|
|
تحليل رواية -موت مع مرتبة شرف-
بن ميرة سهيلة
الحوار المتمدن-العدد: 8533 - 2025 / 11 / 21 - 22:09
المحور:
الادب والفن
باسم الحرية المقيدة بسلاسل القرار، باسم الشرعية التي لا تستند إلا إلى وهم التبرير، باسم أولئك الذين نالوا لقب "الشرفاء" وهم عراة من الشرف، وباسم شعوب أنهكتها الأوجاع وتكلست فيها الندوب... في المسافة الرمادية بين من يحكم ومن يُحكَم، بين من يظلم ومن يُظلم، ينحني ميزان العدالة حتى تتساوى كفتاه، لا إنصافا، بل ليُعلن اللحظة التي يصبح فيها الجلاد والمجني عليه وجهين لعملة فاسدة. ومن دهاليز العدالة المهترئة، ينبعث السؤال الأبدي: أي عدالة نعني؟ وأي غاية نرجو؟ فالغاية تغيّر الملامح، وتقلب المفاهيم، وتعيد صياغة الجريمة لتبدو إصلاحا. فالعدالة التي تحرس حدود الأرض، ليست كالتي تحرس حدود السلطة. والتي تُبنى لحماية الأوطان، ليست كمن تُسخّر لرعاية المواطن. وتلك التي تُبشّر بالمساواة، لا تشبه العدالة التي تُكرّس التفاوت باسم الديمقراطية. بل إن العدالة التي تلهث خلف ذاتها، تبتلع نفسها في دوامة عبثية لا قرار لها. وبين العدل والعدالة... يتشظى المعنى، تتراكم التعريفات كأنها كمائن لغوية، ويكمن الشيطان، لا في التفاصيل... بل في التعاريف ذاتها. في الأزقة التي تفوح منها رائحة الخطيئة... حيث يختلط العرق برائحة اللحم الرخيص، وحيث تُضاء البيوت الحمراء بالخطايا المؤجلة، في البطون المتخمة حد التخمة، وعلى أسرة السجن التي التصق بها القهر كما تلتصق الندبة بالجلد، هناك... تبدأ الرحلة. شاب بلا ملامح يقودنا من شارع غارق في العتمة، إلى زقاق ضيق لا يكفي لمرور ظل. ثم... إلى عالم فسيح، مشرق بالإعلانات، مترف حتى التخمة... لكنه ملطّخ، قذر، عالم تعفن تحت المظهر، وتورمت فيه القيم تحت مساحيق الزيف. في هذا العالم: مجرم غطى دمه بالشعارات، فصار "أسدا"، قاتل أباد أمة باسم القانون فصار "فيلا"، وقائد نسي الإنسان في لحظة مجد، فصار "رمزا". في عدالتنا، هناك لحظة يتحول فيها الظلم إلى عدالة، وللعدالة لحظة أخرى... تصبح فيها جريمة مكتملة الأركان. وهنا، يعود السؤال البليد بحذائه المهترئ: من يرسم العدالة؟ من يخطّها؟ من يسنّها ويصقلها ويبيعها في الأسواق؟ شيخ على باب السلطان، يمسك ميزانا مقلوبا، يفتي بما يرضي القصر، ويخوّف العامة من الجحيم. يبشّر السلطان بالقصور والولدان، ويحذر الفقراء من لهيب النار إن لم يكونوا عبيدا لعبيده. فمن إذا يخط العدالة؟ أهو من في القطار ولا يدري إلى أين يسير؟ أم من خارجه، لا يسمع حتى صراخ من بداخله؟ أهو ذاك الذي ينظر من الأرض فيرى الجزئيات ويغفل عن الكليات؟ أم من من برجه العاجي يرى الكليات وينسى الجزئيات؟ هل العدالة تُرى بالعين المجردة؟ أم من خلال المجهر؟ أم من خلف مرآة مقلوبة؟ هل منطق الفعل وردة الفعل يكفي؟ أم أن العالم أكبر من المعادلات الفيزيائية؟ وفي الشوارع اللامعة، ما تزال أكواب الدم تصطفّ على الأرصفة... لتُروى بها عطشى لا يرتوون. الحشود تحتشد، تتمايل، تضحك، تصرخ، ومابين مكاء وتصدية، نعبر فوق الكلمات ولا ننظر لما تحتها. ثم نعود... إلى تلك القاعة المهيبة التي جمعت القاضي والجلاد، الظالم والمظلوم، تحت سقف واحد، ميزانها المتوازن... ليس رمزا للعدل، بل إعلانا بأن الظلم مستمر، بأن للظالم أملا أن يظلم، وأن للمظلوم حقا واحدا: أن يُظلم مرة أخرى... دون ضجيج. هكذا بدأت رواية موت مع مرتبة شرف…
رواية "موت مع مرتبة شرف" عمل أدبي هجائي سياسي، يفتح للقارئ نافذة على عالم يموج بالأسئلة الكبرى عن الإنسان (بتعبير أدق: الفرد)، المجتمع، والعدالة. يختار المؤلف بطله بعناية، شخصية رومانسيّة، أخلاقيّة، وحكيمة في آن، ليمنحنا عبر صوته لمحات استرجاعية تستحضر ماضيه، وتكشف ملامح مدينة تكاد تكون مرآة لمدن كثيرة، ترمز إلى واقع اجتماعي مشترك، ثم يلمّح سريعا إلى المأساة التي تنتظره. الراوي – مجهول الاسم – يمرّ بتحوّل داخلي عميق، مدفوعًا بملاحظاته على التجارب المحيطة به وبمدينته. ومن خلال السرد بضمير المتكلم "أنا"، لا نقترب فقط من رؤيته الخاصة، بل نتلمس أيضا موقف الكاتب نفسه من الوجود والإنسان. يبوح البطل بمشاعر جمال الحيّان الشخصية تجاه الحياة، مشاعر بسيطة وعميقة في آن، كالقول، ضمنيا، إن الإنسان مثل الكتاب، لا تُعرف قيمته من غلافه، بل من جوهره المخفي. في هذا النص، تتجلى "رومانسية عكسية"، لا تحتفي بالحب أو الجمال، بل تكشف انحدار الإنسان وسط الفساد، وتعيدنا عبر المزج بين الماضي والواقع إلى سؤال الحضارة: هل تعني المباني الجديدة والمدن المتطورة شيئا إذا بقيت ساحة الإعدام شاخصة كرمز للدكتاتورية؟ الرواية تطرح قضايا إنسانية وفكرية بالغة الأهمية: معاناة الأفراد تحت سلطة المؤسسات الطبقية والنظام القانوني، انتقاد المبادئ النفعية للرأسمالية، والتطرق إلى أشكال العبودية الحديثة التي سبق أن لفت إليها جورج أورويل. كما تتأمل في معنى المواطنة: من هو الشعب؟ ومن هو المواطن الصالح؟ كتب الحيّان نصّه بلغة ساخرة إلى حد ما، كاشفا عيوب المجتمع، ساخرا من تناقضاته، ومثيرا في القارئ وعيا ناقدا. ولعلّ ما يضاعف أثر الرواية هو ما تحمله من صدى أسطوري: إذ تذكّرنا حكايتها بمصير بروميثيوس الإغريقي، الذي أحب البشر، فسرق لهم النار من الآلهة، فكان جزاؤه عقابا أبديا، تتجدّد آلامه كل يوم. إنها صورة تتردد أصداؤها في الرواية: البطل الذي يريد الخير للآخرين، لكن المجتمع والسلطة يقابلانه بالعقاب. هكذا، تخرج موت مع مرتبة شرف من كونها رواية محلية الطابع إلى عمل إنساني الطرح، يتأمل معنى الحرية والكرامة، ويضع القارئ وجها لوجه أمام سؤال أبدي: هل ثمن المعرفة والحرية هو العذاب، أم أن العذاب ذاته هو الطريق إلى الخلاص؟
الحقيقة والوهم يقدّم هذا العمل معالجة فلسفية عميقة لمفهوم الحقيقة، من خلال مساءلة الحدود بين الحقيقة والوهم، بطريقة تحاكي جدلية كهف أفلاطون. كما في رمزيةالكهف، حيث يرى السجناء ظلال الأشياء على جدران الكهف ويظنون أنها الواقع، ثم يكتشف أحدهم العالم الحقيقي خارج الكهف، فإن الكاتب في هذا العمل يدعونا للخروج من "كهف" الواقع الظاهري نحو عمق الذات، بحثا عن حقيقة لا تكشف عن ذاتها بسهولة. غير أن العمل يبتعد عن الرؤية الأفلاطونية التقليدية التي تفترض وجود "جوهر" للحقيقة في عالم المثال، ليقترب أكثر من الرؤى المعاصرة التي تفكك مفهوم الحقيقة ذاته. فالحقيقة هنا ليست هدفا معرفيا يمكن الإمساك به أو الوصول إليه بشكل مطلق، بل هي بُنية تأويلية، متحركة، متغيرة باستمرار. يتقاطع هذا التصور مع الطروحات الفلسفية لما بعد الحداثة، خصوصا لدى ميشيل فوكو، الذي رأى أن الحقيقة تُنتَج داخل أنساق الخطاب والمعرفة، ومع جاك دريدا، الذي فكك مفهوم المعنى الثابت، مؤكدا على تأجيل الدلالة وتعدد مستويات القراءة. في هذا الإطار، يمكن قراءة العمل ضمن تقاليد الرواية الفلسفية المعاصرة التي تتبنى هذا الوعي النقدي تجاه الحقيقة، كما في روايات خورخي لويس بورخيس، الذي يشتغل على تداخل الحقيقة بالوهم والواقع بالمتخيل، أو ميلان كونديرا، خاصة في روايته "كائن لا تحتمل خفته"، حيث تظهر الحقيقة كحالة نسبية، تتعلق بالزمن، والذاكرة، والتجربة الذاتية. كذلك نجد هذا الطرح في أعمال بول أوستر، حيث تتكرر موضوعة تداخل السرد مع الواقع، وضياع الحدود بين الكاتب والشخصية والمتلقي. ويُظهر العمل هذا التوجّه بشكل خاص في تناوله لمفهوم الحرية، إذ لا تُعرض الحرية كواقع أو كحق مضمون، بل كاحتمال جمالي، كتجربة يتم اختيارها أو تقديرها لا لحدوثها، بل لندرة تحققها. وهكذا تصبح الحقيقة مرتبطة بالإشارة إلى النقص، إلى ما لم يكتمل، إلى ما لا يمكن الإمساك به بشكل نهائي. هذا التصور يقترب أيضًا من الموقف الوجودي لدى فلاسفة مثل جان بول سارتر وألبير كامو، حيث لا يُنظر إلى الحقيقة كشيء موضوعي أو مفروض خارجيا، بل كشيء يتعيّن على الفرد أن يصنعه بنفسه عبر اختياراته، حريته، وموقفه من العبث. في هذا السياق، تتقاطع الرواية مع أعمال مثل "الغثيان" لسارتر، أو "الغريب" لكامو، اللتين تكشفان عن عبثية الواقع الخارجي، وتُحيلان الحقيقة إلى الفعل الفردي والوعي الذاتي. إن هذا التفاعل المركب بين الأفكار الفلسفية القديمة والمعاصرة، يتجلى في بنية السرد ذاته، حيث يُطلب من القارئ أن يشارك في إنتاج المعنى، لا أن يكتفي بتلقيه. وبذلك، يصبح النص ذاته مساحة تأمل في الحقيقة كفعل وجودي، جمالي، وتاريخي في آن معا.
الحرية ليست الحرية مفهوما طارئا في الأدب، بل هي واحدة من أكثر القضايا تعقيدا وتنازعا في مسار الفكر الإنساني. وقد شكّلت عبر العصور محطّ اهتمام الفلاسفة والروائيين على حد سواء، إذ تمثل، في جوهرها، ذلك التوتر الدائم بين الرغبة في الانعتاق، والخوف من اتساع الأفق. في الرواية التي بين أيدينا، نجد مقاربة مميزة لهذا المفهوم، حيث لا تُطرح الحرية كمعطى بسيط أو حق مكتسب، بل كمعضلة وجودية تتكشف في طبقات سردية متعددة، تعكس صراع الذات مع ذاتها، ومع العالم من حولها. أولا: الحرية كجوهر للوجود الإنساني منذ الصفحات الأولى، يُدرك القارئ أن الكاتب لا يتعامل مع الحرية بوصفها مجرد شعار أو طموح فردي، بل يعالجها كأحد أعمدة الكينونة. يتدرج السرد عبر مستويات فلسفية ونفسية، تُظهر الحرية كعبء لا يمكن تجاهله. فهي ليست أداة تُستخدم، بل مسؤولية تتلبس الإنسان منذ لحظة وعيه الأول. يظهر هذا الطرح بجلاء في تصوير الكاتب للحرية كـ"عبء الوجود وجوهر الإنسان"، حيث يتم تجاوز الصورة الرومانسية التقليدية لها، ليتم تفكيكها كقيمة تحيل إلى اختيارات مؤلمة ومسؤوليات جسيمة. هنا، لا يقدّم الكاتب حلولا جاهزة أو تعاريف نهائية، بل يدعونا إلى التأمل في المساحات الأكثر غموضا في النفس البشرية. في هذا السياق، تصبح الحرية أشبه بجدار عال، لا يُتسلق إلا بالشك، والحيرة، والانفتاح على احتمال السقوط. إنها ليست منحة، بل امتحان دائم للوعي. ثانيًا: الحرية كخيانة: صدمة الوعي الفردي في أحد أبرز مقاطع الرواية، يورد الكاتب عبارة تحمل وقع الصدمة: "ليس في الوجود ما هو أشدّ غدرا من الحرية". للوهلة الأولى، قد تبدو هذه العبارة نقيضا لما هو متوقع، إلا أنها تنطوي على فهم عميق لمعنى الحرية في السياق الوجودي. فهي لا تعد الإنسان بالراحة، بل تكشف له هشاشته، وتضعه في مواجهة مباشرة مع قراراته ومصيره. يتقاطع هذا الطرح مع ما ذهب إليه جان بول سارتر، حين وصف الإنسان بأنه "محكوم عليه بالحرية". هذا الحكم ليس تعبيرا عن نعمة، بل عن محنة؛ إذ أن الإنسان، حين يُجرد من كل ما هو مفروض أو متوارث، يُترك أمام خيار وحيد: أن يصنع نفسه بنفسه. هنا، تصبح الحرية بمثابة "خيانة" للوهم القديم بالأمان، أو لوجود خارجي يمنح الحياة معناها. صدمة الوعي في هذا السياق، ليست مجرد إدراك عقلي، بل تجربة نفسية وجودية تُفكك يقينيات الفرد وتُدخله في معترك القلق الوجودي. ثالثًا: النضال من أجل الوجود الحرية في هذه الرواية ليست لحظة استنارة مفاجئة، بل مسيرة معقدة ومؤلمة. يَستحضر الكاتب مقولة فريدريك دوغلاس: "النضال قد يكون مرّا، لكن الحرية لا تُمنح إلا للمطالبين بها"، ليُعمّق من هذا المفهوم، مؤكدا أن التحرر لا يُمنح من الخارج، بل يُنتزع من عمق الصراع الداخلي. يُجسد الكاتب هذا النضال في حوار رمزي بين الغراب والفأر، حوار يتجاوز البُعد الحكائي، ليكشف عن تمزقات النفس البشرية. الغراب، بوصفه رمزا للحكمة، المنطق، العقلانية، والوعي الحاد، يدعو إلى مواجهة الذات، لا الهروب منها. أما الفأر، فيمثل انكسارات الإنسان وخوفه من التحليق خارج المألوف. هنا تتجلى معضلة الحرية في أبهى صورها: الصراع النفسي المحاصر للمثقف المهتم بقضايا أمته، بين الرغبة في الطمأنينة، والحاجة إلى الصراخ في وجه الظلم. إن كل نفس حُرّة، هي في الأصل نفس تنزف. رابعًا: الحرية والمسؤولية: بناء الذات من الداخل في ختام الرواية، يُبلور الكاتب موقفه النهائي من الحرية في ربطها الوثيق بالمسؤولية. فالحرية، كما يصوّرها، لا تعني الانفلات، بل الالتزام العميق بالذات والآخر. إنها ليست نقيضا للنظام، بل جوهره الأخلاقي. أن تكون حرا، يعني أن تتحمل نتائج اختياراتك، وأن تُبصر العالم لا من خلال قوالب جاهزة، بل عبر عينيك، بتجربتك، و بشجاعتك الخاصة في مواجهة الغموض. الحرية هنا تتحول إلى دعوة للتجرد من الأقنعة، ومساءلة الأعراف. ليست الحرية أن تكون ما يريدك النظام الفاسد أن تكونه، بل أن تملك الجرأة لتكون "أنت" في أعمق معانيك. في هذا السياق، تصبح الحرية بناء داخليا متينا، لا فعلا عابرا أو شعارا أجوف.
الدين والتدين رغم أن الكاتب لم يُسهب في تناول موضوع الدين والتديّن، فإن الإشارات المقتضبة التي وردت في النص تختزن أبعادا فلسفية عميقة، تستدعي مقاربتها بما طرحه كل من نيتشه وغرامشي. فالدين، في لحظته الأولى، يظهر كرسالة حرّة، يتوجه بها نبي إلى الناس جميعا، ليمنحهم إمكانية الاختيار والرفض. غير أنّ هذه الحرية التي ينطوي عليها الدين شكّلت عبر التاريخ تهديدا للسلطة السياسية، التي لم تجد أمامها سوى القمع والتطويع. هنا نستحضر نيتشه في حديثه عن "موت الإله"، لا بوصفه إنكارا لوجوده، بل باعتباره انهيارا للمعنى الذي كان يبرّر السلطة والأخلاق، وتحول الدين من قوة تحريرية إلى أداة تضبط السلوك وتقيّد الإرادة. هذا التحوّل يجد تجسيده العملي في ما يمكن تسميته بـ "مأسسة الدين": المسجد الذي كان فضاء روحيا بريئا صار مؤسسة تحتاج إلى تمويل وصيانة وإدارة، ورجال الدين الذين كانوا وسطاء روحيين أصبحوا موظفين، تابعين لهياكل إدارية تخضع بدورها لسلطة الدولة. إننا هنا بإزاء ما وصفه غرامشي بـ "الهيمنة الثقافية": حيث تُعيد الدولة إنتاج سلطتها عبر أدوات رمزية وأيديولوجية، ومن أبرزها المؤسسات الدينية. فوزارة الأوقاف أو "الإرشاد" لم تعد مجرد جهاز خدمي، بل أداة لإيصال "دين الدولة"، أي التوجهات السياسية مغلّفة بخطاب لاهوتي. الأمثلة الحديثة تكشف بوضوح هذه الديناميكية: الولايات المتحدة وظّفت الدين في الحرب الباردة عبر فتح باب "الجهاد" في أفغانستان بدعم من حلفائها، ثم استخدمت الدين ثانية في مشروع إسقاط نظام صدام حسين. هكذا يتأكد أن الدين، في لحظة استحواذ السلطة عليه، ينفصل عن رسالته الأصلية ويتحوّل إلى خطاب أيديولوجي في خدمة الدولة. وإذا كان الدين قد خضع لهذا المسار من الترويض المؤسسي، فإن الأدب لم يكن بعيدا عن التجربة ذاتها. رواية كوخ العم توم لهارييت بيتشر ستو تقدم مثالا دالا: نصّ أدبي يبدأ بدافع أخلاقي وإنساني، لكنه سرعان ما اندمج في خطاب سياسي محدّد، إذ نُشر أولًا في صحيفة The National Era المنخرطة في دعم حزب التربة الحرة، ثم صار لاحقا أداة في تعبئة الناخبين الجمهوريين ضد العبودية. وكما أن الدين تحوّل إلى مؤسسة تخضع للهيمنة، فإن الأدب هنا تحول إلى وسيلة من وسائل الصراع الحزبي، حيث تذوب الحدود بين الخطاب الديني والخطاب السياسي. في ضوء نيتشه، يمكن قراءة هذا التحوّل بوصفه انتقالا من الدين/الأدب كإرادة للمعنى والتحرّر، إلى الدين/الأدب كـ "أخلاق عبيد" أو خطاب مطوّع لصالح السلطة. أما في ضوء غرامشي، فإن الأمر يكشف عن آلية دقيقة لإنتاج الهيمنة: السلطة لا تكتفي بالقمع المباشر، بل تسعى إلى بناء توافق زائف عبر الأدوات الثقافية، سواء تمثلت في المؤسسة الدينية أو في النص الأدبي المُسيس. هكذا نجد أن الدين والأدب يشتركان في مصير واحد: كلاهما يبدأ بوصفه وعدا بالحرية، لكنهما ينتهيان – في ظل السلطة – إلى خطاب أيديولوجي يعيد إنتاج البنى نفسها التي ادّعيا التحرر منها. والسؤال النقدي الذي يظل مفتوحا هو: هل يمكن لأي خطاب إنساني أن ينجو من قبضة السلطة، أم أن السياسة قدرٌ يُعيد صياغة كل معنى مهما كانت نواياه الأولى؟ النقد الأدبي: حين قال غوستاف فلوبر إنّ الكاتب يجب أن يكون في نصّه "كالإله في الكون، حاضرا في كل تفصيلة، وغائبا عن كل ظهور"، كان يُرسي مبدأ جوهريا في فن السرد: مبدأ الحضور الكلّي المتعالي، الذي يمنح النص اتساقه الداخلي من دون أن يتدخّل في تفاصيله بشكل مباشر. فالكاتب الحقّ، وفق هذا التصور، ليس معلّما يُلقي دروسا على القارئ، ولا خطيبا يُملِي تأويلات جاهزة، بل هو ذلك الحضور الخفي الذي يُحرك الشخصيات والأحداث، تاركا للرموز واللغة أن تقوم بوظيفتها الإيحائية في بناء المعنى. غير أنّ النص الذي بين أيدينا يبدو في أحيان كثيرة بعيدا عن هذا المثال الفلوبرّي، إذ يتردّد بين لحظات يُمسك فيها الكاتب بزمام السرد بحذر لافت، ولحظات أخرى يتدخل فيها بشكل مباشر، شارحا رموزه، مفسرا استعاراته، أو كاسرا الجدار الرابع ليخاطب القارئ بصفته سلطة معرفية عليا. هنا تتكشف المفارقة: النص يريد أن يكون إبداعا متعاليا، لكنه يعود مرارا إلى موقع الخطاب التوجيهي، فيخسر بذلك شفافية الحضور "الإلهي" الذي دعا إليه فلوبر، وينزلق إلى خطاب مُثقل بالشرح والوصاية. إذا كان بارت قد أعلن منذ ستينات القرن الماضي "موت المؤلف" ليفتح النص على أفق تعددية القراءات، فإن هذا النص، موضوع تحليلنا، يُصرّ على استدعاء المؤلف مرارا من خلف الستار، سواء عبر تدخّلات مباشرة أو عبر شروح رمزية متكررة، ما يعيد النص إلى لحظة ما قبل موت المؤلف، حيث الصوت السردي لا يترك للمتلقي حرية التأويل، بل يتقدّم ليشرح ويوجّه. 1. كسر الجدار الرابع: بين الوعي النقدي والانكسار السردي تُوظَّف تقنية كسر الجدار الرابع بوصفها محاولة لخلق وعي نقدي داخل النص، إذ يتقدّم الكاتب مباشرة إلى القارئ في لحظات بعينها ليعلّق أو يعلّم أو يضع مسافة بين السرد وواقعه. لكن هذا التدخل يبقى سلاحا ذا حدّين: فمن جهة، يفتح أفقا شبيها بما سمّاه باختين بالحوارية (dialogism)، حيث تتقاطع الأصوات وتتشابك، فلا يبقى النص منغلقا في سرديته بل ينفتح على خطاب نقدي مواز. ومن جهة أخرى، فإن الإفراط في هذه التقنية يُهدّد تماسك "العالم التخيلي"، إذ يكسّر الإيهام الفني ويحوّل التجربة القرائية إلى سلسلة من الانقطاعات. فبدل أن يكون القارئ منخرطًا في بنية النص، يُستدرج إلى موقع المتفرج على لعبة سردية مكشوفة، الأمر الذي قد يُفقد السرد قدرته على الإقناع العاطفي والجمالي. 2. شرح الرموز: بين التأويل والانغلاق الرموز في النص لا تُترك لتعمل عملها الإيحائي، بل يُصرّ الكاتب على إفصاح بنيتها وتأويلها بشكل مباشر في العديد من المرات، وكأنه لا يثق في قدرة القارئ على فكّ شيفرتها. هنا تتجلّى المفارقة: فبدل أن يكون النص فضاءً مفتوحا للتأويل، يتحوّل إلى خطاب أحادي الصوت يُعيد إنتاج سلطوية المؤلف على حساب حرية القارئ. يذكّرنا هذا الوضع بنقد أمبرتو إيكو لفكرة "النص المغلق"، حيث تُختزل إمكانات الدلالة في مسار واحد مرسوم سلفا. والرمز، الذي يفترض أن يحمل طاقة دلالية متعدّدة، يُسجن في وظيفة تفسيرية أحادية. النتيجة هي ما يمكن تسميته شللا تأويليا: القارئ لا يشارك في إنتاج المعنى بل يتلقّى معاني جاهزة، ما يفرغ التجربة الأدبية من بعدها التفاعلي. 3. العجز الحواري: أحد أبرز مواطن الضعف في النص يكمن في "بعض" لحظات الحوار، حيث تُطرح أسئلة حيوية لكنها تظلّ بلا إجابة، أو يُقابلها خطاب مرتبك، أشبه بـ"الشلل الحواري". مثال ذلك مشهد العنكبوت (ص. 116)، حيث يظل السرد معلّقا أمام أسئلة عميقة دون محاولة جادة لاحتوائها. هذا المأزق يذكّرنا بشخصية جون، عضو مجلس الشيوخ، في الفصل التاسع من كوخ العم توم، الذي يقف عاجزا أمام حجج زوجته الضعيفة، غير قادر على الردّ رغم أنّ خطابها قابل للنقاش والدحض. من منظور باختيني، هذا الفراغ الحواري يعني غياب التعدد الصوتي (polyphony)، إذ يُفترض في النص الروائي أن يمنح أصواته استقلالية كافية لمساءلة بعضها البعض. لكن ما يحدث هنا هو انكسار للحوارية، حيث يُترك أحد الأطراف بلا قدرة على الجدل، وكأن النص يخشى مواجهة نفسه في مرآة أسئلته. (قلت أن وقع في هذا الخطأ في "بعض" المواطن فقط، لأنه في مواقع أخرى أستطيع اعتبار ذلك العجز ك مرحلة استيعاب epiphany) 4. الرمزية الملتبسة: تُثير معالجة الكاتب للرموز إشكالية دلالية لافتة، فهي تتأرجح بين الكثافة الشعرية التي تُغري بالتأويل، وبين الارتباك الدلالي الذي يربك المتلقي ويضعه أمام احتمالات متناقضة. ولعلّ العبارة: "أن تحلّق في سماء الوعي مثل النسور" تمثل نموذجا بارزا لهذا التذبذب. فمن خلال استدعاء صورة "النسور"، يستحضر النص – بقصد أو بغير قصد – الرمز الأول الذي ارتبط في الفصول الافتتاحية بتمثيل فئة اجتماعية فاسدة، متغطرسة، غير مدركة للأذى الذي تخلّفه. غير أنّ الكاتب، في هذا الموضع المتأخر، يعيد توظيف النسور نفسها بوصفها استعارة للتحليق العقلي والوعي المتسامي. هنا يتولّد ارتباك دلالي حاد: هل النسور الأولى واعية بذاتها لتُستعاد فجأة كرمز للوعي؟ أم أنّ هناك انفصالا في استراتيجية الترميز بحيث يُعاد تدوير الصورة ذاتها في سياق مختلف دون بناء ترابطي يضمن انسجامها داخل النسيج الكلي للنص؟ هذه المفارقة لا تبدو مجرد زلّة أسلوبية، بل تكشف عن خلل أعمق في منطق الرمز نفسه؛ إذ يتحوّل من أداة لتوليد المعنى إلى آلية تُعرقل انسجام الدلالات وتشتت أفق التلقي. في هذا السياق، يمكن استحضار مقولة رولان بارت حول "تعدد الدلالة" (polysemy)، حيث النص يُنتج دائما فائضا من المعنى يتجاوز مقاصد المؤلف المباشرة. غير أنّ ما يحدث هنا لا ينتمي إلى فضاء التعدد المنتج للمعنى، بل أقرب إلى ما يمكن وصفه بـ "الانزلاق الدلالي" بالمعنى الذي يشير إليه جاك دريدا: انزياح العلامة عن مرجعها الأول دون أن تستقر في دلالة بديلة متماسكة، فتظلّ عائمة بين الحضور والغياب، بين الوضوح والإرباك. وبذلك يغدو الرمز أشبه بـ"أثر" (trace) يتوارى خلفه المعنى بدل أن يكشف عنه. هذا التوتر بين الوفرة الرمزية والارتباك المفهومي يطرح سؤالا نقديا أعمق: هل النص يتعمّد هذه الانزلاقات كجزء من استراتيجية "الكتابة المنفتحة" التي ترفض إغلاق الدلالة في تأويل واحد، أم أنّه يقع في فخّ التناقض غير الواعي الذي يُقوّض طاقته الرمزية؟ هنا تبرز أهمية الوعي النقدي الذي يميّز بين الغموض الخلّاق – الذي يفتح النص على إمكانات تأويلية – وبين الغموض المربك – الذي يكشف عن ثغرات في هندسة الرمز وتماسكه الداخلي. 5. بين الخطاب والهيمنة: أثر غرامشي من زاوية أخرى، يمكن النظر إلى هذه الثغرات بوصفها انعكاسا لمأزق أعمق يرتبط بما يسميه غرامشي الهيمنة الثقافية. فالنص يبدو في كثير من المواضع وكأنه يرسّخ سلطة المؤلف على حساب القارئ، سواء عبر الشرح الزائد، أو التدخل المباشر، أو خنق الحوار. هذا يخلق وضعية تشبه علاقة الهيمنة: سلطة واحدة تفرض معانيها، وتُقصي أصواتا أخرى. النص، بهذا المعنى، يظل محكوما ببنية عمودية سلطوية، بدل أن ينفتح على فضاء أفقي تداولي، حيث القارئ شريك فاعل في صناعة المعنى.
إذا كانت مقولة فلوبير قد جعلت من "غياب الكاتب" شرطا لجمالية السرد، فإنّ النص الحالي يكشف عن حضور مفرط للكاتب، حضور يُقوّض الوهم السردي ويضيّق مساحة القارئ. وبينما يحاول أن يكون نصا ما-ورائيا نقديا، فإنّه يسقط أحيانا في تناقضات: كسر الجدار الرابع بلا توازن، شرح الرموز حتى تفرغ من معناها، صمت الشخصيات أمام أسئلة كان يمكن أن تغني السرد. النص إذن ليس عاجزا عن الوعي، بل هو وعي مأزوم: وعي يريد أن يسيطر على كل شيء، فلا يترك مساحة للفوضى الخلّاقة التي تمنح الأدب عمقه. وهكذا، يُطرح السؤال النقدي الأهم: هل يمكن لنصٍّ يُصرّ على هيمنة الكاتب أن يحقّق حرية القارئ؟ أم أنّ الحرية الأدبية، مثل الحرية الوجودية، لا تُعاش إلا حين يتراجع "الكاتب-الإله" خطوة إلى الخلف، تاركا للنص أن يتنفّس بذاته؟
إذا، الحرية في رواية "موت مع مرتبة شرف" ليست زينة خطاب ولا شعارا معلقا على الجدران، بل جرح مفتوح يتسع كلما حاولوا خنقه. إنّها الانحياز لأولئك الذين يُعاقبون لأنهم لم يطيعوا، ولأولئك الذين يُسمّون "شياطين" لمجرّد أنّهم قالوا: "لماذا؟". في الذاكرة الإنسانية، لم يكن البطل يوما من رضي بما فُرض عليه؛ بل من كسَر القيد ولو تحوّل ثمنا إلى لعنة أبدية. بروميثيوس رُبط إلى صخرته لأنه سرق النار، وسيزيف عوقب بالعبث لأنه لم ينحن أمام قدره… جميعهم وُصِفوا بالشرّ، لكنهم في عيون الباحثين عن الحقيقة ظلّوا وجوها للتمرد الخلّاق، وأبطالا مأساويين حملوا سرّ الحرية في عتمة العبودية. هكذا تبدو الرواية: صوت يرفض أن يتساوى الإذعان بالفضيلة أو يُختزل العصيان في الخطيئة. كل حوار يتوقف عند أسئلة بلا جواب، كل رمز يتعثر في كثافته، كل شخصية تتلوّى بين العجز والتمرد، يكشف أنّ السؤال هو قلب المأساة، وأن المأساة هي طريق السؤال. فالذين صمتوا صاروا شهودا على القهر، والذين تجرأوا على النطق صاروا غرباء في أرض مأهولة، ومن تكلّفوا طاعة صاروا أشبه بالأموات بين الأحياء. وبين هؤلاء جميعا، يبقى وجه البطل الملعون ماثلا: من يحترق ليمنح الآخرين قبسا من نور، من يسقط ليؤكد أن السقوط موقف، ومن يحمل الحجر الأبدي ليقول إن العبث نفسه يمكن أن يكون تحديا. بهذا المعنى، لا تُقرأ الرواية كقصة فرد فقط، بل كبيان فكري يفضح آليات النظام حين يعيد صياغة الخطيئة لتبدو طاعة، ويحوّل السؤال إلى تهمة، والتمرد إلى جريمة. لكنها، في عمقها، تبقى انحيازا صارخا للحرية الفكرية، وإعلانا أن "الشياطين" الذين طاردهم التاريخ… هم أنفسهم من منحوا التاريخ ملامحه الأكثر إنسانية. ففي النهاية، ليس البطل من أطاع، بل من تجرّأ على السؤال.
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المخرج طارق صالح - حبّ مصر الذي تحوّل إلى سينما بثمن باهظ
-
-إنّما يُجنى الهدى من صُحبة الخِلّ الأمين-.. الصداقة الافترا
...
-
مؤسس -هاغينغ فيس-: نحن في فقاعة النماذج اللغوية لا الذكاء ال
...
-
مسرحية -عيشة ومش عيشة-: قراءة أنثروبولوجية في اليومي الاجتما
...
-
محمد إقبال: الشاعر والمفكر الهندي الذي غنت له أم كلثوم
-
مصر: رصد حالات مصابة بالحمى القلاعية بين الماشية.. و-الزراعة
...
-
موسم الدرعية يطلق برنامج -هَل القصور- في حيّ الطريف
-
المدينة والضوء الداخلي: تأملات في شعر مروان ياسين الدليمي
-
مكان لا يشبهنا كثيراً
-
لقطات تكشف عن مشاهد القتال في فيلم -خالد بن الوليد- المرتقب
...
المزيد.....
-
يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال
...
/ السيد حافظ
-
ركن هادئ للبنفسج
/ د. خالد زغريت
-
حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني
/ السيد حافظ
-
رواية "سفر الأمهات الثلاث"
/ رانية مرجية
-
الذين باركوا القتل رواية
...
/ رانية مرجية
-
المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون
...
/ د. محمود محمد حمزة
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية
/ د. أمل درويش
-
مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز.
...
/ السيد حافظ
-
إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
المرجان في سلة خوص كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
المزيد.....
|