محسن العربي
باحث في القانون الدولي لحقوق الإنسان.
الحوار المتمدن-العدد: 8547 - 2025 / 12 / 5 - 02:48
المحور:
حقوق الانسان
مقدمة:
على الرغم من وجود اتفاقيات دولية لحقوق الملكية الفكرية، دافعت الدول المتقدمة، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، بشدة عن إدراج اتفاق جوانب حقوق الملكية الفكرية المتصلة بالتجارة "تريبس TRIPs" ضمن جولة الأوروغواي للمفاوضات التجارية المتعددة الأطراف(1)، وذلك لوضع قواعد عامة تضمن ضبط استخدام وحماية "حقوق الملكية الفكرية- IPRs"(2) على مستوى النظام التجاري الدولي، لتنضاف إلى اتفاقيات "باريس" و"بيرن" و"روما" و"واشنطن" وغيرها من الاتفاقيات بشأن الملكية الفكرية التي تديرها المنظمة العالمية للملكية الفكرية "الويبو WIPO"(3).
ويغطي اتفاق "تريبس"(4)، الذي يعتبر ملزما لكافة الدول الأعضاء بالمنظمة العالمية للتجارة، المجالات المتعلقة بحقوق المؤلف، وحقوق الملكية الصناعية التي تشمل براءات الاختراع، والعلامات التجارية، والتصميمات الصناعية، والرسوم الطبوغرافية، والدوائر المتكاملة، والمعلومات والأسرار التجارية(5).
و يهدف اتفاق "تريبس"، حسب المادة 7 منه، إلى الإسهام في حماية وإنفاذ حقوق الملكية الفكرية، وتشجيع روح الابتكار التكنولوجي، ونقل وتعميم التكنولوجيا بما يحقق منفعة مشتركة لجميع الأطراف المنتجة والمستخدمة للتكنولوجيا، والتوازن بين الحقوق والواجبات.
وينطوي هذا الاتفاق على 7 أجزاء متضمنة 71 مادة، وقد تضمن أحكام عامة وأخرى تفصيلية. ومن الأحكام العامة، ذلك الهدف المعلن الذي جاء في ديباجة الاتفاق، وهو تحرير التجارة العالمية(6). حيث نصت الفقرة الأولى من ديباجة "تريبس" على ما يلي:
"...البلدان الأعضاء، رغبة منها في خفض التشوهات والعراقيل التي تعوق التجارة الدولية، فهي تأخذ في الحسبان ضرورة تشجيع الحماية الفعالة والملائمة لحقوق الملكية الفكرية، وبهدف أن لا تصبح التدابير والإجراءات المتخذة لإنفاذ هذه الحقوق حواجز في حد ذاتها أمام التجارة المشروعة".
عموما، ورغم الانتقادات الكثيرة التي وجهت لاتفاق "تريبس" في علاقته بالتأثير السلبي على حقوق الانسان، فإنه، أي "تريبس"، ينطوي على مقتضيات جاءت منسجمة مع القانون الدولي لحقوق الإنسان، بحيث حملت في طياتها أحكاما من شأنها المساهمة في توفير سبل ضمان حماية وتعزيز بعض أصناف حقوق الإنسان.
فلعل ما تضمنه "تريبس" من أحكام بخصوص حماية حقوق الملكية الفكرية لأصحاب الاختراعات العلمية والأعمال الأدبية والفنية، قد جاء في انسجام مع ما نص عليه مثلا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في الفقرة 2 من المادة 27:
"لكل شخص حق في حماية المصالح المعنوية والمادية المترتبة على أي إنتاج علمي أو أدبي أو فني من صنعه".
وهو نفس الأمر الذي نصت عليه خاصة الفقرة 1 (ج) من المادة 15 من العهد الأول(7).
فالتنصيص على ضرورة حماية حقوق الملكية الفكرية أمر له دلالته، فهو يحمل في طياته تشجيعا على البحث والتطوير وروح الابتكار والاختراع الذي يسهم في تقدم ورقي المجتمعات، وفي نفس الوقت ضمان لحق المبتكر أو المخترع في الاستفادة من الأرباح التي قد يجنيها من ابتكاراته واختراعاته، خصوصا وأنه يكون قد تكبد تكاليف باهظة جراء الأبحاث التي تطلبها الوصول إلى ذلك الابتكار أو الإبداع.
غير أن الاستفادة من الأرباح هنا، يجب أن لا تكون على حساب الاعتبارات الإنسانية، كأن تشكل تكاليف إضافية على حساب مستلزمات الحياة الأساسية للفقراء. وهذا هو الأمر الذي دافعت عنه الدول النامية والأقل نموا بشدة. وقد تم التجاوب مع هذا الأمر بدمج بعض المقتضيات في "تريبس"، خاصة المواد 7 و 8 و 31. وهذا فضلا عن الحجج المقدمة من طرف الدول المتقدمة والشركات الكبرى، بقولهم أن الملكية الفكرية تستفيد من الحماية فقط لفترة محددة من الزمن، بعد انقضائها ستستفيد الدول الفقيرة من هذه الاختراعات والابتكارات المنقضية فترة حمايتها مجانا.
ومن جهة أخرى، فإن ما تضمنه "تريبس" بخصوص جواز اعتماد التدابير اللازمة لحماية الصحة العامة والأمن الغذائي وخدمة المصلحة العامة في القطاعات ذات الأهمية الحيوية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية من طرف الدول الأعضاء عند وضع أو تعديل قوانينها ولوائحها التنظيمية بهذا الخصوص، شريطة اتساق التدابير مع هذا الاتفاق(8)، من شأنه عموما أن يسهم في ضمان حماية حقوق الإنسان في الصحة والغذاء والتعليم والتنمية...إلخ.
ونشير أيضا إلى أن الأهداف المتضمنة في المادة 7 من "تريبس"، السابق الإشارة إليها، وكذا ما نصت عليه المادة 31 من هذا الاتفاق، بخصوص الاستخدامات الأخرى بدون الحصول على موافقة صاحب براءة الاختراع، وخصوصا الاستخدامات غير التجارية، بما يدخل ضمنها إمكانية منح "تراخيص إجبارية"(9) من طرف السلطات المختصة المؤهلة داخل الدولة، إذا كانت هذه الدولة في "حالة طوارئ" أو "حالة ملحة جدا"(10)، كمواجهة خطر ما يهدد الأمن الغذائي أو الصحة العامة، مثلا بتصنيع منتج دوائي حاصل على براءة اختراع من دون الحصول على موافقة صاحب البراءة، وذلك بإنتاج ما يسمى بـ"الأدوية الجنيسة"(11).
وهذه مسائل، من شأنها أن تسهم في ضمان حماية حقوق الإنسان في شتى المجالات، الصحية والغذائية والتنموية...إلخ، وأن تسهم كذلك في ضمان حق الإنسان في الاستفادة من فوائد التقدم العلمي وبتطبيقاته، وهو الحق الذي تناوله كل من العهد الأول(12) والإعلان العالمي لحقوق الإنسان(13) وغيرهما من المواثيق الدولية لحقوق الإنسان.
وفي علاقتها بالتأثير سلبا على حقوق الإنسان ومتطلبات إعمالها، فإن اتفاقية "تريبس" استحوذت على النصيب الأوفر من الانتقادات مقارنة بباقي الاتفاقيات التجارية المتعدد الأطراف الأخرى التي تديرها منظمة التجارة العالمية، بحيث اتهمت أحكام "تريبس" بكونها تحمل تهديدات جمة لمتطلبات إعمال حقوق الإنسان، حيث تزيد من صعوبة امتثال الدولة لالتزاماتها الأساسية فيما يتعلق بالصحة والغذاء والتعليم وغير ذلك من موضوعات حقوق الإنسان.
وعليه، فقبل الغوص في حيثيات وجوانب تأثير اتفاق "تريبس" سلبا على حقوق الإنسان، سنجيب أولا عن بعض الأسئلة التي تطرح نفسها بقوة، والمتمحورة أساسا حول ماهية العلاقة التي تجمع حقوق الملكية الفكرية بحقوق الإنسان؟ بمعنى هل حقوق الملكية الفكرية هي حق من حقوق الإنسان؟ أم أن الأمر بخلاف ذلك؟ (الفقرة الأولى).
وبعد ذلك، سنعرج الحديث لإبراز جوانب تأثير اتفاق "تريبس" على متطلبات إعمال حقوق الإنسان والتمتع الفعلي بها، أين سنسلط الضوء، بشكل عام ومقتضب، على جوانب هذا التأثير على بعض أصناف حقوق الإنسان (الفقرة الثانية).
ولما كانت الانتقادات الأكثر صراحة الموجهة لاتفاق "تريبس" هي أساسا تلك المتعلقة بتأثيراتها على الحق في الصحة، فإننا سنفرد نقطة خاصة نتناول فيها، وبشيء من التفصيل، جوانب تأثير "تريبس" على حق الإنسان في الصحة (الفقرة الثالثة).
الفقرة الأولى: علاقة حقوق الإنسان بحقوق الملكية الفكرية
لعنا في معرض الإجابة عن الأسئلة التي سقناها أعلاه، نُذَكِّر بكون أن هدف اتفاق "تريبس"، في حماية حقوق الملكية الفكرية، هو متوافق نوعا ما، أو على الأقل في جزء منه، مع ما للإنسان من حق في الاستفادة من حماية المصالح المعنوية والمادية المترتبة على أي إنتاج علمي أو أدبي أو فني من صنعه، وهو الحق الذي نصت عليه الفقرة 2 من المادة 27 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والفقرة 1 (ج) من المادة 15 من العهد الأول(14)، لكنه يتعارض في الجزء الآخر مع متطلبات إعمال حق الإنسان في المشاركة الحرة في حياة المجتمع الثقافية وفي الاستمتاع بالفنون والتمتع بفوائد التقدم العلمي وبتطبيقاته، المنصوص عليه في الفقرة 1 من المادة 27 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والفقرة 1 (أ - ب) من المادة 15 من العهد الأول.
حقيقة، فحتى ما نص عليه الإعلان والعهد الأول في المادتين 27 و15 على التوالي، لا يفيد أننا أمام حق مطلق لأصحاب الملكية الفكرية، وإنما هو اعتراف من طرف مواثيق حقوق الإنسان بما لأصحاب الابتكارات من حقوق ظرفية ومنقضية وقابلة للتفويت والتنازل والتأجير (وهذا أمر تؤكده المادة 11 من تريبس)، وجعلها مرهونة بفلسفة وأهداف حقوق الإنسان الخالدة الغير منقضية والغير قابلة للتنازل أو التأجير.
وهكذا، فالحق في الملكية الفكرية شيء وحقوق الإنسان شيء آخر. وهذا الأمر أبرزه بوضوح التعليق العام رقم 17 للجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية سنة 2005، وذلك حين أشار إلى ما يلي:
"...وعلى خلاف حقوق الإنسان، تتسم حقوق الملكية الفكرية عموما بطابع مؤقت ويمكن إلغاؤها أو الترخيص بها أو إسنادها لشخص آخر. وفي حين يمكن في ظل معظم نظم الملكية الفكرية منح حقوق الملكية الفكرية لشخص بعينه وجعلها محدودة في الزمن والنطاق والمتاجرة بها وتعديلها بل وفقدانها، يستثنى من ذلك في غالب الأحيان ما هو معنوي منها، تعد حقوق الإنسان تعبيرا غير محكوم بالزمن عن حقوق الإنسان الأساسية"(15).
وقد أردف التقرير ذلك بالقول:
"وبينما يصون حق الشخص في أن يفيد من حماية المصالح المعنوية والمادية المترتبة على إنتاجاته العلمية والأدبية والفنية الرابط الشخصي القائم بين المؤلفين وإبداعاتهم، وبين الشعوب أو المجتمعات أو الجماعات الأخرى وإرثها الثقافي الجماعي، والمصالح المادية الأساسية التي لا بد منها لتمكين المؤلفين من التمتع بمستوى معيشي لائق، تحمي نظم الملكية الفكرية بالدرجة الأولى مصالح الشركات والأعمال التجارية واستثماراتها. وعلاوة على ذلك، لا يتطابق نطاق حماية المصالح المعنوية والمادية للمؤلف المنصوص عليه في الفقرة 1(ج) من المادة 15 بالضرورة مع ما يشار إليه بوصفه حقوق الملكية الفكرية في القوانين الوطنية أو الاتفاقات الدولية"(16).
وعلى أيٍّ، فلقد حاول الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من خلال المادة 27، والعهد الأول من خلال المادة 15، تفادي تدويل علاقات القوة في المجال المعرفي، وذلك إيمانا ممن صاغوا الإعلان والعهد، بأنه لابد لكل فرد أيّا كان بلده أو أصله أو ماله أو جنسه، لكي يتسنى له ممارسة الحقوق الإنسانية بشكل كامل، أن يتمكن من الوصول إلى المعرفة واستخدامها لتحسين حياته اليومية ورفاهتيه، وتطلعات تلك المنطقة التي يعيش فيها في هذا العالم. ولم يكن هذا الأمر متناقضا في أذهان من صاغوا مواثيق حقوق الإنسان مع وجود الحماية للمبدعين والمخترعين، وخاصة احترام الحقوق المعنوية، ولكن هدفهم كان محددا في إحداث نوع من التوازن في هذا السياق(17).
فمبدأ التوازن المذكور في إعلان حقوق الإنسان والعهد الأول، يشكل المصدر الأولي لكافة التراث القانوني المتعلق بالملكية الفكرية، ولكنه لا يفتأ اليوم يتشظى أمام أعين الجميع، كما قال ذلك "Melanie Dulong de Rosnay" و"Hervé Le Crosnier". ففي الوقت الذي تسمح لنا فيه الأدوات التقنية والمعارف المقررة لدينا بتوسيع التشارك في المعلومات وتحديد الأهداف المشتركة، كأهداف التنمية المستدامة مثلا، وحشد الموارد الفكرية والإنسانية لتحقيق ذلك، نجد أنفسنا محصورين في تصور ضيق للملكية الفكرية على غرار الملكية المادية، وهذا بخلاف ما نص عليه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الأول، حين ذكرا بأن للمؤلفين "حقوقا" ولكنهما تجنبا ذكر مصطلح "الملكية" الذي يؤدي إلى ممارسات مخالفة للمصالح الجماعية في مجال هو في أمس الحاجة لدعم هذه المصالح(18).
الفقرة الثانية: جوانب تأثير اتفاقية تريبس على بعض أصناف حقوق الإنسان
سنعرج الحديث هنا حصرا لجوانب تأثيرات اتفاق "تريبس" على حق الإنسان في الغذاء (أولا)، وحقوق الشعوب الأصلية على معارفهم التقليدية (ثانيا)، والحق في التعليم والمعرفة (ثالثا).
أولا: تأثير تريبس على حق الإنسان في الغذاء
الحق في الغذاء هو من حقوق الإنسان الأساسية المعترف بها في القانون الدولي لحقوق الإنسان، وقد جاء التنصيص عليه في المادة 25 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وفي المادة 11 من العهد الأول، إذ نصت هذه الأخيرة، من بين أمور أخرى، على أن لكل شخص له ولأسرته الحق في الغذاء الكافي، وحق أساسي في التحرر من الجوع، وتلتزم الدول بهذا الحق احتراما وحماية وأداء.
وفي هذا الإطار، لم تغفل المادة 11 هنا التنصيص على ما يقتضيه الحق في الغذاء من تحسين طرق الإنتاج، مع مراعاة مشاكل البلدان المستوردة والمصدرة للأغذية (NFIDCs)، وذلك لضمان التوزيع العادل للإمدادات الغذائية العالمية على ضوء الاحتياجات. وقد رأت اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، في تعليقها العام رقم 12 بخصوص الحق في الغذاء، ما يلي:
"المضمون الأساسي للحق في الغذاء الكافي يعني توفر الغذاء بكمية ونوعية تكفيان لتلبية الاحتياجات الغذائية للأفراد، وخلو الغذاء من المواد الضارة، وكونه مقبولا في سياق ثقافي معين، وكذلك إمكانية الحصول على الغذاء بطرق تتسم بالاستدامة ولا تعطل التمتع بحقوق الإنسان الأخرى"(19).
وعليه، فالنقطة الأساسية من وجهة نظر حقوق الإنسان، هي أن التمتع بالحق في الغذاء والقضاء على الجوع أهم من الأداء الفعال للأسواق الزراعية العالمية (20).
ولقد أثيرت مسألة على قدر كبير من الأهمية في علاقة اتفاق "تريبس" بالحق في الغذاء، ونخص بالذكر هنا ما نصت عليه الفقرة 3 (ب) من المادة 27 من اتفاقية تريبس، إذ وبموجب هذه الفقرة، فالدول الأعضاء مدعوة لإنشاء الحماية بموجب براءة الاختراع، أو بموجب أنظمة فريدة من نوعها، ذات فعالية خاصة بالتنوع النباتي والكائنات المجهرية والعمليات غير البيولوجية والميكروبيولوجية، ويمكن لهذه العمليات أن تشمل أيضا الكائنات المعدلة وراثيا.
في الحقيقة، قد ينتج عن هذا الأمر فوائد في تطوير أنواع جديدة من البذور، إلا أنه وبمجرد منح براءات الاختراع، سوف يمنع المزارعون من استخدام البذور والخلايا النباتية من هذا القبيل دون موافقة صاحب براءة الاختراع، خاصة وأن مثل هذه البذور المحفوظة تمثل 80% تقريبا من مجموع حاجيات المزارعين من البذور، وهذا يثير مخاوف كبيرة بالنسبة لصغار المزارعين، وهذه المخاوف تتمثل أساسا في كون حماية الملكية الفكرية للأصناف النباتية يمكن أن تقلل من فرص حصول هؤلاء المزارعين على البذور، كما قد يكون لها آثارا سلبية على المجتمعات الأصلية، وكذا فقدان التنوع البيولوجي. فإدخال مفاهيم الملكية الفكرية، يؤدي بالمزارعين أو جماعات السكان الأصليين غير القادرين على تحصيل تقنية تربية النبات إلى شراء البذور مرة أخرى بأسعار أعلى(21).
وهكذا، فإن الاستغلال التجاري لبعض المصادر الغذائية وخوصصتها على النحو الذي تتيحه الفقرة 3 (ب) من المادة 27 من اتفاقية "تريبس"، يؤدي إلى ارتفاع أسعار الغذاء المحلية، مما يهدد التمتع بالحق في الغذاء الكافي والتحرر من الجوع بالنسبة للفقراء(22).
وفي هذا الإطار، لاحظت منظمة أوكسفام الدولية بأن السياسات التجارية قوضت قدرة صغار المزارعين على الإنتاج، وجعلت الفقراء في البلدان النامية عرضة لانعدام الأمن الغذائي(23).
وعليه، يتضح بما لا يدع مجالا للشك أن اتفاق "تريبس" يؤثر سلبا على متطلبات إعمال حق الإنسان في الغذاء الكافي والتحرر من الجوع كما نصت عليه المادة 11 من العهد الأول، خاصة وأن اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، في معرض توضيحها للمضمون المعياري للحق في الغداء الكافي في تعليقها رقم 12، ذهبت إلى اعتبار أن: "إعمال الحق في الغذاء يتم عندما يتاح ماديا واقتصاديا لكل الأشخاص، في كافة الأوقات، سبيل الحصول على الغذاء الكافي أو وسائل شرائه"(24).
وقد شددت اللجنة في هذا الإطار على ما يلي:
"لا ينبغي تفسير الحق في الغذاء الكافي تفسيرا ضيقا يقصره على تأمين الحد الأدنى من العناصر المغذية المحددة. إذ أن الدول ملتزمة أساسا باتخاذ التدابير اللازمة للتخفيف من أثر الجوع على النحو المنصوص عليه في الفقرة 2 من المادة 11 حتى في أوقات الكوارث الطبيعية"(25).
وعلاوة على ذلك، فقد لاحظت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان في تعليقها العام رقم 6 سنة 1982 حول المادة 6 من العهد الثاني، المتعلقة بالحق في الحياة، بأن: "الحق في الحياة يستلزم كذلك اعتماد تدابير للقضاء على سوء التغذية والأوبئة"(26).
كما أن هذه اللجنة، لاحظت في مشروع التعليق العام رقم 36 حول المادة 6 من العهد الثاني، الذي انتهت اللجنة المعنية من قراءته الأولى في يونيو 2017 (وهو مشروع منقِّح للتعليق العام رقم 6 لسنة 1982)، بأن: "انتشار الجوع وسوء التغذية يحمل تهديدا للحق في الحياة".
وأضاف مشروع التعليق هذا بأن التدابير المطلوبة لمعالجة الظروف الملائمة لحماية الحق في الحياة تشمل، بالإضافة إلى أمور أخرى: "ضمان وصول الأفراد إلى السلع والخدمات الأساسية مثل الغذاء"(27).
ثانيا: تأثير تريبس على حقوق الشعوب الأصلية والمعارف التقليدية
تتمتع الشعوب الأصلية، إضافة للحقوق الإنسانية المعترف بها لكل إنسان، بمجموعة من الحقوق المقررة في الاتفاقيات الدولية والإقليمية، وذلك بالنظر للوضع الخاص للشعوب الأصلية، الذين لطالما انتهكت حقوقهم واستنزفت ثرواتهم.
وهكذا، تم في إطار منظمة الأمم المتحدة اعتماد "إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية"، كما تم تضمين "إعلان رييو بشأن البيئة والتنمية"، و"أجندة القرن 21"، و"اتفاقية التنوع البيولوجي لسنة 1992" العديد من المقتضيات الخاصة بحقوق الشعوب الأصلية.
وفي إطار منظمة العمل الدولية، تم اعتماد "الاتفاقية رقم 169 بشأن الشعوب الأصلية والقبلية في البلدان المستقلة لسنة 1989". وفي إطار منظمة الدول الأمريكية، تمت صياغة مقترح "إعلان بشأن حقوق السكان الأصليين سنة 1997". وفي إطار البنك الدولي، تم اعتماد "التوجيه التنفيذي 4/20 للبنك الدولي لسنة 1991"، ويهدف هذا التوجيه إلى ضمان استفادة السكان الأصليين من مشروعات التنمية الممولة من البنك الدولي(28).
وعلاقة بموضوع هذه النقطة، فقد أثيرت مسألة مهمة في علاقة اتفاق "تريبس" بحقوق الشعوب الأصلية على معارفهم التقليدية، وتتعلق أساسا بكون "تريبس" لا تعطي حماية واضحة للمعارف التقليدية، بما لا يسهم في حماية نظم المعارف التقليدية والابتكارات الجماعية للشعوب الأصلية، خاصة في المجال الزراعي، والتي غالبا ما تم تطويرها على مدى فترات طويلة من الزمن، بحيث يصعب حمايتها بموجب براءات الاختراع، على اعتبار أن الفقرة 1 من المادة 29 من اتفاق "تريبس" تتطلب للحصول على براءات الاختراع مجموعة من الشروط، من بينها الحداثة والأسلوب الواضح والكامل بما يكفي لتمكين تنفيذ الاختراع من جانب شخص يمتلك الخبرة التخصصية في ذلك المجال.
وهنا، عادة ما لا تتمكن الشعوب الأصلية، وكذلك البلدان النامية والأقل نموا، من تسجيل براءات اختراع على معارفها التقليدية. فمثلا يصعب إثبات الحداثة في مجال الزراعة والحرف، على اعتبار أن المعارف التقليدية يتم تمريرها بشكل جماعي من جيل إلى جيل. وبالتالي، من الصعب الاعتراف مثلا للمزارع من الشعوب الأصلية والدول النامية بصفة "المربي". أضف إلى ذلك مسألة مهمة للغاية، وهي أن معظم البلدان النامية لم تستطع إدخال نظم فريدة من نوعها خاصة بها على النحو المطلوب في المادة 27 (3- ب) من اتفاق "تريبس". وهذه أمور دفعت البعض إلى القول بأنه:
"لن يكون هناك، بعد الآن، اعتراف رسمي بحقوق الشعوب الأصلية والبلدان النامية على معارفهم التقليدية بموجب اتفاق "تريبس" ما لم يتم تعديل النظام الحالي، وتصميمه على نحو يحمي المعارف التقليدية"(29).
وأمام هذا الأمر، فقد تم استغلال المعارف التقليدية للشعوب الأصلية والبلدان النامية من طرف الشركات والباحثين من الدول المتقدمة، إذ مارسوا ما اصطلح عليه بـ"القرصنة البيولوجية أو الحيوية - bio-piracy"(30) للمعارف والمدارك التقليدية للشعوب الأصلية.
وهناك أمثلة كثيرة عن القرصنة الحيوية، فأحد أشهر الشواهد عن ذلك هو ما حدث في عام 1995، من حصول باحثين من "مركز جامعة ميسيسيبـي الطبيUniversity of Mississippi Medical center" على براءة اختراع أمريكية لاستخدام "الكركم turmeric" لعلاج الجروح، وهو فن تمت ممارسته في الهند منذ آلاف السنين(31).
وفي عام 2005، اتهمت الحكومة البيروفية علماء يابانيين بمحاولة الحصول على براءة اختراع مستخلص "كامو-كامو camu-camu"، وهو فاكهة برتقال باهتة توجد في منطقة الأمازون، وتحتوي على أعلى تركيز لفيتامين "C" من أي نبات معروف، وأعلى بـ 60 مرة من عصير الليمون(32).
أضف إلى ذلك محاولات الشركات الكبرى ومراكز البحث، خاصة في الدول القوية، للحصول على براءات اختراع عدد من المعارف التي مورست من قبل الشعوب الأصلية على مدى قرون، نورد بعضها على سبيل المثال لا الحصر:
- "الأرز البسمتي basmati rice"، وهو نوع رفيع من الأرز أُتقِن على مدى أجيال من قبل المزارعين الهنود، سجلت شركة أمريكية براءة اختراع على نوع محسن منه بدعوى اكتشافه. وجرى تعديل نطاق البراءة لاحقا بعد احتجاج الهند وباكستان.
- "شجرة النيم neem tree"، وهي نبات هندي اعتيد استخدامه لقرون من الزمن في إنتاج الأدوية والمبيدات الحشرية، إذ سجلت شركة أمريكية براءة اختراع على زيت النيم كمبيد حشري(33).
- "آياهواسكا ayahuasca"، وهو دواء للهلوسة يتم استهلاكها تقليديا من قبل قبائل الهنود الأمريكيين في الأمازون، خاصة في كولومبيا، الذين يستخدمونها لقدراتهم العلاجية، وفقا للمعتقدات والممارسات المحلية.
- "الكينوا - QUINOA"، وهو غذاء أساسي للسكان الأصليين، خاصة في بوليفيا والبيرو، حاول باحثون أمريكيون الحصول على براءة بذور معينة من الكينوا المحسنة. لكن تم إيقاف عملية التسجيل بعد أن أثار الأمر غضب السكان الأصليين.
- "شجرة الهوهوبا"، التي يستخدم السكان الأصليون في المكسيك زيتها منذ قرون، وتستغله شركات عالمية لمستحضرات التجميل في منتجات باهضة الثمن دون مشاركة النافع والأرباح.
- "اليارو Yarrow"، وهي أعشاب تستخدم في الأعراف الأمازيغية والريفية في شمال إفريقيا لعلاج بعض الأمراض، وتستخدم الشركات مشتقاتها دون ذكر المصدر أو مشاركة المنافع.
وهكذا، فالقرصنة البيولوجية أو الحيوية، إلى جانب أنها تحرم الشعوب الأصلية والدول النامية من الاستفادة من الأرباح، فهي تمثل مشكلة أوسع نطاقا، وهي نقل المعرفة من الجمهور إلى المجال الخاص، مما يضع الأرباح قبل الرفاهية البشرية.
وعلى أيٍّ، فقد دافعت الدول النامية، من خلال المفاوضات متعددة الأطراف بالمنظمة العالمية للتجارة، عن مسألة مشاركة الأرباح التي تجنيها الشركات، والناتجة عن استغلالها للمعارف التقليدية، مع للشعوب الأصلية، وهو أمر ينسجم مع مسألة "جبر الضرر" الذي نصت عليه المادة 28 من إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية(34).
كما دافعت الدول النامية أيضا في هذا الإطار عن إدراج شرط "الإفصاح عن المنشأ" في اتفاقية تريبس، لينضاف إلى شروط الفقرة 1 من المادة 29 من "تريبس"، حتى يتم تقييد إمكانية اللجوء إلى القرصنة البيولوجية. غير أنه لا زال إلى الآن لم يتم الاستجابة لهذا المطلب.
وبالتالي، فهذه الأمور تحمل في طياتها انتهاكا لحقوق الشعوب الأصلية الواردة في إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية، حيث نص هذا الإعلان بصريح العبارة في الفقرة 1 من مادته 24 على أن للشعوب الأصلية الحق في طبها التقليدي وفي الحفاظ على ممارساتها الصحية، بما في ذلك حفظ النباتات الطبية والحيوانات والمعادن الحيوية الخاصة بها. كما أن هذه الأمور تخالف كذلك قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية(35).
ثالثا: تأثير تريبس على حق الإنسان في التعليم والمعرفة
الحق في التعليم هو من حقوق الإنسان الأساسية المعترف بها في القانون الدولي لحقوق الإنسان، وجاء التنصيص عليه في المادة 26 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمادتين 13 و 14 من العهد الأول.
وفي هذا السياق، تلتزم الدول باحترام وحماية وأداء الحق في التعليم(36)، وقد شددت اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، في تعليقها العام رقم 13 سنة 1999 حول الحق في التعليم (المادة 13 من العهد الأول)، على مسالة: "التعاون الدولي ومن أجل التنفيذ الكامل للحق في التعليم"(37).
وأضافت اللجنة في هذا الصدد:
"فيما يتعلق بالمفاوضة والتصديق على هذه الصكوك ينبغي للدول الأطراف أن تتخذ خطوات لضمان ألا تؤثر هذه الصكوك تأثيرا سلبيا على الحق في التعليم، وبالمثل تلتزم الدول الأطراف بضمان أن تراعي أعمالها كأعضاء في المنظمات الدولية، بما فيها المؤسسات المالية الدولية، الحق في التعليم المراعاة الواجبة"(38).
وهكذا، يفهم من التعليق العام أعلاه للجنة، أن الدول يجب أن تتخذ جميع الخطوات لكي لا تؤثر التزاماتها الأخرى، كالالتزام بموجب اتفاقية تريبس في إطار الالتزام العام بجميع الاتفاقيات المتعددة الأطراف التي تديرها المنظمة العالمية للتجارة، على حق الإنسان في التعليم.
ولعل أهم ما اتهمت به اتفاقيات الملكية الفكرية عموما، ومن بينها اتفاقية "تريبس" على وجه الخصوص، فيما يتعلق بالحق في التعليم والمعرفة والمشاركة في الحياة الثقافية، هو دفعها نحو "تقليص المجال العام"، وتوسيع النماذج الصادرة عن الدول المتقدمة بشأن المعارف والثقافات على مستوى العالم أجمع.
ففي الوقت الذي يجب على مراكز إنتاج المعارف، كالجامعات مثلا، التشارك في تطوير الرؤية الجماعية، نجد أن النزعة التجارية تدفعها لتسجيل براءات اختراع على أبحاثها. أما الصناعات الثقافية، التي تنبع ثرواتها في الأساس من توسيع عملية التعليم، وبالتالي تشجيع الفضول المعرفي الثقافي، فقد آل بها الأمر، كما قال ذلك "ميلاني" و"هيرفيه"، لحد أن تنعت قراءها ومستمعيها ومشاهديها بـ"القراصنة"، وخلطت بذلك، وبدون مبرر، بين مصادر الإثراء المعرفي والممارسات الاجتماعية التشاركية والتداولية للثقافة. كما أنها تعزز، من خلال مطالبتها بسن القوانين وإبرام المعاهدات، من رقابة المنتجين على استخدام هذه الصناعات الثقافية، مما يؤدي إلى اختزال الثقافة في مجرد عملية استهلاكية، كما أنها تخاطر باختزال الثقافة في قالب استهلاكي سلبي، وتقلل من دورها في تكون الجماعات والصداقات والعلاقات(39). وتنطوي في الأخير على مجازف ترهق كاهل القطاعات المجتمعية الأساسية، كالمدرسة والجامعة والمستشفيات، بالثقل الاقتصادي للإثراء المفرط للجهات الفاعلة الكبيرة القادرة على الاستئثار بموطن القوة في الملكية الفكرية(40).
وعليه، فإن التأثير السلبي على متطلبات إعمال حقوق الإنسان في التعليم والمعرفة والمشاركة في الحياة الثقافية من طرف حقوق الملكية الفكرية، وخاصة حقوق المؤلف والحقوق المتعلقة بها (القسم 1 من الباب الثاني من "تريبس") كبرامج الحاسوب ومجموعة البيانات (المادة 10 من "تريبس") التي تصل مدة حمايتهم إلى 50 سنة (المادة 12 من "تريبس")، دفع إلى معارضة الملكية الفكرية بشدة من طرف مجموعة من المنظمات غير الحكومية والحركات الاجتماعية، كـ"حركة البرمجيات الحرة" التي كان لها الفضل في إحراز تقدم كبير في مجال حقوق المؤلف، من خلال تنظيم انقلاب قانوني يشجع التشارك والتداول، ويحدد واجبات من يتولى إعادة استخدام الأعمال لتحسينها أو إعادة توزيعها.
كما عمل الباحثون في عدد من الجامعات على تنظيم عملية توسيع التشارك من خلال الوصول الحر إلى المقالات وبعض البيانات العلمية، بغية مواجهة الهيمنة التي يفرضها الناشرون الكبار للمجلات العلمية والتصدي لممارساتهم الاحتكارية(41).
هكذا وبعد إبرازنا لجوانب ومظاهر تأثيرات اتفاق "تريبس" على حقوق الإنسان في التنمية والتعليم والغذاء، وحقوق الشعوب الأصلية في حماية معارفهم ومداركهم التقليدية، بقي لنا أن نعرج الحديث لجوانب هذه التأثيرات على حق الإنسان في الصحة، وما يقتضيه ذلك من الحصول على الأدوية الصيدلانية والمعدات الطبية.
الفقرة الثالثة: جوانب تأثر اتفاقية تريبس على حق الإنسان في الصحة
تشير نتائج دراسة حديثة لمجموعة البنك الدولي ومنظمة الصحة العالمية إلى ما يلي:
"نصف سكان العالم مازالوا محرومين من الحصول على الخدمات الصحية المطلوبة، و100 مليون شخص يسقطون في براثن الفقر المدقع كل عام بسبب نفقات الخدمات الصحية"(42).
ففعلا، سياسات الدول في المجال الصحي هي المسؤولة عن حرمان المواطنين من حقهم في الصحة، إذ أن الدول هي المخاطب الأول والرئيسي بإعمال الحق في الصحة. لكن المسؤولية كذلك، تتحملها سياسات وقواعد بعض المنظمات الدولية، التي تفرض التزامات على الدول، تحمل في طياتها تقويضا لحرية الدول في التصرف على النحو المناسب الذي يتطلبه إعمال حق الإنسان في الصحة. واتفاق "تريبس"، الذي نحن بصدد الحديث عنه، هو واحد من القواعد المقوضة لحرية تصرف الدول في إعمال الحق في الصحة، وهذا ما سنحاول تبيانه في هذه النقطة.
فلقد كانت أكثر الانتقادات الموجهة لاتفاق "تريبس"، هي تلك المتعلقة بتأثيرها على الحق في الصحة، ولا سيما أثر حقوق براءات الاختراع على أسعار الأدوية والمعدات الطبية، على اعتبار أن هذه الأدوية والمعدات هي عنصر رئيسي في معالجة العديد من الأمراض الأكثر خطورة في العالم.
وعليه، سنعمد في هذه النقطة إلى إبراز موقفي كل من القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون التجاري الدولي في ما يتعلق بالموازنة بين حق الإنسان في الصحة والحصول على الأدوية، وبين حقوق أصحاب براءات الاختراع خاصة في مجال صناعة الأدوية (أولا)، وذلك قبل تعريج الحديث لجوانب تأثير اتفاق "تريبس" على متطلبات إعمال الحق في الصحة (ثانيا).
أولا: تباين المواقف بين القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون التجاري الدولي
لقد قدم كل من القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون التجاري الدولي موقفين مختلفين لمحاولة الموازنة بين مصالح أصحاب براءات الاختراع ومصلحة عموم الناس، خاصة في الحصول على صحة جيدة وما يقتضيه ذلك من تيسير الحصول على الأدوية. فمن منظور حقوق الإنسان، فإنه من الضروري أن تتوازى حقوق أصحاب براءات الاختراع مع حقوق أولئك الذين يعانون مشاكل صحية مستعصية، وليس بإمكانهم الوصول إلى الأدوية الأساسية لعلاجهم(43). فالمادة 15 من العهد الأول والمادة 27 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان صريحتين في هذا الخصوص.
وما يعزز هذا القول، هو كون أن المادة 12 من العهد الأول تعترف في فقرتها الأولى بحق كل فرد في التمتع بأعلى مستوى من الرعاية الصحية الجسدية والعقلية. والحق في الصحة بذلك، مثله مثل جميع حقوق الإنسان، يفرض على الدول ثلاثة أنواع أو مستويات من الالتزامات، وهي الالتزام بالاحترام والالتزام بالحماية والالتزام بالأداء(44).
كما أنه بموجب الفقرة 2 (د) من المادة 12 من العهد الأول، تلتزم الدول بـ: "تهيئة ظروف من شأنها تأمين الخدمات الطبية والعناية الطبية للجميع في حالة المرض".
وهو ما يفيد إلزام الدول، من بين أمور أخرى، بتوفير الأدوية الصيدلانية والمعدات الطبية الأساسية. وهذا الأمر أكده التعليق العام رقم 14 للجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية(45)، وأكده كذلك تقرير أمانة منظمة الصحة العالمية سنة 2014 حول "إتاحة الأدوية الأساسية" في فقرته 11، عندما أقر بما يلي:
"ضرورة تخفيض تكـاليف الشـحن والتعريفـات الجمركيـة الحكوميـة والضـرائب وهـوامش الربح التي تؤثر على أسعار الأدوية"(46).
أما موقف القانون التجاري الدولي من مسألة الحق في الصحة والوصول إلى الأدوية الأساسية، فيمكن فهمه من خلال هدف منظمة التجارة العالمية من إبرام اتفاق "تريبس"، وكذلك من خلال وقائع اعتماد هذه الاتفاقية. ففيما يتعلق بالهدف، فهو يتمثل، حسب الفقرة 1 من ديباجة "تريبس"، في رغبة البلدان الأعضاء فيما يلي:
"تخفيض التشوهات والعراقيل التي تعوق التجارة الدولية، مع الأخذ بعين الاعتبار ضرورة تشجيع الحماية الفعالة والملائمة لحقوق الملكية الفكرية، وبهدف ضمان أن لا تصبح التدابير والإجراءات المتخذة لإنفاذ هذه الحقوق حواجز في حد ذاتها أمام التجارة المشروعة"(47).
وهذا الهدف، إذا تمعن فيه المرء، يجد أنه من جهة يتوافق مع هدف القانون الدولي لحقوق الإنسان في مسألة إحداث التوازن بين هدف منح الحقوق لأصحاب الابتكارات والأهداف الأخرى. ومن جهة أخرى، يختلف عن أهدف لحقوق الإنسان، وبالضبط في تلك الأهداف الأخرى التي يجب أن تتوازن معها حقوق أصحاب الابتكارات، فإذا كانت الأهداف الأخرى من منظور حقوق الإنسان هي متطلبات إعمال حقوق الإنسان، فإنها من منظور المنظمة العالمية للتجارة تتمثل في هدف تحرير التجارة.
ففعلا هناك بعض الاستثناءات التي عملت المنظمة العالمية للتجارة على تضمينها في اتفاقية "تريبس"، كتلك الواردة في المواد 6 و7 و8 و31، غير أنه غالبا ما يتم الالتفاف عليها من طرف الدول المتقدمة بضغط من الشركات الكبرى المحتكرة لحقوق الملكية الفكرية بإبرام اتفاقيات ثنائية عرفت بـ "TRIPs Plus" خارج إطار منظمة التجارة العالمية.
وإذا انتقلنا لوقائع اعتماد اتفاق "تريبس"، فإنه من المعروف أن الدول المتقدمة هي التي تشبثت بإدراج هذا اتفاق ضمن جولة الأوروغواي للمفاوضات متعددة الأطراف، ورهنت قبولها إدراج الاتفاق بشأن الملابس والمنسوجات والاتفاق بشأن الزراعة ضمن المفاوضات متعددة الأطراف بذلك، وهذا بعد أن أبدت الدول النامية معارضة لإدراج "تريبس" في المفاوضات.
وقد كان السبب الرئيسي لتشبت الدول المتقدمة بإدراج "تريبس"، هو كون حكومات هذه الدول تعرضت لهجوم عنيف من كبريات شركات الشمال متعددة الجنسيات، التي سعت من وراء ذلك إلى ضمان حماية أكبر وأوسع لملكيتها الفكرية، وقد كُلِّلت مجهودات الولايات المتحدة الأمريكية، ومن ورائها ضغط اللوبي شركات الأدوية، بإبرام هذه الاتفاقية.
وبالمقابل، كان هناك تمثيل ضعيف للغاية من جانب الخبراء في المسائل الأخرى، المرتبطة بالنظام الدولي لحقوق الملكية الفكرية (IPR)، بما في ذلك مجال الصحة العامة، مع ما يمكن أن يمثله ذلك من انتهاك لحق الإنسان في الصحة وما يتضمنه هذا الحق من التزام بالمشاركة(48).
وهكذا، لا يخفى على أحد اليوم أن اتفاقية "تريبس" أسهمت في ارتفاع نسب التخوف إزاء عدم إيلاء المنظمة العالمية للتجارة أي اعتبار، من جهة، لمخاوف أو انشغالات الدول النامية، ومن جهة أخرى، لمسألة تأثيرات القانون التجاري الدولي على القضايا غير التجارية، ومن بينها الحق في الصحة(49).
ثانيا: جوانب تأثير تريبس على متطلبات إعمال الحق في الصحة
لقد تناولت الانتقادات الموجهة لاتفاقية "تريبس" في المجال الصحي، الأثر السلبي للاتفاقية على قدرة الدول الأعضاء في المنظمة العالمية للتجارة على اتخاذ السياسات المحلية الأكثر فاعلية لحماية الصحة العامة، وضمان الحصول على الأدوية الأساسية في سبيل ذلك. إذ أن الحقوق المالية لأصحاب براءات الاختراع، ومنح الشركات المصنعة حقوق حصرية في بيع وتسويق منتجاتها لسنوات عديدة(50)، هي أمور تطرح أكثر من إشكال حول متطلبات إعمال الحق في الصحة من طرف الدول التي تجد نفسها أمام ازدواجية الالتزامات، فمن جهة الالتزام بموجب مواثيق حقوق الإنسان التي تفرض ضرورة حماية وإعمال الحق في الصحة، خاصة من خلال المادة 12 من العهد الأول(51)، ومن جهة أخرى الالتزام بحماية حقوق أصحاب براءات الاختراع بموجب اتفاقية "تريبس"(52)، التي تمنح حماية لهذه البراءات لمدة 20 سنة كاملة (المادة 33 من تريبس).
وفي هذا الإطار، فقد مثلت أسعار الأدوية لبّ النقاش الذي أثير حول اتفاق "تريبس"، إذ أن منحى أسعار الأدوية هو في تزايد مستمر بسبب قواعد حماية الملكية الفكرية(53)، على اعتبار أن حاملي براءات الاختراع، وهم عادة شركات الأدوية العملاقة، يسعون إلى تحقيق أقصى قدر ممكن من الأرباح دون الالتفات للاعتبارات غير التجارية، وهو ما عبر عنه"دينكان" بالقول:
"إن شركات المستحضرات الصيدلانية تعلم أن الأشخاص اليائسين سيدفعون ما بوسعهم للأدوية التي يمكن أن تبقيهم على قيد الحياة"(54).
وعلى سبيل المثال، فتكاليف الأدوية المسجلة كبراءة اختراع والتي تحارب فيروس نقص المناعة البشرية هي تكاليف باهظة الثمن، فالاستفادة من أقراص "Atripla"- وهو دواء مضاد لفيروس نقص المناعة البشرية، يكلف 1300 دولار أمريكي في الشهر، وهذه الأسعار ميسورة التكلفة فقط في البلدان الصناعية بسبب الإعانات الحكومية التي لا تتوفر عادة في العالم النامي والأقل نموا(55).
وهكذا، فمن الواضح أنه من الصعب، إن لم نقل من المستحيل، بالنسبة لغالبية الناس في العالم النامي، حيث توجد معظم حالات الإصابة بالفيروسات الخطيرة القاتلة، أن يدفعوا هذه الأسعار الباهظة التي تخلفها براءات الاختراع، والنتيجة بطبيعة الحال هي وجود فجوة صحية، تجعل مثلا من نقص المناعة البشرية المكتسبة (الإيدز) حكما بالإعدام على غالبية المصابين به في العالم النامي، في حين أنه يمكن إدارته لسنوات عديدة للمصابين به في العالم المتقدم، والذين لديهم إمكانية تغطية مصاريف العلاج الباهظة.
وما قلناه عن الإيدز، ينطبق على الأمراض القاتلة الأخرى، كالسل والملاريا، وأمراض القلب والسكري والسرطان، إذ بالنسبة لهذا الأخير مثلا، لا تستطيع معظم النساء في العالم النامي تحمل تكاليف لقاح سرطان عنق الرحم، وهو متاح على نطاق واسع للنساء في دول الشمال(56).
وعليه، فإذا كانت اتفاقية "تريبس" قد ساهمت في تشجيع الابتكار، بما يسهم في وفرة وتوفير الإمدادات من الأدوية الكفيلة بعلاج الأمراض الخطيرة، فإنها في نفس الوقت تجعل من إمكانية الوصول إلى هذه الأدوية أمرا مستعصيا على فقراء العالم، والسبب في ذلك هو الأسعار المرتفعة التي يسببها تسجيل براءات الاختراع على المنتجات الصيدلانية والطبية عموما.
علاقة بما سبق، لا يمكن إنكار كون أن اتفاقية "تريبس" أتاحت بعض المرونة للبلدان النامية لتجاوز قواعد براءات الاختراع لحماية الصحة العامة(57)، وذلك من خلال المواد (6- 7- 8- 31)، إذ تسمح مثلا المادة 31 للدول باللجوء إلى منح تراخيص إجبارية بهدف تصنيع دواء مسجل كبراءة اختراع، وبدون الحصول على موافقة صاحب البراءة، وهو ما يعرف بـ"الدواء الجنيس" (أي إنتاج الدواء باسمه العلمي وليس بالإسم التجاري المحتكر من طرف صاحب البراءة)، لكن شريطة التقيد بالاستخدام المحلي للدولة التي تصدر الترخيص الإجباري، كما تنص على ذلك الفقرة (و) من المادة 31.
لكن الإشكال الذي طرح هنا، هو أن الكثير من الدول النامية تفتقر إلى القدرة على تصنيع المنتجات الصيدلانية، وهو ما يقوض استفادتها من التراخيص الإجبارية التي تتيحها المادة 31، وبالتالي يجب عليها استيراد الأدوية الجنيسة من البلدان التي لديها هذه القدرة، وهذا أمر تمنعه الفقرة (و) من المادة 31 التي تمنع تصدير المنتجات المستفيدة من التراخيص الإجبارية.
وفي عام 2003، تنازل المجلس العام للمنظمة العالمية للتجارة عن القيود المفروضة على التراخيص الإجبارية للمنتجات الصيدلانية في ظروف معينة، إذ وبموجب هذا التنازل الذي دعا إليه إعلان الدوحة حول "اتفاقية تريبس والصحة العامة" في فقرته السادسة(58)، يجوز رفع القيود المفروضة على التراخيص الإجبارية لتسهيل تصدير الأدوية الجنيسة إلى أقل البلدان الأعضاء نموا، أو الدول الأخرى التي تبلغ "مجلس تريبس" بالرغبة في الاستيراد بسبب نقص القدرة التصنيعية أو لأغراض مواجهة الطوارئ الصحية على النحو المحدد في إعلان الدوحة حول "تريبس"، لكن هذا المقتضى مقرون بشروط إجرائية واسعة النطاق فيما يتعلق بإشعار كل من المصدِّر والمستورد لـ"مجلس تريبس" حول استخدام التنازل، إذ يجب تنفيذ هذه الشروط لضمان عدم تحويل الأدوية الجنيسة المرخصة إلى سوق آخر(59).
لكن، ففي الوقت التي تتيح فيه اتفاقية "تريبس" وإعلان الدوحة حول "تريبس" هذه المقتضيات، فإن الدول النامية والأقل نموا تواجه ضغوطات سياسية من طرف الدول الصناعية، وشركات الأدوية العملاقة المنتمية لها(60). إذ أن هذه المقتضيات سرعان ما تحولت، كما قال "دينكان"، إلى ساحة قتال قانونية مع تحول الشركات والبلدان الغنية إلى المحاكم، في محاولة لتقييد الاستفادة من هذه المقتضيات من طرف الدول النامية(61).
ففي سنة 2001، قامت مجموعة من 39 شركة من كبريات شركات المستحضرات الصيدلانية في العالم بمقاضاة حكومة جنوب أفريقيا على أحكام تشريعها الخاص بالأدوية لسنة 1997،(62) وذلك بالطعن في دستورية التشريع أمام المحكمة العليا في "بريتوريا" بجنوب أفريقيا في مارس 2001، مدعية أن التشريع المذكور ينتهك حقوقها، أي حقوق الملكية الفكرية، وحثت الشركات المحكمة على تفسير التشريع في ضوء اتفاق "تريبس" على وجه الخصوص، لم تحثها على تفسير التشريع في ضوء معاهدات حقوق الإنسان(63).
وعلاوة عن ذلك، قام الممثل التجاري للولايات المتحدة الأمريكية، في استجابة لطلبات شركات الصناعات الصيدلانية الأمريكية، بوضع حكومة جنوب إفريقيا ضمن القائمة المراقبة بالقسم 301 من قانون التجارة الأمريكي لسنة 1974، وسحبت الإدارة الأمريكية المعاملة التفضيلية عن العديد من المصدرين من جنوب أفريقيا(64).
وعلى العموم، لم يتخذ أي قرار على الإطلاق في هذه القضية، إذ تراجعت الشركات عن الدعوى في أبريل من سنة 2001، بعد أن تسببت هذه القضية، بفضل الحملة الدعائية ضد هذه الدعوى التي أطلقتها العديد من المنظمات غير الحكومية، كمنظمة "أوكسفام" ومنظمة "أطباء بلا حدود"، في موجة غضب شعبي كبير في جنوب أفريقيا وفي مختلف أرجاء العالم(65).
وهذه ليست القضية الوحيدة، إذ وفي فبراير من سنة 2001 رفعت الولايات المتحدة الأمريكية شكوى إلى جهاز تسوية المنازعات بالمنظمة العالمية للتجارة ضد دولة البرازيل، احتجت من خلالها على التراخيص الإجبارية التي استصدرتها البرازيل، مدعية أنها تمثل تدبيرا حمائيا الغرض منه خلق فرص عمل للمواطنين البرازيليين، غير أن حكومة البرازيل دافعت عن أحكامها حول التراخيص الإجبارية بكونها تمثل جزءا حيويا لبرنامجها الخاص بتوفير الأدوية بأسعار معقولة لمكافحة مرض نقص المناعة المكتسبة، وأنه ليس فيها ما يخالف اتفاقية "تريبس"(66).
ومن المؤكد في حالة البرازيل، أن هذه التدابير المتخذة أسهمت بشكل واضح في تخفيض أسعار الأدوية المخصصة لمكافحة فيروس الإيدز، وانعكس ذلك إيجابا على صحة السكان البرازيليين، حيث انخفضت نسبة الوفيات الناجمة عن مرض الإيدز بحدود 50% خلال الأربع سنوات التالية، وشهد الإقبال على المستشفيات انخفاضا بنسبة 80% بالنسبة للأمراض الموسمية(67).
ومرة أخرى، تم سحب القضية المرفوعة ضد البرازيل، بعد أن توصل الطرفان إلى تسوية الخلاف عن طريق المفاوضات، ولكن هذا الأمر ما كان ليتم إلا بعد إدراك الولايات المتحدة وشركات الأدوية أنها شارفت على إدراك الخطر وأنها قد تسبب أضرارا كبيرة للغاية بمصداقيتها أمام الجمهور(68).
وكما يتضح، ففي كلا الحالتين المتعلقتين بجنوب إفريقيا والبرازيل، لم تفلح الشكاوى المرفوعة ضدهما، وبدا أن التدابير الهادفة إلى حماية الصحة العامة هي التي انتصرت في النهاية. ولكن بدا أيضا أنه بالإمكان استعمال اتفاقية "تريبس"، بالرغم من مرونتها الظاهرة، كآلية لتنفيذ حقوق الملكية الفكرية على حساب اعتبارات الصحة العامة (69).
وهذا ما تؤكده إجراءات الاتحاد الأوروبي التي تم تبنيها في عام 2008، والتي تتطلب من مسؤولي الجمارك تطبيق قواعد الملكية الفكرية. وفي ظل هذه الإجراءات، تم احتجاز ما لا يقل عن 20 شحنة من الأدوية الجنيسة في الموانئ الأوروبية كانت موجهة من الهند (التي أصبحت تعرف باسم صيدلية العالم) والصين إلى بلدان أخرى أقل نموا. وقد كانت هذه الشُّحَنات تشتمل على أدوية لعلاج نقص المناعة البشرية المكتسبة (لإيدز) وأمراض القلب والأوعية الدموية(70).
ومن جانب آخر، تظهر الوقائع أن الدول القوية غالبا ما تلتف على التنازلات التي منحتها للدول النامية بموجب اتفاق "تريبس". فإذا كانت الدول النامية والأقل نموا قد نجحت، خاصة من خلال مفاوضات المؤتمرات الوزارية، في التوصل إلى تنازلات في ما يخص أحكام "تريبس"، كالتوصل إلى قرار تمديد الفترة الانتقالية الممنوحة للدول الأقل نموا لتطبيق اتفاق "تريبس" لمدة 8 سنوات، من 1 يوليوز 2013 حتى 1 يوليوز 2021، في المؤتمر الوزاري التاسع(71)، فإن ممارسات الدول القوية، بضغط من شركات الأدوية، قد عملت جاهدة من أجل الالتفاف على مكتسبات الدول النامية والأقل نموا في هذا الإطار.
ولعل أبرز مثال على ذلك، هو لجوء الدول القوية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، كرد فعل على مخرجات المؤتمر الوزاري الذي انعقد بالدوحة سنة 2001، إلى الضغط من أجل إبرام ما اتفاقيات "TRIPs Plus" مع عدد من الدول(72)، بهدف تضمين فترات لحماية الملكية الفكرية أعلى من الفترات التي تفرضها اتفاقية "تريبس" في إطار المنظمة العالمية للتجارة، وكذلك من أجل تجنب الاستثناءات التي تمنحها اتفاقية "تريبس" الأصلية، أو الاستثناءات المتوصل إليها خاصة في الدوحة(73).
وقد وقعت الدول النامية على مثل هذه الاتفاقيات المتعلقة بالملكية الفكرية بسبب الأرباح المحتملة التي تتوقعها في مجالات أخرى من اتفاقيات التجارة الحرة، ومنها على سبيل المثال القدرة على وصول المنتجات الزراعية والمنسوجات إلى الأسواق الأمريكية وأسواق الدول المتقدمة الأخرى.
ولكن، تجدر الإشارة إلى أن مثل هذا الولوج المحتمل لبضائع البلدان النامية، إنما يخص فئة معينة من أصحاب المصالح داخل الدولة، مثل أصحاب المزارع والمصانع الكبيرة، وربما بعض عمال هذه الأخيرة. وهذا الأمر، يحمل في طياته ضربا لمبدأ المساواة بين مواطني الدولة الواحدة، إذ أن الأفراد الآخرين غير المستفيدين قد يتحملون التكاليف الباهظة للأدوية الأساسية نتيجة اتفاقيات "تريبس زائد"، خاصة عندما لا تلجأ الدول إلى تحويل الفائض من عائدات الاستفادة من الدخول لأسواق الدول المتقدمة في القطاعات المذكورة إلى قطاع الصحة ودعم أسعار الأدوية(74).
وقد لاحظت منظمة "أوكسفام" النتائج المحتملة "لتريبس زائد"، وأشارت إلى ذلك بالقول: "...من شأن ذلك التأثير بعمق على قدرة الدول النامية في دفع مستحقات الأدوية الأساسية"(75).
في الأخير، نشير إلى أن المنظمات الدولية المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان، سواء منها الحكومية أو غير الحكومية، قد عبرت عن قلقها اتجاه ما تحمله "تريبس" من تأثيرات سلبية على متطلبات إعمال حق الإنسان في الصحة، وحقه في الحصول على الأدوية والمعدات الطبية.
ففيما يخص المنظمات الدولية الحكومية، خاصة منها هيئات الأمم المتحدة، فقد قامت بإصدار عدة تقارير في هذا الإطار، دعت من خلالها جميع المتداخلين إلى ضرورة مراعاة حق الإنسان في الصحة، وما يقتضه ذلك من توفير للأدوية وبأثمنة معقولة (76).
أما فيما يخص المنظمات الدولية غير الحكومية، نشير مثلا إلى أن منظمة أطباء بلا حدود، كما اللجنة الدولية للصليب الأحمر، لاحظت بأن إمكانية الوصول إلى عقاقير لعلاج بعض الأمراض الخطيرة، كالسل مثلا، تظل محدودة للغاية، وفي سبيل ذلك، أطلقت هذه المنظمة "حملة الوصول إلى الأدوية"(77).
خاتمة
هكذا، يتضح أن اتفاقية تريبس، وإن ساهمت في حماية وإنفاذ حقوق الملكية الفكرية، تشجيعا لروح الابتكار التكنولوجي بهدف تحقيق المنفعة المشتركة لجميع الأطراف المنتجة والمستخدمة للتكنولوجيا، فقد حملت في طياتها أيضا تقويضا لمتطلبات إعمال بعض أصناف حقوق الإنسان، خاصة في مجالات الصحة والغذاء والتعليم والثقافة والمعارف التقليدية والتنمية...إلخ. ورغم تلك الاستثناءات الواردة في الاتفاقية، خاصة في المواد 6 و7 و8 و31، التي تندرج في إطار المعاملة التفضيلية التي تحظى بها الدول النامية والأقل نموا، من أجل تجاوز حقوق أصحاب براءات الاختراع لتحقيق أهداف متعلقة أساسا بالأمن الصحي والأمن الغذائي وأهداف التنمية، إلا أن الدول القوية -وخلفها الشركات ومراكز الأبحاث الكبرى، لجأت إلى عقد اتفاقيات ثنائية خارج إطار منظمة التجارة العالمية عطلت من خلالها هذه الاستثناءات في علاقتها التجارية مع عدد من الدول الضعيفة، عادة بتواطئ مسؤولي تلك الدول.
الإحالات، وتوضيحات لبعض النقط
(1) نشير هنا إلى أن الدول المتقدمة، وبضغط من الشركات الكبرى، رهنت موافقتها على إدراج قطاعي "المنسوجات والملابس الجاهزة" و"الزراعة" ضمن مفاوضات جولة الأوروغواي المتعددة الأطراف بقبول إدراج موضوع الملكية الفكرية المتصلة بالتجارة في هذه المفاوضات، على اعتبار أن الدول النامية عارضت إدراج اتفاق تريبس في المفاوضات على أساس أنه يهدف لخدمة المصالح الاحتكارية للدول المتقدمة وشركاتها الكبرى.
(2) تعرف الملكية الفكرية بكونها تلك "الحقوق التي تعطى للأشخاص مقابل إبداعاتهم العقلية، وهذه الحقوق تعطي المبدع حقا شاملا على استخدام إبداعاته لفترة محدودة من الزمن". بحيث يكون للمبدعين الحق في منع الآخرين من استخدام اختراعاتهم، أو تصميماتهم، أو مبتكراتهم طوال فترة الحماية. انظر:
عبد الرحيم عنتر عبد الرحمان، الثغرات وبنود الاستثناءات في ظل اتفاقية التريبس: دراسة مقارنة، مركز الدراسات العربية للنشر والتوزيع، القاهرة، مصر، الطبعة الأولى، 2016، ص، 9.
(3) محمد حشماوي، الاتجاهات الجديدة للتجارة الدولية في ظل العولمة الاقتصادية، أطروحة دكتوراه، كلية العلوم الاقتصادية وعلوم التسيير، جامعة الجزائر، السنة الجامعية 2006- 2007، ص، 160.
(4) الاتفاق بشأن جوانب حقوق الملكية الفكرية المتصلة بالتجارة "تريبس"، نسخة مترجمة للغة العربية من طرف وزارة اقتصاد دولة الإمارات العربية المتحدة (ترجمة غير رسمية). متوفر على الموقع الرسمي لوزارة اقتصاد دولة الإمارات:
http://www.economy.gov.ae/arabic/Ministry/MinistrySectors/ForeignTradeSector/Trade-Negotiations-WTO/WTO/Pages/Agreements.aspx
(5) عادل المهدي، عولمة النظام الاقتصادي العالمي ومنظمة التجارة العالمية، الدار المصرية اللبنانية، القاهرة، مصر، الطبعة الثانية، 2004، ص، 287.
(6) عبد الرحيم عنتر عبد الرحمان، مرجع سابق، ص، 8.
(7) نصت المادة 15 من العهد الأول في هذا الإطار على ما يلي:
"1- تقر الدول الأطراف في هذا العهد بأن من حق كل فرد: ... ج- أن يفيد من حماية المصالح المعنوية والمادية الناجمة عن أي أثر علمي أو فني أو أدبي من صنعه.
2- تراعى الدول الأطراف في هذا العهد، في التدابير التي ستتخذها بغية ضمان الممارسة الكاملة لهذا الحق، أن تشمل تلك التدابير التي تتطلبها صيانة العلم والثقافة وإنماؤهما وإشاعتهما.
3- تتعهد الدول الأطراف في هذا العهد باحترام الحرية التي لا غنى عنها للبحث العلمي والنشاط الإبداعي.
4- تقر الدول الأطراف في هذا العهد بالفوائد التي تجنى من تشجيع وإنماء الاتصال والتعاون الدوليين في ميداني العلم والثقافة".
(8) الفقرة 1 من المادة 8 من اتفاق "تريبس". إذ نصت هذه الفقرة بصريح العبارة على ما يلي: "يجوز للبلدان الأعضاء، عند وضع وتعديل قوانينها ولوائحها التنظيمية، اعتماد التدابير اللازمة لحماية الصحة العامة والتغذية وخدمة المصلحة العامة في القطاعات ذات الأهمية الحيوية للتنمية الاقتصادية الاجتماعية والتكنولوجية فيها، شريطة اتساق هذه التدابير مع أحكام الاتفاق الحالي".
(9) نشير إلى أن مصطلح "الترخيص الإجباري" هو غير مستخدم في اتفاق "تريبس"، ويقع هذا المصطلح تحت عنوان المادة 31 المعنونة بـ"الاستخدامات الأخرى بدون الحصول على موافقة صاحب الحق في البراءة Other Use Without Authorization of the Right Holder"، وهذا يعلن عن رغبة واضعي المادة 31 في اعتبار "الترخيص الإجباري" ليس إلا جزءا من "الاستخدامات الأخرى". وإذا كانت التراخيص الإجبارية تستخدم عادة في صناعة الدواء، فإنه يمكن كذلك تطبيقها في أي مجال من مجالات التكنولوجيا والاختراعات. انظر:
صلاح الدين بوجلال، حماية حقوق الإنسان في ظل عولمة الاقتصاد: دراسة في قانون المنظمة العالمية للتجارة، أطروحة دكتوراه، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة الحاج لخظر- باتنة، الجزائر، السنة الجامعية 2011- 2012، ص، 98.
(10) الفقرة (ب) من المادة 31 من اتفاق "تريبس".
(11) الأدوية الجنيسة: هي "تلك النوع من الأدوية منخفضة الثمن بسبب عدم وجود حاجة لدفع أي رسم من رسوم الإنتاج لصاحب براءة الاختراع". انظر:
صلاح الدين بوجلال، مرجع سابق، ص، 98.
(12) إذ نصت المادة 15 من العهد الأول في هذا الخصوص على ما يلي: "1- تقر الدول الأطراف في هذا العهد بأن من حق كل فرد: ... ب- أن يتمتع بفوائد التقدم العلمي وبتطبيقاته...".
(13) إذ نصت الفقرة 1 من المادة 27 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على ما يلي: "لكل شخص حق المشاركة الحرة في حياة المجتمع الثقافية، وفي الاستمتاع بالفنون، والإسهام في التقدم العلمي وفي الفوائد التي تنجم عنه".
(14) لقد تم إقرار هذا الحق كذلك في الصكوك الإقليمية لحقوق الإنسان، من قبيل:
- الفقرة 2 من المادة 13 من الإعلان الأمريكي لحقوق الإنسان وواجباته لعـام 1948.
- الفقرة 1 (ج) من المادة 14 من البروتوكول الإضافي للاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان حول الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام 1988 (بروتوكول سان سلفادور).
- المادة 1، ولو بشكل غير صريح، من البروتوكول الإضافي الأول لسنة 1952 الملحق بالاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان. انظر:
لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التعليق العام رقم 17 (2005): حق كل فرد في أن يفيد من حماية المصالح المعنوية والمادية المترتبة على أي إنتاج علمي أو أدبي أو فني من تأليفه (الفقرة 1(ج) من المادة 15 من العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية)، وثيقة الأمم المتحدة رقم (E/C.12/GC/17)، 12 يناير 2006، الفقرة 3، ص، 2. متوفر على: http://undocs.org/ar/E/C.12/GC/17
(15) المرجع نفسه.
(16) المرجع نفسه، الفقرة 2، ص، 2.
(17) ميلاني دولون دو رونيه، هيرفيه لو كرونييه، الملكية الفكرية من منظور الجغرافيا السياسية للعولمة، ترجمة عصام المحيا، منشورات ضفاف، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى،2015، ص، 167.
(18) المرجع سابق، ص ص، 167- 168.
(19) نشير هنا إلى أن لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، في سبيل ضمان الحق في الغذاء الكافي، تدعو للتعاون الدولي في هذا الإطار، وأن تفي الدول بالتزاماتها المتمثلة في اتخاذ إجراءات مشتركة ومنفصلة لبلوغ التحقيق الكامل للتمتع بالحق في غذاء كاف، فضلا عن ضرورة التزام الدول بألا يستخدم الغذاء مطلقا كأداة لممارسة ضغوط سياسية واقتصادية أو ما شابه ذلك. انظر:
لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التعليق العام 12 (1999): الحق في الغذاء الكافي (المادة 11 من العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية)، وثيقة الأمم المتحدة رقم (E/C.12/1999/5)، 12 ماي 1999، الفقرات 8- 36- 37، ص ص، 3- 9. متوفر على: http://undocs.org/ar/E/C.12/1999/5
(20)sarah Joseph, Blame it on the WTO?: a human rights critique, Oxford University Press, Inc., New York, 2011, p. 213.
نشير هنا إلى أن مسألة كون الحق في الغذاء أهم من الأداء الفعال للأسواق الزراعية العالمية، لا تتوافق وأهداف المنظمة العالمية للتجارة الداعية إلى حرية السوق وتحرير التجارة من جميع القيود التي قد تعرقل هذا التحرير، خاصة اتفاق الزراعة الذي ينص على تخفيض الدعم المقدم للقطاع الزراعي، وهو الأمر الذي يتسبب في تقلب وارتفاع أسعار الأغذية، مما يحمل في طياته مخاوف بشأن متطلبات إعمال حق الإنسان في الغذاء، وخاصة بالدول التي تعتبر مستوردة صافية للغذاء، إذ يجعلها هذا الأمر تحت رحمة تقلب أسعار الغذاء العالمية.
(21) صلاح الدين بوجلال، مرجع سابق، ص، 128.
(22) Sarah Joseph, Op. Cit., p. 207.
(23) Oxfam, Halving Hunger: Still Possible? Building a rescue package to set the MDGs back on track, Oxfam International, September 2010, p. 2. Available at:
https://www.oxfam.org/sites/www.oxfam.org/files/oxfam-halving-hunger-sept-2010.pdf
(24) اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التعليق العام 12 (1999)، وثيقة الأمم المتحدة رقم (E/C.12/1999/5)، مرجع سابق، الفقرة 6، ص، 3.
(25) المرجع نفسه.
(26) Human Rights Committee, General Comment No. 6 (1982): Article 6 (The right to life), Sixteenth session, 30 April 1982, para 5. available at: http://www.icla.up.ac.za/images/un/use-of-force/intergovernmentalorganisations/human%20rights%20committee/HRI.GEN.1.Rev.9(Vol.I)_(GC6)_en.pdf
(27) Human Rights Committee, General Comment No. 36 on Article 6 of the International Covenant on Civil and Political Rights, on the right to life (Revised draft prepared by the Rapporteur), Advance Unedited Version, July 2017. Available at:
https://www.ohchr.org/Documents/HRBodies/CCPR/GCArticle6/GCArticle6_EN.pdf
(28) دليل دراسي: حقوق الشعوب الأصلية، مركز حقوق الإنسان، جامعة منيسوتا، 2003. تم الاطلاع عليه بتاريخ 8 دجنبر 2018 بالموقع التالي: http://hrlibrary.umn.edu/arabic/SGindigenous.html
(29) صلاح الدين بوجلال، مرجع سابق، ص ص، 129- 130. انظر كذلك:
Duncan Green, From Poverty to Power, Published by Practical Action Publishing Ltd in association with Oxfam GB, Second Edition, 2012, p. 270. See also:
Sarah Joseph, Op. Cit., pp. 209 -210.
(30) القرصنة الحيوية هي استغلال غير مشروع أو غير أخلاقي للموارد الحيوية أو المعارف التقليدية للشعوب الأصلية والمجتمعات المحلية، عبر تسجيلها كبراءات اختراع أو ملكية فكرية من قبل شركات أو مؤسسات أجنبية دون:
- إذن مسبق؛ - مشاركة عادلة في المنافع؛ - اعتراف بأصحاب المعرفة الأصليين.
(31) Duncan Green, Op. Cit., p. 270.
(32) Ibid., pp. 270-271.
(33) Ibid.
(34) تنص المادة 28 من إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية على ما يلي: "1- للشعوب الأصلية الحق في الجبر بطرق يمكن أن تشمل الرد أو، إذا تعذر ذلك، التعويض العادل والمنصف والمقسط، فيما يخص الأراضي والأقاليم والموارد التي كانت تمتلكها بصفة تقليدية أو كانت بخلاف ذلك تشغلها أو تستخدمها، والتي صودرت أو أخذت أو احتلت أو استخدمت أو أضيرت دون موافقتها الحرة والمسبقة والمستنيرة. 2- يقدم التعويض في صورة أراضٍ وأقاليم وموارد مكافئة من حيث النوعية والحجم والمركز القانوني أو في صورة تعويض نقدي أو أي جبر آخر مناسب، ما لم توافق الشعوب المعنية موافقة حرة على غير ذلك". انظر:
الجمعية العامة للأمم المتحدة، إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية، القرار رقم (61/295)، وثيقة الأمم المتحدة رقم (A/RES/61/295)، 2 أكتوبر 2007. متوفر على: https://undocs.org/ar/A/RES/61/295
(35) لقد تضمن إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية مجموعة من الأحكام ذات الصلة بحقوق الشعوب الأصلية على معارفها التقليدية وكذا أراضيها ومواردها، فقد تضمنت ديباجة الإعلان ما يلي: "وإذ تدرك (أي شعوب الأمم المتحدة) أن احترام معارف الشعوب الأصلية وثقافاتها وممارساتها التقليدية يساهم في تحقيق تنمية مستدامة ومنصفة للبيئة وفي حسن إدارتها"، كما أن المادة 26 من ذات الإعلان نصت على ما يلي: "1- للشعوب الأصلية الحق في الأراضي والأقاليم والموارد التي امتلكتها أو شغلتها بصفة تقليدية، أو التي استخدمتها أو اكتسبتها بخلاف ذلك. 2- للشعوب الأصلية الحق في امتلاك الأراضي والأقاليم والموارد التي تحوزها بحكم الملكية التقليدية أو غيرها من أشكال الشغل أو الاستخدامات التقليدية، والحق في استخدامها وتنميتها والسيطرة عليها، والأراضي والأقاليم والموارد التي اكتسبتها بخلاف ذلك. 3- تمنح الدول اعترافا وحماية قانونيين لهذه الأراضي والأقاليم والموارد. ويتم هذا الاعتراف مع المراعاة الواجبة لعادات الشعوب الأصلية المعنية وتقاليدها ونظمها الخاصة بحيازة الأراضي".
ونشير في هذا الإطار كذلك، أن الجمعية العامة للأمم المتحدة، من خلال تقرير لها حول حقوق الشعوب الأصلية، أشارت إلى ما يلي: "...وإذ تسلم كذلك بأهمية الممارسات الزراعية المستدامة التقليدية، ومنها النظم التقليدية للإمداد بالبذور، وكذلك بالأهمية التي يكتسيها للشعوب الأصلية ولمن يعيشون في المناطق الريفية الحصول على الخدمات الائتمانية وغيرها من الخدمات المالية، والوصول إلى الأسواق، وضمان حيازة الأراضي، والاستفادة من الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية، والتعليم، والتدريب، والمعارف، والحصول على التكنولوجيات الملائمة الميسورة التكلفة، لأغراض منها ضمان كفاءة الري وإعادة استعمال مياه الصرف الصحي بعد معالجتها وجمع المياه وتخزينها". انظر:
الجمعية العامة للأمم المتحدة، حقوق الشعوب الأصلية، قرار رقم (72/155)، وثيقة الأمم المتحدة رقم (A/RES/72/155)، 17 يناير 2018، ص، 4. متوفر على: https://undocs.org/ar/A/RES/72/155
(36) لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التعليق العام رقم 13 (1999): الحق في التعليم (المادة 13 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية)، وثيقة الأمم المتحدة رقم (E/C.12/1999/10)، 8 دجنبر 1999، الفقرة 46، ص، 11. متوفر على: https://undocs.org/ar/E/C.12/1999/10
(37) المرجع نفسه، الفقرة 56، ص، 13.
(38) المرجع نفسه، الفقرة 47، ص، 11.
(39) ميلاني دولون دو رونيه، هيرفيه لو كرونييه، مرجع سابق، ص ص، 168- 169.
(40) المرجع نفسه، ص، 169.
(41) المرجع نفسه.
(42) الموقع الرسمي للبنك الدولي، فقرة البيانات، http://www.albankaldawli.org/، وفق تحديث 7 دجنبر 2018.
(43) صلاح الدين بوجلال، مرجع سابق، ص، 94.
(44) نشير هنا إلى أن التعليق العام رقم 14 للجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية نص في فقرته 33 على ما يلي: "يفرض الحق في الصحة، مثله في ذلك مثل جميع حقوق الإنسان، ثلاثة أنواع أو مستويات من الالتزامات على الدول الأطراف: الالتزامات بالاحترام والحماية والأداء. ويشتمل الالتزام بالأداء، بدوره، على التزامات بالتسهيل والتوفير والتعزيز. ويتطلب الالتزام بالاحترام من الدول أن تمتنع عن التدخل بشكل مباشر أو غير مباشر في التمتع بالحق في الصحة. ويقتضي الالتزام بالحماية أن تتخذ الدول تدابير من شأنها أن تمنع أطرافا ثالثة من إعاقة ضمانات المادة 12. وأخيرا، يتطلب الالتزام بالأداء أن تعتمد الدول تدابير قانونية وإدارية وتدابير تتعلق بالميزانية وتدابير قضائية وتشجيعية ملائمة من أجل الإعمال الكامل للحق في الصحة". انظر:
لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التعليق العام رقم 14 (2000): الحق في التمتع بأعلى مستوى من الصحة يمكن بلوغه (المادة 12 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية)، وثيقة الأمم المتحدة رقم (E/C.12/2000/4)، 11 غشت 2000، الفقرة 33، ص ص، 10- 11. متوفر على: https://undocs.org/ar/E/C.12/2000/4
(45) نشير هنا إلى أن التعليق العام رقم 14 للجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، نص في فقرته 17 على ما يلي: "تشمل "تهيئة ظروف من شأنها تأمين الخدمات الطبية والعناية الطبية للجميع في حالة المرض" (المادة 12- 2- د) ... توفير العقاقير الأساسية...". انظر:
لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التعليق العام رقم 14 (2000)، وثيقة الأمم المتحدة رقم (E/C.12/2000/4)، مرجع سابق، فقرة 17، ص، 6.
وكذلك، تضمنت الفقرة 12 المطولة من ذات التعليق في هذا السياق إشارات لضرورة تضافر الجهود من أجل تمكين المرضى من الحصول على الأدوية الكفيلة بعلاجهم (ومصطلح "السلع المرتبطة بالصحة" المذكور في التعليق، يفهم كذلك في إطار توفير الأدوية). إذ نص جزء من هذه الفقرة على ما يلي: "يشمل الحق في الصحة، بجميع أشكاله وعلى جميع المستويات، العناصر المترابطة والأساسية التالية التي يتوقف تطبيقها الدقيق على الظروف السائدة في دولة طرف محددة:
(أ) التوافر: يجب أن توفر الدولة الطرف القدر الكافي ... من السلع والخدمات والبرامج. ... والعقاقير الأساسية وفقا لتعريفها في برنامج العمل المعني بالعقاقير الأساسية الذي وضعته منظمة الصحة العالمية. (ب) إمكانية الوصول: ... وتتسم إمكانية الوصول بأربعة أبعاد متداخلة هي: 1- عدم التمييز: ... 2- إمكانية الوصول المادي: ... 3- الإمكانية الاقتصادية للحصول عليها (القدرة على تحمل نفقاتها): ... 4- إمكانية الوصول إلى المعلومات: ... (ج) المقبولية: ... (د) الجودة: ...". انظر:
لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التعليق العام رقم 14 (2000)، وثيقة الأمم المتحدة رقم (E/C.12/2000/4)، مرجع سابق، فقرة 12، ص ص، 4- 5.
وكذلك، في علاقة باحترام الحق في الصحة في البلدان الأخرى، ومنع الأطراف الثالثة من انتهاك هذا الحق (إذ يفهم من عبارة الأطراف الثالثة، المتداخلين في قريب أو بعيد في متطلبات إعمال الحق في الصحة، كالشركات الكبرى للأدوية مثلا والتي تزود الدول بالأدوية الأساسية)، نصت الفقرة 39 من ذات التعليق بوضوح على ما يلي: "ويتعين على الدول الأطراف، لكي تمتثل لالتزاماتها الدولية فيما يتعلق بالمادة 12، أن تحترم التمتع بالحق في الصحة في بلدان أخرى، وأن تمنع أطرافا ثالثة من انتهاك هذا الحق في بلدان أخرى، إذا كانت تستطيع التأثير على أطراف ثالثة من خلال وسائل قانونية أو سياسية، وفقا لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي الساري...". انظر:
لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التعليق العام رقم 14 (2000)، وثيقة الأمم المتحدة رقم (E/C.12/2000/4)، مرجع سابق، فقرة 39، ص: 13.
(46) تقرير الأمانة العامة لمنظمة الصحة العالمية، إتاحة الأدوية الأساسية، القرار رقم (A67/30)، 14 مارس 2014، الفقرة 11، ص، 5. متوفر على: http://apps.who.int/gb/ebwha/pdf_files/WHA67/A67_30-ar.pdf
(47) الفقرة الأولى من ديباجة اتفاقية "تريبس".
(48) صلاح الدين بوجلال، مرجع سابق، ص ص، 96- 97.
(49) المرجع نفسه، ص، 97.
(50) المرجع نفسه، ص ص، 90- 97.
(51) نشير هنا إلى أن التزام الدول بموجب المادة 12 من العهد الأول يتطلب جملة من الأمور التي أوضحها التعليق العام رقم 14 للجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في فقرته 36، وهي كالآتي: " ويتطلب الالتزام بالأداء من الدول الأطراف جملة أمور من بينها الإقرار الوافي بالحق في الصحة في نظمها السياسية والقانونية الوطنية، ومن الأفضل أن يكون ذلك عن طريق التنفيذ التشريعي، وكذلك اعتماد سياسة صحية وطنية مصحوبة بخطة تفصيلية لإعمال الحق في الصحة. ويجب على الدول كفالة تقديم الرعاية الصحية، بما فيها برامج للتحصين ضد الأمراض المعدية الخطيرة، وكفالة المساواة في التمتع بالمقومات الأساسية للصحة، مثل الأغذية السليمة من الناحية التغذوية والمياه الصالحة للشرب، والإصحاح الأساسي والسكن الملائم والظروف المعيشية المناسبة. وينبغي للهياكل الصحية الحكومية أن توفر خدمات الصحة الجنسية والإنجابية، بما فيها خدمات الأمومة الآمنة، خصوصا في المناطق الريفية. ويتعين على الدول أن تؤمن التدريب الملائم للأطباء وغيرهم من الموظفين الطبيين، وتوفير عدد كاف من المستشفيات والمستوصفات وغير ذلك من المرافق ذات الصلة بالصحة، وتشجيع ودعم إنشاء مؤسسات تقدم المشورة وخدمات الصحة العقلية، مع إيلاء الاعتبار اللازم للتوزيع العادل في كافة أنحاء البلد. وهناك التزامات أخرى تشتمل على توفير نظام تأمين صحي عام أو خاص أو مختلط يستطيع الجميع تحمل نفقاته، وعلى تشجيع البحث الطبي والتربية الصحية، فضلا عن الحملات الإعلامية، خاصة فيما يتعلق بالإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز، والصحة الجنسية والانجابية، والممارسات التقليدية، والعنف المنزلي، والافراط في شرب الكحول وتدخين السجائر، وتعاطي المخدرات وغيرها من المواد الضارة. والدول مطالبة أيضا باعتماد تدابير لمكافحة المخاطر الصحية البيئية والمهنية، وأي تهديد آخر توضحه البيانات الخاصة بالأوبئة. وتحقيقا لهذا الغرض ينبغي لها أن تضع وتنفذ سياسات وطنية تهدف إلى تقليل تلوث الهواء والمياه والتربة، بما في ذلك تلويثها بالمعادن الثقيلة مثل رصاص البنزين، والقضاء على هذا التلوث. وعلاوة على ذلك، فإن الدول الأطراف مطالبة بصياغة وتنفيذ سياسة وطنية متماسكة واستعراضها على نحو دوري للتقليل إلى أدنى حد من مخاطـر الحوادث والأمراض المهنية، فضلا عن توفير سياسة وطنية متماسكة بشأن السلامة والخدمات الصحية المهنية". انظر:
لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التعليق العام رقم 14 (2000)، وثيقة الأمم المتحدة رقم (E/C.12/2000/4)، مرجع سابق، الفقرة 36، ص، 12.
(52) Sarah Joseph, Op. Cit., p. 217.
(53) صلاح الدين بوجلال، مرجع سابق، ص، 90.
(54) Duncan Green, Op. Cit., p. 268.
(55) Sarah Joseph, Op. Cit., p. 217.
(56) Ibid.
(57) Duncan Green, Op. Cit., p. 268.
(58) تنص الفقرة 6 من "إعلان الدوحة حول اتفاقية تريبس والصحة العامة" على ما يلي: "ندرك أن أعضاء المنظمة العالمية للتجارة الذين لا يمتلكون قدرات تصنيع كافية أو لا توجد لديهم قدرات في قطاع الأدوية قد يواجهون صعوبات في الاستخدام الفعال للترخيص الإجباري بموجب اتفاق تريبس. نطلب من مجلس تريبس إيجاد حل سريع لهذه المشكلة وتقديم تقرير إلى المجلس العام قبل نهاية عام 2002". انظر:
WTO, Declaration on the TRIPS Agreement and Public Health, Adopted on 14 November 2001, WTO Document No (WT/MIN(01)/DEC/2), 20 November 2001, Para. 6.
ونشير في هذا الإطار إلى أن مشروع إعلان الدوحة بشأن تريبس والصحة العامة تم إعداده من طرف الدول النامية.
وقد تضمن إعلان تريبس، المعتمد في الدوحة في عام 2001، كما قال "ماري روبنسون Mary Robinson"- مفوض الأمم المتحدة السامي السابق لحقوق الإنسان، إشارة مهمة فيما يتعلق بالحاجة إلى الموازنة بين حقوق الملكية الفكرية وأولويات الصحة العامة في البلدان النامية، ويشدد الإعلان على الحاجة إلى تفسير جوانب حقوق الملكية الفكرية المتصلة بالتجارة (تريبس)، التي تغطي البراءات بطريقة داعمة لحق أعضاء المنظمة العالمية للتجارة في حماية الصحة العامة وتعزيز الوصول إلى الأدوية، لا سيما فيما يتعلق بفيروس نقص المناعة المكتسبة (الإيدز) والسل والملاريا وغيرها من الأوبئة. انظر:
Mary Robinson, Ethics, Human Rights and Globalization, Second Global Ethic Lecture, The Global Ethic Foundation, University of Tübingen, Germany, Monday, 21 January 2002, p. 7. Available at:
https://www.weltethos.org/1-pdf/20-aktivitaeten/eng/we-reden-eng/speech_Robinson_eng.pdf
(59) Sarah Joseph, Op. Cit., pp. 225 -226.
(60) صلاح الدين بوجلال، مرجع سابق، ص، 103.
(61) Duncan Green. Op. Cit., p. 268.
(62) نشير بخصوص حيثيات تشريع الأدوية الجنوب أفريقي، أنه في نوفمبر من سنة 1997، وفي ذروة وباء نقص المناعة المكتسبة (الإيدز) الذي كان ولا يزال يحصد أرواح الكثيرين في دولة جنوب أفريقيا (إذ أصيب حينها حوالي 4.5 مليون جنوب أفريقي بالإيدز)، وضعت حكومة هذه الدولة تشريعا لأجل رفع مستوى العلاج عن طريق أدوية معقولة السعر وفي متناول الجميع، بحيث يسمح هذا التشريع باتخاذ تدابير تهدف إلى توفير الأدوية لمعالجة فيروس نقص المناعة المكتسبة وأيضا الأمراض الخطيرة الأخرى وإنتاج أدوية مناسبة بموجب التراخيص الإجبارية التي تبدوا ظاهريا مسموح بها بموجب اتفاقية "تريبس". انظر:
صلاح الدين بوجلال، مرجع سابق، ص، 99.
وكما يشير إلى ذلك "دينكان"، فإن الغالبية العظمى ممن أصيبوا في جنوب أفريقيا بفيروس نقص المناعة المكتسبة، لم يتمكنوا من الحصول على علاج فعال، ويعود ذلك جزئيا إلى ارتفاع أسعار الأدوية. وشملت المشاكل الأخرى البنية التحتية الصحية غير المتكافئة إلى حد كبير الموروثة من فترة الفصل العنصري، وانعدام التمويل، وانعدام الإرادة السياسية في بعض قطاعات الحكومة للتصدي لفيروس نقص المناعة البشرية الإيدز. انظر:
Duncan Green, Op. Cit., p. 268.
(63) Sarah Joseph, Op. Cit., p. 224. See also:
Duncan Green, Op. Cit., p. 268.
(64) صلاح الدين بوجلال، مرجع سابق، ص، 99.
(65) المرجع نفسه، ص ص، 99- 100. انظر كذلك:
Sarah Joseph, Op. Cit., p. 225. See also:
Duncan Green, Op. Cit., pp. 268 -269.
(66) صلاح الدين بوجلال، مرجع سابق، ص، 100.
(67) المرجع نفسه.
(68) المرجع نفسه.
(69) المرجع نفسه، ص ص، 100- 101.
(70) Duncan Green, Op. Cit., p. 170.
(71) Site officiel de l Organisation mondiale du commerce, La neuvième Conférence Ministérielle de l OMC (MC9, Bali, Indonésie, du 3 au 7 décembre 2013). Disponible à: Https://www.wto.org/french/thewto_f/minist_f/mc9_f/mc9_f.htm.
(72) Sarah Joseph, Op. Cit., p. 88.
(73) نشير في هذا الإطار إلى أن اتفاقية التجارة الحرة بين الولايات المتحدة والأردن، التي تم توقيعها في عام 2000، اشترطت على الأردن الموافقة على قواعد بشأن ما يسمى "حصرية البيانات"، والتي تمنع الموافقة على التسجيل والتسويق للأدوية الجنيسة لمدة خمس سنوات أو أكثر، حتى في حالة عدم وجود براءة اختراع. ونفس الأمر هنا جرى مع دولة غواتيمالا. وتظهر الدراسات الحديثة، أنه نتيجة لقواعد "تريبس زائد"، زادت أسعار الأدوية في الأردن وغواتيمالا بشكل كبير، مما يهدد الاستدامة المالية لبرامج الصحة العامة الحكومية. انظر:
Duncan Green, Op. Cit., pp. 270.
(74) صلاح الدين بوجلال، مرجع سابق، ص، 108.
(75) المرجع نفسه.
(76) نشير في هذا الإطار إلى مجلس حقوق الإنسان، من خلال تقرير له حول "الحصول على الأدوية في سياق حق كل فرد في التمتع بأعلى مستوى ممكن من الصحة البدنية والعقلية" سنة 2009، سلم بأن إعلان الدوحة الوزاري بشأن "اتفاق تريبس والصحة العامة" يؤكد أن الاتفاق لا يمنع الدول الأعـضاء في المنظمة العالمية للتجارة، وينبغي ألا يمنعها، من اتخاذ تدابير لحماية الصحة العامة، وأنه علـى الرغم من أن الإعلان يكرر الالتزام بالاتفاق، فإنه يؤكد أن الاتفاق يمكن بل وينبغي أن يفسر وينفذ بطريقة تدعم حقوق الدول الأعضاء في المنظمة العالمية للتجارة في حماية الصحة العامة، ولا سيما في تعزيز فرص حصول الجميع على الأدوية. وقد سلم مجلس حقوق الإنسان كذلك بحـق الدول الأعضاء في المنظمة العالمية للتجارة في أن تستخدم بالكامل أحكام الاتفاق المـذكور أعلاه التي تتيح المرونة لهذه الغاية، وسلم أيضا بأن حماية الملكية الفكرية تتسم بالأهمية بالنـسبة لاسـتحداث أدوية جديدة، فضلا عن الشواغل المتعلقة بما يترتب على ذلك من آثار على الأسعار. وفي سبيل ذلك، فالمجلس يشجع جميع الدول على تطبيق تدابير وإجراءات لإنفاذ حقـوق الملكيـة الفكرية على نحو يتيح تفادي إقامة حواجز أمام التجارة المشروعة بالأدوية، وعلـى تـوفير ضمانات ضد إساءة استعمال هذه التدابير والإجراءات. انظر:
مجلس حقوق الإنسان، الحصول على الأدوية في سياق حق كل فرد في التمتع بأعلى مستوى ممكن من الصحة البدنية والعقلية، قرار رقم (12/24)، وثيقة الأمم المتحدة رقم (A/HRC/RES/12/24)، 12 أكتوبر 2009، الفقرات 4- 5- 6، ص ص، 2- 3. متوفر على:
https://digitallibrary.un.org/record/668398/files/A_HRC_RES_12_24-AR.pdf
ونشير كذلك، أن الجمعية العامة للأمم المتحدة، من خلال تقرير لها بعنوان "الصحة العالمية والسياسة الخارجية" سنة 2011، لاحظت بقلق أن الحق في التمتع بأعلى مستوى يمكن بلوغه من الصحة البدنية والعقلية، بما في ذلك الحصول على الأدوية، لا يزال هدفا بعيد المنال بالنسبة إلى الملايين من الناس، بل إن إمكانية تحقيقه في كثير من الحالات، وبخاصة بالنسبة إلى الأطفال والأشخاص الذين يعيشون في فقر، تتضاءل، وأن كل عام يشهد تدنيا في مستويات معيشة ملايين من الناس إلى ما دون خط الفقر من جراء ما يتحملونه من تكاليف باهظة للحصول على الرعاية الصحية، وأن التكاليف الباهظة التي يتحملها الفقراء يمكن أن تثنيهم عن التماس الرعاية أو الاستمرار فيها. وفي سبيل ذلك أقرت الجمعية العامة، من بين أمور أخرى، بأن التغطية الصحية للجميع تعني أن تتاح للجميع إمكانية الحصول دون تمييز على ما يلزم من المجموعات المقـررة على الصعيد الوطني من خدمات الرعاية الصحية الأساسية فيما يتعلق بالتثقيف والوقاية والعلاج والتأهيل، وعلى أدوية أساسية مأمونة فعالة جيدة بأسعار معقولة مع ضمان ألا يتسبب الحصول على هـذه الخـدمات في أي ضائقة مالية للمستفيدين منها، مع التركيز بشكل خاص على الفئات الفقيرة والضعيفة والمهمشة من السكان. انظر:
الجمعة العامة للأمم المتحدة، الصحة العالمية والسياسة الخارجية، قرار رقم (67/ 81)، وثيقة الأمم المتحدة رقم (67/81/A/RES)، 14 مارس 2013، المقدمة والفقرة 10، ص ص، 2- 5. متوفر على:
http://www.un.org/en/ga/search/view_doc.asp?symbol=A/RES/67/81&Lang=A
ونشير كذلك، إلى أن هناك تقارير أخرى أكدت من خلالها هيئات الأمم المتحدة على نفس المقتضيات، نورد من بينها:
- لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، القضايا الموضوعية الناشئة عن تنفيذ العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بيان حول "حقوق الإنسان والملكية الفكرية"، وثيقة الأمم المتحدة رقم (E/C.12/2001/15)، 14 دجنبر 2001. متوفر على:
http://docstore.ohchr.org/SelfServices/FilesHandler.ashx?enc=4slQ6QSmlBEDzFEovLCuW1AVC1NkPsgUedPlF1vfPMIK1oEEs0fQYNBRyOOpREU2nUoZHA%2bDPgESV%2fMKyqtX4cc6545owYyEL3iD4WDpkvAOKOmNY1ViwA%2fsjCDUemn7
- الجمعية العامة للأمم المتحدة، مرفـق الرسـالة المؤرخـة 14 أكتـوبر 2010 الموجهـة إلى رئـيس الجمعية العامة من الممثلين الدائمين للبرازيل والنرويج لدى الأمم المتحدة، "الـسياسة الخارجيـة والـصحة العالميـة - الاسـتجابة للتحـديات الجديـدة وتحديـد أولويات المستقبل: إعلان أوسلو الوزاري بعد مرور ثلاث سنوات وما بعد ذلك"، وثيقة الأمم المتحدة رقم (A/65/538)، 22 أكتوبر 2010، ص، 3. متوفر على: http://undocs.org/ar/A/65/538
- تقرير المقرر الخاص المعني بحق كل إنسان في التمتع بأعلى مستوى ممكـن من الصحة البدنية والعقلية، حق كل إنسان في التمتع بأعلى مستوى ممكن من الصحة البدنية والعقلية، وثيقة الأمم المتحدة رقم (A/61/338)، 13 شتنبر 2006، الفقرات من 37 إلى 43،ص ص، 13- 15. متوفر على: http://undocs.org/ar/A/61/338
- تقرير الأمانة العامة لمنظمة الصحة العالمية، إتاحة الأدوية الأساسية، القرار رقم (A67/30)، مرجع سابق، الفقرة 2، ص، 3.
(77) الموقع الرسمي لمنظمة أطباء بلا حدود، حملة الوصول للأدوية. تم النشر بتاريخ أكتوبر 2016، تمت الزيارة في تاريخ 16 دجنبر 2018. متوفر على: https://www.msf.org/ar/access-msf-reports-use-new-tuberculosis-drugs-bedaquiline-and-delamanid
##محسن_العربي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟