جابر رجبي
الحوار المتمدن-العدد: 8534 - 2025 / 11 / 22 - 15:41
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بعد مقتل قائد فيلق القدس قاسم سليماني، ورث إسماعيل قاآني أمرا ربما لم يكن مستعدًا له، حيث جلب نمطاً جديداً من القيادة إلى فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني تسبب في خلق خلافات بين شركائه.
بعد مقتل قائد فيلق القدس سليماني، سرعان ما حل محله إسماعيل قاآني وفقا لوصية سليماني نفسه. ومع ذلك، فإن فهم موقف قاآني خلال فترة ولاية سليماني سيساعد في تفسير بعض القرارات التي اتخذها لاحقًا كقائد لفيلق القدس، وفهم التحديات التي يواجهها حاليًا قاآني في هذا المنصب.
خلال فترة ولاية سليماني تركز دور قاآني في الغالب على إدارة الشؤون الداخلية لفيلق القدس، وبالتزامن كان مسؤولاً عن شؤون أفغانستان وباكستان في فيلق القدس، وبما أن إدارة الشؤون الداخلية لفيلق القدس الذي يضم حوالي 33 ألف عسكري إيراني (في كافة الأقسام مع احتساب العاملين في صناعات فيلق القدس والتدريب العسكري) وكذلك يدعم المجموعات النيابية التي تخضع مباشرة لإدارة فيلق القدس (وهي مجموعات تديرها الجمهورية الإسلامية من خلال حزب الله)، لذلك كان الأمر بحاجة إلى حضور دائم وكان قاسم سليماني إما مسافرا أو في الحفلات والاجتماعات مع أشخاص مختلفين، فترك الشؤون الإدارية والداخلية لقاآني.
ورغم أن فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني يضم مكونات ومراتب مختلفة، والتي تعرف بـاسم وحدات 400، 340، 12000، 700 وغيرها، إلا أن لكل منها مهام في مناطق جغرافية مختلفة وأبعاد مختلفة. إلى ذلك تقع مسؤولية إدارة هذه المراتب على عاتق مجلس قيادة لفيلق القدس، والذي غالبا ما يعقد جلساته على شاكلة مجلس الوزراء لمناقشة القضايا المهمة مثل صنع السياسات في البلدان المستهدفة، والعمليات، والميزانيات، وتشكيل مجموعات جديدة، وتقييم الأنشطة، والصناعات العسكرية، الخ، وكان إسماعيل قاآني أيضاً حاضراً في هذا المجلس بصفته نائب قائد فيلق القدس.
لكن قاسم سليماني تصرف مثل الأب الروحي في شبكات أشبه بالمافيا بطريقة فردية، في حين أن العديد من هذه الشبكات لا تندرج تحت صفوف فيلق القدس، كما هو الحال في العراق على سبيل المثال، فأن الوحدة الـ 400 في فيلق القدس بالإضافة إلى كونها مسؤولة عن المجموعات العراقية وإدارتها، لكن في الوقت نفسه، أنشأ قاسم سليماني شبكة قوية من مختلف الأشخاص بميزانيات وأهداف منفصلة..وبهذه الطريقة فقد اعتمد أشخاص مختلفون ومجموعات مختلفة على سليماني، وبذلك تمكن من إنشاء منظمة متماسكة دون تسجيلها في فيلق القدس، والتي كانت تتألف من آلاف الشركات والأفراد والمجموعات الصغيرة. علاوة على ذلك، كان لسليماني لقاءات شخصية متكررة وودية حتى مع القادة من الرتب المتوسطة في الفصائل الوكيلة لإيران
وعلى صعيد آخر استطاع سليماني خلق التوازن بين المجموعات النيابية، بحيث اعتقدت كل مجموعة من المجموعات الوكيلة أن سليماني لديه أفضل العلاقات معها فقط، وهكذا بلغ مستوى التنسيق والاعتماد على سليماني إلى أعلى المستويات، ولذلك عندما تولى قاآني المسؤولية، لم يكن للعديد من هذه الجماعات أي صلة به ولم يعرفوا عنه الكثير، ولم يكن لدى قاآني نفسه معرفة ميدانية وموضوعية بهذه الجماعات، خاصة وان دوره كان يتركز على الشؤون الداخلية لفيلق القدس.
ومنذ ذلك الحين، لا يبدو أن الوضع قد تحسن بشكل ملحوظ، حيث كان قاآني لا يجتمع مع القادة في الفصائل الوكيلة لإيران إلا في إطار معين وفي جو رسمي للغاية، مما تسبب في فتور العلاقات بينه وبين الجماعات التابعة لإيران في المنطقة والتي تفضل التعامل مع الأشخاص المقربين من سليماني، وخاصة الوحدة 400 التي يتنافس أعضاؤها تنظيميا مع قاآني.
كان قاسم سليماني مصاب بوهم القوة وكان يعتقد أنه بسبب تكلفة قتله لن يقدم أحد بمثل هذا الإجراء، لكن قاآني قلق للغاية بشأن تصفيته، ولهذا السبب بات أقل نشاطًا، ولهذا السبب تم تنفيذ العديد من مهام سليماني السابقة بواسطة مؤسسات أخرى.. خاصة بعد أن هاجمت إسرائيل هدفا في لبنان، تصادف أنه كان قريبا من مكان تواجد قاآني، ومنذ ذلك الحين أصبح قلقا أكثر من ذي قبل. وأثر ذلك على استعداده لتحسين علاقاته من خلال الاجتماع مع قادة الفضائل الموالية لإيران وجها لوجه.
فيديو.. هذه أسرار الدولة العميقة في إيران – سكاي نيوز
https://www.youtube.com/watch?v=4vg2xrfF2VM
علاوة على ذلك، كان لإخفاق قاآني في إقامة علاقات وثيقة مع تلك الفصائل أثره على قدرة فيلق القدس على ممارسة التنسيق والسيطرة، حيث لم يتمكن قاآني أبداً من إقامة علاقات وثيقة مع قادة تلك الفصائل، وخير مثال على ذلك أحداث ما بعد الانتخابات العراقية، حيث لم يستطع قاآني لعب دور حاسم مثل سليماني لتحقيق التوازن بين الجماعات التابعة لطهران. تجدر الإشارة إلى أنه بلغت الأمور درجة هاجمته فيه كل من قوات عصائب أهل الحق ومنظمة بدر بشكل غير مباشر، ولم يسمح له مقتدى الصدر بالدخول إلى بيته عدة مرات، مما بُبرز مدى السيطرة المحدودة التي يمتلكها الرجل.
كان لهذا الواقع الجديد في نهاية المطاف تأثير على كيفية إدارة طهران لعلاقاتها مع الفصائل الموالية لها بشكل عام، ففي فترة ولاية سليماني كانت الأمور المتعلقة بالدول التي تتمتع الجمهورية الإسلامية الإيرانية بالنفوذ فيها مثل العراق وسوريا ولبنان واليمن، تدار من قبل فيلق القدس وسليماني نفسه، سواء كانت على الصعيد السياسي حيث كان فيلق القدس يعين السفير فيها ويدير الشؤون المتعلقة بالعلاقات المالية والتجارية والعسكرية. لكن قاآني لم يتمكن من لعب مثل هذا الدور بتاتا، ولهذا السبب تدخلت مراكز قوة إيرانية أخرى في المشهد وتسببت هذه القضية في العمل المتوازي ونقص التخطيط والتناقض والارتباك في السياسة الخارجية للدول المستهدفة من قبل إيران.
وبالمثل يواجه قاآني تحديات في الداخل؛ حيث لم يكن له اليد العليا في الصراعات الداخلية في فيلق القدس إطلاقا، لأن أشخاصا مثل يوسف شهلائي المسؤول الأول على ملف اليمن في فيلق القدس ومجيد نواب( قائد الوحدة ٤٠٠ ونائب قائد الوحدة 340) ،ومحمد رضا محمدي (قائد العمليات في فيلق القدس) وسعيد رضائي (القائد السابق لجهاز حماية استخبارات فيلق القدس) وسيد رضوى (المسؤول المالي الحالي لفيلق القدس و رئيس الخدمات اللوجستية سابقا في العراق)، كانوا في صراع مع قاآني وبلغ الأمر ذروته عندما قام أعضاء في القيادة بعرقلة جهود قاآني لإحالة ستين عنصرا بارزا في فيلق القدس للتقاعد القسري، و كانوا أعضاء في دائرة سليماني.
في واقع الأمر، لم تكن شبكات سليماني السرية على صلة بقاآني بتاتا، بل ظلت ضمن اختصاصات العديد من المقربين من سليماني، ولكن باستثناء حزب الله اللبناني حيث كان قادته جميعهم من منتسبي فيلق القدس ولهم رتب عسكرية وأسماء إيرانية أحيانًا، لذا دعموا قاآني، وحاولوا تعزيز موقعه، وجعلوا علاقاته مع الجماعات الفلسطينية أقوى من ذي قبل. ويعتقد بعض المطلعين على بواطن الأمور أن هذا التقارب كان له تأثير على قرار حماس بمهاجمة إسرائيل في 7 تشرين الأول/أكتوبر. بعد بدء حرب غزة، صرحت مصادر تابعة لما يسمى بمحور المقاومة، لم يتم الإفصاح عن هويتها لأسباب أمنية، للكاتب أن قاآني كان قد خطط لهذه العملية مباشرة مع الفلسطينيين، فهم يرون أن العملية قد تم تنفيذها استنادًا لخطة وضعها عماد مغنية منذ سنوات وتم تحديثها بمساعدة حزب الله اللبناني. وتعتقد تلك المصادر أن قاآني أخبر حزب الله ومجلس قيادة فيلق القدس أن هذا الهجوم لن يحدث قريبا، وأن التدابير المتخذة كانت مجرد إجراءات تحضيرية بطبيعتها.
تحدثت تلك المصادر أيضا عن حدوث صراع داخل قيادة فيلق القدس على خلفية الهجوم والتساؤل لماذا أمر قاآني بالهجوم عبر الالتفاف على مجلس القيادة- وكيف حاول تبرئة نفسه من خلال التأكيد على أن محمد الضيف ويحيى السنوار هم من قاموا بتنفيذ الهجوم الذي وقع خارج نطاق قيادته.
*****
جابر رجبي هو مسؤول سابق في أكثر من ميليشيات عراقية تابعة إلى إيران وعمل كمنسق بين بعض الفصائل العراقية علاوة على دوره في تدريب الميليشيات بدعم من فيلق القدس الإيراني. في عام ٢٠١٦ انشق السيد رجبي مما يسمى بمحور المقاومة وأصبح معارضا لسياسات الجمهورية الإسلامية في المنطقة فضلا عن سياساتها الداخلية.
لقراءة المزيد ارجو فتح الرابط
https://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/qaany-wsraat-alqyadt-almtnamyt-fy-alm-ma-bd-slymany
فيديو.. هكذا خدعت إيران الشيعة العرب! - جابر رجبي - عرب كاست
https://www.youtube.com/watch?v=BivYuF2nPtY
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟