أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عروب عيبال - الغولة














المزيد.....

الغولة


عروب عيبال

الحوار المتمدن-العدد: 8516 - 2025 / 11 / 4 - 23:18
المحور: الادب والفن
    


وصلت الغولة إلى الدرجة الخامسة والثمانين على سلم منزلها الذي كان يُعاني من اهتزازات وصرير بطيء وحاد نتيجة طبيعية لقدمه، لم تكن هذه الغريبة سوى غولة أرملة تُضيء كل ليلة شمعدانها النحاسي لئلا تُفزع الأرواح المعلقة في البراويز البيضاوية، والتي تئن أحياناً بصوت يشبه صوت الكتان المُتمزق.
كانت قد نسيت لماذا بدأت بالصعود، ربما لتتأكد أن لا شيء قد تغير في العالم العلوي، أو لتبحث عن رائحة الياسمين التي كانت تتدفق من جدران البيت أيام طفولتها، ملابسها السوداء وقبعتها المدببة مجرد إرثٍ من جدتها التي ماتت في حديقة بيتها مثل وردة صفراء.
في الأسفل، وعندما همّت الغولة بالالتفات، رأت القط الطوبي الذي يمضغ عُصارة المكنسة القديمة، كان عيبال القط هو الوحيد الذي يستطيع أن ينام مرتاحاً، لأنه يعرف أن كل ما حدث اليوم لن يُهم غداً، وأن الذاكرة مثل قطعة قماش بالية، تتسع وتنكمش حسب الرطوبة.
لقد ظلّت الغولة واقفة عند الدرجة الخامسة والثمانين، تنتظر أن يُعلمها القط بحركة من ذيله ما إذا كان عليها أن تتوقف أم أن تواصل الصعود
العتمة في ذلك المنزل تُصدر صوتاً خفيفاً يشبه طنين الوشوشة، الغولة وهي سيدة عتيقة تُصر على أن عمرها هو 200 عاماً بالضبط، كانت تتسلق الدرج المصنوع من خشب افريقي ورث رائحة القهوة المركزة والأوهام الطفولية، وبيدها شمعدان نحاسي مثقل بالزمن
ارتجاف لهب الشمعات يُرسل دقات قلبها المرتجفة إلى الجدران التي تزينها وجوه أحبابها الموتى: والدها والسيد الذي أسمته صفي
العقل في نصوص سرية للغاية، أخطاء في النسيان هذا ما كانت تقوله عن تعليق هذه الصور، لحظات قوية رفض الزمن أن يبتلعها، فظلت معلقة في تلك الإطارات المذهبة، كل وجه منها صمته ليس من الموت، بل احتجاجاً على أن الحياة كانت أقصر من أن تُكمل حكايته.
في الأسفل، وعند عتبة السلم، القط الطوبي يطوي نفسه حول أرجل المكنسة القش ذات الساق الطويلة، وظيفة القط مساعدة الغولة على النسيان؛ إنه يمتص الذكريات المُرهقة قبل أن تتمكن من التسرب إلى عقلها، وعندما نظرت إليه، لم تجد سوى فراغاً دافئاً، وشعرت أن كل ما مضى قد تبخر، ولم يعد مهماً سوى اللحظة التي تقف فيها، قبل أن تُكمل الدرجة السادسة والثمانين.
أما البيت، البيت فقد كان مملوءا بصخب الصمت، وصوت تكسّر الضوء على الجدران الخضراء المريضة، الغولة التي لم يذكر أحد اسمها قط (والتي كانت تعتمر قبعة طويلة لأنها كانت تخاف من الطيور)، تصعد درجات السلم الملتوي، الذي يبدو كأنه يتنفس ببطء تحت وطأة التاريخ.
كانت الغولة لا تحمل الشمعدان لترى، بل لتؤكد أن هناك شيئاً ملموساً في يدها يمكنها أن تشعر به خلافاً للوجوه المُعلقة على الجدران التي كانت مصنوعة من الأوهام المصبوغة، والتي لم يلمسها أحد منذ خمسين عاماً، الوجوه التي تبتسم ابتسامة مُرّة، تعلم أن لا أحد سيتذكر قصصها، وأنها ستبقى مجرد زينة للذاكرة المُتكلسة.
في أسفل الدرجات، جلس القط الانجليزي قصير الشعر بتكاسل ملكي، لم يكن قطاً عادياً؛ فقد ولد في نفس اللحظة التي توقف فيها المطر عن الهطول بعد تسعة أعوام متتالية، حتى تعفنت الملابس، وتشققت الأسقف، وصار الناس يمشون في الشارع مثل الأسماك النافقة، عندما نظرت إليه الغولة، أحست لأول مرة باليقين، لم يكن لديها حاجة إلى تجاهل الأشباح أو السلم أو الغموض المحيط بها؛ فالقط بوجوده الحقيقي الساكن قدم الدليل الوحيد الكافي على أن شيئاً قد حدث ويحدث الآن، وأن هذا هو اليقين الذي تحتاجه لتجاوز القتام، ولأن كل شيء لا يدوم، فقد أغمضت عينيها، وابتلعت ريقها بعد أن جف حلقها، وهي تعلم أن القط سيبدأ في التلاشي مع الفجر، لتبقى الغولة وحدها مرة أخرى مع العتمة التي تهمس بأسماء الذين لم يعودوا موجودين، بحيث التصق غيابهم بملابسها السوداء، كل شيء في هذا المشهد لحظة ثابتة إلى الأبد في ذهنها، الغولة ستظل تحمل الشمعدان، والوجوه المعلقة ستظل تحدق بها، أما القط. القط فقد ارتبط مصيرهما معا، بينما يستمر السلم في كونه حلما معماريا يقودها إلى الداخل لا إلى الأعلى.






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- عراقيان يفوزان ضمن أفضل مئة فنان كاريكاتير في العالم
- العربية في اختبار الذكاء الاصطناعي.. من الترجمة العلمية إلى ...
- هل أصبح كريستيانو رونالدو نجم أفلام Fast & Furious؟
- سينتيا صاموئيل.. فنانة لبنانية تعلن خسارتها لدورتها الشهرية ...
- لماذا أثار فيلم -الست- عن حياة أم كلثوم كل هذا الجدل؟
- ما وراء الغلاف.. كيف تصنع دور النشر الغربية نجوم الكتابة؟
- مصر تعيد بث مسلسل -أم كلثوم- وسط عاصفة جدل حول فيلم -الست-
- ترحيل الأفغان من إيران.. ماذا تقول الأرقام والرواية الرسمية؟ ...
- الإعلام الغربي وحرب الرواية بغزة: كيف كسرت مشاهد الإبادة الس ...
- أطروحة دكتوراة عن أدب سناء الشعلان في جامعة الأزهر المصريّة


المزيد.....

- دراسة تفكيك العوالم الدرامية في ثلاثية نواف يونس / السيد حافظ
- مراجعات (الحياة الساكنة المحتضرة في أعمال لورانس داريل: تساؤ ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ليلة الخميس. مسرحية. السيد حافظ / السيد حافظ
- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عروب عيبال - الغولة