أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - غريب عوض - “نظرية الثورة الثُلاثية” في الصين والتحليل الماركسي















المزيد.....



“نظرية الثورة الثُلاثية” في الصين والتحليل الماركسي


غريب عوض

الحوار المتمدن-العدد: 8529 - 2025 / 11 / 17 - 21:58
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    



تشينغ إنفو و يانغ جون

ترجمة : غريب عوض

Cheng Enfu تشينغ إنفو هو مدير مركز أبحاث التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية ، وأُستاذ في جامعة الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، ورئيس الجمعية العالمية للاقتصاد السياسي: و Yang Jun يانغ جون أُستاذ مُشارك في معهد الماركسية، مدرسة الحزب الشيوعي الصيني ، لجنة مُقاطعة تشجيانغ، هانغتشو، الصين.

فيما يُعرَف بالحِقبة الجديدة، بدأت في عام 2021 مع ظهور شي جين بينغ Xi Jinping كرئيس للحزب الشيوعي الصيني ورئيس جمهور الصين الشعبية، أصبح هناك تقدمٌ مُضطرد لإضفاء الطابع الصيني على النظرية الماركسية وعلى مفهوم الاشتراكية بخصائص صينية، مُنتشرة في كافة جوانب المجتمع، وتم اعتمادها كمبدأ حاكم للصين بكاملها. غير أن هذا التحول لم يُنظَر لهُ كانفصال حاد عن الماضي، بل كتقدمٌ مُستقبلي للثورة الصينية، كما يرمز إليها قادتها الثلاثة الأبرز على مر تاريخها، ماو تسي تونغ، ودنغ شياو بينغ، وشي جين بينغ، الذين يرمزون إلى فترات الاستيلاء الثوري على السُلطة، والإصلاح الثوري (أو ثورة الإصلاح)، والعصر الجديد، الذي يُنظر إليه الآن على أنهُ يُمثّل فترة الثورة الانتقالية التي تهدف إلى إكمال الثورة. وقد أعاد شي جين بينغ طرح دعوة “إكمال الثورة”، التي أطلقها ماو لأول مرة، وأحياها مرة ثانية شي جين بينغ في عام 2016، وظلت خلال السنوات القليلة الماضية موضوعاً ثابتاً في خِطاباتهِ، وفي الإستراتيجيات بعيدة المدى التي روج لها الحزب الشيوعي الصيني. وبالتالي، فهي تُمثّل مرحلة جديدة في الثورة الصينية، التي احتفلت مؤخراً بالذكرى الخامسة والسبعين.

هذهِ التحولات في التقدم التاريخي للثورة الصينية قد أفضت إلى مُحاولات مُتعددة لوضع نظريات للمراحل الثلاث للثورة. وهُنا قدم كلٌ من شينغ إنفو ويانغ جوان ما أسمياه “نظرية الثورة الثُلاثية”. إن مقالهُما هو نتاج لعملية إضفاء الطابع الصيني على الماركسية، وهو مكتوب في المقام الأول لجمهور صيني وللماركسيين في جميع أنحاء العالم الذين يُتابعون تقدُم الثورة الصينية. وبما أن حُجتُهما منطقية وتاريخية في آن واحد، وتُصوّرُ في الوقت نفسه وُجهات نظر بديلة مُتنوّعة، فمن المُتوقع أن تكون مفهومة بسهولة للقارئ الصبور المُنتبه. ومع ذلك، فإننا نُشجّع قُراء مجلة أل Monthly Review الذين يجدون الرحلة شاقة على القفز إلى النهاية، أي إلى الاستنتاج في الجزء الرابع، لأن هذا يتناول ما يعنيه “إكمال الثورة” حقاً من وجهة نظر هؤلاء المؤلفين. وبعد أن فعلنا ذلك، فسوف يكون من الممكن فحص حجتهما بِأكملها من البداية إلى النهاية، مع رؤى جديدة وأعمق لتطور الفكر الماركسي الصيني في الوقت الحاضر باعتباره تاريخي.

في إطار الماركسية الصينية، أعاد شي جين بينغ تقديم الفكرة التي نشأت مع ماو تسي تونغ، وهي “الدفع بقوة بروح حمل الثورة حتى اكتمالها”. يرتكز هذا الموقف على أن “إنجاز الثورة حتى اكتمالها” يُمثل جوهر العقيدة الماركسية، وهو المحور الأساسي الذي يتجلى في تاريخ الحركة الشيوعية العالمية. وهو في نظر شي جين بينغ مطلبٌ مُلحٌ للحزب الشيوعي الصيني في سعيهِ الحثيث نحو النِضال العظيم.

إن مثل هذا الرأي يطلب منا الانخراط في الدلالات الغنية ومُتعدِدة المُستويات للثورة، وبأسلوب إبداعي، في الثورة العلمية والتكنولوجية. ويمكننا أن نلمس ذلك من خلال الثورة الثُلاثية. أولاً، تأخذ الثورة شكل الاستيلاء على السُلطة، بمعنى الإطاحة بالنظام القديم وتأسيس السُلطة الحاكمة الجديدة، والدفاع عنها. ثانياً، تُجسّد الثورة الإصلاح، بمعنى التحسين الذاتي وتطوير النظام الاشتراكي. ثالِثاً، الثورة “ثورة انتقالية”، بمعنى التحول من المرحلة الأولية للمجتمع الاشتراكي إلى المرحلة اللاحِقة، وصولاً إلى المجتمع الشيوعي. نظرية الثورة الثُلاثية المطروحة هُنا هي مفهوم شامل يتضمن التعاقب الزمني، والترابط المكاني، وفي مجال المنطق، والسبب والنتيجة التدريجية.

إكمال الثورة

مُنذُ أن دخلت الاشتراكية ذات الصِفات الصينية الحِقبة الجديدة، أصبح الأمرُ شائعاً بين المُفكرين في الداخل وفي الخارج التقليل عن طريق الخطأ، من شأن الماركسية والاشتراكية والشيوعية، والثورة بل وحتى رفضها، باعتبارها مرتبطة بالأحزاب الشيوعية التقليدية، مُدعين أن هذهِ المفاهيم تُعدُ “نظرية بالية”. في هذا الصدد أكد شي جين بينغ، بِصِفتهِ الأمين العام للحزب الشيوعي الصيني، في مُناسبات عديدة على ضرورة “رفع راية الثورة عالياً” في الحِقبة الجديدة، وضرورة أن نكون أكثر “شمولية” في دفع الثورة قُدُماً. والأهم من ذلك، أنهُ في 30 ديسمبر/كانون الأول 2016، في خطابهِ في حفل الشاي بمناسبة رأس السنة الجديدة للجنة الوطنية للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني، حَثَ شي جين بينغ المجتمع بأسرهِ على “المُضي قُدُماً بحماس في روح إنجاز الثورة”. وكانت هذهِ المرة الأولى مُنذُ الإصلاح والانفتاح التي يُعيدُ فيها كِبار قادة الحزب والدولة النظر في دعوة الرفيق ماو العظيمة “لإنجاز الثورة”، وهي دعوةٌ صدرت قبل أكثرُ من نصفِ قرن في خِطاب عام رسمي. مُقِرّاً بأن الثورة لم تُكلل بالنجاح الكامل بعد، وحث الرفيق شي مُستمِعيه على إظهار العزيمة والقوة في المُضي قُدُماً نحو النصر الكامل.

في الخامس من يناير/كانون الثاني عام 2018، في حفل افتتاح ندوة تحفيزية للمؤتمر الوطني التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني، توسع شي جين بينغ في تسليط الضوء على هوية الشيوعيين ودورهم الاجتماعي: “نحنُ ثوريون. لا تدعونا نفقد الروح الثورية.” وفي عشية الذكرى السبعين لتأسيس الصين الجديدة، قام بزيارة خاصة إلى موقع النصب التذكاري الثوري في شيانغشان في بكين، وأكد مُجدداً: “استمروا وواصِلوا الروح الثورية للجيل الأكبر سناً من الثوريين.” وأضاف قائلاً: “من الأفضل أن يكون المرء شجاعاً بما يكفي لمُلاحقة المُعتدين، وليس أن يبيع أسمه ويتعلم من الحاكم. “وفي نفس الوقت، ظهرت كلمة “ثورة” بِشكل مُتكرر في التصريحات العامة التي أدلى بِها الأمين العام شي، حيثُ ظهرت أكثر من ألف مرة في خِطاباتهِ المُهمة حول حُكم البلاد في الحِقبة الجديدة. وتشمل العِبارات التي تظهر فيها هذهِ إلى الثورة، “المثل الثوري”، “الثقافة الثورية”، “الأسلوب الثوري”، “المشاعر الثورية”، والنضال الثوري”، و”الغرض الثوري”، و”والإرادة الثورية”، و”الروح القِتالية الثورية”، و “الانضباط الثوري”، و “التعليم التقليدي الثوري”، و”الثوري الذاتي”، و”والجنود الثوريون في الحِقبة الجديدة”، و”الثورة العسكرية الجديدة”، و”الجولة الجديدة من الثورة العلمية والتكنولوجية”، و”الجولة الجديدة من الثورة الصناعية”، (و”الثورة الصناعية الجديدة”)، و”ثورة إنتاج الطاقة”، و”ثورة الاستهلاك”، و”ثورة العرض”، و”ثورة التكنولوجيا”، و”ثورة النظام”، و”ثورة المراحيض”، وما إلى ذلك. بالطبع، مُجرد استحضار مُصطلح ليس معرِفة حقيقية، لِذا لا يسعنا إلا أن نتساءل: إلى جانب الثورات في العلوم والتكنولوجيا والصناعة والشؤون العسكرية، لماذا شدد الأمين العام شي مِراراً وتَكراراً على خِطاب “الثورة” وأصرَ على تطبيقه عملياً؟ ما الذي ينبغي أن تتضمنهُ هذهِ الثورة؟ ما هي المُحاولة لتحليل هذا فيما يلي.

حتمية وعقلانية “المُضي قُدُماً بقوة في الثورة حتى اكتمالها”
أ(. “التقدم بالثورة إلى الأمام حتى إكمالها” ليس أمرٌ مُهمٌ فحسب، بل أنهُ أمرٌ ضروري أيضاً. يقع أساس حتميتها وعقلانيتها في الطبيعة الموضوعية لتطوّر المنطق النظري والمنطق التاريخي والمنطق الواقعي. ومن المنظور النظري، هذهِ هي السِمَة الأساسية للنظرية الماركسية؛ ومن منظور المنطق التاريخي، هذا هو الموضوع الكامل لتاريخ الحركة الشيوعية الدولية؛ ومن منظور المنطق العملي، هذا هو المطلب العاجل للحزب الشيوعي الصيني للاستجابة بشكل فعال للنضال الكبير.

ب(. “إن المُضي بالثورة حتى اكتمالها” يُمثّل جوهر النظرية الماركسية. وعلى النقيض تماماً من الأيديولوجيات البُرجوازية في الماضي، بفكرها المحافظ وابتذالها وتصلُبُها، الماركسية هي “نظرية الثورة أولاً”. إن هذهِ الثورة مُتأصِلة في العملية الكاملة لإنشاء وتطوير وتطبيق النظرية الماركسية. فمن جهةٌ، لم يكن ظهور الماركسية بأي شكل من الأحوال هي مسألة نظرية طائفية سقطت من السماء. الماركسية كانت النتيجة الحتمية للنقد العلمي لنمط الإنتاج الرأسمالي، والابتكارات الثورية السابقة في العلوم الاجتماعية والإنسانية. واليوم، يَمًرُ العالم بعملية نمو وتطور كبير لانِهائي. وعليه فإن الثورة التي تُمثِلُها النظرية الماركسية سوف تستمر. لا يزال الماركسيون ينتقدون الرأسمالية المُعاصِرة ومُنخرطون في نِضال ثوري ضد أفكار ونظريات البُرجوازية الغربية، من أجل الاستفادة من كل الإنجازات الإيجابية والمُفيدة للحضارة العالمية، ولإتاحة المجال أمام النظرية الماركسية لمزيد من التطور. في المنظور الماركسي، لا شيء في العالم أبدي أو مُقدس. كُلُ الموجودات تُجسد الحركة المُتناقضة لوحدة الأضداد. إن الثورة والنقد يُشكلان القوة الدافعة التي لا تنضب والمصدر الداخلي لتطور الواقع، وهُما أيضاً جذر الحيوية الأبدية وشباب النظرية الماركسية.

وإذا نظرنا إلى الأمر بطريقةٌ مُختلِفة، فإن الماركسية، وهي تنتقد العالم القديم وتكتشف العالم الجديد، تتطلب الإطاحة بالشروط السابقة من أجل وضع شروط جديدة في المُمارسة العملية، وبالتالي إحداث ثورة في العالم القائم. وهي بذلك تتضمن المعرِفة النظرية والعملية لِكيفية “تغيير العالم” لتحقيق التحرر الكامل للبشرية. خِلال حياتهِ، كارل ماركس Karl Marx، كونهِ المؤسس الرئيس للماركسية، يُحظى بالتقدير كمُفكّر، وسياسي، وفيلسوف، واقتصادي، وأكثرُ من ذلك بكثير. وفردريك إنجيلز Frederick Engels، الذي شاركهُ أربعون عاماً في الصداقة الثورية، أمتدح عالياً رفيقه القديم، وعلقَ في أحد المرات: “ماركس هو ثوري قبل كُلُ شيء”. وفي الاجتماع التذكاري الذي أُقيمَ بمُناسبة الذكرى المئوية الثانية لميلاد ماركس، أشار شي جين بينغ إلى أن ماركس كان دائماً في طليعة النِضال الثوري، بِدءاً من تأسيس لجنة المُراسلات الشيوعية في مدينة بروكسل، ووصولاً إلى مُشاركتهِ في عِصبة العدالة بصياغة البيان الشيوعي كوثيقة برنامجية للشيوعية العالمية؛ ومن مُشاركتهِ المُباشِرة في الثورات الأوروبية عام 1848 وتأسيس صحيفة “Neue Rheinische Zeitung”، إلى مُشاركته في المؤتمر التأسيسي الدولي الأول للأُممية الأولى وصياغة وثائق مهمة مثل الإعلان التأسيسي والنظام الأساسي المؤقت. لا ينطبق مبدأ “الثورة أولاً” على ماركس فحسب، بل ينطبق أيضاً على إنجلز، وعلى جميع القادة الثوريين البروليتاريين، بمن فيهم لي دينغ وماو ودنغ شياو بينغ. باختصار، بما أن “الماركسية في جوهرها نظرية ثورية وبرنامج ثوري”، فإن التخلي عن هذهِ “الروح الثورية” يُضعِف النظرية الماركسية بِرُمتها ويخنُقها، بل ويُفكِكُها تماماً.

ج(. “إنجاز الثورة حتى اكتمالها” هو الموضوع الرئيس لتاريخ الحركة الشيوعية العالمية. الثورة هي المُحرِك الذي يدفع التاريخ إلى الأمام. باعتبارها الحركة الثورية الأعمق والأوسع والأكثر شمولاً في تاريخ البشرية، فإن الحركة الشيوعية العالمية، التي تسعى إلى استبدال الرأسمالية وإقامة الاشتراكية لتحقيقها، قد غيّرت مجرى التاريخ العالمي بِطُرُق غيرُ مسبوقة. من كومونة باريس في فرنسا إلى ثورة أُكتوبر في روسيا، ومن الثورة الديمقراطية الجديدة في الصين إلى الحركة البروليتارية الصاعِدة في الدول الرأسمالية المتقدمة وفي الدول النامية مُنذُ الحرب العالمية الثانية، أعادت هذهِ السِلسلة من الموجات الثورية بناء عِلاقات القوى بين الاشتراكية العالمية والرأسمالية العالمية بفاعلية، ومع ذلك، فإن الوضع الثوري مُعقّد وقابل للتغير.

في وصيتهِ الثورية التي كتبها إنجلز قبل وفاتهِ (مُقدِمة كِتاب ماركس “النِضال في فرنسا”، والمعروف أيضاً بـ “وصيتهِ الأخيرة”)، تنبأ إنجلز بإمكانية ظهور دروس انتهازية مُتنوعة في الأُممية الثانية. وحذّرَ مِراراً الرِفاق الثوريين في مُختلف البُلدان من أن الأُممية، مع تكيُفها مع السِمات الجديدة للوضع الثوري المُتغيّر، يجب أن تُحافظ أيضاً على مواقفها الأساسية، أي ألا تتخلى أبداً عن سعيُها نحو السُلطة الثورية: “الحق في الثورة، في نهاية المطاف، هو الحق التاريخي الحقيقي الوحيد”.

ومع ذلك، إيدوارد بيرنستاين Eduard Bernstein، المُمثل الرئيسي للأُممية الثورية الثانية؛ وكارل كوتيسكي Karl Kautsky، أهم مُنظِري الحزب الاجتماعي الديمقراطي الألماني؛ وفيما بعد، ميخائيل غورباتشيف Mikhail Gorbachev رئيس الإتحاد السوفيتي السابق تلاعبوا وتخلوا، بل وخانوا سِلسلة المبادئ الأساسية ومُقترحات السياسة الماركسية التي أوصتهم بـ “حمل الثورة حتى اكتمالها”. ونتيجة لذلك، انقسمت حركة الأُممية الشيوعية بين الاشتراكية العِلمية والديمقراطية الاجتماعية، بل وحتى أدت هذهِ الأحداث إلى المأساة التاريخية المُتمَثِلة في تفكك الإتحاد السوفييتي والتَغيُرات الجذرية في أوروبا الشرقية.

إن التجربة التاريخية ودروسها تكشفُ بشكل كامل بأن “التقدم بالثورة حتى اكتمالها” هو الخيط الأصيل الذي يمتد عبر تاريخ الحركة الشيوعية الدولية المُمتد على مدى 170 عاماً. إن رفض الثورة والتخلي عنها يعني وضع حدٌ لتاريخ الحركة الشيوعية العالمية، وحتى لِمصيرها المُستقبلي. ونحنُ في عالم اليوم، “نحنُ لا نزال في الحِقبة التاريخية التي حددها ماركس Marx، “وهي “حِقبة الانتقال من الرأسمالية إلى الاشتراكية.” وتستمر الحِقبة الراهِنة تحت سيادة الإمبريالية الجديدة، ولكن هي أيضاً الحِقبة التي خِلالها ستقوم الطبقة العاملة في جميع أنحاء العالم بإشعال “ثورة عُظمى” جديدة. وما دامَ هذهِ الحِقبة التاريخية العظيمة لم تتغيّر جذرياً، فإن الحركة الشيوعية العالمية يجب أن تغتنم الفُرَص المُتاحة أمامها وترفع مرةٌ أُخرى راية “إنجاز الثورة”، حتى تتمكن من الأمل في رفع القضية الاشتراكية العالمية تدريجياً من حوضها الحالي والمُضي قُدُماً نحو ذروتها في القرن الحادي والعشرين.

د(. “إن إنجاز الثورة حتى اكتمالها” مَطلبٌ عاجل إذا كان الحزب الشيوعي الصيني يُريدُ الاستجابة بشكل فعال “للنِضال الكبير”. وعلى مدى قرن من الزمن مُنذُ وِلادتهِ، نمى وتوسع الحزب الشيوعي الصيني خلال مسيرة نِضالاتهِ. ويمر عالم اليوم في تغيرات كُبرى، غيرَ مسبوقة في القرن الماضي، وقد شَهِدَ التطور الصيني تحت قيادة الحزب الشيوعي الصيني أنجح فتراتهِ التاريخية في العصر الحديث. ومع ذلك، يرى بعض المفكرين أن التنمية تقوم على الاستقرار، مُعتبرين أن الصِراع يُدمر الانسجام. ويواصلون الترويج لـ “نظرية انطفاء الصِراع”. تؤكد هذهِ النظرية أن التنمية تحتاج إلى بيئةٌ مُستقرة ومُتناغمة. في ظاهره يعكس هذا التحليل العلاقة بين السبب والنتيجة. في المجتمع الطبقي، لا يمكن تحقيق الاستقرار والتناغم إلا من خلال النِضال. السعي الآحادي الجانب نحو الاستقرار والتناغم الظاهري سيؤدي إلى مخاطر وأزمات. لفترة طويلة بعد المؤتمر الثامن عشر للحزب، كُنا “نتحدث فقط عن التناغم، لا عن القتال.”

ولكن اليوم، كما قد أكدَ الأمين العام شي جين بينغ، نحنُ “نخوض ’ نِضالاً عظيماً‘مع الكثير من الخصائص التاريخية الجديدة.” وهذا لأننا بينما نمضي قُدُماً رِحلتُنا لتحقيق التجديد العظيم للأُمة الصينية، ونواجه بيئةً محلية ودولية مُعقّدة، فإننا لا نواجه فُرَصاً تاريخية لا تتكرر إلا مرة واحِدة في العُمر فحسب، بل نواجه أيضاً تحديات ومخاطر ومُقاومة وتناقُضات غيرُ مسبوقة. يجب على الشيوعيين الانخراط في “نِضالات كُبرى”، بدلاً من مُجرد التباهي. مُنذُ المؤتمر التاسع عشر للحزب، أوضح الأمين العام شي جين بينغ عالمية النِضال العظيم، مُشيراً إلى أننا نواجه عَدداً كبيراً من النِضالات الكُبرى. وتشمل هذهِ النِضالات بِناء الحضارة الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية والبيئية؛ وتعزيز الجيش والدفاع الوطني؛ والانخراط في العمل بشأن قضايا هونغ كونغ، وماكو، وتايوان؛ ومواصلة العمل الدبلوماسي؛ ومواصلة بِناء الحِزب.

إن النِضال العظيم كما هو أول “الأربعة العُظام” (والثلاثة الآخرين هُم “مشاريع كبيرة”، “مشاريع عظيمة”، و “أحلام عظيمة”) هي لا تقتصر على مجال مُعيّن، بل، تمتد إلى مُجمل عملية بِناء الاشتراكية ذات الخصائص الصينية. تلمس ذلك المُخطط الشامل لـ “الخمسة في واحد”، وفي التخطيط الاستراتيجي لـ “الشموليات الأربعة” و “أفكار التنمية الخمس”، التي تشمل جميع المجالات في الحِقبة الجديدة. وتقع روح العمل الذي يتم القيام بهِ الآن على جميع الجبهات في الاعتراف بِأن عملنا يتمُ خلال عملية نِضالية، وبِأن يجب أن نكون استباقيين ولدينا الشجاعة لتحمُل المسؤولية. ولهذا، لكي نفوز بانتصارات جديدة في النضال العظيم خلال الحِقبة الجديدة، هناك حاجة مُلِحة للتقدم بالروح الثورية لهذا النِضال.

في الماضي، كان الحزب الشيوعي الصيني قادراً على كسب سُلطة الدولة عن طريق المعارك المُسلحة بسبب الروح الثورية التي حركت النِضال العظيم والحركة الثورية. واليوم، فإن المِيزة التاريخية للحِقبة الراهِنة تفرض بأن النِضال العظيم الجديد سيكون شاقاً وطويل الأمد في طبيعتهِ، مع عوامل مُعقدة مُتراكِبة على بعضها البعض. وحتى نُحقق النصر النِهائي لهذا النِضال العظيم، يجب علينا أن نواكب العصر، وأن نُحافظ على الطبيعة الثورية للحزب الشيوعي الصيني، وأن نحمل الروح الثورية إلى الأمام، ونسعى إلى إكمال الثورة. ويمكن مُلاحظة أن الحزب الشيوعي الصيني ليس هو الحزب الحاكم فقط، ولكن هو أيضاً حِزب البِناء والحزب الثوري. إذا لم يكُن هذا هو الحال، عِندها سوف يخسر الحزب مكانتهُ الحاكمة مع تلاشي طبيعته الثورية. وفي مثل هذهِ الظروف، إن إنجازات البِناء المُسجلة في النضال العظيم لن تتلاشى فحسب، بل إن الحزب والبِلاد سوف يهلكان ويمتحيا من التاريخ. ولا بُدَ من أن نتعلم من دروس انهيار الأحزاب الشيوعية في الإتحاد السوفيتي السابق وفي البُلدان الاشتراكية في أوروبا الشرقية وأن ننتبه إليها.

بما أن أهمية “الثورة” عظيمة للغاية، فما هو مُحتوى الثورة المُشار إليهِ في الدعوة إلى “الدفع بقوة بِروح حمل الثورة إلى نِهايتها”؟ في الوقت الراهن، هناك ثلاث توضيحات نظرية رئيسية مُقدَمة في الأوساط الأكاديمية. الأولى هي نظرية الثلاث ثورات القائمة على المنطق العمودي (الثورة الديمقراطية الجديدة، والثورة الاشتراكية، والإصلاح والانفتاح الاشتراكي). والثانية هي نظرية الثورات الثلاث المبنية على منطق أُفُقي (ثورة في الحقل الاقتصادي، وثورة في المجال الساسي، وثورة في الحقل الأيديولوجي والثقافي). والثالثة هي موقع “نظرية الثورتين” (الثورة الاجتماعية وثورة الذات) تطورت من منظور المنطق الذاتي والموضوعي. كلُ واحِدة من هذهِ التوضيحات الثلاث تعتمد على الجمع بين النظرة الثورية “الضيقة” والنظرة الثورية الواسِعة. إن هذا الجمع بين النظريات ذو قيمة كبيرة، فهو يُلخّص ويَصقل معاً بموضوعية الرؤية الثورية الماركسية، وتاريخ الحركة الشيوعية العالمية، وكامل التاريخ الثوري مُنذُ تأسيس الحزب الشيوعي الصيني. ومع ذلك، فإن العيوب والنقائص واضِحة في كل من هذهِ الآراء. إن نظرية الثورات الثلاث لا تعكس بشكل مُباشر مبدأ الشمولية الضمني في الثورة، في حين أن نظرية الثورات الثلاث ونظرية الثورتين لا تعكس الخصائص التاريخية المرحلية للثورة. وفي هذا الصدد، يتعيّنُ علينا إجراء تحليل علمي أعمق على أساس هذهِ التوضيحات النظرية الثلاثة.

وبصورة عامة، فإن الثورة التي تنطوي على “الدفع بقوة بروح حمل الثورة حتى اكتمالها” ينبغي أن تكون لها اتصالات غنية على مُستويات مُتعدِدة وفي أبعاد مُختلِفة. وبالإضافة إلى الثورة العلمية التكنولوجية والثورة في الشؤون العسكرية والإنتاجية، تتجلى الثورة بشكل رئيسي من خلال خصائِصُها الأساسية الثلاثة التالية. أولاً، إنها تنطوي على “استيلاء ثوري على السُلطة”، بمعنى الإطاحة بالنظام الحاكم القديم وإقامة النظام الحاكم الجديد والدفاع عنهُ؛ وهذا هو المعنى الأصلي للثورة. ثانياً، إنها “ثورة إصلاح” بمعنى إنها تتضمن الأصلاح الذاتي وتحسين النظام الاشتراكي؛ وهذا هو المعنى الموسع للثورة. ثالثاً، إنها “ثورة انتقالية” بمعنى أنها تتضمن انتقال وتحوّل من المرحلة الأولية للاشتراكية إلى المرحلة التالية والمجتمع الشيوعي، وهو الهدف النهائي ومعنى الثورة. إن الثورات الثلاث، الثورة الثورية للاستيلاء على السُلطة، والثورة الإصلاحية، والثورة الانتقالية، لها أهمية ومحتوى وطبيعة: الاقتصاد والسياسة والثقافة (بما في ذلك الأفكار والنظرية والروح والتعليم)، والمجتمع (بما في ذلك العِلاقات الأُسرية والزوجية والجو الاجتماعي والعادات)، والأبعاد الفلسفية الأوسع للذاتي والموضوعي. نظرية الثورة الثُلاثية المطروحة هُنا مُترابِطة وشاملة، تُشكّلُ “ثالوثاً”، نِظاماً عضوياً بِخصائص تشمل تتابع الزمان، والترابط المكاني، والسببية المنطقية، وهو ما يُهيئ الأرضية لتقدم المجتمع الصيني نحو التقدم والحضارة. وفيما يلي شرحٌ مُحدد، مُستوحى من النظريات الصينية والأجنبية المُعاصِرة والواقع.

2. تتطلّب “الثورة” استيلاءً ثورياً على السُلطة بمعنى الإطاحة بالنظام القديم وإقامة النظام الجديد والدفاع عنه

إن الإجراء الأول اللازم لإتمام الثورة هو “إسقاط السُلطة القائمة وتفكيك العِلاقات القديمة”. والهدف الأساسي والقضية الجوهرية هي الاستيلاء على السُلطة السياسية وترسيخها؛ وإلا، فلا يمكن إقامة الاشتراكية. وفيما يتعلق بالصين، فإن تأسيس جمهورية الصين الشعبية كان بِمثابة انتصار حاسم لِحزبنا في الاستيلاء الثوري على السُلطة. إلا أن فشل كومونة باريس وعودة النظام الرأسمالي في الإتحاد السوفيتي يدعوان إلى التفكير الجدي. حتى لو استولى الحزب الشيوعي الصيني على السُلطة، فسيظلُ يواجه لفترة طويلة مشاكل ضمان أمن النظام والأمن الأيديولوجي، مع احتمال عودة القوى البرجوازية إلى السُلطة. لذلك، يبقى الاستيلاء الثوري على السُلطة مُهمة غير مُكتمِلة: “بمعنىً ما، تُعد العودة المؤقتة ظاهِرة مُنتظمة يصعب تجنِبُها تماماً”. ومن منظور محلي، “تم القضاء على الطبقة المُستغلة كطبقة، لكن الصراع الطبقي سيستمر لفترة طويلة ضمن نِطاق مُعيّن”.
وعلى الصعيد الدولي، تعمل القوى الغربية المُعادية على تكثيف صِراعها الطبقي في المجالين السياسي والعسكري، سعياً إلى استخدام أساليب “الثورة المُلونة” من أجل تغريب الصين وتقسيمها. وتعتبر الولايات المتحدة وحُلَفاؤها الصين مُنافِسُها الرئيسي أو “عدوها الرئيسي”، وتحت شُعار ما يُسمى بإعادة توازن القوى في منطقة آسيا والمُحيط الهادي، شَرَعَت الولايات المتحدة في العمل على الحد بشكل شامل من التنمية السلمية للصين في العلوم والتكنولوجيا وغيرها من المجالات. وباختصار، يواجه النظام الاشتراكي بعد الاستيلاء على السُلطة تناقُضات وصِراعات بين التخريب ومناهضة التخريب، والتطور ومناهضة التطور، وفي ظِل ظروفٌ مُعيّنة قد تشتد الصِراعات المُقابِلة. ومن أجل الدِفاع عن ثمرات الانتصار الثوري، يجب علينا تعزيز النظام السياسي الجديد من خلال بِناء اقتصاد، وسياسات، وثقافات، واجتماعيات، ودفاع وطني اشتراكي. وهذهِ العناصر مُجتمعة تُشكّل المضمون الحيوي لِسُلطة الدولة عقب انتصار الثورة والاستيلاء على السُلطة.

عالمياً، بالإضافة إلى الدول الاشتراكية العالمية – “واحدةٌ كبيرة والأربع الصِغار” (الصين، وكوريا الشمالية، وكوبا، وفيتنام، ولاوس) – تواصل الأحزاب الشيوعية في مُعظم دول العالم جهودها الحثيثة لإسقاط النظام القديم وتأسيس سُلطة سياسية جديدة. ومع ذلك، لا تزال قوة الاشتراكية العالمية ضعيفة مُقارنةً بالرأسمالية، ولا تزال الاشتراكية في موقف دفاعي حول العالم. ولا تزال المُهِمة العالمية المُتمَثِلة في الاستيلاء الثوري على سُلطة الدولة تواجه عقبات هائلة. وفي ظِل العولمة المُتزايدة، يتطلب الهدف الاستراتيجي المُتَمثّل في الاستيلاء على سُلطة الدولة ثم الدفاع عنها من الأحزاب الشيوعية في معظم دول العالم استخدام إستراتيجيات ثورية سليمة وإظهار مُرونة عالية في الاستجابة للأوضاع المُتغيّرة بِسرعة. بهذهِ الطريقة فقط، يمكن للطبقة العاملة العالمية والعُمال ضمان النصر الحقيقي للاستيلاء الثوري على السُلطة.

إن الطريق الثوري يَتطلّب الاستخدام المَرِن “للاستيلاء العنيف على السُلطة” وأخذ السُلطة بأسلوب سلمي”. في المُمارسة العملية، فإن الدول الاشتراكية التي حققت النصر الأولي في الاستيلاء الثوري على السُلطة، قد سيطرت على السُلطة السياسية من خلال الثورة العنيفة. لِذا، يرى تيار مُعيّن في الراي العام أن الثورة العنيفة، بشكل مُطلق، هي الوسيلة الوحيدة للاستيلاء على السُلطة السياسية، مُساوين بين الاستيلاء الثوري على السُلطة والثورة العنيفة. ولقد صرح ماركس Marx بالفعل بأن أهداف الشيوعيين “لا يمكن تحقيقها إلا بالإطاحة بالقوة بجميع الأوضاع الاجتماعية القائمة”. ولكن بينما جادل ماركس وإنجلز بأن “البروليتاريا لا تستطيع الاستيلاء على السُلطة السياسية … دون ثورة عنيفة”، ولاحظ ماركس أيضاً أنهُ “حيثما يمكن للدعاية والتشجيع السلميين تحقيق هذا الهدف بشكل أسرع وأكثر موثوقية، فإن تنظيم انتفاضة يُعدُ ضرْباً من الجنون”. كتب أنجلز Angels، في مُقدمة النِسخة الإنجليزية من المُجلد الأول من كِتاب “رأس المال” عام 1886، عن ماركس التالي:
كان ينبغي أن يُسمع صوت رجلٌ كانت نظريته بِرُمَتها ثمرة دراسةٍ دامت طوال حياته للتاريخ الاقتصادي وأوضاع إنجلترا، والتي أفضت تلك الدراسة إلى استنتاج مفادهُ إن إنجلترا، على الأقل في أوروبا، هي البلد الوحيد الذي يمكن فيه تحقيق الثورة الاجتماعية الحتمية بوسائل سلمية وقانونية بالكامل. ولم ينسى قط أن يُضيف أنهُ لم يتوقع قط أن تخضع الطبقات الحاكِمة الإنجليزية، دون “ثورةٍ مُؤيدة للعبودية”، لهذهِ الثورة السلمية والقانونية.

علاوة على ذلك، حذر إنجلز Engels في رسالتهِ إلى ريتشارد فيشر (اقتصادي إنجليزي) بتاريخ 8 مارس/آذار 1895 قائلاً: “أرى أنهُ لا فائدة تُرجى من الدعوة إلى الامتناع التام عن استخدام القوة”. ومن الواضح أنهُ ينبغي استخدام مفهومي “الاستيلاء العنيف على السُلطة” و “الاستيلاء السلمي على السُلطة” بِمُرونة. فعلى مدار العشرين عاماً الماضية، قدم الحزب الشيوعي الصيني نموذجاً للاستخدام المَرِن لِهاتين الطريقتين لِضمان النصر في الاستيلاء الثوري عل السُلطة.

ج. تَتَطلّب النتائج الثورية الاستخدام المَرِن “الصِراع العَلني” و “الصِراع السِري.” إن الغالبية العُظمى من الأحزاب الشيوعية في العالم أصبحت الآن قانونية باعتبارها أحزاب مُعارضة للأحزاب البرجوازية الحاكِمة في البلدان المعنية. ومع ظهور العولمة ومجتمع المعلومات والإنترنت ازدادت كثافة الاتصالات البشرية آلاف المرات. إذا لم ينخرط النظام البرجوازي الاحتكاري في السياسة الشمولية والقمع العنيف، وإذا كانت إستراتيجيات الأحزاب السياسية للطبقة العاملة صحيحة، فسوف تكون هذهِ الأحزاب قادرة على توسيع عضويتها ونفوذها بسرعة أكبر وعلى نطاق أوسع. ولكن في الواقع، كانت هناك دائماً حاجة لجبهتين في الصِراع. وكما كتب ماو تسي تونغ، “بالإضافة إلى العمل العَلني، ينبغي أن يكون هناك أيضاً عملٌ سِري ليدعمهُ.” وخاصةً عند ما تكون الدول الرأسمالية حريصة على تدمير تنظيم الحزب الشيوعي، فإن العمل السري يمكن أن يسمح للشيوعيين بالحِفاظ على قوتهم وتجميعها بشكل فعال بينما ينتظرون الفُرصة للاستيلاء على السُلطة.

يمكن للشيوعيين، على سبيل المثال، أن يعملوا بشكل نشط عل إنشاء وتوسيع مؤسسات مُدِرة للرِبح في أشكال مُختلفة، سواء كانت علنية أو سرية، من أجل توفير قاعدة اقتصادية موثوقة لتطور الحركة الثورية البروليتارية. ونظراً لأن الشيوعيين في المجتمع الغربي يتعرضون للوصم (وصم بالعار مثلاً) والتهميش، وحتى للذم والتشهير، فقد يُقرِرون تأسيس حِزب سياسي لا يحمل اسم “الحزب الشيوعي”، ولكنهُ شيوعي في جوهرهِ. ومن خلال إخفاء الأشكال الخارجية، قد يتمكنون من تحقيق هدفهم المُتمثّل في الاستيلاء على السُلطة في المدى القريب. وهذا يشبه نموذج الأحزاب السياسية للطبقة العامِلة مثل حزب العدالة والعمل الجمهوري، الذي يتمتع بنفوذ واسع في بيلاروسيا. ويتعاون الشيوعيون، بشكل علني أو سري، من خلال تأسيس دور النشر ومحطات التلفزيون والمُنتديات والصُحُف والمواقع الإلكترونية وغيرها من وسائل الإعلام ومن خلال المُنظمات والقنوات مثل الجمعيات والمؤسسات والمدارس والمكتبات وجمعيات الشباب، لتعزيز الوجه العام للماركسية والاشتراكية العلمية، وتعزيز مكانة الحزب الشيوعي بقوة.

د. المبدأ الثوري هو الاستخدام المَرِن “للاستقلال” و “الإتحاد الدولي”. لقد ضمنت الروح البُرجوازية العالمية التي تحكم منطق رأس المال الخاص أن الثورة البروليتارية للاستيلاء على السُلطة لم تكُن قط حركة قومية ضيقة، بل هي قضية عالمية مُلهَمة بِشُعار، “يا عُمال العالم اتحدوا”. مُنذُ عام 1864، ساهمت مُنظمات دولية مُتعاقِبة بشكل كبير في توحيد قوى الاشتراكية العالمية. وبالرغم من وجود بعض الصعوبات، إلا أنها كانت مَحدودة بِبعض أشكال الإتحاد، فالمبدأ الأساسي وروح التضامن الدولي للبروليتاريا لا يمكن إنكارهُما. وهذا الإتحاد ليس لهُ قيمة تاريخية فحسب، بل قيمة للحِقبة الجديدة أيضاً. إن الانحياز في مُحاولة إنكار أي شكل من أشكال الاتحاد الدولي تماماً، والتركيز على نجاح التظاهِرة بِمعزل عن غيرها، يكمِنُ في الفصل بين “الاستقلال” و “الإتحاد الدولي”. في الواقع، “الاستقلال والحكم الذاتي مُدرجان في مفهوم الأُممية نفسها”؛ كِلاهُما مُتحد. حتى الدستور الذي اعتمدته الصين عام 2017 يؤكد على وجوب قيام الدولة بتربية الشعب على الأُممية. وبالتالي، لا ينبغي لنا التخلي عن الروح الأُممية البروليتارية لا قولاً ولا فعلاً.

إن وجود شكل من أشكال الإتحاد الدولي أمرٌ لا غِنى عنهُ، كما ذَكّرَنا ماركس: “لقد أثبتت التجربة الماضية أن تجاهل الوحدة الأخوية التي ينبغي أن توجد بين العُمال في جميع البلدان … سوف يُعاقبهم – وسوف يتسبب في فشل جهودهم المُتفرِقة بشكل مشترك.” وعلى الرغم من الظروف المُعاكِسة، فإن درجة مُعيّنة من الإتحاد الدولي مُمكِنة، حيثُ أن الأحزاب الشيوعية في جميع البدان في عالم اليوم استكشفت الطريق الثوري مع أخذ مُميزاتها الخاصة في الاعتبار. وهكذا، تعزز مفهوم “الاستقلال” بشكل كبير. وقد أرسى هذا الأُسُس التنظيمية لاستمرار الاتحاد الدولي، وهيأ الظروف الأيديولوجية لازدهاره. وبالنظر إلى الاتجاه العام، فإن مُستقبل الاشتراكية العالمية يعتمد على العمل المُشترك الفعال للبروليتاريا العالمية”. وقد حققت الأحزاب الشيوعية في مُعظم البلدان أشكالاً جديدة من الوحدة الدولية، وتتوقع المزيد في المستقبل.

3. الثورة هي “ثورة إصلاحية” بمعنى تحسين وتطوير النظام الاشتراكي ذاتياً

أ. أشار ماركس بِأن “الاشتراكية هي إعلان استمرار الثورة”. بِإمكاننا أن نتحدث عن ثورة إصلاح بمعنى التطوير والتحسين الذاتي المستمر لِعلاقات الإنتاج الاشتراكية والبُنية الفوقية. لماذا نحتاج إلى القيام بثورة إصلاحية؟ يرى ماركس أن المجتمع الاشتراكي الذي نشأ لتوهِ من الرأسمالية يحمل حتماً آثاراً وبقايا مُتنوعة من المجتمع القديم في جوانب عديدة فيه. إنهُ من الضروري التخلص من القيود والعوائق التي تُعيق بِها الأنظمة والآليات القائمة في مجال عِلاقات الإنتاج والبُنية الفوقية تطور قوى الإنتاج، وذلك لتحقيق التكامل تدريجياً، وتغيير الوضع العام، وتحقيق “قفزة ثورية” منهجية. عملياً، لم تنشأ الاشتراكية مُباشرةً في الدول الرأسمالية المُتقدمة، بل في سِلسلة من الدول النامية حيثُ كانت مُستويات الإنتاجية مُتخلِفة نسبياً.

في بيئة لم يتطور فيها اقتصاد السِلع بشكل كامل، ينبغي للدول الاشتراكية أن تسعى إلى إزالة آثار وإرث المجتمع الإقطاعي القديم، وأن تتغلب، بالتزامن مع تطوير اقتصاد السوق، على آثار وإرث المجتمع الرأسمالي القديم. وعلى هذا الأساس، يُمكننا إظهار تفوقنا المؤسسي القوي على الرأسمالية، بل وهزيمة النظام الرأسمالي على نِطاق عالمي. في الدول الاشتراكية، تواجه ثورة الإصلاح أعباءً ومشاكل مُتعدِدة، وهي تستغرق وقتاً أطول مما توقعهُ الكثيرون، وأهدافها ومهامها صعبة وشاقة. بدأت ثورة الإصلاح في الصين في خمسينيات القرن الماضي، وهي فترة شَهِدت مجموعة من الإنجازات المُهِمة، لكنها شَهِدت أيضاً بعض الأخطاء. كان الإصلاح والانفتاح الذي بدأ في أواخر سبعينيات القرن الماضي، على حد تعبير الأمين العام شي جين بينغ، “الثورة العظيمة الجديدة التي قادها الحزب في ظِل الظروف التاريخية الجديدة”. وكما قال دنغ شايو، “الإصلاح هو الثورة الثانية للصين”.

شَهِدت الحِقبة الجديدة، تطبيق ثورة الإصلاح، بمخططها الشامل “الخمسة في واحد”، وخطتها الإستراتيجية ” الأربعة الشاملة”، ومفاهيمها الرئيسية المُتمَثَلة في “المفاهيم الخمسة للتنمية”، و “العُظماء الأربعة”، و “الحوكمة الوطنية”، في المجالات الرئيسية لتعميق الإصلاح الشامل. ثورة الإصلاح ليست شاملة وعميقة فحسب، بل تتميّز أيضاً بخصائص وأهداف واضِحة، تواجه الصعوبات، وتُقدم توجيهاً واضِحاً.

ب. إن هدف ثورة الإصلاح هو الحكم الوطني. ويكمن شمول وعُمق ثورة الإصلاح في خطتها الشاملة التي تهدف “أولاً تحديث نظام الحكومة في الصين وقدراتها”، من خلال التركيز على “تحسين وتطوير النظام الاشتراكي ذي الخصائص الصينية”. تتضمن هذهِ الخطة الرئيسية ستة أهداف إصلاحية مُحددة، تهدف إلى تعميق منظومة الحضارة الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية والبيئية، ونِظام بِناء الحزب. وفي الوقت نفسهِ، تُبرز الخطة المزايا الثلاث عشرة المُهمة للنظام الوطني ونظام الحكومة في الصين. ولضمان التقدم المُنظم لثورة الإصلاح، وضمان وجود قواعد يجب إتباعها، وترسيخ إنجازاتها وتطويرها على وجه السُرعة، تحركت اللجنة المركزية للحزب في الوقت المناسب لوضع المبادئ التوجيهية المناسِبة “لإدارى البلاد على نحوٍ شامل وفقاً للقانون”، والتي تُمثّل امتدادا إضافياً لثورة الإصلاح. باعتبارها “ثورة واسعة النطاق وعميقة في مجال الحكم الوطني”، فإن هذهِ المبادئ التوجيهية” لحكم البلاد بشكل شامل وفقاً للقانون” تعمل على تعزيز إجراءات الشرعية والمؤسسية والتوحيد والتشغيل لثورة الإصلاح.

يعتقد تيارٌ مُعيّن في الرأي العام أن تحديث نظام الحوكمة الوطنية في الصين ورفع قدرتها على الحوكمة يهدف إلى مواكبة الدول الرأسمالية الغربية مُمثلة في الولايات المتحدة، ويزعم أن حوكمة الدول الغربية ناضِجة تماماً. هذهِ أول أخطائي الخطيرة، مع وجود مُغالطات خطيرة في هذا الموقف. وتُعطي الولايات المتحدة أدواراً رئيسية لنظام الحكم الوطني القائم على “فصل السلطات” ونظام الحزبين الذي يحتكر بِموجبهِ فصيلان سياسيان بُرجوازيان تولا المناصب العامة. وفي ظل نظام الحزبين، تتواطأ المجموعتان البرجوازيتان الرئيسيتان لمنع ظهور حزبٌ ثالث مُنافس، وعلى وجه الخصوص، لمنع ظهور الحزب الشيوعي. وحتى الأحزاب الاجتماعية الديمقراطية التي لا تتحدى نظام البرجوازية لم يُتح لها موطئ قدم. والنتيجة هي أن الحكومة الفيدرالية تُعاني مُنذُ سنوات طويلة من مشاكل مالية، وقد فشلت مؤخراً فشلاً ذريعاً في مواجهة جائِحة كوفيد 19. الكفاءة الإدارية للحكومة مُتدنية، والمشاكل الاجتماعية لاتُحل بسبب الجدل والخِلافات المُستمرة. الخِداع والاحتيال هُما السائدان في السياسة والإعلام، بينما تلجأ الحكومة إلى الاستفزازات العسكرية والتهديدات وأعمال العدوان المُتكرِرة ضد الدول الأجنبية. لا يمكننا النُهوض بأنظمة الحكم الوطنية بشكل عِلمي إلا بفهمنا العميق للأمراض المُزمِنة المُتأصِلة في إدارة الدول الرأسمالية، سواء كان في أمريكا الشمالية، أو شمال أوروبا، أو الهند؛ ولا يمكننا بناء قُدرات حُكُم أكثر تحضُراً وتقدُماً من تلك الموجودة في الغرب إلا من خلال تحسين وتطوير النظام الاشتراكي ذي الخصائص الصينية.

جـ. إن التحدي الذي تعاملت معه الثورة الإصلاحية هو الإصلاح الاقتصادي. وعلى عكس الاستيلاء الثوري على السُلطة، تُركز ثورة الإصلاح باستمرار على إصلاح النظام الاقتصادي، مستخدمة إياه كآلية لدفع الترويج المنسق للإصلاح في مجالات أُخرى. وبِهذهِ الطريقة، فإنها تُزيل العقبات وتُزيل العوائق أمام تحرير وتطوير القوى المُنتِجة، وبالتالي أصبحت مفتاح نجاح الاقتصاد الصيني مُنذُ الإصلاح والانفتاح. وعلى مدار أكثر من أربعين عاماً من ثورة الإصلاح، تحسن النظام الاقتصادي الأساسي للصين خلال المرحلة الأولية من الاشتراكية بشكل مُطرد، وأصبح الجمع العضوي بين الاشتراكية واقتصاد السوق أقرب، وأصبحت فكرة التنمية التي تُركّز على الإنسان مُتجذرة بعمق في قلوب المواطنين، وحققت مفاهيم التنمية الخمسة الجديدة، وهي الابتكار، والتنسيق، والخضرة، والانفتاح، والمُشاركة نتائج سريعة. لقد اقتربنا من تحقيق هدف بناء مجتمع مزدهر شامل. فقد حقق الوضع الاقتصادي الجديد الذي يُركّز على جودة التنمية بدلاً من سرعتها، نتائج رائعة. ومع ذلك، في ظل هذا الوضع الجديد، تعتبر الولايات المتحدة الصين “مُنافِسُها الأول”، وتحاول، باستخدام العديد من الأساليب، إقصاء الصين عن التبادلات الاقتصادية وغيرها، ساعيةً إلى “فك الارتباط” بين الصين والاقتصاد العالمي الذي تُهيّمن عليه الولايات المتحدة.

في الحِقبة الجديدة، يَتَطلّب الأمر مزيداً من الإصلاح والانفتاح في أسرع وقت مُمكن لتطبيق نمط تنمية جديد تُشكّلُ فيه الدورة المحلية قوامة الرئيسي، وتدعم فيه الدورتان المحلية والدولية بعضهما البعض. وفي الوقت نفسهِ، يجب الحِفاظ على “المُلكية العامة كقوام رئيسي، والنظام الاقتصادي الأساسي الذي يُهيمن عليه الاقتصاد المملوك للدولة، والتنمية المُشتركة لمُختلف أشكال المُلكية”. لا تزال هُناك صعوبات كثيرة، ولا يزال الطريق طويلاً قبل أن نُرَسّخ حقاً “نظام التوزيع الأساسي الذي يعتمد التوزيع حسب العمل كقوام رئيسي، مع تعايش أنماط التوزيع المُتعدِدة”، وحتى نُقلّص الفجوة في الدخل، ونُحقق الرَخاء والسعادة المُشتركين، ونُحل التناقُضات الاجتماعية الرئيسية الجديدة، ونبني قوة اشتراكية.

هُناك اتجاه في الرأي العام يرى أن الهدف الأساسي للإصلاح في النظام الاقتصادي السوقي الاشتراكي هو مواكبة النظام الاقتصادي السوقي الرأسمالي الغربي الذي تُمثِلَهُ الولايات المتحدة. ويصف أتباع هذا التوجه النظام الاقتصادي في الدول الغربية بأنهُ ناضج تماماً. وهذا هو الخطأ الجسيم الثاني. ففي الواقع، يتسم اقتصاد السوق الرأسمالي في الولايات المتحدة بِطابع احتكاري قليل، ويرتكز على هياكل احتكارية. ويؤدي هذا إلى أزمات اقتصادية ومالية مُتكرِرة تُعرّض اقتصادات الدول الأخرى والاقتصاد العالمي بِأسرِهِ للخطر. وقد أدى ذلك إلى استقطاب في الثروة والدخل، مُولِداً صراعاً حاد بين طبقة الأثرياء الذين يُمثلون 1% من السُكان والطبقة العاملة التي تُشكّل مُعظم الـ 99% المُتَبَقية. علاوة على ذلك، عزز اقتصاد السوق الرأسمالي الأمريكي هيمنة الدولار الأمريكي الاحتكارية، وفَرَضَ احترام حقوق المُلكية الفكرية، ناهِباً دولً أُخرى. وكثيراً ما شن حُرُوباً تجارية هيمنية، وحُرُوباً علمية وتكنولوجية، وحُرُوب موارد، أثبتت أنها الأساس الاقتصادي للإمبريالية والعسكرة الأمريكية الجديدة. ولن نتمكن من تحسين وتطوير نظام اقتصاد السوق الاشتراكي الصيني إلا بالاعتراف الحقيقي بالأمراض المُزمِنة التي يعجز نظام اقتصاد السوق في الدول الرأسمالية، كالولايات المتحدة والهند ودول شمال أوروبا، عن التغلُب عليها. وبِهذهِ الطريقة فقط، يُمكنُنا تعزيز نظام اقتصاد السوق المُتمحّور حول الإنسان، ونظام مفتوح قائمٌ على المُساواة والمنفعة المُتَبادَلة، بطريقة عِلمية.

د. تتميّز ثورة الإصلاح بالثورة الذاتية، وقد أشار شي جين بينغ إلى أنهُ لتحقيق النصر في الجولة الجديدة من الإصلاح، سيتطلّب الأمر “مضغ العِظام اليابسة، وخوض المزيد من المعارك، وكسب المزيد من الجبن”، وأضاف قائلاً: “لتعميق الإصلاح بشكل شامل، يجب علينا أولاً أن نبدأ بِأنفُسُنا وأن نجرؤ على الثورة الذاتية. بعد مُضي أكثر من أربعون عاماً من ثورة الإصلاح، طَفَتْ على السطح أيضاً تراكُمات مصالح تشكلت وتراكمت على مدى فترة طويلة. لذا يجب على الإصلاحيين الاشتراكيين، بِصِفتهم “ثوريين” حقيقيين، أن يتحلوا بالشجاعة والجُرأة لمُمارسة “الثورة الذاتية”. ولِمنع تحولهم، بوعي أو بغير وعي، إلى مُستفيدين من مصالح راسِخة أو عُملاء للمصالح الغربية، عليهم أن يجرؤوا على إخضاع مصالحهم الخاصة للمصالح العامة للطبقة العاملة وجماهير الشعب. في غضون ذلك، يَتَطَلّب الإصلاح، باعتباره ثورة عميقة تتحدى المصالح الخاصة، جُرأةً في تحمل المسؤولية والمُضي قُدُماً بِشجاعة في مواجهة المخاطر والتهديدات والتكاليف المُحتملة. وفي مُمارسة حُكمُ البلاد، تشمل المظاهر المُركّزة لـ “الثورة الذاتية” للإصلاحيين “الدفع بقوة بروح مواصلة الثورة حتى اكتمالها”؛ والحكم الصارم والشامل للحزب والبلاد والجيش؛ والسعي لإصلاح مؤسسات الحزب والدولة وأساليب العمل. وكما قال الأمين العام شي جين بينغ: “إن الشجاعة في السعي وراء الثورة الذاتية والإدارة الصارِمة للحزب هُما أبرز سِمات شخصية حزبنا”. يجبُ علينا “استخدام ثورة الحكومة لدفع الأصلاح في المَجلات المُهِمة”.

هُناك أيضاً تيارات في الرأي العام تعتبر نِظام إدارة التعليم ذو النمط الأيديولوجي في الدول الغربية ناضجٌ تماماً، ووفقاً لهذا فإن هدف التعليم والأيديولوجيا والتنظيم وأسلوب كوادر الحزب والحكومة في الصين هو مُحاكاة النظام الرأسمالي الغربي في تعليم الموظفين المدنيين كما هو مُتّبع في الولايات المتحدة. وهذا هو الخطأ الخطير الثالث. ويتجاهل النظام البُرجوازي الذي يعمل ضمنهُ المسؤولون الأمريكيون، بشكل مُمنهج التعليم الأيديولوجي الهادف إلى تحقيق أهداف اجتماعية وتحقيق ثورة ذاتية. وتتضمن النتائج، بين المسؤولين على جميع المُستويات، انتشار مفاهيم “الفردانية أولاً” و “[تحقيق النصر] في الانتخابات أولاُ.” لقد أصبحت المصالح الضيقة للحزب والمنطقة والوِحدة مقبولة كمعيار يحكم الأقوال والأفعال، بغض النظر عن المصالح الأساسية للشعب العامل. وقد أدى هذا إلى انتشار الأسلوب البيروقراطي، وترويج ظاهِرة البحث عن الرِبح والفساد الصريح. لا يمكن تحسين نظام الكوادر التعليمية في الصين، وغرس أيديولوجية وأسلوب سليم في نفوسهم، والحِفاظ على سمعتهم العامة، إلا من خلال الإدراك الحقيقي للأمراض المُزمِنة التي لا يمكن التغلب عليها من خلال النظام الرأسمالي للتعليم الأيديولوجي والإدارة الرسمية، سواء كان من النمط الأمريكي أو الأوروبي الشمالي، أو الهندي. بِهذهِ الطريقة فقط، يُمكننا في الصين تمكين كوادر الحزب والحكومة من تعزيز الإصلاح الشامل لِمُختلف المشاريع من خلال الثورة الذاتية المُستمِرة.

ذ. إن مُقدِمة ثورة الإصلاح هي البِناء النظري. والثورة المعرفية للأفكار هي دائماً مُقدِمةٌ لِأفعال الثورة الكُبرى. لذا يتوجب علينا أن نكون من أهل النظرية.

يجب علينا الفصل بوضوح بين الصحيح والخطأ، وتوحيد الصفوف قدر الإمكان، لِنتمكّن من مواصلة فهم ثورة الإصلاح بشكل شامل ودعمها. على سبيل المِثال، فيما يتعلق بتفسيرنا للطبيعة الجوهرية لثورة الإصلاح، يجب علينا مُعارضة الرأي القائل بِأن الاصلاح والانفتاح مُتوافقان مع النظام الغربي، ونتمسّك بوحدة “الطريق الاشتراكي” وبالإصلاح والانفتاح. ماهي طبيعة ثورة الإصلاح وتوجهها العام؟ إنها مسألةٌ جوهرية تتعلق بمصير الإصلاح والتنمية في الصين في الحِقبة الجديدة. وكما أشارة الأمين العام شي جين بينغ، “الصين قوة عُظمى، ويجب ألا تكون هُناك أخطأ تخريبية في القضايا الأساسية. ما أن يظهر شيء، لا يمكن التراجع عنهُ أو تعديله”. لِنتخيّل أن ثورة الإصلاح لم تُفرق بين الطريق والنظام الاشتراكي والطريق والنظام الرأسمالي، وإنها غيّرت بشكل تعسُفي ما لا يمكن ولا ينبغي تغييرهُ، بل وصلت إلى حد تطوير المُلكية الخاصة الرأسمالية إلى أجل غير مُسمى لِما يُسمى تطوير القوى المُنتِجة. تدريجياً، ومع مُضي الزمن، سوف يؤدي هذا حتماً إلى تحولٌ جذري في البُنية الفوقية الاشتراكية بِأكملها، مِما يُعيق التحسن السليم والسريح للإنتاجية وسُبُل عيش الناس. إن إصلاحات غورباتشوف – يلتسين في الإتحاد السوفيتي، التي تزامنت إلى حدٌ كبير مع الثورة الإصلاحية في الصين، كانت في جوهرها بِمَثابة “تغيير في الاتجاه” يَنكِرُ الاشتراكية، وكان فشلها جلياً. وفي هذا الصَدَد، حذّر شي جين بينغ جدلياً: لا تجعلوا الإصلاح والانفتاح طريقاً مسدوداً؛ إن إنكار التوجه الاشتراكي للإصلاح والانفتاح هو أيضاً طريقٌ مسدود.

يعتقد تيارٌ مُعيّنٌ في الرأي العام أنهُ على الرغم من أن آثار الإصلاحات في الصين في هذهِ المرحلة كانت أفضل من تلك التي حدثت في روسيا، إلا أن الآثار النِهائية في روسيا ستتجاوز تلك التي حدثت في الصين، لأن روسيا قد أسست نِظاماً اقتصاديا وسياسياً رأسمالياً على النمط الغربي. وهذا هو الخطأ الرابع الخطير. في الواقع، بعد الانقلاب على الإتحاد السوفيتي الاشتراكي من قِبل القوى المُعادية للشيوعية والاشتراكية، طَفَتْ التناقضات الوطنية على السطح، وانقسمت القوة الاشتراكية السوفيتية، التي كانت على قدم المُساواة مع الولايات المتحدة الإمبريالية، إلى أكثرُ من اثنتي عشرة دولة ضعيفة. أصبحت روسيا دولة من الدرجة الثالثة اقتصادياً، تعتمد بشكل رئيسي على بيع الموارد الطبيعية والأسلِحة للحِفاظ على اقتصادها الوطني وسُبُل عيش شعبها. إن الدول الاشتراكية السابقة في أوروبا الشرقية قد تبدلت على نحوٍ دراماتيكي إلى دول رأسمالية، والبعض منها قام بِمُساعدة حلف شمال الأطلسي (الناتو) بقيادة الولايات المتحدة في جهودها، عن طريق التوسع العسكري تجاه الشرق، وفرض العقوبات الاقتصادية وتطويق روسيا. فقط إذا نحنُ أدركنا الحقائق الموضوعية والدرس النظري – وهو أن الدول الاشتراكية في الإتحاد السوفيتي السابق وأوروبا الشرقية لم تُقوّي بلدانها وتُثري شُعوبها من خلال “التغيير” المُتمثّل في الخصخصة الاقتصادية والتغريب السياسي – يمكننا القضاء على التأثير القوي لليبرالية والديمقراطية الاجتماعية المُستَعادة. فقط إذا رسخنا ثِقة الشعب في نهج ونظرية ونظام وثقافة الاشتراكية ذات الخصائص الصينية، يُمكننا أن نُدرِك علمياً التوجه الصحيح لثورة الإصلاح وسياساتها وإجراءاتها.

4. الثورة هي ثورة انتقالية بمعنى الانتقال من المرحلة الابتدائية في المجتمع الاشتراكي إلى المرحلة اللاحِقة ومن ثم إلى المجتمع الشيوعي

أ. إن ثورة الإصلاح التي نقوم بتنفيذها هي مشروعٌ طويل الأمد، وكما أشار الأمين العام شي جين بينغ: “الإصلاح والانفتاح لم يكتمِلا بعد”. في هذا الصدد، قد يكون هُناك سوء فهم وتفسيرٌ خاطئ مفادهُ أن المرحلة الأولية من الاشتراكية، كما يتضح من ثورة الإصلاح، هي حالة أبدية وتُعادل المجتمع الاشتراكي بِأكملهِ. وفقاً لهذا الرأي، تدعو ثورة الإصلاح إلى تخليد نِظام اقتصاد السوق، والاقتصاد غير العام، والتوزيع وفقاً لرأس المال، أي المُعادلة الخاطئة: “الاشتراكية = العدالة الاجتماعية + اقتصاد السوق.” في الواقع يُوحي استخدام صيغة المُضارع هُنا بِأن ثورة الإصلاح تمرُّ بمرحلة الاشتراكية الأولية بِأكملها. ولكن على الرغم من أن هذهِ العملية التاريخية طويلة الأمد، إلا أنها ليست هدفنا النهائي بأي حال من الأحوال، لأن المجتمع الاشتراكي ليس شكلاً مُتماسِكاً، أو نوعاً من البلوَرَة الساكِنة، بل هو كائنٌ حي ديناميكي يُظهِرُ تَغيّراً وحركة مُستمرين.

في المُستقبل، سننتقل إلى شكل اجتماعي جديد ومرحلة تطورية أرقى. هذهِ هي الثورة الانتقالية، بمعنى أنها تتضمن تحويل المجتمع الاشتراكي من مرحلتهِ الأولية إلى مرحلتهِ اللاحِقة، ومن ثم إلى المجتمع الشيوعي. هذا هو المعنى الأسمى للثورة، وهو أيضاً مغزى “تعزيز الأمين العام شي جين بينغ الكامل لِروح إنجاز الثورة حتى اكتمالها”. وقد أكد شي مِراراً: إن المَثل الأعلى للثورة أعلى من السماء. وتحقيق الشيوعية هو المثل الأعلى لشيوعيينا”. هذا المثل الأعلى هو “عملية تاريخية لتحقيق الأهداف تدريجياً على مراحل”.

في مرحلةٌ ما، قسمنا المجتمع بِأكمله إلى “مرحلة أولية، ومرحلة وسيطة، ومرحلة مُتقدِمة”، وذلك “باعتبار تغير قوى الإنتاج رمزاً غير مُباشر أو نِهائي، وتغيّر عِلاقات الإنتاج رمزاً مُباشراً”. وكلُ مرحلة تُمثل المنطق الحتمي للتطور من الأدنى إلى الأعلى على جميع المُستويات، كما هو الحال في نظام حقوق المُلكية، ونظام التوزيع، ونظام التنظيم. وقد كتب المُنظِرون الماركسيون من الجيل الأقدم العديد من المقالات لِدعم “نظرية المراحل الثلاث للاشتراكية” والدِفاع عنها. على سبيل المِثال، أشار ليو غوغوانغ Liu Guoguang، نائب الرئيس السابق للأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، إلى أنهُ: “يجب أن نُدرك أن المرحلة الأولية طويلة الأمد، ولكنها ليست بلا حدود. سيستغرق الانتقال من المرحلة ألأولية إلى المرحلة المتوسطة أكثر من 100 عام. والآن، مع اقتراب المرحلة المُتوسطة، علينا التخطيط مُسبقاً. في المستقبل، سندخل الشيوعية من المرحلة المتقدمة. وقد أعرب وي شينغ هوا Wei Xinghua من جامعة الشعب الصينية، ووا شوانغ قونغ Wu Xuangong، الأمينان الحزبيان السابقان في جامعة شيامن، عن آراء مُتشابِهة حول المراحل الأولية والمتوسطة والمتقدمة للاشتراكية.

وإذا تحدثنا بِصفة عامة، للثورة الانتقالية العديد من الجوانب الفريدة في مجالات الإنتاجية وعِلاقات الإنتاج وفي الأساس الاقتصادي والبُنية الفوقية، وفي الوجود الاجتماعي والوعي الاجتماعي. ودورها العام هو تحقيق التحرر الحقيقي والكامل للشعب، ومع مرور الزمن تحقيق “التطور الكامل والحُر لِكُلُ فرد “. وكما قال ماركس Marx، في ظل هذهِ الظروف، “يكون التطور الحقيقي لِقدرات الفرد تحت سيطرة الأفراد أنفًسهم، كما يرغب الشيوعيون”. مع أن الثورة الانتقالية عملية طويلة ومُعقدة، إلا أن السِمات الرئيسة لانتقالها النِهائي إلى المجتمع الشيوعي واضِحة.

ب . تستلزم خصائص الإنتاجية للثورة الانتقالية إلغاء القيود الثلاثة في تقسيم العمل وتنمية “الثروات الثلاث الكبرى.” يُعد التطور العالي لقوى الإنتاج شرطاً عملياً ضرورياً للغاية لتحقيق الثورة الانتقالية. يرى ماركس أن الإنتاجية مُرتبِطة بتقسيم العمل. لذلك، من خلال تحرير قوى الإنتاج وتطويرها باستمرار، وتعزيز التطور بِقفزات وحدود “للقوى الطبيعية وقوى العمل وقوى العِلم والتكنولوجيا” ضمن قوى الإنتاج الحقيقية، سيختفي تماماً “تقسيم العمل القديم”، المُقيّد بالقيود الثلاثة: “الفروقات الحضرية والريفية، والفروقات الصناعية والزراعية، والفروقات العقلية والجسدية”، وسيتحقق “تطوير إنتاجية الثروات الكُبرى الثلاث.”

أولاً، سيكون هناك تنمية للثروة الطبيعية، جنباً إلى جنب مع تحسين ظروف العمل. في الثورة الانتقالية، مع تأميم للإنتاج غير مسبوق، “إن المنتجين المُتحدين سوف يَضبطون العلاقة بين التنمية الاقتصادية والطبيعة بما يتماشى مع الأسباب”، وسوف يضعون الطبيعة تحت سيطرتهم المُشتركة، وسوف يستخدمون الثروة الطبيعية بشكل كامل وعقلاني إلى أقصى حد مع مُمارسة أقل قدر من القوة. ثانياً، سيكون هناك تطور ثروة العمل أو الثروة الاجتماعية في شكل عملٌ حي. في الثورة الانتقالية، ومع إضفاء طابع عقلاني على الإنتاج وتقصير يوم العمل، سيحل العمل الجماعي الحُر، طوعياً وشاملاً، محل العمل الثابت والقسري المُغترِب. وبهذهِ الطريقة، سيتحول العمل من وسيلة رِزق إلى “الحاجة الأولى للحياة”، وستتطوّر قُدرة الناس على أداء العمل بشكل إبداعي إلى أقصى حد. ثالثاً، سيكون تنمية ثروة العمل كنتيجة للعمل العام. في الثورة الانتقالية، مع الإستخدام الكامل لإمكانيات العمل لدى الجميع، يُعزز التعاون ووحدة القوى الإنتاجية الفردية القدرة الإنتاجية للمجتمع ويُعزز الثروة الاجتماعية.

ت . خصائص عِلاقات الإنتاج في الثورة الإنتقالية: “إلغاء ثلاثة إمتيازات إقتصادية” وإقامة عدالة إقتصادية ثُلاثية”. ولتحقيق الثورة الإنتقالية، لا نحتاج فقط إلى قوى إنتاج مُتطورة للغاية كأساس مادي مُباشر، بل نحتاج أيضاً إلى تكييف علاقات الإنتاج كأساس إقتصادي غير مُباشر. في النظرية الماركسية، بِمُجرد إنتقال جميع وسائل العمل إلى العُمال، يُزال الأساس المادي للإضطهاد الطبقي. لِذا، فإن خصائص العِلاقات الأقتصادية في ظِل الثورة الإنتقالية هي أنها تنبع من إلغاء الإمتيازات الإقتصادية الرئيسة الثلاثة وإرساء العدالة الإقتصادية الرئيسة الثلاثة. أولاً، في نظام حقوق المُلكية، سيتم إلغاء إمتياز المُلكية الخاصة لوسائل الإنتاج، وسيترسخ مبدأ العدالة الأقتصادية للمُلكية العامة للمجتمع ككُل. المُلكية الخاصة الرأسمالية هي المصدر العام لجميع الأزمات والأضطِرابات في المجتمع الحديث، وبالتالي من الضروري القضاء على المُلكية الخاصة. الهدف من نزع مُلكية من صادروها (أي المُلكية) هو إرساء المُلكية العامة الجماعية للمجتمع بأكمله، ونقل وسائل الإنتاج إلى المُنتجين كمُلكية مُشتركة لهم.

ثانياً، في نظام التوزيع، من الضروي القضاء على إمتياز التوزيع وفقاً لرأس المال، وأن نُقيم العدالة الإقتصادية في التوزيع وفقاً للطلب من قِبل كل المجتمع بِأكمله؛ ويؤدي القضاء على الملكية الخاصة إلى القضاء على أسلوب التوزيع وفقاً لرأس المال. وفي المرحلة الأدنى في المجتمع الشيوعي، سيكون التوزيع وفقاً للعمل، بينما في المرحلة الأعلى، سيكون التوزيع وفقاً لِقُدرات وإحتياجات الفرد.

ثالثاُ، وفي مجال نظام التنظيم، سيتم القضاء على اقتصاد السوق، وسيُبنى نظام إقتصادي عادل قائمٌ على نظام مُخطط يشمل المجتمع بأكمله. لايمكن لإقتصاد السوق أن يُحِل بشكل جذري مشكلة فوضى الإنتاج الناتجة عن التناقُضات الأساسية للرأسمالية. فقط بالقضاء النهائي على تنظيم السوق، وإنشاء آلية تنظيم مُخطط تشمل المجتمع بِأكمله، يمكننا تجنب الأزمات الأقتصادية والتفاوتات والأختلالات المُتنوّعة التي يُسبِبُها نمط الإنتاج الرأسمالي. لذلك، ستُستبدل “الفوضى الاجتماعية للإنتاج” السائِدة حالياً بـ “تنظيم إجتماعي للإنتاج… وفقاً لأحتياجات المجتمع وكلُ فرد.

ج . الخصائص السياسية للثورة الإنتقالية: “زوال الكيانات السياسية الثلاثة” وتحقق الأشكال السياسية الثلاثة”. وخلال الثورة الإنتقالية، قضت قوى الإنتاج المُتطوِرة تدريجياً على نظام المُلكية الخاصة والأستغلال، وأختفت أُسُس الفوارق الطبيقة. وهكذا، أختفت أيضاً الدولة والأحزاب السياسية التي كانت بِمثابة أدوات للحكم الطبقي. وبالتالي، فإن زوال الكيانات السياسية الثلاث، الطبقة والدولة والحزب السياسي، لايعني أن المجتمع لم يعُد بِحاجة إلى بُنية سياسية عُليا للإدارة العامة، بل يعني أن تحقيق الأشكال السياسية الثلاثة ضروري لإدارة المجتمع. أولاً، لكي يتحقق الشكل العام للتنمية السياسية، “ستفقد الوظائف العامة للدولة طابعها السياسي وتتحول إلى وظائف إدارية بسيطة تتمثل في رِعاية المصالح الحقيقية للمجتمع.” سيظل المجتمع بِحاجة إلى مُنظمات سُلطوية مُتنوعة لإدارة شئوون الشعب العامة، ولكن هذهِ المُنظمات ستفقدُ تدريجياً طابِعُها الطبقي، وستُظهِرُ طابِعُها العام بشكلٌ كامل. ومن ثم، ستنتقل سُلطة الدولة إلى المجتمع، وتتخذ أساساً شكل “إدارة الأمور”. ثانياً، سيتحقق الشكل المُستقل للتطور السياسي – أي التحوّل من الديمقراطية في شكل الدولة إلى الديمقراطية في الحياة الاجتماعية. إن الحُكم المُستقبلي للبروليتاريا سوف يكون نوع جديد من الحكم الديمقراطي. عندما يتمكن جميع أفراد المجتمع من المُشاركة في الحياة الاجتماعية وتعلُم إدارتها بإستقلالية، “سيعتاد الناس على الألتزام بالحد الأدنى من قواعد الحياة العامة دون عُنف أو طاعة”. وبالتالي، “سيُصبح الإنسان أخيراً سيد تلك التشكيلة الأجتماعية التي شكلها بنفسه، وفي الوقت نفسه سيداً على الطبيعة وسيدُ نفسه – حُراً”. ثالِثاً الشكل المُشترك لتحقيق التطور السياسي، إتحاد المواطنين الأحرار. من المستحيل على المجتمع المُستقبلي إلغاء الدولة فوراً. يجب أن يمرُ بمرحلة الجمهورية الاجتماعية، وهي “شكلٌ من أشكال الإنتقال من الدولة إلى اللادولة”، وكومونة باريس مِثال نموذجي. عندها، سيتحقق على هذا الأساس أعلى شكل سياسي للمجتمع.

هـ . السِمات الأيديولوجية للثورة الإنتقالية: “القضاء على ثلاثة مفاهيم ضيقة” و إرساء ثلاثة أشكال من الوعي النبيل”. الوعي الإجتماعي مِرآة للوجود الإجتماعي. خلال الثورة الإنتقالية، يتقدم الوعي الإجتماعي بِثبات من القضاء على ثلاثة تحيُزات ضيقة إلى إرساء ثلاثة أشكال من الوعي النبيل، و “يتحسن العالَم الروحي للشعب بشكل كبير”. وكشيوعيين جُدُد، يكتسب أفراد المجتمع ككل درجة عالية من الوعي الشيوعي.” أولاً، يُستبّعد مفهوم الأنانية من مجال الوعي الروحي، ويَتَرسّخ مفهوم الإيثار. من وجهة نظر ماركس وإنجلز، تتضمن الثورة الإنتقالية في مسار تطورها إنسلاخاً جذرياً عن الفكر التقليدي. والمفهوم التقليدي الرئيسي هُنا هو مفهوم “الأنانية” الرأسمالي، الذي تتمحور حوله المُلكية الخاصة، ويتضمن أشكالاً مُختلِفة من التقديس، وعِبادة المال، ومذهب المُتْعة. أما الثورة الإنتقالية، فتحدثُ قطيعة تامة مع هذا المفهوم، مما يسمح للبشر “بأن يُصبِحوا غيرُ أنانيين، يتمتعون بمستوى تعليمي أعلى ومُستوى فني يُضاهي العمال الشيوعيين الأذكياء.”

ثانياً، تُلغي الثورة الإنتقالية في مجال الوعي النظري، النظرة السطحية غير العقلانية للعالم، وتُتيحُ إرساء نظرة علمية للعالم. في سياق الثورة الإنتقالية بِقِواها الإنتاجية المتطوّرة للغاية، ومع زوال الإنقسامات الطبقية والتحسين المُستمر للنظام اإجتماعي، سيتخلى الناس تدريجياً عن النظرة البرجوازية للعالم، ويتبنون نظرة عالمية بروليتارية وشيوعية. ثالثاً، ستُستبعد الفردية من مجال الوعي الأخلاقي، وستترسّخ الجماعية. مصالح الناس هي أساس أخلاقهم الاجتماعية، ومن العناصر الأساسية في الثورة الإنتقالية أن “تتوافق المصلحة الخاصة للفرد مع مصلحة البشرية”. ستُرسي الثورة الإنتقالية مفهوماً أخلاقياً جماعياً لخدمة البشرية جمعاء بإخلاص، ونتيجةً لذلك، “ستُصبح، الأخلاق الإنسانية الحقيقية التي تتجاوز العداء الطبقي، مُمكِنة”.

خاتِمة

خُلاصة القول، نظرية الثورة الثُلاثية مفهومٌ شامل، مُتتالي في الزمان، مُترابط في المكان، مُتدرج في المنطق، ومُتداخل في المُستويات. إن الفهم الدقيق والعلمي والشامل لأبعادها الثلاثة سيُساعِدُنا على توضيح جميع أنواع الفهم الخاطئ ، بل وحتى التفسيرات الخاطئة، لمعنى “الثورة”، وسيُتيحُ لنا التوصل إلى رؤية ثورة مُتكامِلة للماركسية، وخاصةً في السياق الصيني. وعلى هذا الأساس، سنواصل إعتبار الطبقة العاملة والكادحين عموماً القوة الرئيسية للثورة، وسندفع بروح الثورة إلى أقصى حد. وبشجاعة وعزيمة، سنواصل تعزيز المُمارسة العظيمة للإشتراكية ذات الخصائص الصينية، وسوف نمضي قُدُماً على الطريق الصحيح للماركسية، بِحَيثُ تنفتح أمامنا رؤية ثورية قوية.



#غريب_عوض (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مُعاداة السامية… العُنصرية المُعادية للفلسطينيين… أوروبا (1)
- تنازُل الأُنثى وعَودة المرأة (1 – 2)
- ماذا بعد بالنسبة للبرازيل؟
- عندما تكون الفاشية اُنثى
- ضد سيناريوهات يوم القيامة: ما العمل الآن؟
- لا حُدود؟ : الصين، روسيا، أوكرانيا
- تحدي تسليع الطبيعة
- الإشتراكية البيئية لا خفض النمو
- كسر جدار الصمت ( 2 – 2)!
- كسر جدار الصمت! (1 – 2)
- تجديد النموذج الإشتراكي المثالي (2 – 2)
- تجديد النموذج الإشتراكي المثالي ( 1 – 2)
- إنجلز ضد ماركس (3)
- إنجلز ضد ماركس؟* (2- 3)
- كيف عَلّمَ جيفارا كوبا مواجهة فايروس كورونا (1 – 2)
- ماركس والسُكان الأصليون في المُستعمرات – 4
- ماركس والسُكّان الأصليين في المُستعمرات (2 – 2)
- ماركس والسُكّان الأصليين في المُستعمرات (1 -2)
- “البيان الشيوعي” بعد مرور 170 عاماً (1- 2) - سمير أمين
- هل هناك ديمقراطية غير ليبرالية؟ … مُشكلة مع عدم وجود حل دلال ...


المزيد.....




- العراق يؤكد رفضه وجود حزب العمال الكردستاني على أراضيه
- ماذا يعني إعلان حزب العمال الكردستاني الانسحاب من منطقة زاب؟ ...
- قرار مجلس الأمن الدولي حول الصحراء الغربية، الإمبريالية تُجم ...
- إلغاء الديون العمومية: الطريق للتحرر من الإمبريالية وتحقيق ا ...
- الصين وإسرائيل، الشكل و المضمون
- كوهي سايتو: ”  يجب علينا ابتكار أنماط حياة قابلة للتعميم“ (م ...
- German Works Council in 2026: 6 Strategies Against The Far-R ...
- The Ultimate Goal of Jewish Settler Violence in the West Ban ...
- When Scandal Meets Structure: The Interlock of Epstein and E ...
- America’s Peril: The Rot of Anti-Intellectualism and Demagog ...


المزيد.....

- الأسس المادية للحكم الذاتي بسوس جنوب المغرب / امال الحسين
- كراسات شيوعية(نظرية -النفايات المنظمة- نيقولاي إيڤانو& ... / عبدالرؤوف بطيخ
- قضية الصحراء الغربية بين تقرير المصير والحكم الذاتي / امال الحسين
- كراسات شيوعية(الفرد والنظرة الماركسية للتاريخ) بقلم آدم بوث2 ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كراسات شيوعية (العالم إنقلب رأسًا على عقب – النظام في أزمة)ق ... / عبدالرؤوف بطيخ
- الرؤية الرأسمالية للذكاء الاصطناعي: الربح، السلطة، والسيطرة / رزكار عقراوي
- كتاب الإقتصاد السياسي الماويّ / شادي الشماوي
- كراسات شيوعية(النمو السلبي: مبدأ يزعم أنه يحرك المجتمع إلى ا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كراسات شيوعية (من مايوت إلى كاليدونيا الجديدة، الإمبريالية ا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كراسات شيوعية (المغرب العربي: الشعوب هى من تواجه الإمبريالية ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - غريب عوض - “نظرية الثورة الثُلاثية” في الصين والتحليل الماركسي