أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - د أشرف إبراهيم زيدان - الأكاديميون الجدد والإباحية الجنسية















المزيد.....


الأكاديميون الجدد والإباحية الجنسية


د أشرف إبراهيم زيدان

الحوار المتمدن-العدد: 8540 - 2025 / 11 / 28 - 20:35
المحور: الادب والفن
    


تتعدد وتتنوع ملامح العلاقات الجنسية في ثلاثية ملكولم برادبري، ويمكن حصرها فيما يلي:
(1) الجنس بين أعضاء هيئة التدريس، سواء داخل القسم نفسه أو بين الأقسام الأخرى: كيرك وفلورا بينفورم/ تريس وفيولا.
(2) الجنس بين زوجات الأكاديميين: مارست باربارا الجنس مع حامد المصري، وبيمش، وليون، وبيبا/ زوجة بيمش ميرا وكيرك/ باتريس زوجة فرولك ووكر.
(3) الجنس بين الأكاديميين والطالبات: تريس وإيما فيلدنج/ ووكر وجولي سنوفليك/ وكيرك وفيليسيتي في.
(4) السحاق بين (تانيا وفيليسيتي).
ومما يلاحظ هنا غياب المثلية بين الرجال، وربما وجدت هذه الأنواع بسبب الإباحية والحرية الجنسية كما أشرنا في الجزء الخاص بالسبعينيات والخروج عن السيطرة.
وتتنوع كذلك أسباب هذه العلاقات المحرمة، ومنها: تحقيق سلطة ما، وتحسين الثقة بالنفس وكذلك العلاقات الاجتماعية، والانتهاء من رسالة الماجستير أو الدكتوراه بالنسبة للطالبات. ومن الجدير بالذكر أن هذه العلاقات كانت مؤقتة؛ بسبب سلبية الأكاديميين وقلة خبراتهم الجنسية، أخيرًا كانت هذه العلاقات اختيارية، وليست إجبارية؛ حيث نرصد غياب الرشاوَى الجنسية على مدار الثلاثية .
وفي رواية رجل التاريخ بدأ آل كيركس يكتسبون خبرات جديدة، ويجمحون نحو رغبات وتوقعات جديدة أيضًا؛ إذ تلاشى خجلهم وغاب سخطهم وغضبهم، ومن ثم ظهر على الساحة آل كيركس الجدد، ويعرف هوارد القليل عن ماركس، والقليل عن فرويد، والقليل عن التاريخ الاجتماعي لتفسير المواقف الحياتية، وقد حصل على وظيفة محاضر في جامعة ليدز، وقد تجهز تماما للتدريس ووصل درجة عميقة راسخة في علم الاجتماع، ومن ثم انتقلوا إلى شقة أكبر بها سرير صغير، وبوتوجاز جديد، وجهاز تلفزيون مستأجر، وأقاموا عددًا من الحفلات الصغيرة، بالإضافة إلى ذلك كونوا بعض الدوائر من الصداقات الجديدة من هؤلاء الراديكاليين من بين طلاب الدراسات العليا وكذلك الزملاء.
وأمضى كيرك الصيف في حالة من الإثارة المستمرة؛ لقد كان هذا الصيف الأكثر إثارة في حياتهم، حيث بدأ حياته التدريسية هناك، وشرع في تأليف كتاب يرصد حياة آل كيركس الخاصة: "نحن، أليس كذلك؟" قالت باربارا" (الرواية 35). لقد حول حياتهم إلى قصة عالمية كبيرة، ولكن شعرت زوجته بالغيرة لأنه صنع شيئًا بدونها ، لذلك تخلت باربارا عن عزلتها المنزلية، وعادت أدراجها إلى الجامعة، حيث حضرت العديد من المحاضرات، وشاركت في الاجتماعات السياسية، وكتبت عبارات استفزازية على السبورة في غفلة من الجميع، كما شاهدت عروض الأفلام، وكانت لها اسهاماتها الجلية في مجالات عدة منها: مجال الغذاء الصحي وعلم التنجيم، ودراسة مستويات الفيتامينات، ونسب الكوليسترول، وتنبأت بمستقبل المعارضين السياسيين، وذهبت إلى جميع حفلات أعضاء هيئة التدريس، وأفرطت في شرب المسكرات؛ وختاما فإنه يمكن القول بأنها قد عدت شخصية رقراقة مُتَلَأْلِئَةٌ على المستوى الشعبي بل ومنفتحة تماما.
إجمالا، نال آل كيركس شهرة واسعة خاصة بين أعضاء هيئة التدريس الشباب بوصفهما أحد المراكز الحيوية الثقافية، وبدأوا في إقامة علاقات خارجية؛ حيث جامع هوارد زوجات زملائه الأكاديميين، ومن ثم تحسنت ثقته بنفسه وكذلك حياته الاجتماعية.
وعلى صعيد مواز بدأت باربرا تجد ملذاتها ونشوتها في الحفلات التي يرتادونها، فإذا بها تصعد الطابق العلوي متجهة إلى غرفة النوم مع شخص ما في منتصف الليل تقريبًا، وكانت تقضي عطلات نهاية الأسبوع في لندن بطريقة ماجنة تماما (الرواية 116-7). وقد اعترفا لبعضهما البعض، وفكرا في الانفصال، ولكنهما قررا بداية جديدة: "لقد تعلمنا أنا وباربرا قبول أنماط حياة بعضنا" (الرواية 243)، ومع ذلك لم تصبح أي من علاقاتهم الأخرى دائمة، لقد ذاقت متعة بالحمل، وأصبحت بدينة جدًا، وكان عليه أن يدفع لها راتبًا اقتصاديًا كدليل على أنها ليست من الدرجة الثانية.
شغلهما الطفل، وزاد هوارد من معاقرة الخمر، وبدا حزينًا، وقامت هي بالتسجيل في فصل دراسي مسائي في المكتبة لتعلم اللغة الفرنسية حتى تتمكن من قراءة سيمون دي بوفوار في نصها الأصلي (الرواية 106). وأخبر كيرك ابنته أن النساء يقرأن سيمون لأنهن على طريق غضب ومناوءة لجنس الرجال، ومع ذلك تحزب معهن في ثورتهم ونضالهن من أجل المساواة الكاملة مع الرجال (الرواية 109).
إن زواج آل كيركس وآل فروليك عصري وراشد ، ولم يعد هناك ذوات خاصة أو زوايا خاصة في المجتمع، أو مزيد من الممتلكات الخاصة: "إن البشر يجعلون كل شيء مفتوحًا ومتاحًا" (الرواية 78). وتؤكد باربارا أنها تعرف كل شيء عن ميرا وعلاقتها بزوجها (الرواية 78)؛ إنهم عراة وعلى أهبة الاستعداد لإقامة العلاقات الجنسية، وهذه تعد الفكرة الرئيسة لكتاب هوارد: كلاهما له علاقاته الخاصة؛ حيث مارست باربارا الجنس مع ليون وبيبا في عطلات الأسبوع، ونام كيرك أيضًا مع فلورا بينيفورم وهي أخصائية نفسية اجتماعية، ومتخصصة في الجنس والعائلات (الرواية 192). وقد أدمنت فلورا الذهاب إلى الفراش مع رجال لديهم مشاكل زوجية، كما ذهب كيرك إلى الفراش مع ميرا زوجة هنري بيميش، "لقد كانت مناسبة فاشلة وغير متكررة" (الرواية 81).
ومن ناحية الوصف كانت فيليسيتي تبدو نحيفة، سوداء العينين، متحزبة لجنسها، وكانت واحدة من طلاب كيرك الفاحشين التي سئمت من حياة المثلية؛ لذلك رغبت في أن تخادن رجلا، وقد انعقدت شخصيتها مرمى العبودية؛ فلم تستطع فعل أي شيء ثوري، لقد اعتقدت أن كيرك كان رائعًا؛ لأنه يقدم النصائح الجيدة للناس، وكان يتصف بالحكمة: "لا، هذا لأنك حكيم" (الرواية 91)، لذا جعلته موضوع دراستها وبحثها؛ لأنها كانت بحاجة ماسة إلى مساعدته، ونصحها باتباع مسار رغبتها: "افعلي ما تريدين، ولكن رغبتك يجب أن تتواصل مع رغبات الآخرين" (الرواية 100).
من ناحية أخرى نجد كاليندرن وكذلك إلين زوجة ووكر في رواية الاتجاه غربًا لم تلقيا بالًا للجنس الحرام، كانت تدرس الأدب في جامعة وترماوث، ووضعت ثقتها في هوارد الذي اتهمها بالتحرر من أي ضمير اجتماعي (الرواية 95)؛ لأنها لا تؤمن بفضيلة الجماعة، إنها تمثل ليبرالية القرن التاسع عشر، حيث يتسم أسلوبها بالهدوء، وكان لديها شقة مريحة، وقد أخبرها كيرك أنها جذابة، وتحتاج إلى مزيد من الاهتمام: "معجب بك جسديًا، وتمثلين تحديًا خطيرًا" (الرواية 116). وقد رفضت دعوته على العشاء؛ لأنها لا تنتمي لحاشيته: "أعتقد أنكَ تعتبرني ملكية ريفية صغيرة غير حديثة، ومهيأة للتغيير لتناسب الأذواق المعاصرة" (الرواية 117).
كان ووكر على دراية بالجنس الأمريكي أثناء عبوره المحيط الأطلسي من خلال علاقته بالدكتور يوتشكوم والآنسة مارو (السكرتيرة)، وقد أخبره يوتشكوم أن لديهم كُتَّابًا في جامعة بنديكت أرنولد قد تحرروا تماما من ملابسهم وملابس طالباتهم وملابس زميلاتهم (الاتجاه غربًا 101). ويؤكد هذا على الحرية الجنسية في أمريكا بعد الستينيات؛ إذ أصبح المجتمع الأمريكي أموميًا لا ذكوريًا.
وكانت الآنسة مارو في الثانية والثلاثين من عمرها، ولم تكن أنيقة، ولم تكن بالضبط هدف ريكمانزورث : "أنا عذراء، أعترف أنني لم أتعرض للاغتصاب. إذن ماذا أفعل يا بوركر [دلع ووكر]؟ فكر في، ادرسني. ماذا أفعل؟ هل أنت فقط سبب المعاناة؟ أنا جيدة في ذلك، لكن لا تعطني المزيد إذا لم تكن بحاجة، فقد حان الوقت لكي أتزوج" (الرواية 109). إنها تستمتع بالحرام، ومن ثم أرادت أن تغوص في علاقة جنسية مع ووكر.
وبالإضافة إلى ذلك كانت جولي سنوفليك أكثر خبرة من ووكر الذي يرمز إلى مقاطعة قديمة (الرواية 118)، كانت ذات شعر أشقر، وترتدي قميصًا أكسفورديا يشبه قميص الرجل، وسروالًا قصيرًا وتنورةً، كانت متخصصة في اللغة الإنجليزية في كلية هيلسلي، وكانت جذابة للغاية وذكية ومثقفة، ولكن فقدها ووكر بسبب سلبيته؛ لذلك حس بخيبة أمل وحزن وألم (الرواية 75-6)، ولكنها سرعان ما غيرت رأيها بشأنه بعد محاضرته العامة التي نبذ فيها قسم الولاء، وأعلن عن ذاته وهويته الأصيلة؛ لذلك قامت بزيارته في الجامعة حيث كان شقيقها يدرس هناك الطب البيطري (الرواية 333). وهربا سويا إلى المكسيك، ومارسا الجنس هناك، ثم رحلا مرة ثانية إلى أماكن متعددة، ولكنه اضطر إلى العودة إلى منزله وزوجته (إنجلترا/إيلين) تاركًا إياها وراء ظهره، لذا اتهمته بأنه جبان وغدار وغير جدير بالثقة: "أنت رجل سلبي، أنت أقل أن تتخذ قرارا، ولا يمكنك تحمل المسؤولية. نعم أنت مثقف، ولكن الحوار يجعلك ترتجف [...] أنت رجل بلا طموح" (الرواية 374-5).
علاوة على ذلك مارس ووكر الحب مع باتريس بعد أن قدمها زوجُها هديةً للضيف ليحقق أغراضًا دنيوية: "حسنا، أريد البقاء هنا معك"، قال ووكر. كان يمر عبر الغرفة حيث كانت تقف بجانب المرآة، ولكن بطريقة تفتقد الشجاعة والفاعلية؛ التفتت إليه، ثم قبلها وتحسس بيده رباط الروب وفكه، ثم شعر بما هو أبعد من الدفء الداخلي. قالت باتريس: "يا إلهي، يا جيمي ولكنني سأخبرك بأنك أحمق" (الرواية 319).
وقد وطئ فروليك العديد من الطالبات وتغشاهن مثل إديورا، "عندما دخل غرفة النوم سمع ووكر أنفاسًا عميقة متلاحقة كموج البحر الهائج الغاضب" (الرواية 254)، لقد كان بوهيميا مستهترًا ، ولقد قامت بعض الطالبات بابتزازه للحصول على مزيد من التقديرات، وتحقيق التميز والرقي بطريق القهر وبمواربة دون حق. ولم تنس الجامعة يومًا الشاعر إلْفِيس فِلِيِي الذي مارس الجنس مع جميع زوجات الأكاديميين على حسب ترتيب أسمائهن الأبجدي (الرواية 322).
وتم إذكاء المزيد من الاهتمام للعلاقات الجنسية في رواية أكل الناس حرام بين أعضاء هيئة التدريس أنفسهم، وبين الأكاديميين وطلابهم سواء داخل الحرم الجامعي أو خارجه؛ لقد أصبح هذا سمة سائدة في روايات الحرم الجامعي الحديث/المعاصر على العكس تماما مع روايات القرن التاسع عشر الجامعية، وخير مثال على ذلك العلاقة بين إيما فيلدنج، طالبة الدراسات العليا، وثلاث شخصيات ذكورية، وتجمع هذه العلاقة الأكاديميين والطلاب: ستيوارت تريس (أستاذ اللغة الإنجليزية)، ولويس بيتس (طالب/شاعر)، وإيبوريبيلوسا (طالب نيجيري أرسلته مجموعة إرهابية إلى إنجلترا لدراسة دورات مختلفة ومنها صناعة البارود). باختصار كانت هذه العلاقات ترمز إلى سذاجة وضعف الأكاديميين، وفشلهم في حياتهم على الرغم من امتلاكهم لمعايير الفكر والتقييم.
وكان تريس مهووسًا بالنساء الجميلات، ومن ثم شارك في الكثير من العلاقات الجنسية سواء داخل الحرم الجامعي أو خارجه؛ فقد مارس الحب مع السيدة روجر، وإيما فيلدينغ، ودكتورة فيولا، وتانيا، وفاي.
أولاً: انجذب إلى السيدة روجرز المسنة ، وكان تريس يحب هذا النوع من النساء؛ فقد كانت أمًّا لثلاثة أولاد، وزوجة محاسب، وكاتبة قصة قصيرة في مجلة المرأة، وكان يطاردها بعينيه في كل مكان تذهب إليه، كان "شعرها برونزي، حسنة المظهر وأنيقة، وكانت تأتي كل شهر إلى الجمعية الأدبية في المدينة، ولا تقول شيئًا" (الرواية 38). كان تأثير هذه المناقشات الأدبية على المجتمع سلبيًا بالفعل، وكان عليهم أن يفسحوا المجال للولع الشخصي والصداقات الشخصية. وهنا ينتقد المؤلف الدور السلبي الذي يلعبه الأدب هذه الأيام؛ حيث فقد قيمته الحقيقية، وأصبحت المجلات الأدبية وكذلك المؤتمرات والصالونات فرصة لمناقشة كل شيء ما عدا الأدب والفكر والثقافة.
ثانيًا: كانت إيما فيلدينغ طالبة دراسات عليا في القسم، وعنوان أطروحتها للماجستير صور الأسماك في مآسي شكسبير، فقد "كان هناك الكثير من الأسماك في تراجيديات شكسبير" (الرواية 30). كانت تبلغ من العمر ستة وعشرين عامًا، وبالتالي كانت أكبر سنا من معظم زملائها الطلاب، وكانت أكثر حكمة وجمالًا، "لقد بدت مثل الصور التي رأيتها لفيرجينيا وولف، أو تلك الجميلات الإنكليزيات الفاتنات" (الرواية 30)؛ وكانت تفضل إيما الأصدقاء الذكور؛ لأنهم أكثر ذكاء من النساء، وتحترم النيجيري بسبب دفئه ورقته (الرواية 168)؛ لذا انجذب لها تريس وبيتس وإيبوريبيلوسا بشكل ملفت للنظر، ونالت ثقة أساتذتها، لذلك تم دعوتها لاستقبال الطلاب الأجانب؛ لأن تريس كان يشعر بالتوتر عند مقابلتهم وخاصة الطالب النيجيري: "إنه غير مؤهل اجتماعيًا" (الرواية 35). وبعد فترة أصبح هذا الطالب عاشقا لابتسامتها: "أحب هذه الابتسامة [...] أعيديها أكثر، يا إيما" (الرواية 36).
عايش تريس الحب مع إيما: "الأنسة فيلدينغ [...] هل لي أن أقبلك؟" سأل تريس. "نعم، أود منك ذلك"، "قامت إيما على عجل برفع بلوزتها، ودفعت ببعض ملابسها الداخلية تحت الكراسي […] بدأ يأتي إلى الشقة بانتظام خلال الأسابيع الباردة في فبراير ومارس" (الرواية 160-163). وأراد أن يتزوجها، ولكنها رفضت: "أريد أن أتزوجك" [...] "لا تريد أن تتزوجني، أنت فقط تريد الزواج، وأنا أنشد الكمال" (الرواية 217-8). إنها تفتقد الشعور بالأمان معه؛ لأنه كان طفيليًا ولا يتحمل أي مسؤولية تجاه الآخرين، وليس لديه القدرة على تكوين علاقات مناسبة (الرواية 219)، لكنها رغم ذلك لم تكمل أطروحتها دون مساعدته، ووفقًا لزميلتها فاي كان تريس شخصية مهزوزة غير مستقرة متقلب المزاج؛ لذلك لا تثق فيه ولا تحب شعره أيضًا، ومع ذلك لم يستطع تريس التخلي عنها؛ لأنها كانت صاحبة قدرات خاصة في الفراش .
وطالما كانت إيما تحلم مليا بالمجد كلما سافرت إلى الخارج، ولكن إنجلترا كانت بمثابة الصدمة عندما تعود إليها: "كل هذا أمر واقع" (الرواية 51)، ولم تستطع إيما متابعة أطروحتها جيدًا، كما شكت من الطالب الزنجي الذي أعلن أنه يحبها، ويريد أن يجعلها زوجته الخامسة، وكان مستعدًا أيضًا للتخلي تمامًا عن علاقاته الحميمة مع الأربعة الآخرين؛ لأنه قد أصابه الإرهاق الشديد والتعب بل والملل من تلك الفتيات السود. كان على إيما أن تخترع قصة توهمه بأنها مخطوبة: "حسنًا، لقد خطرت لي فكرة إنني كنت مخطوبة لشخص آخر، وقال إنه سيقتله. يأتي إلى كل يوم متجهمًا كالمجنون ليسأل عمَّا إذا كان قد مات بعد [...] صرخت إيما "حسنًا"، "قلت إنني كنت مخطوبة لك [يا تريس]. كان يجب أن يكون هناك شخص يخشاه كما ترى؛ لذلك فكرت فيك. (الرواية 53-4). كانت امرأة حساسة ناضجة حريصة على مشاعر الآخرين، وشخصية تستحق العناء. وباختصار كانت هي وجولي سنوفليك تتسمان بالحساسية والذكاء والدقة والعقلية المتحررة.
وكان منزلها جورجيًا ومتحضرًا وواسعًا ومزدحمًا، ولم تختر المنزل بسبب تميز أصحابه في انتقاء الأثاث، ولكن لأن الأشخاص الذين كانوا يمتلكونه هم الأساقفة الذين كانوا يستهوونها (الرواية 105)، كانت نحيفة ولم تكن مستعدة للزواج ببساطة؛ لأن لديها الكثير لتفعله أولاً قبل الاستقرار، تعرفت على العالم القديم من خلال الأساقفة، وكانت قريبة جدًا من الشيوعية، ولقد ورثت تقليدًا من الكبر، ولكنها أمضت السنوات العشر الأخيرة من حياتها تحاول إما القضاء عليه وإما جعله محترمًا فكريًا، ولم يكن لديها حياة اجتماعية (الرواية 166). واعتقدت أن لويس بيتس منغمس في نفسه، وأنه لم يفهم الناس؛ لذلك لم يقدم لهم شيئًا (الرواية 166). واتهمتها فيولا بأنها تمتلك عقدة القديس، ونصحتها بالابتعاد عن بيتس؛ لأنه هو الذي جرها إلى الهاوية: "وليس هناك وقت للملل والأغبياء" (الرواية 167). وفي نهاية الرواية أعلنت إيما: "أنا متميزة في جعل الآخرين يعانون ، أفترض أنه في يوم من الأيام سأضطر إلى دفع الثمن" (الرواية 243) .
ثالثًا: عاشت الدكتورة فيولا ماسفيلد (ذات الست والعشرين عامًا) في منزل تانيا، وكان لديها صديقها، وكانت امرأة بسيطة ولكنها ذكية، وكان أصدقاؤها أيضًا يتسمون بالبساطة والذكاء، "كانت تقدم هؤلاء دائمًا للآخرين، وتكتشف أنهم لا يحبون بعضهم البعض، وهي نفسها لم تستطع معرفة أيًا منهم" (الرواية 87). كانت تُدرس مقرر الدراما الإليزابيثية، ولفتت أنظار تريس بسخطها وتطرفها، وكانت دائمة الثورة ضد الفوضى، وزيادة الضرائب، والاكتظاظ في المنازل، ونقص المراحيض في محطة الحافلات. كانت مبادئها موجهة دائمًا ضد الأشياء الملموسة: "[...] في حين أن تريس - في هذه الأيام - لا يمكنه إصلاح أي شيء باستثناء التعقيدات التي لا يمكن حلها" (الرواية 21). وكانت ردود أفعال فيولا على المشاكل والناس عنيفة وفورية؛ لقد تم وصفها بـ رفيعة الثقافة، وكان أسلوبها مشرقًا، ومع ذلك اعتقد تريس أن هذا الوصف لم يكن مناسبا لها؛ لأنها فاتها أبسط سمات فتيات الريف: "انظر، ستيوارت، أشعر بالضيق. تعال للخارج وأعطني قبلة، أراك في المنزل" [...] "فيولا عاهرة": قال تريس (الرواية 150-9). وقد حصلت على شهادتها من ليستر، ثم أتت إلى هنا، ولم تكن تعرف أحدًا، وكانت لندن بالنسبة لها مكانًا كبيرًا يسهل أن تضيع فيه، وحذرها تريس من بيتس: "[...] إنها مغرمة بأحد طلابها ويدعى لويس بيتس." "أنا لست كذلك": قالت فيولا، "لست كذلك، وانسحبت من الغرفة وهي تبكي" (الرواية 100).
رابعا: لقد اعتقدت فيولا أن لويس بيتس جاد، وحساس، وذكي، ونادر، وساذج، وأحمق: "إنه يعتقد أنه رامبو المعاصر، وروحه متقرحة، وكل ما يريده هو امرأة عاطفية لطيفة، لتقبيل جراحه، وجعله بصحة جيدة [...] متى يمكننا الذهاب لنفعل ذلك [قراءة الفردوس المفقودة لجون ميلتون، وهم عراة] [...] كيف تحبي أن تمارسي الحب مع شخص يستمر في التغريد عن عقيدته الصوفية الخالصة، ويريد لصق الزهور في سرتك؟ (الرواية 167). بالنسبة لإيما: إنه في حاجة إلى صديق، ووفقًا للسيدة بيشوب: كان بيتس طويل القامة مخيفًا وقبيحًا جدًا، ولياقة معطفه دائما مرفوعة، وكان يرتدي قبعة سوداء غريبة، إنه مهوس بالحب، وهو ينتمي إلى الطبقة العاملة، وكانت صحته سيئة بسبب مرض في صدره، ولم يكن لديه إحساس بالوقت (الرواية 61)، وكان مهووسًا بالدكتورة فيولا وإيما (الرواية 64-5): "تساءل عن عدد الفتيات العذراوات في الحفلة" (الرواية 67-73)، وأرسل رسالتين إلى إيما اعترف فيهما بشغفه المجنون، وسعى إلى جرها بطريقة ما نحو المذبح، "كانت هذه الرسائل مغرورة للغاية، وغير مدروسة، ولا علاقة لها بالعاطفة الفعالة؛ لذلك كان من المستحيل بالنسبة لها أن تفكر فيهما [بيتس / إيبوريبيلوسا] بدون إزعاج أو تسلية" (الرواية 82). كما أنه توقف عن العمل للبحث عنها في الجامعة لرؤيتها؛ حيث أراد أن يكون "لويس الفاتن، صاحب الوجه البريء المنعش لشاب بعيون متلألئة وأسنان براقة، للأسف كان دائمًا نفس الوجه، ونفس الطويل والنحافة" (الرواية 110).
وأخبرها أنه لا يستطيع العيش بدونها، وأنه على استعداد للتغير كليةً، لقد سئم أيضًا البقاء في المنزل والتفكير في سرته بوصفه إنسانًا كان بحاجة إلى الحب: "لا تبقى بعد الآن"، تخبره إيما (الرواية 112). لقد أراد أن يتزوج امرأة جاهلة، ولكنها جيدة تعرف كيف تعتني به، وتوافق على آرائه لمجرد أنها كانت له، وستستمتع بممارسة الحب معه في الحديقة (الرواية 113). لقد انجذب إليها؛ لأنها من طبقة مختلفة، ومكانتها مختلفة. باختصار كانا قطبين متناقضين من العالم؛ حيث أثبت فشله في عالم الحب البشري: "من المسلم به أن ما حدث كان في جزء منه اتهامًا للجامعة نفسها ومن حضرها؛ إذ لم تقدم لا السخاء ولا الاحترام للعبقرية المتحمسة التي كان يتوقع أن يجدها هناك" (الرواية 143).
وأخيرًا: كانت تانيا محاضرة في اللغات السلافية بالجامعة، وكانت تمتلك منزلاً حيث احتضنت فيولا تحت جناحها، وترددت الشائعات بأنها مثلية، ولكن فيولا أنكرت ذلك: "لديها علاقات جنسية مع رجال، لديها إحداها مع هيرمان" (الرواية 103). لم تكن لغتها الإنجليزية مثالية، ولكنها اصطلاحية، ووفقًا لـــــ تانيا كان تريس صبيًا صغيرًا" (الرواية 96)، ولم يكن جادًا مثل فيولا إذ تشدد على أنه إنسان بلا عاطفة، وكان يتحسب دوما أن يتم القبض عليه في تهمة ما، إنه يشعر بالخجل من نفسه؛ لذلك قطعت علاقتها به تمامًا لئلا تغضب صديقتها فيولا بسبب عدم مصداقيته.

هوامش:
تقدمت الدكتورة الجامعية للترقية، فقررت اللجنة أنها لا تستحق الترقي لما في بحوثها من اقتباسات غير مشروعة تجعلها جميعًا دون المستوى المطلوب؛ وكان الحل جدَّ يسير؛ اشترت قميصًا أنيقًا وقدمته هدية لكبيرهم، فقبله شاكرًا، وطلبت أن تُلبِسه القميص بيديها، فقبل شاكرًا أيضًا. وبعدها تغيرت النتيجة، وأجيزت كل البحوث عدا بحث واحد! وثالثة الأثافي في قصتنا أن الكبير صاحب القميص هو الذي روى القصة دون أي إحساس بالحرج أو الخجل!! أكان يتباهى بذلك الإنجاز العظيم؟ أم كان يدعو سامعيه إلى تفتيح المخ اقتداء بزميلتهم الألمعية؟ لك الله يا جامعات مصر، ولله در المتني وحافط إبراهيم:
"وكم ذا بمصر من المضحكات ... كما قال عنها أبو الطيب"
ويعلق توماس هاردي على ذلك قائلا: "ربما رأيت من النساء فاجرات، ولكنهن لا يبارين الرجال فجورًا في هذا الباب" (رواية تس سليلة دبرفيلد/1891). ويتساءل أ.د. عز الدين إسماعيل: لماذا لا يعيش الأكاديمي مثل النخلة؟ ما أروع النخلة! تمد جذعها للسماء، تعيش واقفة، تموت واقفة، وفي بني آدام من يؤثر الانبطاح، يعيش زاحفًا، يموت زاحفًا ديوان دمعة للأسى ودمعة للفرح (2000) (منشور للمؤلف على صفحته على الفيسبوك بعنوان "موقعة القميص") [..] تم فصل أربعة أساتذة بكليات الطب والآداب والتربية النوعية لتورطهم في فضائح جنسية، وابتزاز طالبات جنسيًا
(جريدة المصري اليوم/2017).

اندهش المثقفون من زواج د. لطيفة الزيات (اليسارية) من د. رشاد رشدي (اليميني)، وكان ردها: "إنه الجنس يا سادة." [...] زواجها من "الدكتور رشاد رشدي" الكاتب المسرحي والأستاذ الجامعي والذي أصبح مستشارا ثقافيا للرئيس أنور السادات [...] هذا الزواج أصابها بالتمزق بين أنوثتها التي فجرها "الدكتور رشاد"، وبين حرصها على أن تبقى ماركسية حتى ولو كانت (ماركسية مسخسة) حسب وصف "الدكتـور لويس عـوض" لها في كتابه المحاورات الجديدة أو دليل الرجل الذكي إلي الرجعية والتقدمية وغيرهمها من المذاهب الفكرية ( 1965) [...] وهي لا تنكر ولا أحد ينكر أن زواجها من الدكتور رشاد رشدي كان خيرًا وبركة وفترة ازدهار لها في الدراسة وفي العمل وفي العلاقات الزوجية. والمؤكد أن هذا الزواج جر عليها النقد الحاد القاسي من رفاقها القدامى الذين كان يؤلمهم زواج اليسار باليمين. ولقد حرصت هي على أن تحتفظ بصورتها الماركسية ولو للذكرى والتاريخ [...] وبصراحتها المعروفة عنها قالت بعد طلاقها من الدكتور رشاد: "ها أنا أبرأ [...] أو على وشك أن أبرأ [...] أخاف أن ترتد كينونتي الوليدة إلى الرحم. هل كان هو مشروع عمري الذي انقضى أم السعادة الفردية هي المشروع؟! كانت السعادة الفردية هي مشروعي الذي حفيت لتحقيقه، وجننت عندما لم يتحقق. أنا صنيعة المطلقات، وأسيرة سنوات أدور في المدار الخطأ، لا أملك القدرة على فعل أتجاوز به المدار الخطأ لسنوات تسلمني فيها إلى الشلل الهوة الرهيبة بين ما أعتقد وبين الواقع المعاش. بين الحلم والحقيقة أخاف أن ترتد كينونتي الوليدة – إل الرحم. هكذا قالت بعد أن برئت [...] لم تزل تتمسك بما كانت تعتقد، والحاكم يعرف هذا [...] فاعتقلها في سبتمبر 1981م، وتم الإفراج عنها في 13 يناير 1982م، وليس لأحد حاجة عندها، ومن كان منكم بلا خطيئة فليرمها بأول حجر. (موقع المعرفة)






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- وقائع واحداث منبجسة من نسيج الواقع.. وممضاة بدماء شهداء فلسط ...
- آراء متباينة حول الإعلان الترويجي لفيلم -الست- المرصع بالنجو ...
- -أفلام ميوز-.. ميلانيا ترامب تطلق شركة إنتاج قبل إصدار فيلم ...
- -الزمن تحت الخرسانة- المخيم كعدسة لقراءة المشروع الاستيطاني ...
- الاحتلال يخسر -الفضاء الأزرق-.. وصعود الرواية الفلسطينية يثي ...
- الثقافة: الفيلم المرشح للأوسكار
- إسبانيا: اعتقال الراهبة لورا غارسيا بتهمة تهريب الأعمال الفن ...
- الأمير مولاي رشيد: مهرجان الفيلم بمراكش منصة للحوار وإبراز ا ...
- كهوف الحرب وذاكرة الظلمات اليابانية الغارقة -تحت الأرض- في ق ...
- وفاة الممثلة الجزائرية بيونة عن 73 عاما


المزيد.....

- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - د أشرف إبراهيم زيدان - الأكاديميون الجدد والإباحية الجنسية