أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - منصة المناهضة - نزار عبدالله - نعي رفيقنا العزيز (عبدالحسن حسين يوسف - ابوضياء)















المزيد.....

نعي رفيقنا العزيز (عبدالحسن حسين يوسف - ابوضياء)


منصة المناهضة - نزار عبدالله

الحوار المتمدن-العدد: 8516 - 2025 / 11 / 4 - 01:30
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


بكلمات تعجز عن استيعاب الفقد، نسطر حزننا العميق لرحيلك يا رفيق الدرب العزيز. نتقدم بأحر التعازي والمواساة لعائلتك الكريمة وذويك، ولكل رفاقك وأصدقائك الذين شاركوك مسيرة النضال.
عرفنا الرفيق أبوضياء في رحاب الحركة الشيوعية واليسارية، وتحديداً خلال عمله الدؤوب في اتحاد الشيوعيين في العراق، حيث جسّد معاني الإخلاص والتفاني بأسمى صورها. كان رمزاً فريداً للانسجام بين العمل السياسي والتنظيمي من جهة، والقيم الإنسانية النبيلة من جهة أخرى. بالنسبة له، شكّلت الشيوعية والحياة والمبادئ الأخلاقية السامية وحدة متكاملة لاتقبل التجزئة. عرفناه إنساناً قبل كل شيء، زوجاً مثالياً وأباً حنوناً، ومربياً لأسرة تقدمية مناضلة، كانت عائلته ملاذاً آمناً للمناضلين، ومنصة للنضال والعطاء، وسنداً راسخاً له ولرفاقه في المسيرة.
كان حبه للحياة الإنسانية الحرة، ومناهضته للظلم، ودفاعه عن المضطهدين، إلى جانب مهنته كعامل حدادة، الدوافع الأساسية لتبنّيه المشروع الشيوعي الحقيقي والنضال ضد الدكتاتورية والاستبداد. في هذه المسيرة الطويلة، قدّم الغالي والنفيس، وعانى من السجن والتعذيب والإقصاء كما عانى رفاقه. رغم كل المحن، ظل الرفيق يردد دوماً أنه يريد أن يحيا بكرامة، وأنه يفضل الموت على حياة الذل والتشرد والهزيمة (دوّن كل ذلك في كتابه "ذكريات عامل شيوعي عراقي في زمن التردي"). ان ظروف النضال القاسية لم تحطمه، بل صقلت أخلاقه الإنسانية، وزادته إصراراً على الربط بين الأخلاق والسياسة، وعلى ضرورة ذلك لتجاوز المحن والمصاعب.
ان واقعه المعاش كعامل حدادة جعلته ينظر الى الشيوعية والى التحرر والنضال من اجل عالم أفضل من منظور انساني، انسان يتعرض للقهر والظلم والاستغلال، لكنه يسعى للتحرر الشامل ويعمل طوعاً لخدمة قضية تحرر الطبقة العاملة والكادحين. سعى دوماً لإعلاء القيم الإنسانية الحقيقية التي دافع عنها الشيوعيون واليساريين وكل الذين فهموا بحق كيفية الربط بين معنى الشيوعية ومعنى الحياة الإنسانية.
من هذا المنطلق ووفق هذا المنظور دوّن مذكراته وسيرته الذاتية والمحطات النضالية التي مرت به في الحركة الشيوعية في كتابه "محطات من حياة عامل شيوعي عراقي"، ليكون شاهداً حياً على التاريخ. أراد أن يوضح أن التاريخ الحقيقي لايصنعه القيادات والنخب، حيث ينقشه الإنسان البسيط والعامل والكادح على الصخر، بينما يكتبه القادة على الرمال. كانت كتاباته ومقالاته مليئة بالأمثال والقصص والعبر والتقاليد النضالية لتوضيح ذلك.
لم تكن الشيوعية بالنسبة له قضية لفظية وخطاباً سياسياً أجوف، بل ممارسة حية وأسلوب عيش وواقع معاش. جوهر الشيوعية عنده يتعلق بعيش حياة كريمة وحرة، خالية من الاضطهاد والظلم والاستغلال، وبناء أدوات وجماعات ومجتمع تمهد وتبني وتسهل العيش الكريم والحر.
أراد الرفيق، بدلا من اظهار كيف فهم وكيف فسر وفكر في الشيوعية، أن يجسد في مسيرته كيف عاش كشيوعي مناضل، وحاول ان يظهر أيضا كيف عاش غيره من المناضلين، وكيف ضحوا بالغالي والنفيس، وكيف بنوا حياة جديدة. أراد أن يبين أن فهمه للشيوعية يرتبط بحياة البسطاء، لا بحياة المشاهير ورجال الدولة والسياسة والمناصب، وانها تختلف عن شيوعية المكاتب والأحزاب والمقرات والمناصب والكسب السياسي، أراد أن يسرد نضال المناضلين في السجون والشوارع والأحياء والمعامل والحقول، نضالهم من أجل العيش الكريم ومناهضة الظلم و وضع حد للاستغلال وتعبيد الاخر.
سعى لتخليد وإحياء التقاليد الإنسانية الحية والتقاليد الشيوعية "الفهدية" (نسبة إلى الرفيق فهد) وكوكبة المناضلين الذين قدموا الكثير لبناء وطن حر وشعب سعيد ومجتمع عادل.
لاقى الرفيق الكثير من العذاب والسجن والإقصاء، لكنه لم يتخلَّ يوماً عن قيمه ومبادئه. سعى دوماً لأن يعيش وفقاً لمعتقداته، وأن يقلص الفارق بين المبدأ والممارسة لحد التطابق معا. كان رمزاً شيوعياً حقيقياً يجسد نضال الشيوعيين لتقليل هذا الفارق، وهذا ما أكسبه سمعة نضالية طيبة وشهرة سياسية.
تحلى الرفيق بالبساطة والشموخ، معتبراً إياهما قيماً إنسانية وشيوعية جليلة. اعتز دوماً بشخصيته الشيوعية وبساطته في الحياة، وبطريقة عيشه الكريم المبني على الجهد وعرق الجبين، وكره الكسل، وإظهار كتلة من النشاط والحركة في جسد اتعبته كد الحياة والعيش في سبيل حياة عائلته وأبنائه واولاده وغيرهم، وفي هذا المجال أيضا كان رمزا للإيمان بالعمل ومناهضة الكسل والظلم واستغلال الآخرين.
منذ بداية معرفتنا به، تعلمنا أن أهم ما يشغله هو بناء علاقات إنسانية حقيقية في غمرة النضال السياسي والتنظيمي. كان يعتز ببناء هذه العلاقات مع رفاقه، ويفتخر بالمودة التي تجمعنا، قبل أن تجمعنا السياسة والتنظيم اللذان لم يكونا إلا وسيلة وإطاراً لممارسته.
هذه الصفات المشتركة جمعتنا في صفوف اتحاد الشيوعيين في العراق منذ عام 2004 وما بعده. كان يؤمن بأن الاتحاد يحمل منظوراً مختلفاً للشيوعية، صورة تختلف عن الصورة النمطية التقليدية. لذلك ساهم في بناء هذا التنظيم و وضع لبناته في بغداد والمحافظات الأخرى، ثم ترأس تحرير جريدتها "بلاغ الشيوعية" تحقيقاً لهذا المشروع.
تعمّق فهم الرفيق للشيوعية خلال مسيرته في الاتحاد، وقدّم صورة مختلفة لها ترتبط بالحياة الحرة الكريمة. أراد مع رفاقه البدء من الذات قبل كل شيء، وتجسيد الشيوعية كأسلوب حياة، بل كالحياة نفسها، وراهنية علاقتها ببناء حياة جديدة، وخلق الإنسان الشيوعي وتربيته في بيئة إنسانية وشيوعية وفي داخل الأطر الاجتماعية والسياسية السائدة وصولاً إلى تعميمها اجتماعياً لبناء مجتمع خالٍ من الاستغلال والظلم والتمييز.
كان هذا المنظور، وهذه الفكرة والصورة والتطلعات يتناقض مع الفهم السائد للشيوعية، خاصة فهم النخب التي تسمي نفسها بـ"القيادات" الشيوعية، ومع الكثير من الأشخاص والأحزاب التي تنظر إلى المشروع الشيوعي بوصفه مشروع سياسي مجرد يطمح للسلطة والمناصب والامتيازات، ويسعى الى تجسيده كطريقة للسياسة والسلطة والتحزب السلطوي والوعد بالمستقبل الموعود، والاسوء من كل ذلك تكرار التجارب الشيوعية القديمة التي تتناقض مع الحرية والقيم الإنسانية وتصبو الى استغلال الأخر والتسلط وممارسة السيطرة عليه داخل الأطر والبنى السياسية وبناء المؤسسات التي ترسخ تلك الفهم والطريقة والأسلوب في الحياة.
فهم الرفيق أبو ضياء هذا التناقض، ورغم تشخيصه له كداء عضال في الحركة الشيوعية، لم يفقد الأمل بالتجديد والتغلب على النواقص. حتى انعزاله السياسي في السنوات الأخيرة لم يزعزع إيمانه براهنية بناء الإنسان الشيوعي قبل أي مشروع آخر و بصدق ما كان يصبو اليه.
حاول الرفيق على الصعيد الشخصي أن يجسد نموذجاً للإنسان الشيوعي، المناضل المخلص الوفي لقضية التحرر الإنساني. سعى لبناء الشيوعية من القاعدة، متحلياً بصفات المناضلين القاعديين، واضعاً لبناتها في الدوائر الحياتية المحيطة به أولاً، ثم في الجماعات السياسية التي كان ينتمي إليها.
في هذا الطريق، تعلّم الكثير وعلّم الكثيرين درب النضال والتفاني ومسيرة بناء الذوات الشيوعية انطلاقاً من القاعدة. سعى دوماً للوفاء لهذا المبدأ، دون نسيان ديناميكية الحياة والتجديد ومنحى التقدم والتخلي عن النمطية السائدة، والبدأ من جديد ان تطلب الامر، بغية ارساء حركة شيوعية جديدة، تتجاوز القديم وغير ملزمة بالعباءات والتسميات القديمة والنمطية.
كنا نتطلع معاً لنفخ روح جديدة نابضة في الشيوعية السائدة، حيث كانت التجارب القديمة فاشلة ونمطية وينبغي تجاوزها. أردنا أن نبدأ من جديد، أو على الأقل نفتح الطريق للآخرين لفهم الشيوعية الحقيقية والعيش بحرية وكرامة وفق قيم أخلاقية رفيعة ورؤية إنسانية تقدمية.
كانت المهمة صعبة علينا جميعاً، وخضنا معاً تجربة مريرة للمراجعة الفكرية والسياسية. لكن الرفيق أبو ضياء حاول حل عقدها ببساطته المعهودة وأسلوبه المرح، مستفيداً من تجربته الغنية التي علمته أن جوهر الشيوعية وكل المساعي التحررية يتعلق بالذات أولاً، وأن العيش بكرامة وحرية مرهون بك أنت قبل أي شيء، ثم يأتي النضال والتطلع الى بناء مجتمع وأدوات وجماعات تمهد وتبني وتسهل العيش الكريم والحر.
بفقدان الرفيق فان هذه المسيرة قد تعثرت، ولكن لم تنتهي ولم تنقطع، ورفاقه في الدرب عازمون وعاهدون ان يحافظوا عليه وان ينقلونه بامانة الى غيرهم. رحيله المبكر خسارة كبيرة لنا وللحركة اليسارية والتقدمية في العراق، لكن إرثه باقٍ، وكتاباته محفوظة في المكتبة الشيوعية والتقدمية، ودربه مضيء. رفاقه مستمرون يحملون نبراس التحرر الإنساني، معتزين بهذا الماضي والإرث النضالي المشترك، أوفياء له، ساعين لإحيائه ونقله للأجيال القادمة.
الوداع أيها الرفيق العزيز، ستبقى في قلوبنا وذاكرتنا ونضالنا، نحن مستمرون، متجددون، نبراس الحرية ينير دربنا، وروحك موجودة بيننا تتقدمنا، بل إنه ينفخ في هذه الكلمات التي نسطرها.

3 تشرين الثاني 2025
الموقعون:
- منصة المناهضة
- رفاق الدرب الموقعون: نزارعبدالله، اسو غريب، سعد مجيد، ازاد علي، بختيار سامي، كارزان كريم، نەبەز خالد، سەفين محمد، بايز عزيز، سيروان علي ...
- مجوعة أخرى من رفاق الفقيد






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- إدارة ترامب تنشر صورا لشي جينبينغ - تُظهر جانبا مختلفا لا ير ...
- انتخابات عمدة نيويورك.. زهران ممداني لـCNN عن تأييد ترامب وم ...
- تحليل لـCNN.. لماذا أصبحت التهديدات النووية -أكثر خطورة-؟
- -صحة غزة- تعلن إعادة إسرائيل جثامين 45 فلسطينيا
- كيم كارداشيان تشكك في الهبوط على القمر!
- انتخابات عمدة نيويورك: سباق محموم وقضايا ملحة واهتمام شعبي
- -الفاو-: تدهور الأراضي بفعل البشر يهدد معيشة 1,7 مليار شخص ح ...
- تحرك أميركي لتشكيل قوة دولية بصلاحيات واسعة في غزة
- لبنان وليبيا.. تسليم ملف -الصدر- وبوادر حل لقضية -هانيبال-
- هوكشتاين يدعو إلى مسار لنزع سلاح حزب الله -تدريجيا-


المزيد.....

- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - منصة المناهضة - نزار عبدالله - نعي رفيقنا العزيز (عبدالحسن حسين يوسف - ابوضياء)