|
|
أنصار الحزب الشيوعي في قلب قلعة العمادية
توفيق ختاري
الحوار المتمدن-العدد: 8546 - 2025 / 12 / 4 - 19:59
المحور:
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
مذكرات أنصارية أن تدون تاريخ الحركة الأنصارية للحزب الشيوعي العراقي في الفترة ما بين 1979 – 1988 إنها مهمة شاقة، بحكم ما كان يحيط بها من تعقيدات ولدتها طبيعة نظام دكتاتوري مارس العنف في كل جزيء من حياة العراقيين، مما دفع أعداد كبيرة من العراقيين شيبا وشبابا، رجالا ونساءا، ومن كل الانحدارات الطبقية، للانخراط في هذا العمل الجريء دفاعا عن كرامتهم وحقوقهم وأهداف حزبهم، ولا شك إن هذه العملية " التدوين" هي مهمة كل من شارك فيها ووضع دمه على راحة كفيه وهو يواجه جبروت النظام الدكتاتوري الذي قاده صدام حسين، وهذا ما ألاحظه في كتابات العديد من الأنصار الأحبة، وما أحاول ممارسته شخصيا من خلال نقل بعض أحداث تلك الفترة العالقة في الذاكرة باعتبارها درسا نضاليا جديرا و تجربة فريدة من نوعها، نعتز بها بالرغم من إن ثمنها كان غاليا، وإن الكثير من صفحاتها كانت تتميز بالإيثار وروح المغامرة، رفضا للقمع والدم الذي كان يرتكبه ذلك النظام، والذي كان يحمل في جوفه حقدا دفينا لكل القييم الإنسانية . وكما اسلفت في مناسبات سابقة حول كيفية افتتاح قاعدتنا الأنصارية في منطقة سُميت بقاعدة هيركي وأنصارها بالهراكنة ، وبعد ذلك تجربتنا في التعرف على جغرافية المنطقة التي تقرر العمل في نطاقها والتغلغل بين صفوف سكانها، فقد أستطعنا خلال عمل مضني كسب تجربة غنية، ساهمت على فتح أفق رحبة أمام السرية الخامسة لخوض نشاط متميز ومثمر في المجالين العسكري والجماهيري . وهنا أجد من الأهمية بمكان الإشارة إلى بعض جوانب تلك التجربة الناجحة لعمل السرية، فمنذ البداية أولت أهتماما استثنائيا على انجاز مهمتين. الأولى، بناء تنظيمات حزبية داخل مدينة العمادية وريفها وتشييد درع جماهيري حصين، والثانية، القيام بعمليات عسكرية نوعية وتوجيه ضربات عسكرية في صميم سلطات المنطقة لشل قدرتها وسيطرتها وإضعاف هيبتها. وانطلاقا من هذه الرؤية تحقق الكثير في المجالين، عبر صبر وتحمل واندفاع جميع الرفاق وشعورهم بالمسؤولية، ففي مجال العمل العسكري أنجزت السرية عددا كبيرا من العمليات، كانت تعتبر ضربات موجعة تلقتها السلطات في المنطقة، وأثناء انشغالنا في التخطيط لمثل هذه العمليات، انصب التفكير مليا بأهمية اختراق قلب قلعة العمادية، التي تتربع المدينة في وسطها منذ أكثر من ثلاثة آلاف سنة، وفعلا أستطاعت السرية وبشجاعة قل نظيرها وعزم لايلين وفق خطة غير مسبوقة اقتحام هذه القلعة العصية، ولما كنت أود التحدث عن أهم العمليات العسكرية التي نفذتها السرية في مقال واحد، وجدت إن عملية أختراق القلعة لها أهمية خاصة، ولذلك كان لزاما عليً أن أفرد لها مقالة خاصة، ثم العودة بعد ذلك لسرد بقية العمليات العسكرية. وقبل أن أدخل في تفاصيل تلك العملية الأنصارية المقدامة ومقدماتها ثم نتائجها، أجد من المناسب أن أتحدث عن قلعة العمادية والمدينة التي تعج الآن بالحياة في كل مجالاتها السياسية والثقافية والفنية، لكي يدرك القاريء الكريم مدى شجاعة تلك المجموعة الآنصارية التي اخترقت أسوار القلعة وهددت مركز قوة السلطة هناك، التي تهاوت هيبتها بعد هذه العملية، فقلعة العمادية في كوردستان العراق وصفت عبر العصور بأنها حصن شامخ على قمة جبل، ومركز تاريخي لعب دوراً عسكرياً وثقافياً بارزاً في المنطقة، بُنيت على نتوء صخري شديد الانحدار بارتفاع يقارب 1400–1985 متر فوق سطح البحر، مما جعلها تبدو كمدينة معلّقة في السماء.حتى وصفها المؤرخون بأنها “قلعة النسور”، لأن موقعها المرتفع جعلها أشبه بعش النسور الذي لا يُطال بسهولة. من موقعها يمكن رؤية وادي صبنا وروافد الزاب الكبير، وسلسلتي جبلي كارا ومتين، ما منحها حصانة طبيعية ومناظر خلابة. كانت القلعة، مركزاً دفاعياً أساسياً في العصور الوسطى، إذ لعبت دوراً في حماية المنطقة من الغزوات المتكررة. وأصبحت لاحقاً عاصمة لإمارات كردية محلية، مثل إمارة بهدينان، التي اتخذت من العمادية مركزاً سياسياً وإدارياً لها. ومعروف إن مدينة العمادية لا تكبر أبداً، لأن موقعها على قمة الجبل حدّ من توسعها العمراني، فبقيت محصورة داخل أسوارها القديمة .وعليه تعتبر أبرز القلاع الحصينة في كوردستان والعراق، وتجمع بين الطابع العسكري والرمزية الثقافية. قلعة العمادية ليست مجرد حصن حجري، إنها رمز للهوية الكردية والعراقية، ومثال على المدن- القلاع التي جمعت بين الدفاع والهيبة. وما قيل عنها بانها "مدينة النسور" و"المدينة التي لا تكبر"، فهي أوصاف تلخص مكانتها الفريدة في التاريخ والذاكرة الجماعية. ولما كانت وكما قلنا إن قلعة العمادية عالية يصعب تسلقها، ولا يمكن الوصول اليها الا من خلال معبرين اثنين، وهما المعبر الشرقي للسيارات الذي كان يعرف سابقا بباب زيبار ويعد هو الطريق الرئيس للمدينة يستخدمه سكانها للتنقل، وهناك معبر آخر يخترق القلعة من جنوب غربها وهو مخصص للمشاة، ومعروف بباب الموصل، وفي كلا المعبرين كانت تتواجد نقاط حراسة مشددة محمية لايمكن اختراقها ليلا أو نهارا، ومن هنا كانت صعوبة العمل والقيام بأي نشاط عسكري داخل المدينة من قبل الأنصار والبيشمه ركه. طوال فترة الصراع السياسي والعسكري مع السلطات، فلم تشهد المدينة أي عملية دخول اليها ولا شهدت أي نشاط مسلح داخلها بسبب صعوبة تسلق القطع الصخري المحيط بها، لقد كانت المدينة حصنا منيعا بمعنى الكلمة. ولأن اختراق تلك المدينة المحصنة والقيام بنشاط عسكري في قلب القلعة لهما أهمية تاريخية، ووجود أنصار أبطال من أهالي العمادية في السرية، الى جانب قوة تنظيمنا الداخلي واستعداد الرفاق للتضحيات، كل ذلك أدى الى استحضار روح المغامرة والتفكير في تجاوز هذه الصعوبات، الى حد يبدو أحيانا اقرب الى الخيال، رغم إنه لم يسبق للحركة المسلحة في كوردستان من قبل أن خطرت على بالها الأقدام على خطوة كهذه وتنفيذ نشاط عسكري غير مسبوق . فبعد أن توفرت القناعة التامة والاستعداد الذاتي لدينا بشأن أهمية خوض مثل هذه المغامرة، قررنا البدء عمليا بتهيأة شروط تنفيذ أنشطة عسكرية داخل المدينة باي وسيلة ممكنة، فبادرنا بعد كل هذا الحماس والأندفاع، باستطلاع آراء الرفاق في المدينة حول مدى إمكانية تنفيذ مثل هكذا نشاط عسكري في داخل المدينة، بعدما توجب أهمية تطبيق أساليب جديدة في تنفيذ أنشطة أنصارية، وكانت فكرة استخدام الدرج الخشبي لاختراق جدران القلعة والوصول إلى المدينة هي من بين تلك الأساليب التي جرى التفكير بها والقابلة للتنفيذ، رغم معرفتنا بكل ما يكتنف الفكرة من المخاطر. في باديء الأمر بدأنا بمناقشة الفكرة في نطاق ضيق مع عدد من الرفاق الأنصار، بصدد إمكانية تطبيق فكرة التسلق والصعود إلى المدينة عبر سلالم خشبية، وهي وسيلة غير مطروقة في العمل العسكري ولا يتوقعها العملاء أو مسؤولي النظام الفاشي، لانها تبدو في ظاهرها فكرة جنونية ولايراها احد قابلة للتطبيق. بعد تأكيد الرفاق الابطال، إمكانية تنفيذ مثل هذا النشاط، قررنا تسميته (بعملية الدرج أو السلم )، شرعنا بعد ذلك مباشرة في استطلاع المواقع التي يحتمل التسلل والدخول منها، فاستطعنا أن نحدد أضعف موقع في القطع الصخري، عند نقطة تسمى ( شيفكا حمبسكه). إذ توصلنا الى قرار مبدئي بإمكانية تنفيذ العمل داخل العمادية بواسطة درج خشبي يساعد على تسلق القطع بطول يقارب أربعة امتار، طرحت الفكرة مرة أخرى للمناقشة العملية وعلى أثرها وضعت الخطة التنفيذية لها، وحسم أمر استخدام الدرج، حين عثرنا عليه في كوخ داخل أحد البساتين قرب المدينة. هكذا جرى التخطيط للدخول عبر قوة مكونة من أحد عشرة نصيرا وهم : 1- توفيق ختاري - قائد المجموعة 2- ملازم إبراهيم – معاون امر السرية 3- دكتور وليد - امر فصيل 4- دلير ريكاني 5- ريكفت اميدي 6- محمد علي اميدي 7- شيركو اميدي 8- ريبر اميدي 9- حاكم اميدي 10- رزكار اميدي 11- ازاد ملا حسن اميدي وتم تحديد أربعة أهداف من عملاء السلطة كانو منبوذين من قبل الجماهير، فتسللت المجموعة لتنفيذ مهامها، وتمكنت من اعتقال وتجريد عدد من العملاء وسحبهم عبرنفس الطريق، عائدة دون خسائر، وكان من بين الأسرى عنصرا أسمه حمه سور، فقد كان حمه رفيقا في حزب البعث، وشخص آخر من الجيش الشعبي تم تجريده من السلاح مع شقيقه، ولم نتمكن من اعتقال العميل الرابع لعدم تواجده في البيت وقت الاقتحام. من الأهمية بمكان، إن العملية لقيت صدى واسع داخل العمادية والمنطقة كلها، فقد عم الخوف في صفوف العملاء الذين باتوا يستعطفون الشيوعيين في المدينة، فيما تعاظمت معنويات الجماهير وراحوا يستهزئون بالبعثيين وجحوشهم. ومن الجدير بالذكر ان صدى العملية انعكس على حفل فني أحياه الفنان الخالد تحسين طه في كازينو العمادية، اذ ترددت اغنية تمجد السلم والدرج وفي مقطع منها كان يشير الى نهاية العملاء ومصيرهم على الدرج الذي استخدم في العملية، ما دفع بالبعثيين الى مهاجمته وتهديده وايقاف الأغنية، كان من نظم مقطع تلك القصيدة أحد أبناء المدينة وأسمه جمال وهو يعيش حاليا في ألمانيا، في اليوم التالي بحث الجنود والبعثيون في أطراف القلعة،عن نقطة التسلل، فوجدوا الدرج وحملوه الى داخل المدينة وسط سخرية الناس وفرحهم. وقبل ذلك اطلقت قوات النظام النار في المنطقة بعد علمها بوجود الشيوعيين في العمادية ، فعم الرعب بعد أن كان اطلاق النار عشوائيا وفي كل الاتجاهات. ومن الجدير بالذكر ان السيد مسعود البارزاني قد هنا الشيوعيين بشكل رسمي على هذه العملية النوعية خلال اتصال مع المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي وقيادة حركة الانصار آنذاك .
#توفيق_ختاري (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قتحام ربية سيكير اول عملية عسكرية للسرية الخامسة توفيق ختاري
...
المزيد.....
-
الفقراء يتحولون إلى موديلز في محلات الأثرياء الجدد
-
أحدث عاصمة شيوعية: ما اسمها؟ أين تقع وما الحقائق التي تميّزه
...
-
لمواجهة إستحقاقات القرار 2803، يؤكد المكتب السياسي على أهمية
...
-
“القضاء الإداري” تنظر طعن أهالي طوسون على إزالة منازلهم
-
Why Are We Failing to End One of Humanity’s Oldest and Most
...
-
Why CBC Needs a Co-op Revolution
-
How Trump Fueled an Affordability Crisis
-
Whose Bosnia, Whose Name? Identity Engineering in a Dayton
...
-
Why America Is Removing Thousands of Dams and Letting Rivers
...
-
Let Comedians Say Anything: Why Comedy Is Society’s Last Hon
...
المزيد.....
-
[كراسات شيوعية]اغتيال أندريه نين: أسبابه، ومن الجناة :تأليف
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول
/ ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
-
سلام عادل -سیرة مناضل-
/ ثمینة یوسف
-
سلام عادل- سيرة مناضل
/ ثمينة ناجي يوسف
-
قناديل مندائية
/ فائز الحيدر
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني
/ خالد حسين سلطان
-
الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين
...
/ نعيم ناصر
-
حياة شرارة الثائرة الصامتة
/ خالد حسين سلطان
-
ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري
...
/ خالد حسين سلطان
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول
/ خالد حسين سلطان
المزيد.....
|