|
قتحام ربية سيكير اول عملية عسكرية للسرية الخامسة توفيق ختاري مذكرات أنصارية
توفيق ختاري
الحوار المتمدن-العدد: 8474 - 2025 / 9 / 23 - 18:34
المحور:
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
اقتحام ربية سيكير اول عملية عسكرية للسرية الخامسة مذكرات أنصارية
مع نهاية عام 1982، وفي ليلة الرابع عشر/الخامس عشر من كانون الأول / ديسمبر من العام نفسه، جرى اقتحام ربيئة سيكير، لتكون هذه العملية الأولى من نوعها بالنسبة للسرية الخامسة. وقد شكلت حدثا مهما بما تركته من صدى ونتائج، ما يستوجب تدوينها كحقيقة تاريخية. ومن مسؤوليتي اليوم ان اكشف تفاصيلها بعدما أصبحت جزءا من الماضي الذي نسعى الى توثيقه. تقع قرية سيكير، وهي قرية صغيرة ، على سفح جبل قريب من مدينة العمادية من جهتها الشرقية ، ولا تبعد عنها سوى خمس كيلومترات تقريبا .أما الربيئة، فكانت تقبع اسفل القرية على مسافة تقارب كيلومترين . لقد كانت هذه العملية فارقة، ليس فقط من حيث التنفيذ، بل أيضا من حيث الرسائل التي حملتها، والنتائج التي ترتبت عليها لاحقا. إذ كان لدينا نصير من بغداد يدعى وسام (اسمه الحركي )، وقد جمعته علاقة طيبة مع أحد الأفراد من أهالي قرية سيكير. بمرور الوقت تطورت تلك العلاقة الى صداقة قوية ، حتى اطلقنا عليه لقب وسام سيكيري. وقد كان سعيداً بهذا اللقب، ويفرح كلما توجهنا الى تلك القرية أو مررنا بالقرب من بستان الفواكه الذي يعود لصديقه، إذ كانت تتوسطه عين ماء جارية قريبة من الربيئة ، حيث اعتاد الجنود القدوم إليها لجلب الماء إليها .. ومع توطد علاقة الفلاح، صاحب البستان بالجنود، أخبره احدهم قائلا : هل تاتي مفارز الشيوعيين الى قريتكم وهل تستطيع إيصال رسالة اليهم ؟ اريد ان التقي بمفارز الشيوعيين. نقل الفلاح هذا الخبر الى صديقه النصير وسام، والذي بدوره اخبرنا بالمعلومة، وقال ان الفلاح ينتظر جوابا. في تلك الفترة كان النصير أبو رؤوف قد تسلم مهام المستشارالسياسي للسرية بدلا من الشهيد أبو سمير، الذي نقل مع مجموعة من رفاق بهدينان إلى منطقة بشت اشان ، حيث المقر الرئيسي للحزب ، وذلك بناء على قرار من المكتب السياسي للحزب ، والذي تضمن استدعاء مجموعة من الكوادر الحزبية من منطقة بهدينان لغرض ارسالهم الى العمل الحزبي السري داخل المدن. كان من بين هذه المجموعة الرفيق جاسم اذاعة، والشهيد أبو محمد البصراوي الخبير في المتفجرات وآمر الفصيل الثاني. كما شمل القرار أيضا أبو حياة آمر الفصيل الأول، الذي سافر إلى اليمن للالتحاق بدورة للضباط . بسبب هذه التنقلات ، قمنا بتنسيب رفاق اخرين لقيادة الفصائل، فأصبح النصير رزكار آميدي آمراً للفصيل الثاني ، والرفيق الشهيد أبو ندى آمراً للفصيل الأول . التقيت بالرفيق أبو رؤوف، وناقشنا رسالة الجندي الذي ابدى رغبته في التواصل معنا، بعد الوقوف على مضمون الرسالة ، قررنا كتابة رد له، عبرنا فيه عن استعدادنا للترحيب به، وطلبنا منه توضيح طبيعة التزامه أو نوع المساعدات التي يمكن ان يقدمها لنا. سلمنا الرساله الى النصير وسام، ليقوم بايصالها الى الجندي عبر صديقه الفلاح، بعدها غادرنا القرية لمواصلة جولتنا نحو قرية سركلي ومجموعة من القرى الآمنة للراحة بعد جولة متعبة في منطقة محفوفة بالمخاطر. في اليوم الخامس من جولتنا في تلك القرى،عدنا مرة أخرى الى قرية سيكير مساءا ، وتوزعنا على بيوت القرية لتناول العشاء. بعد فترة قصيرة جاء النصير وسام، عقب لقائه مع صديقه الفلاح، مؤكدا ان الجندي قد استلم الرسالة، وفرح بها كثير، وبعد قراءتها قام باحراقها فوراً . حسب ما نقله له صديقه الفلاح . كما سلم الجندي الفلاح قصاصة ورق ملفوفة كتب فيها : إنني مستعد أن أقدم أي شيء تطلبونه مني، عرضت هذه الرسالة على مكتب السرية، المكون من أربعة رفاق، انا توفيق ختاري آمر السرية - أبو رؤوف المستشار السياسي ـ صبري البغدادي معاون آمر السرية - سليم كربلائي إداري السرية . بعد دراسة الموضوع، اكدنا على ضرورة حصر هذه العلاقة بمنتهى السرية، ثم أرسلنا للجندي رسالة ثانية طلبنا منه فيها توضح مدى إمكانية تسليم الربيئة الينا. وعليه بقينا يوماً آخرا في القرية بانتظار الجواب المحتمل من الجندي الركيزة ، فجاءنا التأكيد على استعداده الكامل لتسليم الربيئة . عندها غادرنا قرية سيكير وتوجهنا نحو قرى الـ (صبنا) منطقة عمل السرية. أعلمنا قيادة الفوج الذي كنا ضمن ملاكه، بتفاصيل الموضوع من خلال الرسائل والبريد المستعجل حول المراسلات بيننا وبين الجندي الركيزة، جاء جواب قيادة الفوج مؤكدا على ضرورة اليقظة والحذر عند التعامل مع الركيزة، والتأكد من صحة المعلومات، وعدم الاستعجال، مع أقصى درجات السرية، لكن ورغم هذه التوصيات، لم يقدموا لنا خبراتهم في مثل هذه الاعمال العسكرية الخطرة، التي كانت الأولى من نوعها في الاقتحامات. كنت على يقين آنذاك، ان خبراتهم لا تختلف كثيرا عن خبرتنا المتواضعة في عمليات اقتحام المواقع العسكري المحصنة، بعد هذا الرد من قيادة الفوج ، واصلنا الاتصال بالجندي/ الركيزة وكتبنا له رسالة ثالثة طلبنا فيها تزويدنا بمعلومات دقيقة عن موقع الربيئة مع رسم خارطة تفصيلية من داخلها تتضمن عدد الغرف والجنود ونوعية أسلحتهم وعدد أفراد الجيش الشعبي المرافقين لهم وطريقة تنظيم الحراسات ومواقع زرع الألغام في اطراف الربيئة ، أي باختصار صورة تفصيلية للموقع والمتواجدين فيه. بعد أسبوع استلمنا مخططا كاملا وتفصيليا يشرح كل ما طلبناه ، بحيث جعل من يقرأه يشعر وكانه احد جنود الموقع . لقد كانت المعلومات كاملة وشاملة ودقيقة للغاية، الامر الذي منحنا صورة واضحة عن طبيعة الربيئة.وعلى أثر ذلك قررنا عقد لقاء أوسع يشمل مكتب السرية وأمراء الفصائل والمستشارين السياسيين للفصائل، لوضع خطة للتعامل مع هذه الحالة الجديدة ، منها التأكد من صحة المعلومات بالاستطلاعات المتكررة لاطراف موقع الربيئة ومراقبة الجنود من الخارج ومعرفة الطريق الواصل لمدخل الربيئة، وتاكد لنا من خلال الاستطلاعات المكثفة لاطراف الموقع وبشكل خاص الجهة الجنوبية والغربية للربيئة، التي تم تحديدها كطريق محتمل للتسلل، كانت تطابق و معلومات الجندي الركيزة . عليه كتبنا رسالة الى قيادة الفوج فيها تفاصيل توجهنا اللاحق للهدف. جاءنا الجواب من قيادة الفوج بانه ليس لديهم مانع من تنفيذ العملية، بعد استكمال وضع الخطط الكفيلة بانجاحها. وتزامن ذلك مع أجواء انعقاد اجتماع اللجنة المركزية للحزب ، الذي كلف الفقيد كاظم حبيب بمهمة المستشار السياسي لقاطع بهدينان الى جانب الفقيد توما توماس المسؤول العسكري للقاطع، والذي قام بجولات إشرافية على الأفواج والمقرات التابعة لقيادة القاطع ، يرافقه أبو طالب، وبسبب تلك الضروف لم تتمكن قيادة الفوج من المساهمة في الإشراف المباشر على تنفيذ العملية. تم تكليف النصيرين صبري معاون أمر السرية ورزكار اميدي بالذهاب إلى قرية سيكير واللقاء بالركيزة عن طريق الفلاح صديق وسام ، لغرض تحديد تفاصيل الاتفاق بشان تسليم واقتحام الربيئة. وقد نجح اللقاء الذي جرى بين الركيزة وصبري في مزرعة الفلاح السكيري ، حيث تم بعد النقاش تحديد موعد تنفيذ العملية ليلة 14/15 من كانون الأول، وفي ساعة مناوبته، أي عند الساعة الثانية عشرة ليلاً . بعد انتهاء اللقاء عاد الأنصار إلى السرية وشرحوا لنا تفاصيل ما دار مع الجندي (الركيزة ) وعلى ضوء ذلك، قررنا عقد اجتماع موسع آخر، ضم مكاتب الفصائل ، بالإضافة الى اللجنة الحزبية للسرية وثلاثة رفاق من الضباط هم ملازم سردار آميدي، ملازم سلام بعشيقي ، وملازم الطيار أبو ندى، خلال الاجتماع نوؤقشت تفاصيل الخطة ومقترحات الركيزة ، وكان ابرزها : 1-عدم قتل الحراس من الجيش الشعبي الذين سيكونون برفقته في نوبة الحراسه من الجهة الشمالية للموقع اثناء دخولنا الى الربية 2- ( الركيزة ) سيكون في الجانب الجنوبي من الربيئة والقريب من الباب الرئيسي لمساعدتنا في التسلل الى داخل الموقع . 3- التأكد على ان بقية الجنود هم من القوات الخاصة، ما يستوجب الحذر الشديد وعدم منحهم فرصة للمقاومة، كونهم مدربين جيدا على القتال . لم يعترض احد من الحاضرين على الخطة المقترحة لتنفيذ العملية، غير انني أبديت رأيي بصراحة خلال الاجتماع، اذ حذرت من خطورة جنود القوات الخاصة واقترحت ضرورة التخلص منهم فوراً دون تردد ، لكن اقتراحي رفض بالأغلبية، وبقيت الخطة كما هي دون تغيير، معتمدة على السيطرة على الجنود وفرض الاستسلامهم عليهم ، وبناء على ذلك جرى تجهيز عدد من الأنصار بحبال لربط الجنود، فيما حمل اخرون بعض الحلويات لتوزيعها على الاسرى المحتملين بعد السيطرة على الموقع ، كما قمنا بتقسيم المهام على المجموعات خلال الاجتماع الأخير للسرية ، استعدادا لتنفيذ العملية التي كانت مقررة بعد ساعات قليلة فقط . اثناء شرحي لتفاصيل الخطة وتوزيع المهام على المجموعات، لاحظت من خلال متابعتي وتركيزي على الجالسين، بوادر قلق وتردد لدى بعض الأنصار . فقد بدا البعض بالتثاؤب ، خاصة عندما كنت أركز في الشرح على المواقف الصعبة المحتملة اثناء التنفيذ، كما طرح اخرون احتمالات أن يكون الركيزة عميلا للسلطة، يحاول استدراج السرية الى كمين بهدف إبادتها . جاء هذا الاستنتاج من قبل بعض الأنصار نتيجة عدم معرفتهم بالتفاصيل السرية التي اعتمدناها في اختيار الهدف، فقد كان عدد الجنود والجيش الشعبي داخل الموقع 22 فردا. 10عناصر منهم هم قوات خاصة 11 عنصرا منهم هم من الجيش الشعبي ، إضافة الى رئيس عرفاء. في اطار الخطة ، وضمن احتياطاتنا لاحتمال قدوم قوات العدو لنجدة الربيئة ، قمنا بنصب كمين بقوة عشرة أنصار مزودين بالأسلحة الساندة على الطريق الرابط بين مدينة العمادية والربيئة، بقيادة ملازم سردار آميدي (المعاون العسكري للسرية )، وذلك بهدف منع أية قوة من محاولة التدخل او تقديم الاسناد للربيئة . وكان ضمن افراد الكمين بعض الملتحقين الجدد غير مسلحين، منهم إبراهيم من ناحية بعشيقة، الذي كان يعمل قبل التحاقه مدرساً لمادة الفيزياء في ثانوية العمادية، وآزاد ملا حسن آميدي. وضم قوام الكمين أيضا كلا من الأنصار : بسام ، وسام سيكيري، سليم كربلائي، ريبار اميدي، وماجد اميدين وآخرين لا اتذكر اسمائهم الان، اما مجاميع الاقتحام ، فقد كانت موزعة على نحو الاتي: المجموعة الأولى : مكلفة بالسيطرة على غرفة القوات الخاصة، بقيادة الشهيد أبو ندى وضمت كلا من : الملازم سلام البعشيقي ، ومحمد علي ، جيا، روزهات، رفينك ، وممو، ودلير ريكاني، والمجموعة الثانية بقيادة النصير رزكار آميدي، مكلفة بالسيطرة على غرفة الجيش الشعبي، وضمت : شاكر دوغاتي، آشتي آميدي، وغيرهم من الأنصار الذين لا أتذكر أسمائهم للأسف. المجموعة الثالثة مكلفة بالسيطرة على غرفة رئيس العرفاء، وقد كلف بها أبو تاس مع نصير آخر لهذه المهمة . كما اوكلت مهمة التوجه الى الحراس كل من الفقيد هشام شقيق ناظم ختاري والنصير ريكفت اميدي، وجرى تكليف شاكر دوغاتي ودلير ريكاني بإشعال الضوء بواسطة المصابيح اليدوية، عند انطفاء الفوانيس في حالة حدوث اطلاق النار. وكانت الخطة تتضمن شرحا مفصلا حول كيفية الاستحواذ على السلاح مباشرة عند بدء الاقتحام، وذلك من خلال نزع البنادق بسرعة، بحيث يقف كل نصير على راسى جندي ويسيطر عليه، ويمنعه من أية محاولة للمقاومة. بعد الانتهاء من شرح خطة اقتحام الربيئة، توجهنا الى قرية (كفنه مشي) لتناول العشاء هناك قبل تنفيذ العملية. وبعد الانتهاء من ذلك ، تجمعنا في طرف القرية حسب الاتفاق، استعدادا للمغادرة باتجاه موقع العملية. في تلك اللحظات بدأ بعض الأنصار يترددون عند تكليفهم بمهمة تأمين الشارع العام الذي كان علينا عبوره في طريقنا الى الربيئة ، ولأول مرة حدثت حالات رفض لتنفيذ الأوامر العسكرية،وبالتأكيد كانت ناجمة عن القلق الداخلي والتوتر الذي سيطر عليهم قبل ساعات قليلة من ساعة الصفر، شعرت بغضب شديد من مواقفهم وبادرت للذهاب لوحدي، لكن أبو رؤوف المستشار السياسي، هدأ من روعي، فتوقفت، وفي الوقت نفسه انطلق عدد من الأنصار لتأمين الشارع العام الرابط بين العمادية وناحية ديرلوك، تجاوزنا الطريق بأمان.. كان كل شيء هادئاً.. اتخذ الكمين موضعه حسب الاتفاق، فيما تقدمت باقي المجموعات باتجاه الهدف متسللة من الجهة الجنوبية شيئاً فشيئاً وبحذر شديد حتى وصولنا إلى مسافة لا تبعد سوى 100 متر عن الربيئة، قبيل منتصف الليل بربع ساعة، وذلك حسب الاتفاق مع الركيزة، تقدمت أنا والنصير ملازم سلام والنصير دلير ريكاني، واقتربنا بحدود خمسة عشر مترا من نقطة الحرس التي يتواجد فيها الركيزة، كانت الإشارة المتفق عليها معه أن يخرج رأسه من فوق جدار الربيئة ويشعل سكارة، ثم نقوم نحن بقذفه بحجر. وعند ساعة الصفر بالفعل، اشعل الركيزة سيكارته، فرمينا الحجر حسب الاتفاق، خرج الركيزة من الموقع وتوجه نحونا ثم وقف بالقرب منا وحيانا مساء الخير رفاق.. سأل أين البقية؟ فاجبته نحن جاهزون، كان قد ثنى أكمام قميصه، وبدا في غاية الهدوء والثقة، مؤكداً لا تخافوا كل شيء على ما يرام، كل شيء مرتب ماعدا الحراس، سأدخل وأطمئنكم ثم تدخلون، كل شيء تمام وبعدها عاد ودخل الى الربيئة. فورا أرسلت النصير دلير الى المجموعة لابلاغهم بالتقدم نحو الهدف، وفي ثواني معدودة وصل جميع الأنصار وتوجهنا نحو الربيئة حتى توقفنا عند جدارها ، أعطيت الامر بالدخول وفق المخطط ، لكنهم ترددوا مرة أخرى، ما اضطرني الى التقدم والدخول أولا الى ساحة الربيئة، رغم ان مهمتي الأساسية كانت ان ابقى على الجدار للاشراف على تنفيذ المهام التي حددت لهم . دخل الجميع من بعدي الى الساحة، التي لم تكن تبعد سوى مترين من البطانيات المستخدمة كستائر بدلا من أبواب الغرف. أمرت المجموعات بالتوجه نحو الغرف، واضطررت الى دفع بعض الانصار نحو غرفة القوات الخاصة، ومن بينهم الفقيد هشام ، الذي كان مكلفاً مع ريكفت آميدي بالسيطرة على الحراس. لكن بسبب حالة الإرتباك والتردد التي أصابت عددا من الانصار، اثرت سلبا على البقية ، وجد هشام نفسه يتجه نحو غرفة الجيش الشعبي بدلا من مهمته الاصلية. في الوقت عينه، دخلت المجموعة الثانية بقيادة الشهيد ملازم الطيار أبو ندى الى غرفة جنود القوات الخاصة ، فاقتحموا الغرفة وداهموا الجنود وهم نائمون. وبدلا من الالتزام الصارم بالتوجيهات الخاصة حول كيفية التعامل مع جنود القوات الخاصة، بادر النصير محمد علي اميدي بالجلوس على فراش الركيزة داخل الغرفة، واضعاً بندقيته بين ساقيه، وخاطب الجنود بلهجة هادئة انهضوا وسلموا أنفسكم، نحن شيوعيين لم ناتي لقتلكم ، فقط سلموا ولا تقاوموا، نحن مسيطرين على الربيئة، عندها رفع الجنود البطانيات عن وجوههم ليجدوا انفسهم فعلا محاطين بالأنصار، غير ان احد الجنود باغتهم ووجه بندقيته نحو محمد علي الذي رفع يديه وهو يقول : لا.. لا.. لا تطلق النار، لكن الجندي أطلق النار فاصابه في يديه ، كما أصاب آخرين من الأنصار،عندها تشابك الأنصار والجنود بشكل مباشر ، يطلقون النار على بعضهم البعض برشقات متلاحقة من أفواه بنادقهم، وعندما أنطفا الفانوس في غرفة الجنود، للأسف لم يبادر النصيرين الفقيد شاكر ودلير المكلفان باشعال الضوء باستخدام المصابيح اليدوية بتنفيذ مهمتهما، بسبب حالة الفوضى والارتباك التي سادت اثناء العملية. وفي خضم هذا الارتباك، وقع ما لم يكن في الحسبان. اذ أدى اطلاق النارالعشوائي الى إصابة بعض الانصار الذين كانوا يحملون قنابل اليدوية، فانفجرت، مما فاقم من حجم الكارثة داخل الغرفة، هكذا دارت ملحمة سريعة ودامية، أسفرت عن اصابة الشهيد ملازم سلام والنصير محمد علي بجروح بليغة، فيما استشهد كل من الأنصار الطيارأبو ندى ، روشهات ، وبسبب ملابسهم العسكرية ( اذ كانوا يرتدون قمصلات عسكرية آنذاك ) اختلطت أجسادهم بجثث جنود العدو فلم نتمكن من تميزهم . اما النصير الشهيد جيا، فقد كان قد خرج من الربيئة بمفرده وهو مصاب بجروح لكنه سقط بالقرب من الربيئة على الشارع العام الرابط بين مدينة العمادية ومجمع ديرلوك، ولم نشاهد جنازته في حينها، ولم يبق لنا الوقت الكافي للبحث عن الشهداء بسبب ضيق الوقت وضرورة الانسحاب قبل شروق الشمس. لم يستخدم الأنصار بنادقهم وفق الخطة، باستثناء الشهيد سلام، الذي سيطر على احد الجنود بوخزه بالبندقية، لكن الجندي تشبث ببندقية الشهيد سلام محاولا انتزاعها منه ، فما كان عليه الا ان يطلق النار دون تردد وتمكن من القضاء على الجندي المقاوم . غير ان جروح الشهيد سلام كانت بليغة، ويتقيأ نتيجة استنشاقه للبارود المنبعث من الطلقات والقنابل التي انفجرت داخل الغرفة. أما في غرفة الجيش الشعبي التي اقتحمها النصير رزكار آميدي ومجموعته فقد جرى التالي.. تمكن الأنصار من السيطرة على أفرد الجيش الشعبي دون إطلاق النار، لكن عند حدوث إطلاق نار في غرفة القوات الخاصة اندفع احد المسلحين من الجيش الشعبي مستخدما بندقيته، فجرح النصير رزكار اميدي، وفي اللحظة ذاتها انطفأ الفانوس، عندها اضطر الانصارالى إطلاق النار عليهم، أما الحراس الذين كان من المفترض ان يعتقلهم كل من ريكفت اميدي وهشام ختاري، فلم يواجههم سوى ريكفت، حيث قام بتصفية احد الحراس، بينما دفعني الخطأ اثنا توجيه الانصار الى ارسال الفقيد هشام مع مجموعة الى غرفة الجيش الشعبي، بدلا من مرافقتة النصير ريكفت لاعتقال الحراس، في تلك الاثناء كنت أوجه بقية الأنصار للبحث عن الجرحى والشهداء، علمت أن أبو تاس آميدي قد سيطر على رئيس العرفاء آمر الربيئة، وتمكن من التخلص منه، كما جلب من غرفته قاذف اربي جي، لكنه تركه في ساحة الربية عندما علم بوجود شهداء وجرحى، غير ان النصير دلير ريكاني بادر الى حمل القاذف واخذه معه. وفجاة وخلال هذه اللحظات، تقدم الحارس الثاني نحوي عبر الممر المحيط بالربيئة وهو يصرخ، في البداية اعتقدته احد الأنصار عندما التفت نحوه قذف باتجاهنا قنبلة يدوية هجومية . ومن حسن حظي انها انفجرت بين محيط الربيئة وزاوية جدار الغرفة، على بعد ثلاثة أمتار منا، اصبت حينها بشظايا في فخذي ويدي المكشوفتين، ورغم الدخان الكثيف والجروح التي لحقت بي ، بادرت فورا الى اطلاق النار باتجاه مصدر الصوت . في الوقت ذاته، اطلق النصير ريكفت رشقة من الطلقات نحوه ، فسقط صامتا واختفى صوته. شعرت عندها بثقل في قدمي وبألم جروحي ونحن نتهيا للانسحاب والخروج من الربيئة . في ساعات الفجر انسحبنا باتجاه منطقة آمنة وعند وصولنا الى الشارع العام، لم أتمكن من مواصلة السير على الاقدام بسبب معاناتي من آلام الجروح في القدمين وارتخاء العضلة، وهنا لعب الملتحق الجديد آزاد ملا حسن آميدي دوراً مهماً في إنقاذ الجرحى وسحب الشهداء، اذ جلب الحيوانات من القرى القريبة ليساعدنا على مواصلة الانسحاب. واصلنا التوجه نحو قرية سبندار خلفو، بينما كانت الطائرات السمتية تحوم في أجواء المنطقة باحثة عنا.بعد وصلت إلى موقع المعركة في وقت مبكر من الصباح وهي تغطي تقدم قوة من الجيش. في صباح اليوم التالي انسحب الجيش، وانتهت العملية باقتحامنا الكامل للربيئة ، مع فقداننا للركيزة، وتقديم خمسة شهداء، إضافة الى خمسة جرحى، كانت إصاباتهم جميعا بليغة، بعضهم أصيب بأكثر من عشرين جرحا، مما خلق صعوبة كبيرة في التعامل معهم أثناء نقلهم وإبعادهم الى المناطق الآمنة، لم نكن نعرف من أين نمسك الجريح مثلا ، كالشهيد سلام ، الذي كانت الشظايا تغطي جسده من الأرجل وحتى الرقبة. انسحبنا باتجاه قرى بري كاره في ظروف مناخية قاسية، بسبب تراكم الثلوج وصعوبة خوض الطرق فيها، ومن هناك قررنا التوجه نحو مقر رفاقنا في الفوج الأول مراني، باعتباره الاقرب والاسهل للحركة، إضافة الى وجود مستشفى وأطباء فيه، كانت الصعوبة الكبرى تكمن في تجاوز ثلوج جبل كارة الكثيفة المتراكمة ، خصوصا عند القمة والممرات الضيقة، وهناك لم تكن المشكلة في صعوبة العبور فقط ، بل في خطورة احتمال انهيار الكتل الثلجية وانزلاقها من الأعلى الى الاسفل، أعلن أهالي قرية كاره استعدادهم لمساعدتنا على العبور ليلا، كما اتفقنا مع رفاقنا في مقر مراني على نجدتنا عند قمة جبل كاره ، وهكذا بدأنا نتجاوز الثلوج المتراكمة، حاملين معنا الجرحى بهمة عالية رغم المشقة، كان البرد شديداً للغاية، على الرغم من ألاغطية التي وضعناها فوق أجسادنا. عند بلوغ قمة الجبل التقينا برفاقنا الذين جاءوا لنجدتنا من مراني مع النصير صباح كنجي، استلمونا فوراً وكانوا قد جلبوا بغالا لنقل الجرحى، كما حملوا معهم سلاحا ساندا تحسبا لاي طارئ في حالة تعرضنا لهجوم الطيران، بعد ذلك عاد أهالي قرية كارة الذين رافقونا وساعدونا حتى القمة . في مقر مراني ، باشر الطبيب ومعه عدد من الرفاق المتعاونين معه فورا بتنظيف جروحنا ومعالجتها.. بعد ساعات من وصولنا الى المقر انتشر خبر وصولنا ، فتوافدت عوائلنا وأقرباؤنا الى المقر للاطمئنان علينا ، بعد أسبوعين من العلاج المستمر ، تحسنت حالتي الصحية شيئا ما قبل بقية الرفاق الجرحى، فكنت أول من غادر المستشفى متوجها للالتحاق بالسرية. أما بقية الرفاق الجرحى واصلوا العلاج لفترة طويلة .. وبقي محمد علي والشهيد ملازم سلام أصعب حالتين حيث استمر علاجهما لأشهر. لقد تركت العملية تأثيرات وتفاعلات كثيرة، أبرزها عجزنا عن سحب جثامين ثلاثة شهداء بسبب الفوضى التي عمت أجواء الاشتباكات، وبقاؤنا حتى الرابعة فجراً داخل موقع الربيئة قبل اضطرارنا الى المغادرة مع طلوع الفجر، فيما كان الطريق الوعر أمامنا محفوفا بمخاطر ملاحقة الطيران والجيش، كذلك لفقدان الركيزة ، وعدم معرفة مصيره في تلك الملابسات ، وكان لخسارتنا خمسة أنصار في معركة واحدة أثر بالغ في نفوسنا وترك جرحا عميقا في نفوسنا، انعكس ذلك على معنويات الرفاق وجماهير المنطقة، فأصيب الجميع بحالة احباط مؤقتة، ولكن سرعان عادت الأمور إلى مجراها ، بعدما عدنا إلى مزاولة نشاطنا بين القرى بهدوء وروية، عاقدين العزم على مواصلة العمل بهمة أعلى، وتطوير نشاطنا وفق خطة تتجاوز إخفاقات العملية ونتائجها السلبية، وتعيد الثقة أولا لرفاقنا، وثانيا للناس بقدرتنا على تجاوز أخطاءنا واجترار مآثر جديدة ، وأول نشاط قمنا به بعد التحاقي بالمفرزة ، بدأنا بتقييم العملية إشراف قيادة الفوج ، وقد جرى تحديد نقاط الضعف التي رافقت تنفيذ العملية . 1ـ ضعف الخبرة القتالية للأنصار، اذ لم تكن بمستوى يتناسب مع طبيعة مثل هذه العمليات العسكرية . 2ـ حالات التردد لدى بعض الرفاق قبل العملية وأثناءها من أهم مسببات خسائرنا الفادحة 3ـ عدم الالتزام بالتوجيهات والضوابط والمهمات المكلفين بها، رغم انها كانت محددة ومتفقا عليها قبل العملية . 4ـ عدم الاستعداد النفسي من قبل بعض الأنصار لقتل الجنود الذين بادروا بإطلاق النارعلى الأنصار رغم حصارهم. عموماً جرى محاسبتنا على التقصير الذي رافق العملية، وشملتني المحاسبة أيضاً مع الشهيد أبو رؤوف المستشار السياسي للسرية، وقد اقتنعت تماما بتحليل وقرار مكتب الفوج وبالتوصية التي أكدت على ضرورة تدخلي قبل العملية وإلغائها، بعد مشاهدتي لحالة التردد لدى الأنصار قبيل التنفيذ. بعد ذلك أستطعنا ان نتجاوز آثار تلك التجربة، وتمكنا من التخطيط لأعمال أكثر أهمية، ونجحت السرية الخامسة بتكاتف الجميع في تنفيذ اكبر العمليات العسكرية في منطقة العمادية، غدت معروفة على مستوى حركة الأنصار في كوردستان، فقد نفذت السرية عددا من العمليات المؤثرة، منها ضرب المواقع العسكرية في ناحية سرسنك، وفي مرحلة أخرى الاشتباك مع الجحوش في نفس المنطقة، فضلا عن نصب الكمائن على الشوارع العامة مثل منطقة برجي في دشت زي وضرب ربيئة برجي ثانية وكذلك قصف موقع الجيش ودائرة الامن الصدامي في العمادية بالمدفعية والدوشكا مرتين، وجميع هذه العمليات نفذة بدون خسائر تذكر وفي فترة قصيرة، مما أعاد الثقة بالنفس لدى الأنصار . وأعقب ذلك تنفيذ عمليات أخرى اكثر جراة منها الدخول إلى مدينة العمادية لمرتين متتاليتين، ومن خلالها الحصول على عدد من قطع السلاح واعتقال بعض العناصر المتعاونة مع النظام البعثي الفاشي وهو انجاز لم تتمكن أي قوة مسلحة عبر تاريخ الحركة من تحقيقه، نظرا لصعوبة اختراق المدينة. كما نصب كمين تحت مصيف سولاف والقريب من قرية كانيا مالا أدى الى اعتقال اثنين من ضباط المهمين واقتيادهما الى مقر قاطع بهدينان، اضافة الى ضرب موقع اللواء في العمادية بقذائف أر بي جي من خارج السور وإصابته مباشرة. انتظرونا في الحلقة القادمة ، سأدون أحداث جميع العمليات العسكرية التي قامت بها السرية الخامسة حيثما أمكن.
#توفيق_ختاري (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قتحام ربية سيكير اول عملية عسكرية للسرية الخامسة توفيق ختاري
...
المزيد.....
-
إضراب عام واعتصامات ومظاهرات في إيطاليا دعمًا لغزة
-
بيان القطاع الطلابيّ لحزب التقدم و الاشتراكية حول الدخول الج
...
-
الولايات المتحدة اغتيال كيرك يجعل اليسار في خطر
-
إيران: نظرة إلى السنوات الثلاث المنصرمة منذ بداية انتفاضة ”ا
...
-
هل يمكن لـ-ضريبة الأغنياء- أن تنقذ فرنسا؟
-
“الثقافة الإسرائيلية” تحت المقاطعة: حين يتحوّل الفن إلى مرآة
...
-
-اليابانيون أولا-.. كيف ظهر اليمين المتطرف في اليابان وما عل
...
-
كلمة الميدان: دولة الحرب والمليشيات
-
ألمانيا.. حزب اليسار يدعو الحكومة للاعتراف بدولة فلسطين
-
فرنسا في الشوارع وفي أزمة سياسية عميقة
المزيد.....
-
سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول
/ ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
-
سلام عادل -سیرة مناضل-
/ ثمینة یوسف
-
سلام عادل- سيرة مناضل
/ ثمينة ناجي يوسف
-
قناديل مندائية
/ فائز الحيدر
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني
/ خالد حسين سلطان
-
الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين
...
/ نعيم ناصر
-
حياة شرارة الثائرة الصامتة
/ خالد حسين سلطان
-
ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري
...
/ خالد حسين سلطان
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول
/ خالد حسين سلطان
-
نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|