بن ريف
الحوار المتمدن-العدد: 8528 - 2025 / 11 / 16 - 22:55
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ترجمة: مصطفى نصار
مراجعة : آية حسين .
لقد بدأ الأطفال و الصحفيون و عمال الإنقاذ في غزة الذين قتل زملاؤهم و أقرأنهم أمام أعينهم على مدار العامين الماضيين يسعدوا باحتمال أن كابوسهم الحي يمكن أن ينتهي أخيرًا . ولكن أيضًا ، يسير الأمر على عائلات الرهائن الذين ظنوا أنهم لم يتمكنوا من رؤية أحبائهم مجددًا . نتشارك فقط في ارتياحهم . و ما زالت أسباب القلق من احتمالات وقف إطلاق النار لا نهائية .
كنا هنا من قبل .طاردني فيديو من يناير الماضي حيث خلع صحفي الجزيرة ذو ال28 عامًا أنس الشريف خوذته و سترته الصحفية قبل أن يرفعه حشد مبتهج لإنه أعلن أخبار وقف إطلاق النار . أدت هذه الصفقة لعدة تبادلات ناجحة للأسرى الفلسطينيين و الرهائن الإسرائيليين و شهرين من الراحة النسبية في غزة – قبل أن تخرق إسرائيل الاتفاق بشن أكثر من 100 غارة على الأرض المحاصرة في ليلة واحدة ما قتل أكثر من 450 فلسطيني .
فبعد خمسة أشهر ، قصفت إسرائيل خيمة الصحفيين خارج مستشفى غزة ما قتلت أنس الشريف و خمسة صحفيين آخرين . فصفقة سيئة أفضل من عدم وجود صفقة ( و بالتأكيد صفقة بوجود دونالد ترامب و توني بلير في صلب مستقبل غزة هي صفقة سيئة) ، و لكن ما يقلق خاصة هو تحول الخطاب الرسمي الذي يقول أننا احتماليًا ألا نتقدم أبعد من ذلك . فوفقًا لإعلان ترامب ليلة الأربعاء ، ما اتفق عليه الأطراف ، واقعيًا ، كان فقط " المرحلة الأولى "- مفهوم لا يظهر في نص الاتفاق نفسه بأي مكان – و الأكثر بروزًا من صفقة يناير التي صممتها إسرائيل لتسهل إكمال الحرب بعد إطلاق سراح عدة عشرات من الرهائن .
فذلك العرض الزائف لغوياً ليس اعتباطًا . فكما قال الصحفي عميت سيجيل يوم الخميس صباحًا ، و الذي يعد أحد الناطقين باسم بنيامين نتنياهو ، " ما من مرحلة ثانية . هذا واضح للجميع ،صحيح ؟ . من المحتمل أن تحدث المرحلة الثانية ، لكنها غير مرتبطة بما وقع . فالصفقة الموقعة الآن هي صفقة إطلاق سراح الرهائن ، ولا تعكس أي شيء بشأن المستقبل".
فهل يجب أن نفهم من ذلك أن نتنياهو يخطط فعليًا لإكمال الحرب بعد إطلاق سراح الرهائن ، كما فعلها المرة السابقة ؟ تعد هذه بالتأكيد قراءة واحدة . و لكن سيعرف الملاحظون طوال المدى أن ما أبقاه على رأس السلطة لسنوات عديدة قدرته على اللعب على عدة حبال في المرة الواحدة ، خادعًا إياهم لإنه ينفذ ما سيخدم أجندته السياسية و الشخصية في أي لحظة مهداة . و حاليًا ، قد تغيرت حساباته .
لفهم نتنياهو ، تحتاج أن تفهم في عملية صنعه للقرار . إن العامل الرئيسي الأول محاكمته الجارية من محكمة إسرائيلية بعد إدانته في 2019 بالرشوة و النصب و خيانة الثقة -تحمله بأن يسجن لوقت طويل . هذا الذي دفعه لإلقاء ثقله السياسي على الأصوليين المشيحنيين في انتخابات 2022 ليؤمن عودته للصدارة و كان قائدًا أساسيًا في حملة حكومته المتطرفة على استقلال نظام إسرائيل القضائي.
إن العامل الثاني هو الذي دخل السياسة من أجله في المقام الأول : منع أي تقدم مجدي لتأسيس دولة فلسطينية . فمن خلال دب الاسفين عبر بقايا عملية أوسلو للسلام عن طريق تولية السلطة لغض الطرف عن أي مبادرات أمريكية لاحقة للسلام من خلال تشريع الضم السياسي للضفة الغربية المحتلة ، لقد جعل نتنياهو مهمة حياتيه في التأكد من أن لا يمكن لدولة فلسطينية أن توجد بين نهر الأردن و البحر الأبيض المتوسط .
منذ 7 أكتوبر ، تحولت تلك الدوافع لآثار مدمرة . فبعد الهجوم الأخطر على الإسرائيليين في تاريخ البلد ، انخفض تقييم قبول نتنياهو لأقل مستوى في كل الأوقات . دفعه يأسه للحفاظ على السلطة للدخول في حرب إبادية دون أهداف واضحة أملًا في إبقاء حكومته متماسكة بما يكفي لاستعادة بعض من تماثل الهيبة السابقة . و عنى بذلك تدمير مفاوضات وقف إطلاق النار في كل مرة تقريبًا مخترقًا الصفقة التي وقعها بعد فترة قصيرة في يناير الماضي عندما ناسبته .
بعد تحكم نتنياهو طويلًا من سياسة " إدارة الصراع " لإبقاء الفلسطينيين مقموعين ، ما لبث أن قفز على حبل آخر في القريب . تبنى رئيس الوزراء الإسرائيلي الأجندة القضائانية لليمين المتطرف ، منجذبًا باحتمال إزالة 2 مليون فلسطيني من حيزهم الديموغرافي مرة و للأبد ، و افتتان ترامب المفاجئ "بريفيرا غزة ". لقد اتبع مدارج متنوعة لتطهير أرض الفلسطينيين عرقيًا ، لكنه انطلق نحو حد مصري حازم و نقص الاهتمام العالمي باستعياب عشرات الآلاف من اللاجئين المتضورين جوعًا .
لقد قرر نتنياهو مجددًا أن يغير الأدوات مرة أخرى و يوقع صفقة جديدة لوقف إطلاق النار . لقد فشلت جهوده في تفريغ غزة من الفلسطينيين . تصبح إسرائيل دولة معزولة عالميًا برغم الأعباء الاقتصادية و الثقافية التي تتضمنها . لم يرتفع تقييم قبوله -برغم كل الإنجازات العسكرية التي ادعاها في الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر الماضي- هناك انتخابات تلوح في الأفق .
و الآن ، كما يبدو ، يبدو بأن عليه أن يحصل على إعلان الانتصار الشامل في غزة لإطلاق حملة إعادة انتخابه عن استئناف الحرب . إن خسر الجناح المسيحاني الذي تهدد قادته بالانسحاب من الحكومة ردًا على وقف إطلاق النار ، فليكن ، سيعبر الطريق باسم "المسؤولية الوطنية " و يجد شركاء قدامى جدد.
امتلأت الصور بعودة الرهائن الإسرائيليين و ترامب منتصرا يستعد لزيارة إسرائيل في الأيام القادمة مما سيخدم تلك الحملة بلا أي ضرر . أو سيأخذ خطوات نحو اتفاقيات تطبيع إضافية التي يمكن لوقف إطلاق النار جعلها ممكنة ، و احتمالية عقدها مع إندونيسيا أو السعودية أو حتى سورية. فنتيجة لحساباته الخاصة و القليل من الضغط الذي تعود عليه من البيت الأبيض ، سيلين نتنياهو نحو الصفقة و يتخلى عن قيمه و يرضى غرور ترامب – بنشر تغريدة حديثًا بصورة مولدة بالذكاء الاصطناعي فيها يستقبل ترامب و هو يرتدي ميدالية " جائزة نوبل للسلام " ضخمة حول عنق الرئيس الأمريكي أمام حشد محب .
لكن مع تقسيم وقف إطلاق النار لمراحل ، يعطي رئيس الوزراء الإسرائيلي الخيار مجددًا عن خرقه إذا غير رأيه . بالطبع ، ليس له أي نية للدفع "بمسار موثوق لتقرير المصير الفلسطيني و قيام الدولة" إذا استمر الاتفاق . فبقية المجتمع الدولي الذي إما وقف أو دعم لعامين بينما إسرائيل تسحق غزة ، لا يمكن له ببساطة السماح لنتنياهو بتدمير صفقة أخرى ، و يجب أن يتدخل استعدادًا للتأكد من أن أي خرق سيقابل بقوة دبلوماسية .
و لا يمكن للمجتمع الدولي أن يخرج يده من الأمر لإن إسرائيل حتمًا تحول اهتمامها للضفة الغربية حيث تهجر عشرات الآلاف من الفلسطينيين قسرًا على مدار العامين الماضين . فالاعتراف بالدولة الفلسطينية لا يعني شيئًا طالما مسموح لإسرائيل أن تستمر في التهام الأراضي الفلسطينية بلا رادع . ترسخت الحماسة الإبادية بين قطاع عريض من المجتمع الإسرائيلي و لن تمحى في ليلة و ضحاها ، و لهذا حذرت منظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية بيتسلم أن الإبادة الجماعية يمكن أن تنتقل بسهولة للضفة الغربية .
و حتى إذا صمد وقف إطلاق النار ، فلا يمكن العودة " للعمل المعتاد" ما قبل 7 أكتوبر . تتطلب الجرائم ضد الإنسانية العدالة و المحاسبة و لا يعيش أغلبها لنراها . يجب أن يعاد إعمار غزة و يتحرر الفلسطينيون من قبضة إسرائيل .
هذا المقال مترجم عن الجارديان .
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟