم من محاكمات الثوار، وهنا لا بد من الإشارة أن الولايات الأمريكية تخلت عن العملاء، وأجلت رعاياها، ثم تركت حلفاءها المحليين ينهارون دون أي حماية، وما زالت صور الهروب من سطح السفارة الأمريكية ماثلة لدى الكثيرين، كما أصبحت رمزاً عالمياً للخيانة السياسية، ويمكن استخلاص قاعدة ذهبية من هذه التجربة وهي أن العمالة أو الجاسوسية في الحروب التحررية رهان خاسر، كما أن المجتمع المنتصر لن يقبل من طعنه بظهره وقت المعارك مع الاحتلال، وأن دمج هؤلاء العملاء لن يتم إلا بشروط صعبة.
ومع الانتداب البريطاني لفلسطين، كان مصير العملاء المطاردة والقتل، حيث طاردت الثورة الفلسطينية الكبرى التي اندلعت عام 1936م، المتعاونين مع البريطانيين، مثل المليشيات التي أطلق عليها آنذاك "فصائل السلام"، لاحقًا، أسس الاحتلال الإسرائيلي ميليشيات تحت اسم "روابط القرى"، تتألف من شخصيات وافقت على التعاون مع "إسرائيل" وتنفيذ أوامرها ضد الفلسطينيين والتنكيل بهم لصالح المحتل، وقد قام الثوار بتصفية عددًا من الشخصيات التي تورطت في ضرب المقاومة الفلسطينية وتصفيتها، منها فخري النشاشيبي: كان أحد السياسيين الفلسطينيين في فترة العشرينات وأحد مؤسسي ما يعرف بـ "حزب الدفاع الوطني". لاحقًا، لجأ إلى تأسيس ميليشيات مسلحة أطلق عليها "فصائل السلام" بهدف ملاحقة مقاتلي الثورة الفلسطينية بالتعاون مع الاحتلال البريطاني، وبسبب تعاونه مع الاحتلال البريطاني وقتل وتسليم العديد من الثوار الفلسطينيين، تمت ملاحقة النشاشيبي ومحاولة تصفيته، حتى نجحت الثورة في ذلك عام 1941م، أمام فندق سميراميس في بغداد، حيث أطلق عليه الرصاص بتهمة خيانة الثورة.
عميل أخر وهو فخري عبد الهادي: يعتبر أحد أركان ميليشيات "فصائل السلام" التي شكلها النشاشيبي، وكان دوره قيادة تلك المجموعات عسكريًا لملاحقة الثوار وقمعهم، بينما كان النشاشيبي يقوم بالتعبئة واستقطاب المشاركين فيها بدعم من البريطانيين، لقي عبد الهادي مصير النشاشيبي عام 1943م، أثناء حفل زفاف ابنه شوقي، بحضور القائد العسكري البريطاني في جنين، حيث قام أحد أقاربه بالتظاهر برفع المسدس في الهواء لإطلاق النار احتفالًا بالعرس، لكنه وجه الطلقات إلى صدر عبد الهادي وقتله على الفور، كما تمت تصفية العميل يوسف الخطيب الذي كان رئيس رابطة قرى منطقة رام الله المتعاونة مع الاحتلال، وتعرض لملاحقة منظمة التحرير بعد إصدار بيان باعتباره خائنًا للشعب الفلسطيني بسبب الرابطة التي أسسها بأمر الاحتلال، وقد انتهت ملاحقة الخطيب بقيام مسلحين بإطلاق النار عليه خلال تواجده مع ابنه جميل في أحد المقاهي، ونقل على الفور إلى مستشفى هداسا التابع للاحتلال، لكنه فارق الحياة، ليتسلم ابنه موقعه في قيادة رابطة قرى رام الله، ويمنحه الاحتلال آليات ومعدات للمسلحين قبل أن ينتهي المشروع بعدها ويتخلى الاحتلال عنهم.
نموذج أخر من النهاية التراجيدية لأدوات الاحتلال الاستعمارية جيش لبنان الجنوبي الذي كان
ذراعًا عسكرية محلية للاحتلال الصهيوني في جنوب لبنان، ومع الانسحاب الصهيوني المفاجئ عام 2000م، انهارت المنظومة الجيش الجنوبي بالكامل خلال أيام، فرّ آلاف العناصر إلى داخل فلسطين المحتلة، أُوقف من بقي منهم، وخضع لمحاكمات بتهمة العمالة، أما الذين لجؤوا إلى الكيان الصهيوني ، فواجهوا أوضاعًا اجتماعية واقتصادية هامشية دون إدماج حقيقي، في تأكيد جديد على أن الاحتلال لا يحمي أدواته بعد انتهاء الحاجة الوظيفية إليها، ولا يوفر لهم الحماية ويتركهم لمصيرهم المجهول.
وبعد غزو العراق سنة 2003م، تعاونت فئات سياسية وأمنية مع قوات الاحتلال، ومع تقلّص الوجود العسكري الأجنبي، تعرّض كثير من المتعاونين للاستهداف، هاجر قسم كبير منهم خارج البلاد، عاش من بقي حالة نبذ اجتماعي شديد.
وعند انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من أفغانستان، برزت مأساة آلاف المتعاونين، لا سيما المترجمين والعاملين في المؤسسات الأمنية. ورغم الوعود السابقة، تُرك عدد كبير دون إجلاء، تعرّض بعضهم للملاحقة والقتل، فرّ آخرون بطرق غير شرعية، وما زالت صور الهاربين ومشاهد الفوضى في عمليات إجلاء الأمريكيين والأفغان المتعاونين معهم في مطار كابل ماثلة للجميع على غدر واشنطن وتخليها عنهم.
وخلال حرب الإبادة الصهيونية على قطاع غزة تردد على لسان النتن ياهو أكثر من مرة أنه يريد إنشاء إدارة مدنية سلمية لا تتبع السلطة الفلسطينية، ولا حركة حماس، وقد اتضحت نواياه الخبيثة بعد أن كشفت تقارير في الإعلام الصهيوني أن جيش الاحتلال شكل مليشيات محلية من أجل تدريبها ودعمها لكي تفرض سيطرتها على قطاع غزة، لتكون هذه المليشيات خدماً للاحتلال الصهيوني كما الحركي أثناء الثورة الجزائرية خدماً للاحتلال الفرنسي وقبله حكومة فيشي خدماُ للاحتلال الألماني لفرنسا، مروراً بالنهاية المأساوية لجيش جنوب الفيتنام، وقد شاركت هذه المليشيات بعمليات خاصة ضد عناصر المقاومة من اغتيال وخطف وتسليم للاحتلال وانتهاك حرمات ومحرمات، وتعتبر العمالة للاحتلال من المحرمات في المجتمع الفلسطيني، حيث يتم عزل المتعاونين اجتماعيًا ومواجهتهم بكل الوسائل الممكنة، وصولًا إلى تصفيتهم على أيدي المقاومين، نظرًا للخطر الشديد الذي يشكلونه على وحدة المجتمع، وما مصير العشرات الذين تمت تصفيتهم، رمياً برصاص، أو شنقاً على أعواد المشانق على مدار صراعنا مع الاحتلال الصهيوني ببعيد عن العملاء الجدد في قطاع غزة، والذي تم عزلهم أولاً اجتماعياً من خلال تبرؤ عوائلهم منهم، فمصير هؤلاء محتوم ولن يكون مختلفاً لصيرورة التاريخ، وقد أكدت محطات التاريخ المختلفة، أن العمالة للاحتلال ليست مجرد فعل خيانة عابر، بل خيار يترتب عليه ثمن باهظ في الحاضر والمستقبل. فمن الجزائر إلى فيتنام، ومن أفغانستان إلى العراق ولبنان وفلسطين، ظل العملاء يواجهون المصير نفسه، النبذ، الملاحقة، والقتل أو الهروب من وطن لا يغفر لهم، و هنا يظهر لنا من هذه النماذج المتعددة أن المحتل يستخدم العملاء كأدوات مؤقتة، ثم يتخلّى عنهم عند أول تحول سياسي، بينما تبقى الشعوب حارسة لذاكرتها، ترفض النسيان أو الصفح عن من تواطؤوا عليها مع عدوها.



#سليم_سليمان_سليمان_الحشاش (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة استشرافية لنجاح خطة ترامب لوقف الحرب في غزة بعد إقراره ...


المزيد.....




- وكالة الطاقة الذرية: درع مفاعل تشرنوبل لم يعد قادرًا على احت ...
- ترحيب في دمشق.. كندا ترفع سوريا من قائمة الدول الراعية للإره ...
- الأردن والعراق إلى ربع نهائي كأس العرب والجزائر تحقق فوزا عر ...
- نجل بولسونارو يعلن نفسه وريثا سياسيا لوالده ومرشحا لرئاسة ال ...
- كايا كالاس: غالبية الدول ترفض المشاركة في نزع سلاح حماس
- اليمن عند مفترق طرق: خارطة طريق معطلة وانقسامات داخلية تعمّق ...
- هل بدأت إيران تطبيق إستراتيجية المقاومة بدل التسوية؟
- عبد العاطي: معبر رفح لن يكون بوابة لتهجير الفلسطينيين
- خليفة -أبو شباب- يتوعد حماس في جنوب غزة
- الشرع: إقامة إسرائيل منطقة عازلة تهديد للدولة السورية


المزيد.....

- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سليم سليمان سليمان الحشاش - النهاية المأساوية للأدوات المحلية في مشاريع الاحتلال الاستعمارية