أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - رضا علي حسن - نعوم تشومسكي من النحو البنيوي إلى الدولة المارقة















المزيد.....



نعوم تشومسكي من النحو البنيوي إلى الدولة المارقة


رضا علي حسن

الحوار المتمدن-العدد: 8533 - 2025 / 11 / 21 - 09:17
المحور: سيرة ذاتية
    


الكلمات سهلة جداً، من السهل وصف الذات بأنها نموذج للفضيلة، وإنها تقود العالم لتحقيق جميع الأهداف الرائعة والمثالية، لقد فعلها ستالين، وفعلها هتلر، ويمكن لأي شخص أن يفعلها، غير أن السؤال هنا هو: ما هي الحقيقة؟" كان هذا السؤال الذي ألقاه نعوم تشومسكي في واحدة من مقابلاته المسجَّلة هو الدافع الحقيقي وراء تحوّله من النشاط اللغوي إلى نشاط النقد السياسي والاجتماعي، وهو السؤال الذي دفع المصلحين من قبله إلى إنجازاتهم العلمية والأخلاقية، والسؤال الذي يبقى دائماً بلا إجابة محددة في أوانه، وينتظر من يجيب عليه دائماً في مستقبل النشاط البشري الإصلاحي. كان هذا السؤال أيضاً دافعه الذاتي وراء مراجعاته وتحولاته العلمية والنقدية، ورباطه الوثيق الذي يوحِّد فكره المنطقي رغم ما يبدو عليه من تباين، وحافزه الجارف إلى تعلُّم المزيد، والتفكير في إجابة علمية وأخلاقية قد توضِّح الحقيقة، وتفضح التناقض البشري، وترده إلى أبسط صوره التي تُعري التناقض بين اللغة والأخلاق.
ولا نستطيع أن نفهم نعوم تشومسكي، ثائر اللغة، وثائر السياسة، إلا بالرجوع إلى تنشئته وحياته الفكرية والعلمية، وما زرعته فيه هذه التنشئة الجادّة المبكرة من أفكار علمية وأخلاقية مكنته من محاولة الإجابة عن السؤال الحائر: ما هي الحقيقة؟

مولده ونشأته

وُلد "أفرام نعوم تشومسكي" في السابع من ديسمبر 1928 في فيلادلفيا لأبوين من أصول سوفيتية. هاجر والده "ويليم زيف تشومسكي" من أوكرانيا إلى أمريكا سنة 1913 هرباً من التجنيد الإجباري في جيش القيصر "نيكولاس الثاني"، آخر قياصرة روسيا من أسرة رومانوف. بدأ والده عمله معلِّماً للغة والأدب العبري، ثم مديراً لمدرسة يهودية تابعة لطائفة "ميكفه إسرائيل" في فيلادلفيا، وعضواً في هيئة تدريس كلية "جراتس" للمعلمين وأصبح رئيساً لها، وعمل أيضاً في كلية "دروبسي" للدراسات العليا اليهودية، وهي من أعرق المؤسسات العلمية والجامعية اليهودية في فيلادلفيا وأفضلها في الولايات المتحدة.
وُلدت أمه في أمريكا لأبوين قد هاجرا من بيلاروسيا تحت حكم الإمبراطورية الروسية خوفاً من التضييق والقهر والمذابح التي تعرّض لها اليهود، خاصة بعد اغتيال "تسار ألكسندر الثاني" سنة 1881 على أيدي جماعة كانت تسمّي نفسها "إرادة الشعب"، وكان منها عدد من الأعضاء اليهود. وعملت أمه "إلسي سيمونوفيسكي تشومسكي" معلِّمة للغة العبرية ومؤلِّفة لكتب الأطفال. واتخذ أخوه الأصغر "ديفيد إلي تشومسكي" مساراً آخر بعيداً عن الحياة الأكاديمية والسياسة لعائلته، وكان طبيباً بارزاً للقلب في بنسيلفانيا، حيث ترك بصمة إنسانية في مجال الطب كما ترك أخوه الأكبر نعوم تشومسكي بصمته المميزة في مجالي اللغويات والعمل السياسي والاجتماعي. وكان وراء هذا التميّز الإنساني والعلمي للأبناء أسرة اتّصفت بالاهتمام البالغ بتنشئة أبنائها ورعايتهم، كما اتّصفت بالتحفّظ والجدّية في العمل، والسعي إلى النفع العام، والاهتمام بالجوانب الإنسانية والاجتماعية.
تزوّج نعوم تشومسكي من زميلته في الدراسة "كارول دوريس شاتز" سنة 1949، في السنة نفسها التي تخرّجا فيها من كلية الآداب، وعملت زوجته باحثة في علم اللغة أيضاً، وأنجب منها ثلاثة أبناء: أفيفا، ديان، وهاري آلان. وبعد موت زوجته الأولى في 2009، تزوّج من "فاليريا واسرمان" في 2014 عندما كان يقيم في سان باولو في البرازيل وهو في السادسة والثمانين من عمره، وكانت تعمل محامية ومترجمة، وقد جمعهما الاهتمام المشترك باللغة والسياسة، مما شكّل رابطاً وثيقاً في حياتهما رغم فارق السن بينهما.

تكوينه الفكري والعلمي

تأثّرت شخصية نعوم تشومسكي وتوجّهاته الأكاديمية والاجتماعية بالبيئة المنزلية المستقرّة، حيث نشأ في أسرة متآلفة تنشد الاستقرار والحرية. كان والداه من طائفة يهودية واحدة، وهي الطائفة الأشكنازية، وكلاهما من أصول روسية، حيث هاجر أبوه وجدّاه لأمه هرباً من التعسّف والقهر ضد اليهود، وكلاهما معلِّمان للغة العبرية، ومحبّان للكتب والأدب والعمل الاجتماعي التطوّعي. تأثّر تشومسكي بآراء أمه اليسارية، وانعكس ذلك التأثير بوضوح على شخصيته ونزوعه نحو مواصلة النضال السياسي والنقد الاجتماعي، بينما تأثّر بتشجيع أبيه الدائم على القراءة في اللغة والنحو والأدب والنصوص الدينية الكلاسيكية، وطريقة تفكيره العلمية، ونقاشاته عن تعلّم اللغة والتراث العبري اليهودي، ومحاوراته عن السياسة والصهيونية. وعندما كان صبياً في الثانية عشرة من عمره قرأ مخطوطة كتاب أبيه "اللغة العبرية اللغة الخالدة" عن قواعد العبرية عند النحاة اليهود في القرن الثالث عشر. وكان لهذا العمل الحافز الأكبر الذي ولّد في نفسه حبَّه لدراسة اللغة والسعي فيما بعد إلى الكشف عن قواعدها وأسرارها. وكان لانخراط العائلة في الثقافة اليهودية والفكر اليساري أثره على قدرته النقدية وفضحه للقوى ومراكز صناعة القرار في العالم.
حرصت أسرة تشومسكي المثقفة على أن تقدّم له منذ الثانية من عمره تربية وتعليماً خاصاً، مثلها في ذلك مثل الأسر اليهودية المهتمة بالثقافة الكلاسيكية، فألحقته في هذا السن المبكر بمدرسة "أوك لاين" التي كانت تشرف عليها "جامعة تمبل"، حيث كانت تقوم البرامج التعليمية التي تقدّمها تلك المدرسة لطلابها على النظريات التربوية للفيلسوف والتربوي الأمريكي "جون ديوي". وقد أدّت هذه البرامج التربوية الجادّة إلى بثّ روح البحث الفردي والاستقلالية والتوازن النفسي في نفوس طلابها، وتدريبهم في الوقت نفسه على العمل في مجموعات قليلة العدد، لتنشئتهم على المشاركة الواعية والتعاون الفعّال، وتشجيعهم على نبذ المنافسة والتناحر الأكاديمي. والتحق في هذا السن الصغير بمدرسة الثانوية المتوسطة التي انتقدها فيما بعد ووصفها بأنها كانت مقيِّدة لحريته وطريقة تفكيره، مما دفعه بعد عام من الالتحاق بها إلى أن يستقلّ القطار لزيارة عمه الذي كان يدير كُشكاً لبيع الكتب المستعملة في نيويورك والانخراط في الصالون الأدبي الذي كان يديره، حيث التقى بالعديد من كبار المثقفين والمهنيين واستمع إلى مناقشاتهم الشيّقة، وتعلّم منهم الكثير عن نظرية عالم النفس الشهير سيغموند فرويد في التحليل النفسي، وتعرّف على التيارات والأفكار المختلفة للحركة الماركسية.
أدّى هذا التكوين الفكري المبكر لنعوم تشومسكي إلى تنامي نزعته النقدية تجاه المؤسسة التربوية بدءاً من المدرسة حتى الجامعة، ثم المؤسسات الاقتصادية والحكومية فيما بعد. وكان لهذه النزعة النقدية عظيم الأثر في نقده لذاته ومراجعاته المتواصلة لأفكاره العلمية، ورغبته الجارفة في تعلّم المزيد لتعديل مساره العلمي والفكري. وقد عبّر عن ذلك في سيرته الذاتية التي كتبها روبرت إف. بارسكي بقوله: "هذا هو حال التعليم عموماً، على ما أظن؛ إنّه فترة من التنظيم الصارم والسيطرة، يتضمّن جزءاً منها تلقيناً مباشراً، وتقديم منظومة من المعتقدات الزائفة ... هناك أدوار تؤدّيها المدارس العامة في المجتمع قد تكون مدمّرة للغاية."
وبعد التحاقه بجامعة بنسلفانيا في عام 1945، لم يعجبه أيضاً التعليم في الجامعة ولا الحياة الجامعية، واعتبر التضييق الفكري في الجامعة امتداداً لما كان عليه الحال في المدرسة، والتزم الدراسة في المنزل، وفضّل أن يكسب قوته من تدريس اللغة العبرية في مدرسة أبيه. واستحوذت عليه في ذلك العام نفسه أفكار جادّة للسفر إلى فلسطين لمحاولة التقريب بين العرب واليهود، ورأب الصدع بينهما، لكنه في 1947 امتنع عن التفكير في هذا الأمر بعد أن قابل أستاذه البروفيسور "زيليج هاريس" الذي أسّس أول قسم للغويات في الولايات المتحدة في جامعة بنسلفانيا. وقد لمس هذا العالم اللغوي الفذّ ميل تشومسكي إلى حبّ اللغة، فأوكل له مراجعة مسودّات كتابه "أساليب اللغويات البنيوية" الذي صدر عام 1951. وكان لهذا الكتاب والمناقشات الدائرة بينهما حوله عظيم الأثر في دراسة تشومسكي للغويات، ومواصلة دراساته العليا بعد حصوله على درجة بكالوريوس الآداب وتخرّجه في 1949، وقد شجّعه هاريس أن يضيف دراسة الفلسفة والرياضيات إلى جانب دراسته العليا لعلم اللغويات. وواصل البروفيسور "هاريس" تشجيعه ودعمه العلمي والتربوي لتلميذه نعوم تشومسكي منذ أن التقطه طالباً صغيراً حتى حصوله على درجة الماجستير في 1951 ثم الدكتوراه في 1955 في تخصّص اللغويات.
تأثّر نعوم تشومسكي بالعديد من الفلاسفة العقلانيين والتحليليين على مدار حياته العلمية والأكاديمية، سواء باتّباع وتطوير أفكارهم أو نقدها. وعلى رأس هؤلاء الفلاسفة "رينيه ديكارت" الذي ألّف عنه كتاب "اللغويات الديكارتية"، حيث ناقش فيه تأثّره بأفكاره العقلانية، ولا سيما رؤيته عن الأفكار الفطرية للغة، وظهر ذلك جليّاً في نظريته عن "النحو الكلّي"، حيث افترض تشومسكي أنّ جميع البشر يمتلكون بنية عقلية فطرية مشتركة تمكّن الأطفال من تعلّم اللغة التي يتعرّضون لها في بيئتهم. كما تأثّر أيضاً بالنزعة العقلية للفيلسوف والرياضي الألماني "جوتفريد فيلهلم لايبنتس"، التي أسّس عليها فكرة وحدات البُنى العقلية، تلك القوالب الفطرية للغة الموجودة في المخ والتي تدعم القدرة اللغوية عند جميع البشر. وكذلك كان لـ "إيمانويل كانط" تأثير كبير في طريقة صياغة العقل للخبرة البشرية، التي رسّخت أفكار تشومسكي في كيفية معالجة البُنى العقلية الفطرية للمفردات اللغوية. وتبنّى تشومسكي فكرة "ألكسندر فون هومبولت" التي تنفي عن اللغة كونها مجرّد كلمات وقواعد، بل هي توليد لا نهائي للتعبير من معطيات فطرية محدودة، وأنّ اللغة أيضاً تعبير عن الحرية والإبداع الإنساني. وكان لهذين الرأيين التأثير الأكبر على تشومسكي في المجال اللغوي والمجال الاجتماعي العام.
وقد تأثّر تشومسكي أيضاً في بداية حياته بالأفكار المنطقية والتحليلية ونظريات تحليل المعنى عند "برتراند رَسِل"، و"لودفيج فيتجنشتاين"، لكنه انتقد رؤيته وتحليله للمعاني بعد ذلك، كما انتقد رؤية "جون لوك" و"ديفيد هيوم" ومنهجهما التجريبي اللذين اعتبرا أنّ العقل البشري يولد كصفحة بيضاء تُضاف إليه المعارف عن طريق التجربة الحسية التي يتعرّض لها بمرور الوقت. وقد رسّخت هذه الانتقادات العلمية لمن سبقوه من المفكرين والفلاسفة نظريته البنيوية ومراجعاته العلمية الذاتية لنظريته وبعض أفكاره حول اللغة وكيفية عملها.
ومن الملاحظ أنّ تشومسكي لم يتحدّث كثيراً عن تأثّره بـ "فرديناند دو سوسير" عالم اللغويات السويسري ومؤسس علم اللغة الحديث والمدرسة البنيوية، وكان نقده له انتقائياً، وأحياناً يتّصف بالغموض. ورغم اختلاف نظريتهما في تفسير الكيفية التي يعمل بها النظام اللغوي، إلا أنّه تحاشى الحديث عن أوجه الشبه والأساس البنيوي بين النظريتين، وقد انتقد فكرة دي سوسير التي تفيد بأنّ الرابط بين الدال والمدلول رابط عشوائي من دون مناقشة أو توضيح للفروق بينهما، أو تقديم دليل علمي على انتقاداته.
وتقودنا الملاحظة السابقة إلى تأثّره الأكبر غير المعلن بالنحاة العرب مثل "ابن جني"، حيث يميّز "ابن جني" بين الظاهر والباطن، أو الظاهر والأصل، وهي مفاهيم تقارب ما يُعرف في نظرية النحو التوليدي عند تشومسكي بـ "البنية السطحية" و"البنية العميقة". والحقيقة أنّ ابن جني لم يستخدم مصطلحات "البنية السطحية" و"البنية العميقة"، لكنه أشار إلى مفاهيم مشابهة مثل الأصل والفرع، والتقدير، والمحذوف، والمفهوم من السياق. ولا توجد أي إشارة من تشومسكي في كتاباته تؤصّل لنظريته على النحو السابق المذكور، سواء لأوجه الشبه بين نظريته ونظرية دو سوسير، أو نظريته وأفكار ابن جني السابقة وعلماء النحو العربي، ومن قبله أفكار فلاسفة اليونان المشابهة للبنية العميقة والبنية السطحية مثل مستويات الواقع المتعدّدة والمعنى أو العالم المحسوس (السطحي) وعالم المثل (العميق) عند "أفلاطون"، أو العرض والجوهر عند "أرسطو". وقد يزيد من شكوك تأثّر تشومسكي بأولئك السابقين أنّ نهج البحث العلمي المعروف لدى العلماء يحتفي بفكرة التأصيل العلمي التاريخي للنظرية ويؤيّدها، لكنه تغاضى عنها.

سيرته العلمية والأكاديمية

حفلت حياة تشومسكي العلمية بالمراجعات النقدية الذاتية والتحوّلات العلمية النوعية العميقة. فقد عكف بعد تخرّجه من كلية الآداب في جامعة بنسلفانيا في عام 1949 على توسيع أطروحة تخرّجه بعنوان "الصرف الصوتي للعبرية الحديثة" فيما يقرب من ألف صفحة، وحصل بها على شهادة الماجستير من نفس الجامعة في 1951، وبعد محاولات مضنية انتهى إلى نشر هذه الرسالة في 1979.
وفي عام 1951، عُيّن في جمعية الزملاء بجامعة هارفارد لمدة أربع سنوات، بناءً على توصية من أستاذه في الفلسفة "نيلسون جودمان" وآخرين. وقد ألهمته أعمال "جودمان" حول بساطة النظم الفكرية إلى التفكير في إمكانية بناء نظرية لغوية مغايرة. وقد وفّرت له هذه الزمالة راتباً مكّنه من متابعة اهتماماته الفكرية دون قلق مالي، إلا أنّه واجه صعوبة في الاندماج داخل المؤسسة النخبوية، حيث لاحظ أنّ جزءاً كبيراً من التعليم في هارفارد كان يتمحور حول التهذيب الاجتماعي والمظاهر أكثر من الجدية الفكرية.
وفي هارفارد، انتقد المنهج البنيوي لأستاذه "زيليج هاريس" قائلاً إنّه لا صلة له بالجوهر، بل عديم القيمة، وأنّ أفكاره الخاصة عن منهجه الجديد تسير في الاتجاه الصحيح. وقد نُشر له مقال بعنوان "نُظم التحليل النحوي" في مجلة المنطق الرمزي عام 1953، حيث طبّق فيه بعض أفكار هاريس، لكنه ابتعد عن منهجه لصالح رؤية جديدة وشمولية للغة. وقد مهّد هذا التحوّل الطريق نحو تطويره لنظرية النحو التوليدي، التي تعتمد على منظومة من القواعد تتيح الاستخدام الإبداعي للغة.
وحصل تشومسكي على شهادة الدكتوراه بعنوان "التحليل التحويلي" في عام 1955، حيث مثّلت فيما بعد الأساس لمراجعته النقدية لنفسه في نظريته عن النحو التوليدي - التحويلي، تلك النظرية التي أحدثت ثورة في علم اللغويات ونقلته إلى مصاف العلوم الحديثة، وانتقل بها تشومسكي إلى مصاف كبار علماء اللغويات في التاريخ الحديث.
وبعد حصوله على شهادة الدكتوراه، بدأ في العمل كباحث في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) ضمن مشروع للترجمة الآلية بين عامي 1955 ـ 1957، حيث كانت تدعمه الحكومة الأمريكية جزئياً بسبب الحاجة إلى فهم النصوص الروسية خلال الحرب الباردة. وخلال هذا العمل البحثي بدأ تشومسكي في تطوير نظريته في النحو التوليدي - التحويلي، حيث لاحظ أنّ النماذج الإحصائية البسيطة لا تكفي لفهم البنية العميقة للغة، وأخذ يعمل لسدّ أوجه القصور التي اكتشفها في هذا البرنامج، وأدّى ذلك إلى بداية انطلاق ثورته النظرية في علم اللغويات عندما نشر كتابه "البُنى النحوية" الذي أسّس لنظريته في النحو التوليدي في 1957، والذي يُعدّ نقطة تحوّل في علم اللغويات. وقد انحرف تشومسكي في هذا الكتاب عن المنهج البنيوي لأستاذه "زيليج هاريس"، عندما طرح محاولة بديلة لبناء نظرية صورية عامة لبنية اللغة، وتستند هذه المحاولة إلى قواعد توليدية، حيث قسّم تشومسكي النظرية اللغوية إلى فرعين رئيسيين: النحو والدلالة، حيث يُعنى النحو بالشكل اللغوي ودراسة بنية الجملة، وتعتني الدلالة بالمعنى والإحالة. وقد رأى أنّ فهم الطبيعة الأساسية للغة يتحقّق من خلال دراسة النحو، لا من خلال دلالة المعنى. لكنه في الوقت نفسه انتقد محاولات بناء نحو دون الرجوع إلى المعنى، بقوله: "يمكننا أن نسأل، بنفس القدر من المنطق: كيف يمكن بناء نحو دون معرفة لون شعر المتكلّمين؟". ورغم أهمية الدلالة اللغوية، إلا أنّه لم يرَ فيها الآلية المثالية لتفسير السلوك اللغوي للإنسان، لصعوبة قياس المعاني في وحدات محدّدة مثل النحو، وصعوبة قياس المعاني عند إنتاجها وعند تفسيرها، وعدم خضوعها لقواعد حيادية محدّدة.
وفي عام 1961، قام نعوم تشومسكي وزميله موريس هالي، المتخصّص في علم الأصوات، بتأسيس قسم اللغويات في معهد MIT، ومن هذا القسم كانت نقطة الانطلاق نحو مدرسة جديدة في علم اللغة، حيث جُمِع بين النحو التوليدي والتحويلي الذي طوّره تشومسكي والتحليل الصوتي الذي ركّز عليه زميله هالي. وأصبح ذلك القسم مركزاً عالمياً لدراسة اللغويات النظرية، وكان له أثر عظيم في تطوّر علم اللغة الحديث والعلوم المعرفية الأخرى. ودعمت العديد من الفرق البحثية في MIT وجامعة نيويورك نظرية تشومسكي، وطوّرت برامج حاسوبية لتوليد تراكيب لغوية معقّدة باستخدام قواعد بسيطة، وأُدمجت نظرياته في لغات برمجة حاسوبية مثل لغة "برولوج" التي تم تطويرها في فرنسا في أوائل السبعينيات من القرن الماضي بهدف التفاعل مع الحاسوب بلغة منطقية وشبه طبيعية، وقد أدّى هذا التزاوج بين اللغة الطبيعية للإنسان ولغات البرمجة الاصطناعية للآلة إلى نشوء برامج الذكاء الاصطناعي التي نشهد نتاجها في عالم اليوم.
وتقوم نظرية تشومسكي في النحو التوليدي - التحويلي على فكرة بسيطة تفيد بأنّ اللغة ليست مجرّد تراكيب سطحية، بل لها بنية عميقة يُولّد منها المتكلّم جملاً لا نهائية عبر عدد من القواعد المحدودة، مع وجود عمليات تحويل تربط بين البنية العميقة والبنية السطحية، حيث تتبع كل جملة مفهومة قواعد اللغة المكتسبة، بالإضافة إلى نحو كوني فطري مزروع في الدماغ البشري. وتُعدّ هذه البنية العميقة أساساً مشتركاً لكل اللغات، ويمكن دراستها كنظام تجريدي. وقد أكّد أنّ التحليل اللغوي لا يمكن أن يصبح علماً حقيقياً إلا من خلال تحليل شبه رياضي للبنية اللغوية، في وحدات يمكن قياسها. وخالف تشومسكي النظريات الاجتماعية التي تفسّر السلوك المكتسب للغة عن طريق الخبرة بالمحاولة والخطأ، وقال إنّ هذه الخبرة لا تدعم الفهم اللغوي، لكنها تعمل فقط على إيقاظ النحو الكلّي الفطري في الدماغ البشري وإثرائه، حيث قال: نحن ببساطة نتعلّم "الرمز" الذي يُوائم الأصل الموجود مسبقاً في الدماغ البشري.
ومنذ صدور كتابه "البُنى النحوية" في 1957 انقسم العلماء بين مؤيّد ومعارض، حيث قوبلت نظريته في الوسط العلمي بالعديد من الآراء المتباينة. وأدّت الانقسامات الحادّة حول نظريته البنيوية إلى نشوء ظاهرة "الحروب اللغوية" في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي. وكان تلامذة تشومسكي من مناصري علم الدلالة أبرز منتقديه مثل "جورج لاكوف"، و"بول بوستال"، و"جون روس"، و"جيمز ماكولي"، بالإضافة إلى "دل هايمز"، عالم اللغويات الاجتماعية الكبير الذي وضع مفهوم "إثنوجرافيا التواصل"، الذي ركّز على استخدام اللغة وتطوير نموذج سياقاتها الاجتماعية والثقافية، بديلاً عن بنيوية تشومسكي المجرّدة.
كانت لتشومسكي ثلاث مراجعات لأفكاره ترقى إلى أن نعتبرها تحوّلات ذاتية في مساره العلمي، حيث تدل هذه المراجعات الفكرية على نقده لذاته، وتطبيقه القواعد العلمية والمنهجية الصارمة على نفسه. فقد تحوّل من البنيوية، حيث كان متأثّراً بأستاذه "زيليج هاريس"، إلى النحو التحويلي، ثم إلى النحو التوليدي - التحويلي، وانتهى إلى "برنامج الحدّ الأدنى"، وهو برنامج علمي يعتمد في الأساس على نظريته البنيوية، لكنه تبسيط جذري لمناهجه السابقة.
ومن مظاهر استجابة تشومسكي للنقد العلمي الحادّ من معاصريه اعترافه مؤخّراً بالدلالة اللغوية، رغم أنّه لم يكن يُبدي اهتماماً بنقد الآخرين له. وكان ترفّعه عن الردّ يوحي للجميع أنّه يبقى فوق مستوى النقد، لكنه استغلّ هذا النقد في مراجعة أفكاره، والدليل على ذلك مراجعاته لهذه الأفكار التي أدّت إلى تحوّلاته الذاتية، والاعتراف بما كان يُنكره سابقاً.

مسيرته السياسية والنقدية

بدأ اهتمام تشومسكي بالسياسة عندما كان طالباً في بداية الخمسينيات، وكان يكتب مقالات نقدية حول القضايا السياسية والاجتماعية الأمريكية مثل قضية النقابات والحرب الأمريكية الباردة، حيث كان متأثّراً بالفكر الأناركي والنقابي التحرّري السائد آنذاك في الأوساط اليسارية بأمريكا. وكون شبكة من العلاقات مع المثقفين اليساريين قبل أن يتحوّل من الكتابة النقدية إلى النشاط الجماهيري والمعارضة العلنية لحرب فيتنام ومؤيّديها من النخبة الأمريكية.
ويُعدّ كتاب "القوة الأمريكية والماندرين الجدد" الذي صدر في 1969 هو الأوّل في مسيرة تشومسكي النقدية ضد السياسة الأمريكية والقوى المهيمنة، ونقطة تحوّله من الفكر اللغوي الذي خصّص له ما يقرب من خمسين كتاباً إلى الفكر السياسي والنقدي في خمسين كتاباً مماثلة. ويشي عنوان هذا الكتاب بأنّ تشومسكي قد تجاوز حدود النقد الحادّ إلى الساخر من السياسات الأمريكية الفاشلة في فيتنام، وتأييد النخبة المثقفة الجديدة لها، التي نعتها بالماندرين الصينيين، في إشارة ساخرة منه إلى النخبة البيروقراطية الجديدة في أمريكا التي تخدم السلطة بدل أن تنتقدها. وتوّجت كتبه النقدية السياسية ـ التي قاربت الخمسين كتاباً ـ بكتاب "الدولة المارقة: تحكّم القوة في الشؤون العالمية"، الذي فضح فيه ازدواجية المعايير الأمريكية وهيمنتها الثقافية والاقتصادية والعسكرية وتدخّلاتها في مناطق كثيرة من العالم مثل الشرق الأوسط وآسيا وأمريكا اللاتينية.
وركّز تشومسكي نشاطه السياسي والنقدي في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي على حقوق الإنسان، وانتقد التدخّلات الأمريكية في أمريكا اللاتينية ووصفها بالإرهاب الدولي، حيث صدر كتابه الأبرز في هذا الصدد "الاقتصاد السياسي لحقوق الإنسان" عام 1979. ثم انتقل في التسعينيات إلى التركيز على تحليل النظام العالمي بعد الحرب الباردة والقضية الفلسطينية في الشرق الأوسط في كتابه "الأنظمة العالمية القديمة والحديثة" عام 1994. وفي 2003، عارض الغزو الأمريكي للعراق وفضح الحرب على الإرهاب في كتابه "الهيمنة أو البقاء"، كما فضح قبل ذلك أحداث الحادي عشر من سبتمبر في كتابه "9-11" الذي صدر بعد عدّة أسابيع من 11 سبتمبر، حيث حذّر فيه من الردّ الأمريكي على ما سمّاه الإعلام "الحرب على الإرهاب"، وطالب بحلّ جذور المشكلة التي تؤجّج الكراهية والعداء ضد أمريكا بدلاً من الانتقام الغاشم بالاعتماد على القوة العسكرية.
وتوّج تشومسكي نشاطه السياسي في عام 2008 بكتابه الأشهر "صناعة الموافقة: الاقتصاد السياسي لوسائل الإعلام"، الذي شرح فيه دور الإعلام في خدمة السلطة. وفي العقد الأخير من الألفية الجديدة، انتقد التدخّلات الأمريكية في سوريا واليمن، وحذّر من أزمة الديمقراطية الأمريكية مع صعود اليمين الشعبوي، وركّز على الاحتكارات التكنولوجية كقوى مهيمنة جديدة إلى جوار القوى المهيمنة العالمية في كتابه "من يحكم العالم"، الذي صدر في عام 2016.
شكّلت كتاباته في الفكر النقدي السياسي والاقتصادي، إلى جانب محاضراته في الجامعات والمراكز العلمية والثقافية وتسجيلاته المصوّرة، مسيرته المعارضة للسياسة الأمريكية، وقوى التزييف المؤسسي، والقوى العالمية المهيمنة، وتسييس قضايا المناخ. وكان نضاله ضد هذه القوى ثابتاً، يؤيّده اعتقاده الراسخ بالديمقراطية، وتمسّكه بحلمه في كشف الحقيقة، ووعيه بأنّ الدور الحقيقي للعلم هو في استجلاء الحقيقة لا طمسها. وواجه من أجل ذلك اتّهامات وانتقادات عديدة مثل اتّهامه بالشيوعية، والتعصّب غير العقلاني، ومعاداة السامية والصهيونية رغم أنّه يهودي الديانة، ووصفه بعميد المفكّرين اليساريين في أمريكا، متجاهلين أنّه عالم اللغة الأبرز في القرن العشرين الذي أحدث ثورة في علم اللغويات الحديث والعلوم الإنسانية والمعرفية، والتي يجني العالم ثمارها التكنولوجية في العصر الراهن، ومتناسين دوره الأخلاقي وراء نشاطه السياسي واللغوي.
ورغم شعوره بالاستبعاد من وسائل الإعلام، ومنع كتاباته أو حجبها عن جمهور القرّاء، وتعرّضه للاعتقال المؤقّت في أزمة فيتنام، إلا أنّه استطاع أن يواصل مسيرته النقدية بصلابة رغم تقدّمه في السن، مستغلاً وسائل الإعلام الحديثة في بثّ لقاءاته وأحاديثه المصوّرة، حيث حظي بمكانة رفيعة في قلوب متابعيه وقرّائه تليق بإنتاجه العلمي والنقدي ومواقفه الأخلاقية.
تعدّدت الدروس المستفادة من حياة تشومسكي، حيث أثبتت حياته المديدة أنّ الضمير لا يستيقظ فجأة، لأنّ وراءه تنشئة واعية وتربية عقلية متوازنة منذ الصغر. وأثبتت مسيرته أنّ الاستقامة والمثابرة هما الطريق الأقوم للسعي إلى الإصلاح، وأنّ الإصلاح يبدأ من العقل بأدوات العلم واللسان الحرّ في سبيل الخير للبشرية، حيث لا تعود الفائدة على قوى مهيمنة أو نخبة موالية، وأنّ المعارضة تبدأ بضبط الذات ونقدها ومقاومة التعصّب للهوية الدينية أو الثقافية، مثلما عارض تشومسكي الموقف الأمريكي ضد القضية الفلسطينية رغم أنّه يهودي الديانة والثقافة والنشأة.
ورغم تجاهل الإعلام الرسمي الأمريكي واستنكاره لمواقفه المعارضة، إلا أنّه كان مقتنعاً بأنّ التجاهل لا يستطيع أن يعيق الكلمات الحرّة والرسائل الأخلاقية، لأنّها لا تبتغي إلا الإصلاح، ولأنّ بنية الإصلاح الحقيقي لا تقبل التجاهل. كما لم يتمكّن التجاهل من قبل من إعاقة نظريته الثورية في علم اللغويات، لأنّها تستند إلى الفكر العميق والقواعد العلمية التي من طبيعتها أن تقبل النقد والمراجعة. وإن كان مفهوماً أن تتجاهله وسائل الإعلام الأمريكية، فمن غير المفهوم أن تتجاهله وسائل الإعلام العربية رغم مساندته للقضية الفلسطينية وفضحه للسياسات الأمريكية الغاشمة في المنطقة، حيث واصل الإعلام العربي تجاهله على غرار الإعلام الأمريكي في متابعة حالته الصحية بعد الأزمة المرضية التي تعرّض لها في 2023، وفضّل أن تظلّ شائعة موته دون تصحيح. لكن الأفكار الثورية التي تنشد الإصلاح تأبى الموت، والدروس المستفادة من حياة المصلحين تجأر بالحق.






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ألم الوعي في أعمال صنع الله إبراهيم


المزيد.....




- الخارجية السعودية تشعل تفاعلا بجملة استخدمتها في بيانها ضد ز ...
- متى ستُنشر -ملفات إبستين-؟ وهل ستخضع للتنقيح؟
- الاتحاد الأوروبي يخصص 88 مليون يورو كمساعدات للسلطة الفلسطين ...
- أوكرانيا: زيلينسكي يدعو إلى -سلام مشرف- وسط خطة أمريكية تتضم ...
- لقاء غامض يفجر الجدل.. البيت الأبيض يعلق على -اجتماع القدس- ...
- مصر.. -خناقة- علاء مبارك وهجوم ساويرس على مصطفى بكري بذكرى م ...
- السعودية.. ثمن -شنطة- الأميرة ريما بلقاء محمد بن سلمان وترام ...
- فيديو وتحليل نظرة إعلامية سعودية أمام محمد بن سلمان لحظة توب ...
- البيت الأبيض يعلق على منشور ترامب عن -إعدام- نواب ديمقراطيين ...
- بعد ثلاثة قرون.. علماء يقتربون من اكتشاف كنز سفينة غارقة


المزيد.....

- أعلام شيوعية فلسطينية(جبرا نقولا)استراتيجية تروتسكية لفلسطين ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كتاب طمى الاتبراوى محطات في دروب الحياة / تاج السر عثمان
- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - رضا علي حسن - نعوم تشومسكي من النحو البنيوي إلى الدولة المارقة