تأليف: ياسمين محمد النجار عرض وترجمة: د أشرف إبراهيم زيدان
الحوار المتمدن-العدد: 8537 - 2025 / 11 / 25 - 02:29
المحور:
الادب والفن
التناص
توظف روايات "الدائرة" و"الجميع" و"أبطال الحدود" للكاتب ديف إيغرز على نطاق واسع استراتيجيات ما بعد الحداثة، مثل التناص، لإبراز الترابط بين النصوص ومزج أنماط السرد المتنوعة. ويُقصد بالتناص — كما توضح كوزمينا (75-89) — شبكة العلاقات النصية التي تشمل الاقتباس، والإشارة، والتأثير المتبادل بين الأعمال. يُعد التناص مفهوماً شاملاً في سياق النصوص الأدبية والسينمائية على حد سواء، حيث يتضمن دمج نصوص أو عناصر أخرى داخل العمل الجديد. وتتمثل العملية في إعادة توظيف أجزاء نصية قائمة لصياغة تركيب مبتكر، مع إدماج عناصر مثل التعيين الإلزامي، والوعي، والاختيار المتعمد للتضمينات النصية على المستويين الشكلي والدلالي (كوت وآخرون 1). ويشير لاو وآخرون إلى أن المراجع، والإشارات، والاستيلاءات المفاهيمية تمثل بعضاً من الأشكال المتعددة التي يمكن أن يتخذها التناص.
في رواية "الدائرة" لـــ إيغرز، يدمج المؤلف إشارات إلى أعمال أدبية بارزة، منها رواية "شرق عدن" لجون شتاينبك، حيث يوظف مقاطع منها في افتتاحية بعض الفصول (الدائرة 4). يخلق هذا التوظيف التناصي جسراً بين سرد إيغرز وعالم شتاينبك الرمزي والفكري، مستحضراً المفاهيم والدلالات والمشاعر التي تنبض بها رواية "شرق عدن". وبذلك يضع إيغرز روايته ضمن إطار أدبي أوسع، مسلطاً الضوء على حضور وتأثير الأعمال الكلاسيكية في تشكيل السرديات المعاصرة. كما يثري هذا التلميح التناصي تجربة القارئ، ويدفعه إلى إقامة الروابط بين النصوص وتتبع انتقال الأفكار وتطورها عبر أنماط أدبية متعددة.
إضافةً إلى ذلك، ومن خلال رسم أوجه الشبه بين شركة ذا سيركل في الرواية وشركات التكنولوجيا العملاقة مثل فيسبوك وجوجل، يخلق المؤلف جسراً يربط بين العالم السردي وأرض الواقع. يتيح هذا التناص للقراء إسقاط أحداث الرواية وأفكارها على تجاربهم الشخصية مع هذه الشركات البارزة، مما يعزز أثر السرد وأهميته في مناقشة قضايا المجتمع المعاصر والتكنولوجيا. وبالطريقة نفسها، تتجلى في رواية إيغرز "الدائرة" أبعاد ميتافيزيقية تضيف عمقاً إلى بنيتها السردية.
يشير مصطلح ما وراء القص إلى نمط من الكتابة الخيالية يتعمد فحص تقنياته السردية الخاصة وإبراز طابعه الابتكاري. وفي هذا الإطار، تتناول العناصر الميتا-سردية الفروق بين الخيال والواقع، فتطمس الحدود بين عالم الكاتب السردي وعالم القارئ. يبتعد هذا النهج عن أنماط السرد التقليدية، ويدفع القراء إلى التأمل في طبيعة السرد وجوهره. ومن خلال إدماج عناصر ما وراء القص، تكتسب الرواية طابعاً ذاتي المرجعية، حيث يتداخل السرد مع عملية سرده نفسها. وتُعد هذه التقنية إحدى السمات المميزة للأدب ما بعد الحداثي، إذ تكشف عن الطبيعة المتحولة للمعنى وتعقيد البنية السردية. كما تحفّز القراء على التمعن في صدقية السرد، ودور الكاتب، والعلاقة التفاعلية بين الخيال والواقع، مما يعمّق انخراطهم مع النص.
وبالمثل، في رواية "الجميع" لـــ إيغرز، يوظف المؤلف إشارات إلى أعمال أدبية وثقافية متعددة. ففي الفصل الرابع والعشرين، المعنون "قصيدة إلى حمل إغريقي"، تحضر أصداء الأدب الكلاسيكي، في محاكاة لقصيدة جون كيتس "قصيدة على جرة إغريقية"، بما قد يفتح المجال للتأمل في قضايا مثل الجمال والخلود (الجميع 137). أما الفصل الثالث والثلاثون، المعنون "انظر إليّ، اسمعني، أنقذني"، فيحمل دلالات على مطلب التقدير المستمر والحاجة إلى التأكيد في فضاء مواقع التواصل الاجتماعي، مشيراً إلى التأثير الواسع للتكنولوجيا على الثقافة المعاصرة، وإلى نزعة التواصل والاعتراف غير المنقطعة. إن دمج الإشارات إلى ثقافة وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة مع مآسي شكسبير يمنح الحبكة عمقاً إضافياً، ويكشف زوايا جديدة لموضوعات الرواية (الجميع 193).
علاوة على ذلك، يشير جينيت (1982) إلى أن التناص يقوّض فكرة وجود حقيقة موضوعية واحدة. وعلى هذا المنوال، يتحدى إيغرز مفهوم القصة أو المنظور الأحادي من خلال توظيف الإشارات التناصية، مؤكداً على تعدد الحكايات وتشابك الآراء. ففي الفصل الحادي عشر، المعنون "إلى رياضي يحتضر شابًا"، تحضر إشارة إلى قصيدة أ. إي. هاوسمان، بما يفتح المجال للتأمل في زوال قيمة الإنجاز وتعدد التصورات حوله (الجميع 76). أما الفصل الثامن عشر، "كيف تقرأ هذا النص"، فيستحضر بعداً ميتا-سردياً يشكّل تعليقاً على تنوع التفسيرات والمفاهيم المتعلقة بالكتب. ومن خلال هذا الدمج بين التناص والميتاسرد، يدفع إيغرز القراء إلى مساءلة فكرة الحقيقة الواحدة، والتفكير في تعقيد وجهات النظر المختلفة. وبذلك، يثري السرد ويعيد النظر في المفاهيم التقليدية للحكي والمصداقية (الجميع 102).
علاوة على ذلك، يوظف التناص كأداة لاستكشاف العلاقة بين الفرد والمجتمع، وكذلك التوتر القائم بين الأصالة والتصنع. يستعين إيغرز بإشارات تناصية لمجموعة من النصوص والعناصر الثقافية، لبناء سرد يربط التجارب الإنسانية الفردية بالسياق الثقافي الأوسع. ففي الفصل الرابع عشر، المعنون "توسيع نطاق العينة"، تحضر إشارات إلى قطع أثرية ثقافية متنوعة، بما يعكس تعدد المؤثرات التي تشكل منظور الفرد (الجميع 81). أما الفصل الحادي والعشرون، "أطول يوم"، فيستثمر الإشارات التناصية لإبراز تفاعل التجارب الشخصية مع الوعي الجمعي. ومن خلال إدماج هذه الإشارات في النص، يعزز إيغرز إحساس القارئ بالمشترك الإنساني، مسلطاً الضوء في الوقت نفسه على دور الثقافة الجماعية في تشكيل الهوية الفردية (الجميع 118). كما أن الصفحات الافتتاحية للرواية غنية بالإشارات التناصية، إذ يتضمن قسم الشكر تشبيهاً لمارغريت آتوود: "حفيدٌ لرواية "نحن" لزامياتين، لكن "المجتمع المثالي" هذه المرة هو وادي السيليكون. انتبه لما تتمنى!" (الجميع 2). تسهم هذه الاستراتيجية في إثراء السرد، وتشجع القراء على تأمل الصلة بين تجاربهم الشخصية وخلفيتهم الثقافية الأوسع.
تستعين رواية "أبطال الحدود" بأسلوب التناص لنسج حبكة معقدة تمزج بين تقاليد وأساليب متعددة، مما يطمس الحدود بين الواقع والخيال. يوظف إيغرز هذا الأسلوب من خلال دمج إشارات إلى أعمال أدبية وموسيقية وعناصر من الثقافة الشعبية. فعلى سبيل المثال، تُشبَّه بطلة الرواية، جوزي، بشخصية سيلي في رواية "اللون الأرجواني" لأليس ووكر (أبطال الحدود 43). يضع إيغرز جوزي وسيلي في مقارنة غير مباشرة لإبراز صراعات جوزي الفردية ورحلتها نحو تحقيق الذات. وفي مشهد تتغلب فيه جوزفين على المحن وتنتصر، يلمّح المؤلف إلى شجاعة سيلي في مواقف مشابهة ضمن "اللون الأرجواني"، مما يخلق رابطاً بين الشخصيتين ويؤكد على تجاربهما المشتركة في النضج والقوة.
يتضمن النص أيضاً إشارات إلى تعبيرات سياسية وثقافية أمريكية، يتجلى أحدها في مشهد قميص معروض في متجر كُتب عليه: "لا تلوموني. لقد صوّتت للأمريكيين" (أبطال الحدود 10). هذه الإشارة لا تقتصر على إدراج الرواية في إطار اجتماعي وسياسي محدد، بل تعمل كذلك على إقامة رابط نصي مع الرموز والشعارات المتداولة في العالم الواقعي. من خلال هذا العنصر، يوظف إيغرز خطاباً مألوفاً لدى القارئ ليعكس التوترات السياسية والثقافية المعاصرة، ويُحيل إلى جدلية الانتماء الوطني والمسؤولية السياسية. كما يُضفي هذا التفاعل النصوصي بعداً واقعياً على السرد، إذ يمزج بين السرد الأدبي والمراجع المباشرة من الحياة اليومية، بما يعزز وعي القارئ بالسياق التاريخي والاجتماعي الذي تتحرك فيه الشخصيات.
تتضمن الرواية أيضاً إشارات إلى عالم الكشافة ومهارات البقاء، ويتجلى ذلك في العبارة: "وكانت كشافة. كانت قادرة على ربط عقدة، وإخراج سمكة، وإشعال نار. لم تثبطها ألاسكا" (أبطال الحدود 9). يعمد هذا الوصف إلى استدعاء الصورة النمطية للكشافة لتجسيد شخصية جوزي، مبرزاً استعدادها ومرونتها عبر الإشارة إلى مهارات عملية أساسية مثل عقد الحبال، وصيد الأسماك، وإشعال النيران. يحمل هذا التصوير إيحاءً بقيم ومعارف مشتركة ارتبطت تقليدياً بفكرة الكشافة، بما يعكس قدرة جوزي على التكيف ومستوى استقلاليتها، خصوصاً في مواجهة الظروف القاسية لبيئة ألاسكا.
إضافةً إلى ذلك، تتطرق الرواية بشكل مباشر إلى حديقة الحيوانات العراقية من خلال تأملات جوزي أثناء زيارتها لإحدى حدائق الحيوانات، مما يربط تجربتها الراهنة بحدث ماضٍ أكثر عمقاً. فعلى سبيل المثال، ترد العبارة: "فكّرت في حديقة الحيوانات العراقية بعد قصف التحالف، حيث كانت الأسود والفهود تتجول طليقة لكنها جائعة، تبحث عن قطط وكلاب لتفترسها، دون أن تجد أياً منها" (أبطال الحدود 13). يخلق هذا الاستدعاء صدىً مأساوياً يربط بين الدمار الناتج عن الحروب وتهشيم النظم البيئية والإنسانية على حد سواء. فالحديقة هنا لا تمثل مجرد مكان، بل تصبح رمزاً للخراب، والعجز، وفقدان التوازن بين الكائنات وموائلها. من خلال هذه الإشارة، يقيم إيغرز جسراً بين معاناة الحيوانات في زمن النزاعات، ومعاناة البشر في مواجهة ظروف قاسية وغير متوقعة، بما في ذلك تجربة جوزي نفسها في بيئة ألاسكا الصعبة. كما يعزز هذا التناص الواقعي تأثير السرد، إذ يربط القارئ بين السرد الأدبي وأحداث مأساوية حقيقية، مما يضيف طبقة من العمق والجدية إلى الرحلة السردية.
وبذلك، يتعمّد إيغرز تقويض توقعات القارئ وإثارة شعور بالالتباس، في انعكاس لرفض ما بعد الحداثة للسرديات الكلية والحقائق المطلقة (بارت 31-44). ومن خلال توظيف التناص، يوجّه إيغرز تحية للتقاليد الأدبية الراسخة، وفي الوقت ذاته ينخرط في حوار متواصل حول طبيعة السرد ودور الأدب في تشكيل إدراكنا للواقع.
الواقعية
الواقعية منهج أدبي يهدف إلى تقديم صورة صادقة للواقع، تعكس طبيعة التجربة الإنسانية كما هي. وفي سياق ما بعد الحداثة، تكتسب الواقعية بعدًا نقديًا، إذ تُستخدم لمساءلة السرديات المهيمنة وتفكيك بنى السلطة الراسخة التي تحدد فهمنا للعالم. وتتعدد أساليب توظيف الواقعية في هذا الإطار؛ ففي الأدب، تسهم في إبراز تنوع التجارب الإنسانية وتعقيداتها، وتحدي فكرة الهوية الثابتة والمطلقة. ويظهر هذا التوجه بوضوح في أعمال كتّاب مثل دانيال ديفو، وصمويل ريتشاردسون، وتوبياس سموليت، الذين صاغوا روايات ترتكز على رؤى واقعية للحياة وأفعال البشر. كما تكتسب الواقعية أهمية خاصة في العصر الرقمي، حيث تتلاشى الحدود بين الهويات الافتراضية والمادية، فتصبح أداة لتمثيل تعقيدات التواصل عبر الفضاء الرقمي والغموض الذي يكتنف التداخل بين العالمين.
في أعمال كتّاب مثل خورخي لويس بورخيس وتوماس بينشون، تُستخدم الواقعية لاستكشاف تأثير التكنولوجيا على العلاقات الإنسانية وتشكيل الهُوية. وفي إطار ما بعد الحداثة، يمكن للواقعية أن تعمل على تفكيك فكرة الحقيقة الموضوعية المطلقة، مبرزةً أهمية المنظور الفردي والفهم الشخصي، مع التأكيد على الطبيعة المؤقتة والمعرضة للتغيير للمعرفة. ويتضح هذا النهج في كتابات جان بودريار، الذي تناول مفاهيم المحاكاة والواقعية المفرطة، متحديًا التصورات التقليدية للواقع الثابت والموضوعي. كذلك، توظف ما بعد الحداثة الواقعية في إبراز الدور المحوري للتجربة الفردية والطابع الذاتي لفهم الواقع، وهو ما نلمسه في أعمال أمبرتو إيكو، الذي شدّد على قيمة التجربة الشخصية والبُعد الذاتي للحقيقة، في مقابل رفضه لفكرة الحقيقة المطلقة والدائمة.
تقدّم رواية إيغرز تطورًا معقدًا للشخصيات، وعلى رأسها شخصية ماي، في إطار أحداث تدور داخل شركة تكنولوجية حديثة، تستحضر في ملامحها شركات حقيقية مثل فيسبوك وجوجل، ما يمنح القارئ إحساسًا بمصداقية التجربة وواقعيتها. تتناول الرواية ثقافة قائمة على التكنولوجيا، مع تركيز خاص على قضايا الخصوصية والمراقبة وأثر وسائل التواصل الاجتماعي على حياة الأفراد. وتنعكس واقعية العمل من خلال تصوير مواقف مألوفة، مثل تجربة ماي في أول يوم عمل لها، حين انبهرت بجمال حرم الشركة واتساعه، المليء بألوان المحيط الهادئ والتفاصيل المصممة بعناية، حيث استُبدلت أرض حوض بناء السفن القديم ودار السينما للسيارات وسوق السلع المستعملة بمساحات خضراء ناعمة ونافورة كالاترافا ومنطقة نزهة منظمة وملاعب تنس من الطين والعشب. يعكس الحوار في الدائرة طبيعة التفاعلات المعاصرة في بيئات العمل، كاشفًا عن التعقيدات التي تفرضها التكنولوجيا على العلاقات المهنية. وتضع الشخصيات في مواقف أخلاقية صعبة، مما يدفع القارئ إلى إعادة النظر في قيمه وخياراته.
يعرض إيغرز صورة واقعية لبيئة العمل الحديثة، مسلطًا الضوء على قضايا الديون والإحباط التي قد يجد الكثير من القراء صدى لها في تجاربهم الشخصية. ويسهم تاريخ ماي الفريد وموقفها من مسقط رأسها ووظيفتها السابقة في تعزيز مصداقية تصويرها كشابة تخوض تحديات سوق العمل المعاصر. فعلى سبيل المثال، تتساءل ماي في موضع من الرواية: "هل عمل أحد حقًا في شركة مرافق؟ كيف انتهى بي الأمر هناك؟ كيف تحملت ذلك؟ وعندما كان الناس يسألونني عن مكان عملي، كنت أميل إلى الكذب وأقول إنني بلا عمل. هل كان الوضع سيبدو أفضل لو لم أكن أعيش في مسقط رأسي؟" (الدائرة 11).
على نحو مشابه، ينسج إيغرز في رواية "الجميع" عالمًا نابضًا بالحياة وذا مصداقية عالية، يعكس اعتماد المجتمع المعاصر المتزايد على التكنولوجيا. ويقدّم شخصيات قريبة من القلب، مثل ديلاني، التي تجسّد التحديات الإنسانية في بيئة تهيمن عليها التقنيات الحديثة. يتناول العمل قضايا مجتمعية بارزة، كالمراقبة، والخصوصية، والتداعيات الأخلاقية للتقدم التكنولوجي، مستعينًا بالواقعية لجذب القرّاء وشدّهم إلى الأحداث. فعلى سبيل المثال، يُقدَّم مشهد التفاعل بين ديلاني والحراس، مع ما يتضمنه من إجراءات أمنية روتينية لكنها مزعجة في الوقت نفسه، بتفاصيل دقيقة تمنح الموقف إحساسًا بالواقعية والجوهرية، مجسّدًا بذلك أسلوب الواقعية في السرد (الجميع 11). أما الحوار، الذي يتبنى لغة محلية معاصرة، فيحاكي النقاشات الحقيقية، فيما يضيف التعقيد النفسي للشخصيات—وخاصةً ما يتصل بهُوية ديلاني وصراعاتها الأخلاقية—طبقةً إضافية من العمق إلى الرواية.
في رواية "أبطال الحدود" لديف إيغرز، تتجلى الواقعية عبر مجموعة من التقنيات السردية الأساسية؛ إذ يرسم المؤلف ملامح جوزي بعمق، كاشفًا عن مخاوفها وقلقها وتباين مشاعرها. ويمنح خلفيتها كطبيبة أسنان سابقة، إلى جانب ما تواجهه من تحديات في الأمومة وتعقيدات علاقتها بشريكها السابق، صورةً صادقة لامرأة معاصرة تصارع مصاعب الحياة.
تجري أحداث الرواية في ألاسكا، التي يرسمها السرد بأوصاف حيّة تكشف في آنٍ واحد عن جمالها وقسوتها. ويتعامل المكان في النص وكأنه شخصية فاعلة، تؤثر في مسار الحبكة وتوجّه تفاعلات الشخصيات. يركّز السرد على تفاصيل الحياة اليومية، من التفاعلات العائلية إلى مشقة السفر في المركبات الترفيهية. ويكسر إيغرز الصورة المثالية الشائعة عن ألاسكا من خلال منظور واقعي، يكاد يلامس الإحباط: "ولكن أين كانت ألاسكا، تلك السحر والوضوح؟ ... لقد رأوا طائرات مائية، ومئات المنازل المعروضة للبيع، وإعلانًا على جانب الطريق لمزرعة أشجار تبحث عن مشترٍ" (أبطال الحدود 9). إن هذا الاهتمام بالجوانب العادية، بل وأحيانًا القاتمة، للمكان يُعدّ من سمات الواقعية الأدبية، إذ يُرسّخ السرد في تجربة الحياة اليومية ويجعله أكثر قربًا من القارئ.
وعليه، فإن الحوار في الرواية يأتي نابضًا بالأصالة، معبّرًا بصدق عن شخصيات المتحدثين وخلفياتهم. فقد صيغت الأحاديث بين جوزي وأطفالها، وكذلك تفاعلاتها مع الآخرين، لتبدو طبيعية وعفوية. يتوغّل إيغرز في أعماق شخصياته، ولا سيما جوزي، كاشفًا عن أفكارهم ومشاعرهم الداخلية: "عندما سمعت جوزي هدير شاحنة تمر على الطريق السريع القريب، سكبت لنفسها كوبًا ثانيًا. هذا مسموح، قالت لنفسها وأغمضت عينيها" (أبطال الحدود 9). يقدّم هذا التأمل الذاتي نافذة إلى روحها، مبرزًا صراعاتها مع الهوية والأمومة وأسئلتها الوجودية. وتتناول الرواية قضايا اجتماعية واقعية، مثل تفكك الروابط الأسرية والسعي وراء معنى وجودي، في انعكاس لموضوعات أوسع على مستوى المجتمع. وبمعالجة هذه القضايا، تُجسّد الرواية نبض الواقع المعاصر.
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟