محمود نعمان
الحوار المتمدن-العدد: 8525 - 2025 / 11 / 13 - 10:23
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
تزايدت في الأيام الأخيرة درجة التوتر بين فينزويلا والولايات المتحدة الأمريكية على خلفية التهديدات التي ما انفك يطلقها الرئيس “ترامب” والحشد العسكري الأمريكي غير المسبوق في بحر “الكراييبي” بما في ذلك نشر إحدى حاملات الطائرات مع غواصة نووية وقاذفات استراتيجية وسفن حربية بما يوحي بغزو وشيك لأراضي فينزويلا تحت ذريعة استنبطها ويرددها الرئيس الأمريكي تتعلق “بمكافحة شبكات تهريب المخدرات المرتبطة بحكومة الرئيس نيكولاس مادورو” للتغطية على الأسباب الحقيقية لهذا العدوان المحتمل على بلد ذي سيادة مستقل منذ أكثر من قرنين. في الحقيقة فإن العداء الأمريكي تجاه فينزويلا ليس مرتبطا بفترة حكم ترامب بل يعود إلى بداية فترة حكم الرئيس الفينزويلي الراحل “هوغو تشافيز” أواخر القرن الماضي واشتد خلال حكم خليفته الرئيس الحالي “نيكولاس مادورو” سنة 2013. ففي سنة 2014 وقّع الرئيس الأمريكي “الديمقراطي” باراك أوباما على قانون يفرض عقوبات ضدّ شخصيات ومسؤولين فينزويليين بدعوى “ارتكاب انتهاكات إزاء حقوق الإنسان إبّان الاحتجاجات التي شهدتها فينزويلا” في تلك السنة والتي كانت في الحقيقة بتحريض أمريكي مباشر بالإضافة إلى عقوبات على صادرات النفط وشركة النفط الوطنية الفينزويلية سنة 2017 بهدف شل تصدير النفط الذي تمثل عائداته المصدر الرئيسي للدخل في فينزويلا. ولم تقتصر الإدارة الأمريكية على هذه العقوبات بل تدخلت مباشرة في محاولة الانقلاب الفاشلة للإطاحة بالرئيس “مادورو” في أفريل 2019 والتي حاولت على إثرها فرض رئيس الجمعية الوطنية وزعيم المعارضة اليمينية “خوان غواديو” رئيسا مؤقتا للبلاد ومحاولتها كسب الاعتراف الخارجي به ودعمه. لكن هذا التدخل فشل وفشل معه الانقلاب أمام وحدة الجيش والشعب في فينزويلا. وبعد هذا الفشل لجأت إدارة ترامب سنة 2020 إلى استخدام مرتزقة حاولوا دخول البلاد انطلاقا من أراضي كولمبيا المجاورة، إلا أن مصير هذه المحاولة لم يكن أفضل من محاولة الانقلاب إذ تمّ إلقاء القبض على عدد منهم ومن بينهم جنديان أمريكيان عملا سابقا ضمن القوات الخاصة الأمريكية إلى جانب قتل عدد من المرتزقة. وتزامنا مع تلك المحاولات السافرة للإطاحة بنظام الرئيس مادورو، تحولت ذريعة الولايات المتحدة في العدوان على فينزويلا من “دعم حقوق الإنسان” زمن حكم أوباما الى “تهمة مساعدة تجار المخدرات” في فترة ترامب الذي وصف مؤخرا الرئيس الفينزويلي “بأنه أحد أكبر تجار المخدرات في العالم” ورفع في المكافأة المالية المرصودة لمن يساعد في القبض عليه إلى 50 مليون دولار. ومع عودة ترامب للبيت الأبيض عقب الانتخابات الأخيرة اكتست محاولات العدوان صبغة علنية وصلت حدّ مصادرة الطائرة الرئاسية للرئيس مادورو في جمهورية الدومينيكان في فيفري 2025 بناء على طلب أمريكي، بل وحدد “البنتاغون” مجموعة من الأهداف داخل فينزويلا يعتبرها من مقومات “البنية الأمنية للنظام ولشبكات الجريمة المنظمة” لضربها، وتشمل مطارات وموانئ ومحطات رادار ودفعت نحو تعزيز تواجدها العسكري في منطقة “الكاراييبي” من خلال نشر حاملة الطائرات “جيرالد فورد” وتكثيف مراقبة سواحل فينزويلا واستهداف سفن مدنية على أساس “كونها سفن تهريب”. لكن وبعيدا عن الذرائع الأمريكية ومبررات هذه الأعمال العدوانية ازاء دولة فينزويلا المستقلة مرتبطة إلى حد كبير بالتغييرات التي شهدها هذا البلد منذ وصول الرئيس الراحل “شافيز” للسلطة سنة 1999. ومن أهمها تأميم قطاع النفط كليا سنة 2007 والذي كانت تتحكم فيه الشركات الأمريكية وبالخصوص شركتا “اكسون موبيل وشيفرون”. ففي خلفية كل هذا العداء الأمريكي والتصعيد الأخير يقبع العامل الأهم وهو النفط اذ تمتلك فينزويلا أكبر احتياطي نفطي مؤكد في العالم بقرابة الرُبُع من الاحتياطي العالمي وفق بيانات سنة 2024. ومع سوء العلاقات الأمريكية مع فينزويلا أصبحت الصين المستفيد الأكبر من هذه الثروة إذ اصبحت تسيطر فعليا على 40% من صادرات النفط الفينزويلي وهو ما أصبح يمثل “كابوسا استراتيجيا” لإدارة ترامب. وبالتالي فإن الحشد العسكري الحالي يندرج ضمن وسائل الضغط الأمريكية ومحاولة للإطاحة بنظام مادورو بما يسمح لأمريكا استعادة السيطرة على فينزويلا ومعها على هذا المصدر الأهم للطاقة في العالم. كما تتجاوز أبعاد التهديدات الراهنة والصراع الحالي، النفط إلى ما هو استراتيجي أي حول النفوذ في أمريكا اللاتينية، خاصة مع تزايد الحضور الروسي والصيني في منطقة تعتبرها أمريكا “حديقتها الخلفية” فروسيا عبر تحالفها مع الصين ودعمها العلني لنظام مادورو في فينزويلا وللأنظمة اليسارية في بعض دول أمريكا اللاتينية تحاول خلق توازن استراتيجي جديد، أمّا الصين فتسعى للتمدد الاقتصادي عبر استثماراتها طويلة المدى وتأمين ممرات بحرية لتجارتها وقد وجدت في فينزويلا المنفذ الأنسب نحو “الكراييبي”.
كيف تستعد فينزويلا للتصدي للعدوان المرتقب؟؟
أمام جدية التهديدات الأمريكية، عملت فينزويلا على دعم قدراتها الدفاعية بالتعاون مع “حلفائها” وإرسال اشارات الى أنّ أيّ عدوان أمريكي لن يمر دون رد مناسب وذلك من خلال طلعات مقاتلاتها الجديدة روسية الصنع المجهزة بصواريخ متطورة قادرة على استهداف القطع البحرية المعادية من مسافات آمنة وتوسيع نطاق دفاعاتها الجوية بنشر صواريخ “آس آس” الروسية كما شملت الإجراءات الدفاعية نصب رادارات ذكية تزودت بها حديثا من الصين الشعبية. أمّا على الصعيد الديبلوماسي فقد دعمت علاقاتها بالصين وروسيا اللذين عبرا عن رفضهما لأي اعتداء أمريكي ورفض مبرراته على دولة مستقلة وذات سيادة وعضو في الأمم المتحدة علما وأنّ فينزويلا أصبحت تُعدّ ضلعا أساسيا في محور يضم روسيا والصين يجعل من المؤكد استحالة أن تسمح القوتان بأي مغامرة “ترامبوية” في فينزويلا.
إنّ تاريخ الامبريالية الأمريكية في العالم وفي أمريكا اللاتينية بالخصوص هو تاريخ محاولة السيطرة على ثروات شعوبها وتاريخ الانقلابات والتدخلات العسكرية كلما حاول نظام تأميم تلك الثروات ولنا في الانقلاب الدموي في الشيلي سنة 1973 ضد الرئيس المنتخب أليندي والحصار المضروب على كوبا منذ 1961 وعملية خليج الخنازير الفاشلة خير مثال.
لكن وكما فشلت في كوبا فإن مصيرها لن يكون مغايرا في فينزويلا بفضل تصميم شعبها على سيادته ووقوف الشعوب التواقة للحرية إلى جانبه.
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟