أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - كامل عباس - الصيام الأكبر















المزيد.....



الصيام الأكبر


كامل عباس

الحوار المتمدن-العدد: 1832 - 2007 / 2 / 20 - 13:23
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


تمهيد
راودتني فكرة الكتابة على الورق بشكل فني – أول مرة في حياتي وانا خلف القضبان – في حزيران 1982 أثناء الاجتياح الاسرائيلي للبنان ,شغلني موضوع التباين في سوريا بين القول والعمل ’ فحاولت معالجة ذلك بمسرحية من فصلين تحت عنوان – حصة مدرسية خاصة – جاء في مقدمتها ما يلي :
هذه ليست مسرحية , انها ( فشة خلق ) البوط يكم أفواه المواطنين السوريين باسم الدفاع عن الوطن منذ سنين عديدة , وهاهي الدبابات الاسرائيلية على مرمى حجر من دمشق , والمطبلين والمزمرين لتقدمية السلطة ودورها في مجابهة مخططات الامبريالية من القوى الوطنية داخل سوريا , الى حركة التحرر العربية ’ الى الدول الاشتراكية وعلى رأسها الاتحاد السوفياتي , ونسي هؤلاء او تناسوا ان النهاية لن تكون أقل مأساوية من نهاية مرحلة عبد الناصر , وان قمعه للشعب وقواه الوطنية هو الذي عبّد الطريق الى كامب ديفد , ترى ألا تعلم هذه القوى ان التباين بين القول والعمل يوصل المجتمع الى أرذل أنواع الانحطاط , ويجعل أفراده أكثر غربة داخله بكثير من غربة أبناء الأنظمة الرجعية المنسجمة مع نفسها قولا وعملا , ام انها تصدق هذا الزعيق ؟ ام ان قواعدها مضللة من قبل قياداتها التي تأتي الى دمشق وتكمم أفواهها بالحلوى عملا بالقاعدة – اطعم الفم تستحي العين - ؟؟!!
انها فشة خلق لألف سبب وسبب , وأولها ان كاتبها لا يملك من أصول هذا الفن سوى المعاناة , ولم يكن هاجسه يوما , وآخرها انها لن تقُرأ سوى من قبل كاتبها , وهي بالتالي زفرات حادة لسجين سياسي يسمع كيف يُذل وطنه وهو عاجز عن فعل أي شيء سوى صب هذه الزفرات على أغلفة علب التبغ والسردين وباقي الأغلفة الملقاة في سلة المهملات من قبل السجانة ,
تدور أحداث الفصل الأول من المسرحية - كما هي متخيلة - في يوم الخامس من حزيران1983 وفي ثانوية رسمية خصصت الحصة الاولى لهذه الذكرى , وقبل ان تنتهي الحصة بدقائق ينفجر طالب بوجه المدرس صائحا : كفاكم كذبا ونفاقا , والطالب هو الأكثر اجتهادا وذكاء وأدبا وبعدا عن السياسة في الثانوية .
يلح عليه المدرس لكي يعتذر فيصر على قوله .
يقترب المدرس منه فيصفعه بشدة ولكن الطالب يرد الصفعة بصفعة أقوى منها .
اما الفصل الثاني فتدور أحداثه في مجلس المدرسين الذي ينقسم على نفسه بين مؤيد لاقتراح الادارة - طرد الطالب من كل مدارس سوريا - ومعارض للاقتراح يرى ان الأمر يحل باعتذار الطالب من المدرس . وعندما يحسم مدرس الجغرافيا التردد ويرجح كفة المعارضين المطالبين بحل الموضوع بالتراضي بين الأستاذ والطالب , يعلن المدير ان كل من صوت ضد اقتراح الادارة عميل موضوعيا يريد إضعاف القيادة الحكيمة والشجاعة في صراعها مع الامبريالية والصهيونية ويعتبر موقوفا منذ اللحظة . ثم يتصل بجهاز الأمن ليحضر ويكبل بالأصفاد كل من صوت ضد اقتراح الادارة .
اما الخاتمة التي دونتها للمسرحية فقد جاءت كما يلي :
عندما فرغت من عملي وقرأته بشكل كامل متكامل للمرة الأولى وقف شعر رأسي هلعا , ركبتني الحمى , ماصنعته أصبح له شخصيته الاعتبارية المستقلة بعيدا عني ’
تقول احد الأساطير , ان الفنان بيغماليون نحت تمثالا لامرأة وعشقها وبدأ يصلي لربه من اجل ان ينفخ الروح فيها .
صدقوني ان العلاقة بيني وبين عملي كانت اعقد من ذك بكثير , ما صنعته ارهبني , كان كمن عمل سحرا وانقلب عليه , هل اقتل العمل قبل ان يقتلني ؟
تلك هي المعادلة الصغيرة التي لم استطع حلها بسهولة ؟
فصلت بإبرتي جيبا لمسرحيتي في سروالي الداخلي و حبست المارد في القمقم ,وكنت أتفرج عليه كلما ضاق بي الحال , فيفعل فعله أكثر من أي مهدئ عصبي يتناوله رفاقي
فشة الخلق هذه هل تقتلني ؟
ليكن , لن اقتلها أنا , حُلت المعادلة :

منذ ذلك التاريخ بدأت رحلتي مع شخوصي على الورق , والتي كانت تتبعني أحيانا وتتمرد علي أحيانا أخرى , وكنت أثناء انشغالي بها أنسى الزمن والسجن .
راقت لي اللعبة عشر سنوات , ضجرت من شخوصي وشعرت بالحاجة الى لعبة جديدة أنسى فيها الزمن. فاخترعت اللعبة التي أنا بصددها.
وفرت فكرة اللعبة لي , خروج رفاق اشتركت انا وإياهم بمبادرة سياسية في عام 1984 ونحن في سجن تدمر , واستجاب الرئيس الراحل لوساطة يوسف فيصل فأمر بإخلاء سبيلنا في عام 1991, وقد خرجوا جميعا وتم استثنائي . شعرت بالغبن والحزن بعد خروجهم . لكونهم تركوني وحيدا في سجن صيدنايا المعروف بهامشه المعقول في تعامله مع السجناء السياسيين , ووضعه السجناء من لون واحد في ما يعرف بأجنحة السجن المتجاورة , ( كل جناح يحوي عشرة مهاجع تُفتح على بعضها من الساعة السابعة صباحا حتى الساعة السابعة مساء الا اذا حصل شغب بين السجناء في الداخل او شغب من مناصريهم في الخارج , وهذا ما جعل أجنحتنا تبدو وكأنها قرى صغيرة متجاورة لكل أسرة في القرية – مهجع في الجناح - ظروفها وعاداتها وتآلفها المختلف عن الأسر الأخرى )
قبل خروج - جماعة المبادرة - كما كنا نسمي أنفسنا , كان السجال السياسي على أشده بين جهتين ,كل منهما تكيل الاتهام للأخرى ’ هم يصنفوننا متهاودين أو انتهازيين يمينيين او انبطاحيين. ونحن نصنفهم أصنافا متعددة أقساها اتهامنا لهم موضوعيا بأنهم يخدمون الإمبريالية , كيف سيكون حالي بمفردي بينهم ؟ ولماذا تم استثنائي وحدي ؟ , اترك لأوراقي تسليط الضوء على ذلك بدءا من الورقة الرابعة والخمسين حتى الورقة التاسعة والستين . ولكن لابد من بعض الملاحظات أرى أنها ضرورية للقارئ الكريم .
1- انها أوراق مكتوبة بخط ناعم جدا تمكنت من إخراجها بطريقة لاتخطر ببال العفاريت .
2- لم اكن أحلم يوما بدفعها الى النشر , وكنت وما زلت قارئها الوحيد , ولا زالت تقدم لي نفس الفائدة التي كانت تقدم لي قراءتها في السجن . والذي شجعني على دفع هذا الجزء منها للنشر متغيرات كثيرة أهمها بالنسبة لي التقدم التكنولوجي الذي اخترع لنا الأنترنت وما يتبعه من صحافة الكترونية لها فضل كبير علي , لكون النشر فيها ينسجم مع قناعاتي حتى الآن ’ ولا يحتاج ذلك الى تعقيدات وشروط الصحافة الورقية .
3- موضوع اضرابي سجلته بعد انتهاء الاضراب تماما وبطريقة مناجاة الى والدتي التي كانت دائما ترافقني مع شخوصي
4- ساترك الكلمات على حالها ولن أبدل فيها حرف – التبديل فقط بالكلمات التي عجزت عن قراءتها بسبب صغر حروفها او اهتراء أطرافها .
5- لابد من تقديم العذر لكل من سيشعر بالاحراج من هذه الأوراق سواء من الرفاق في حزب العمل او في منظمة حقوق الانسان او من سجانة السجن , فانا أردت ان أقدمها كعمل فني جاء نتاج لحظة لها ظروفها الخاصة كنت أمر بها , ولو أنني أردت صياغتها من جديد لبدلت الكثير مما ورد فيها .
.................................................................................
الورقة الرابعة والخمسين : ---- الصيام الأكبر------

شاورت الكثير من الأصدقاء بموضوع عزمي على الاضراب ونصحوني جميعا بعدم جدواه , وكنت مقتنعا بذلك , الا ان صوت الضمير تغلب عندي على صوت العقل , رسمت خطة بذهني عن الاضراب , خمسة عشر يوما قد تزيد او تنقص حسب رد فعلهم تجاه اضرابي , واخترت التوقيت متزامنا مع سنة جديدة ليكون لي ( فشة خلق ) ومعينا على تصريف أيام السجن قبل وبعد الاضراب , ولأدخل السنة الجديدة بشعور مختلف , عله يمدني بمقاومة داخلية لبقية العام . ولم ينقطع عندي خيط الأمل كليا بعدم جدواه , قلت ربما يحرك موضوعي ويكون سببا في إخلاء سبيلي , ولذلك وجهت كتبا عديدة الى الجهات الرسمية في الدولة ( نسخة الى رئاسة الجمهورية , نسخة الى مكتب الأمن القومي , نسخة الى إدارة أمن الدولة , نسخة الى الفرع 285 الذي اعتقلني وصاحب الحق الرئيسي في البت بقضيتي ) , انتقيت الكلمات يا امي , حرصت ان تكون معبرة و شاملة ومؤثرة , قدمت الأمثلة . قلت علّ وعسى , العرب قديما قالوا ان الكلمة تساوي الجرح , وكليم تعني جريح , والكلمة من اللسان كالسكين من اليد , لكن واأسفي قد تجرح كلماتي الحديد ولكنها لن تجرح جهاز امن الدولة الأصم الأبكم تجاه موقوفيه .
جاء اليوم الأخير من سنة 1992 وجاءت سهرة رأس السنة التي كنت أحييها دائما في عنبري ’ لكن هذه السنة غيرت عادتي , احتفظت بكل طاقاتي , لا نكتة, لا كلمة ’ كانت السهرة عندي تبدأ في اليوم التالي , تركت الرفاق يرقصون على دموعهم , ونمت منذ الدقيقة الأولى في العام الجديد , وها أنذا يا أمي أسجل لك ما جرى معي يوما بيوم كما رسخ في ذاكرتي .
اليوم الأول من سنة 1993 :
استيقظت كالعادة صباحا , شربت ماء على الريق , تناولت بعدها تفاحة خبأتها من البارحة ’ هي السحور الأخير ’ آخر المواد الصلبة التي ستدخل جوفي إلى حين , بدأت ساعات النهار تمر بطيئة رتيبة مملة ’ أصعب أيام الصيام هي اليوم الأول , وبشكل خاص فترات الوجبات , وإفرازات المعدة عندما ترى الحضور أمامها يلتهمون الطعام , انقذني القدر لأن الرفاق داخل عنبري اعتادوا ان تكون الوجبات حرة , اول يوم في السنة الجديدة وان يكتفوا في ذلك اليوم بما بقي من طعام السنة المنصرمة .
اليوم الثاني :
بدأت يومي بإبريق كامل من الزهورات , عند الظهر شربت ماء محلى بالمربى , عند المساء تحلق الرفاق على الطعام داخل العنبر بعد إغلاق باب المهجع مباشرة , تظاهرت بالنعاس والبرد ’ دفنت نفسي تحت الغطاء ’ حملني شريط الذاكرة الى أيام صباي وصيامي آنذاك , قاتل الله الجوع , سبّب لي في تلك الأيام آلاما حادة في بطني , وكان اشد ما يزعجني حرماني من القراءة – التي كنت مغرما بها - بعد الظهر ’ وانشغالي بدلا عنها بالضغط على بطني بحجرة كبيرة , كنت مؤمنا يا أمي وأرى بذلك فرض من الله تعالى كي اشعر بمعاناة الجوعى على الأرض , أما الآن فلماذا أعذب نفسي ؟1ألا يكفيها نيران الجحيم الموجودة فيه !
انقطع شريط الذكريات ولا اعلم متى , ونمت بعمق طوال الليل , ولم يصبني لا أرق ولا مغص ولا كوابيس تلك الليلة.
اليوم الثالث :
في هذا اليوم الفضيل – دكينا تكينا عا المعلف –
لا شك انك تذكرين هذه العبارة يا امي التي أضحكت القرية أياما كاملة بعدما سرقها احد الزعران من مذكرة فلاح لن اذكر اسمه هنا فهو ما يزال على قيد الحياة , وترجمة العبارة ان ذلك الفلاح استيقظ ليصلي الفجر ’ فوجد امرأته قد سبقته كي تطعم البقرة , تهيج لمرآها وهي تنحني أمام المعلف , فترك الصلاة وضاجعها فيه , ولأن ذلك كان تجديدا , ولكل جديد لذة , فقد رأى ان يسمي ذلك اليوم فضيلا يستحق ان تُحفظ ذكراه في مفكرته .
أما أنا يا أمي فاستطيع ان أقول لك : في هذا اليوم الفضيل وصلت الى قمة النشوة بعد تناول حساء الشوربا المعد بمرق الدجاج - إثر وصوله إلى معدتي عصرا لقد عرفت نوعا من اللذة – ربما تفوق لذة ذلك الفلاح في المعلف , ترى ما هي علاقة جهاز الهضم بجهاز التناسل ؟1 ... لست أدري
اليوم لرابع :
عشاء الرفاق في هذا اليوم – مقالي – لعنة الله على من اكتشف تحضير الطعام قليا ’ انها آفة ابتلي بها الرفاق داخل السجن , يقلون الطعام بنفس الزيت ألف مرة فتزداد الروائح ’ أربع ساعات والروائح تدخل من انفي وتخرج من قلبي , كادت أن تفلت مني صيحة , أوقفوا تلك المجزرة , هممت مرات لأقوم فأسكب الزيت على الأرض والتهم كل ما قلوه دفعة واحدة , ضبطت نفسي , أي إشارة ولو على سبيل الدعابة سيجيبونني – على نفسها جنت براقش –
كان يوما رهيبا , ترى هل ينتقم الرب مني يا أمي , عقابا على حساء البارحة ؟
اليوم الخامس :
بدأت شرب الزهورات متأخرا , كيف خرج لي ذلك الرفيق مع فطوره لا أعلم , وضع نفسه بمواجهتي وبدا يزدرد اللقمات , وفمه كا لبالوعة – انه أغبى رجل في الأرض – لكونه فعلا متعاطف مع اضرابي ولا يداريني , كدت ان أطلب منه بصريح العبارة - ارني قفاك لا وجهك –
عشاء اليوم كما هو مقرر من ادارة السجن – شوربا – ولكن بدون مرق الدجاج , ولذلك يستغني الرفاق عنه ويحضرون بدلا عنه من مؤو نتهم , ومن يريد ان يأخذ نصيبه من الحساء يذهب الى باب الجناح بقصعته , شعرت بالنعاس قبل موعد إدخال الشوربا فطلبت من الرفاق ان يأتوا بحصتي في صحن وضعته أمام باب العنبر .
استيقظت مساء لأجد صحني فارغا . فهمت إشارتهم . منذ تلك اللحظة بدأت بتطبيق النظام على إضرابي كما يشتهون و قاطعت كل ما يعتبرونه ممنوعا.
اليوم السادس :
عشاء اليوم ( شوربة سلق ) انا في الحالة العادية عندما اطهوه في بيتي اشرب من مرقه , كما ان مرقه مسموح شرعا وقانونا في الاضراب , فهو لايحتوي دسم او بروتينات مثل حساء الشوربا . ولذلك لن يحتج علي رفاقي . جمعت ماءه وأضفت له ملح الطعام لتصبح الخلطة نموذجية الأملاح , حديد , مغنيزيوم و صوديوم , كلور , لكن تقديري كان في غير محله , فقد تفاعلت تلك المواد الكيميائية لتنتج سحرا في أحشائي – السحر قديما عُد ضربا من ضروب الكيمياء – أصبحت اخرج من المرحاض لأدخله من جديد , خفت ان أكون قد أصبت بالكوليرا , هذا ما كنت أخشاه , المرض مع الإضراب والبرد قد يؤدي الى فقداني السيطرة على أجهزتي , انتهت سوائلي و لم اعد بحاجة الى المرحاض , عرفت انها نوبة جديدة من تشنج القولون الصاعد – اصبت به عام 1977 في الأيام الأولى من ملاحقتي , صبرت حتى مرت الأزمة بسلام .
اليوم السابع :
أهملتني الشرطة على غير عادتها قي حالات فردية سبقت حالتي رغم كل مظاهر الاستعراض مني ومن الرفاق للفت انتباههم – كوني مضربا عن الطعام –لديهم تعليمات محددة بتجاهلي , بدأ اللغط والقيل والقال داخل عنبري وخارجه , وهل هو موجه ضد الرفاق ام ضد الدولة , وهل سأستمر حتى النهاية اذا ظلت الإدارة على موقفها وتجاهلتني كليا . أما أنا فقد كنت في واد آخر , المهم عندي هي المصالحة مع نفسي , سأستمر في ذلك حتى اليوم الخامس عشر - وانا اعتقد ان الآخر في داخلي سيرضى عني -
ثم انهيه بشكل طبيعي .
اليوم الثامن :
أيقظني العسكر , في المقدمة كبير المساعدين , يريد تقريرا مفصلا عن إضرابي بخط يدي , معه أيضا ورقة مكتوبة تطلب مني الإجابة عن بعض الأسئلة مثل .
- ما هي الأمراض التي أعاني منها
- ماهي المواد التي أتناولها
وتركني وانصرف ليعود فيأخذ ما كتبت , احتدم النقاش بين الرفاق , بعضهم يود ان أسجل ألف مرض لأضغط عليهم , أما انا فقد كنت صادقا مع نفسي ومع الإدارة في وصف حالتي.
جاء المساعد , أخذ ما كتبت , لكنه عاد بعد ساعة ليسوقني أمامه نحو الادارة (( استطرادا أقول يا امي : ان كلمة ساق في اللغة العربية الفصحى تستعمل للحمير وليس للبشر , لكن العسكر عندنا يعتمدونها بالخط العريض على دفاتر خدمة العلم للمواطنين حيث يكتب على دفتره – جاهز للسوق – اذا لم يكن معفى من الخدمة العسكرية لسبب من الأسباب , العسكر يا امي لايفرقون بين الانسان والحمار))
وجدت – المقدم - مدير السجن بانتظاري .
قال المدير : لقد درست قضيتك واقتنعت انك مظلوم وأعد بمساعدتك اذا ساعدتني , ويجب ان تعلم ان الدولة , دولة , قد تظلم أفرادا كثيرين في سبيل المصلحة العامة , نعم يا أمي تلك فلسفتهم’ لايهم عندهم ظلم الأفراد ما دام الآخرون يأخذون العبرة من ذلك , مصلحة الدولة فوق مصلحة الأفراد ( بؤس الفلسفة )
أجبته بكلمات معدودة ضمنتها مطلبي المتواضع – رؤية ضابط من فرعي يعلل لي أسباب استثنائي من بين رفاقي . وعدم إخلاء سبيلي مثلهم
اليوم التاسع :
جاء الطبيب اليوم وبرفقته كتيبة من الشرطة , فحصني بدقة , بعد الطب بدأ بالسياسة , وجدتها فرصة لأشرح له معاناتي , كان الجنود يصغون جيدا الى كلماتي , أطلت في الشرح كرد فعل على إمارات التأفف والتعجب التي ظهرت على وجوه الرفاق .
خرج الطبيب , دارت رحى الحرب في العنبر بيني وبين الرفاق , هم يرون بسلوكي ضعف لا ينسجم مع الاضراب , إما هذا وإما ذاك , علي أن انسجم في السلوك , وأنا بدوري دافعت عن سلوكي قائلا . انا لا أخوض معركة متكافئة بين سلطة وحركة عفوية في الشارع , ميزان القوى مختل , السلطة قوية وانا فرد ضعيف , ولذلك سأشرح حتى للحجارة موقفي بهذه الطريقة المرنة , علّ ذلك يترك أثرا فيها .
اليوم العاشر :
انضم شخص جديد الى الاضراب ورفع كتابا الى الجهات المعنية بهذا الخصوص يعلن فيه إضرابا مفتوحا عن الطعام تضامنا مع مطلبي , وأعلن ان واجبه كرئيس لمنظمة حقوق الانسان في سوريا يدعوه الى ذلك .
رحبت بأي صوت يقف الى جانبي في محنتي الرهيبة , لكنني تخوفت من هذا الشخص بالذات , فهو من جهة يقف على أرضية ايديولجية اقرب الى الطرف الآخر في الحزب , ولا يشاطرني موقفي السياسي ولا طريقة إضرابي الناعمة كما يصفها , ومن جهة ثانية , هو يخوض صراعا شرسا داخل منظمته بعدما سرق زميله الأضواء منه أمام الإعلام الغربي , الشهرة يا امي - احد مفرزات الحضارة - تشوه الإنسان وحقوقه من أجل الوصول اليها , خفت ان تكون ذريعة ليجندل خصمه على حسابي , لم استطع التفاهم معه على التنسيق المشترك بشأن الاضراب ؟
عجزت عن ذلك .
اليوم الحادي عشر :
عسكر سرقوا مني ابريق الزهورات , ساقوني على عجل , دخلت غرفة الادارة , كان وجه المدير عبوسا قمطريرا , عصاه في يده أطول منه , بدأ من الزنار وتحت
أنت تتحدى دولة يابن العرص , سأفعل سأترك !!
ستأكل الآن والبسطار على رأسك
أرغى وأزبد , لكنه لم يستعمل العصا
ضبطت أعصابي وانتظرت حتى شفى غليله مني بالشتائم , بعدها أجبت
مواطن عادي يطلب التصالح مع دولته , ترفض ’ في حين يدخل وفدها الجلسة العاشرة من اجل الصلح مع عدو تاريخي يحتل أرضنا .
انا أتحدى الدولة , اذا كان ذلك رأي سيادتكم ’ قبلت التحدي , هذا جسدي ’ افعل به ما تشاء ’ لن أفك إضرابي حتى ألقى وجه ربي او يلبى مطلبي .
أعطى أوامره بعزلي خلال نصف ساعة , عادوا بي الى الجناح ’ لملمت حوائجي ’ لبست كل ما عندي من الثياب الداخلية والخارجية فوق بعضها .
وسط غابة من الصمت , خرجت من مملكتي حزينا منكسرا , لأصبح وحيدا بينهم .
وضعوني في قاووش مهجور , فيه مرحاض مسدود تخرج منه روائح قاتلة , وهددوني بالترحيل الى تدمر ’ قائلين انها أوامر عليا ’ وقد صدر قرار ترحيلك في صبح اليوم التالي ان كنت مصر على متابعة الاضراب ’ كانوا يترددون علي بين الفينة والأخرى مرغبين ومرهبين لا بل ان بعضهم وارى دمعته حزنا علي وعلى مصيري البائس الذي لا أستحقه .
تدمر , تدمر يا امي وتلك الآية الكريمة التي تتصدر الباب – ولكم في الحياة قصاص يا أولي الألباب-
تدمر وطريقة الاستقبال – التشريفة - كما يسمونها – حفلة التعذيب العشوائية التي هي كالطابع بالنسبة للمعاملة في دوائرنا القانونية , مجرد ذكرى الولوج من الباب يثير الغثيان في نفسي ,
كان الله في عوني , لم يغمض لي جفن يا امي ذلك اليوم ,لم اكن راغبا في ان تسير الأمور كذلك ’ لكن الموت أريح لي من التراجع تحت التهديد بالترحيل الى تدمر . كان ذلك اليوم محطة في تاريخي الشخصي , أعدت فيه التفكير بقضايا عديدة أهمها.
1- موضوع السجانة :
هذا الصنف من البشر عايشته على صفحات الكتب والروايات الملتزمة قبل ان ادخل السجن , والحق أقول لك يا امي لم اشحن بالكره تجاه احد أكثر منهم , انهم الجلادون في ذلك النوع من الخطاب الأيديولوجي : ’ فترة التحقيق , كنت أفضل قضاء حاجتي الفيزيولوجية في ثيابي على ان أدق الباب , لكي لاأرى وجوههم ’ ولكن معايشتي لهم في ثلاثة سجون وبشكل خاص في السجن الأول - لكونه فرع تحقيق والاحتكاك بهم اجباري – جعل الصورة القديمة تتشوش في مخيلتي - فالكثير منهم موظفون في هذا السلك , مثلهم مثل باقي الموظفين في دوائر الدولة , وآخرون يؤدون خدمة العلم الإجبارية فيه رغما عنهم وهم بشر أيضا ’ مثلنا وبعضهم يحمل من القيم الانسانية ما يوازي - ان لم يزيد - عن آخرين سجناء مثلي على حساب الحركة الوطنية والدينية
هنا يتجلى سحر الشرق يا امي , وسحر التفارق بين النظرية والواقع , وسحر الدولة التي تنوب عن المجتمع وطبقاته بم تختزن في جسمها وتحت عباءتها من قوة كامنة لها الدور الأول في التغيير الاجتماعي , وسحر السياسة أيضا والتي تحتاج الى خبرة وتجربة لا تكتسب أبدا الا بالانخراط فيها .
عجيب أمر بلادي يا أمي وأمر العمل السياسي فيها , وكيف قلب القمع المعمم عاليها سافلها ,
جلادون يحيطون بي بكل أنواع العطف والتضامن الخفي , في حين أخرج من عريني
( جناحي ) من دون صرخة احتجاج واحدة من رفاقي ’ ؟؟
أكرموني ياامي وفاجأ وني بما يعرفون عني ’ مع أنني لم اسع الى الشهرة يوما ’ قالوا أنت أديب ومفكر ومناضل , ومظلوم , ولكن العين لا تقاوم المخرز .
2- موضوع الواقعية الاشتراكية :
انا ابن هذه المدرسة ببطلها الايجابي ومسحتها التفاؤلية وحتميتها التاريخية , وبفضلها قضيت السنوات الخمس الأولى من سجني وكأنني في رحلة جميلة وممتعة مع التاريخ والمستقبل , وما يحمل في طياته من انتصار حتمي لنمط الانتاج الاشتراكي على النمط الراسمالي , اما الآن وبعد انقلاب سمة العصر وهبوب رياح التغيير التي وصلت الى دماغي فقد تغير تفكيري .
خطر لي يا امي في هذا اليوم والعسكر يترددون علي ويطالبونني بفك اضرابي , ان اظهر على حقيقتي أمامهم فأقول لهم ولسادتهم,
انا مظلوم يا ناس بكل الشرائع السماوية والأرضية , أعدكم بشرفي وبكل القيم الانسانية انني لن اعمل في السياسة بعد الآن , تركتها لكم ولسادتكم , اتركوني ياناس كي أعود الى قريتي فأودع امي الوداع الأخير , وأعيش بقية عمري بين عجائزها وصخورها وجروفها وأشجارها وعصافيرها متنقلا بين القلة والصور ووادي النهار وعين فتوح وعين الغار .
اتركوني ياناس حلوا عني اكرما لله . للشيطان , للأنبياء . للرئيس ... الخ
لو فعلت ذلك , لقال عني رفاقي . جن صاحبنا , فقد عقله , أقطاب مدرسة البطل الايجابي يجدون بذلك ضعف لا يليق بالمناضلين ولا بقضيتهم العادلة , وأنا أصبحت أرى في فعل كذلك , عملا واقعيا ’ ابعد تأثيرا وخدمة للقضية من فعل بقوم به شخص بمفرده او حفنة من الناس في المجتمع ة يتحدون به دولة بكامل قوتها وجبروتها .
تركني العسكر حوالي الرابعة صباحا , كان دمي يغلي في عروقي . انتابتي رغبة شديدة للبكاء كما بكت ام جهاد على ولدها جودت – رفيق طفولتي – عندما فارق الحياة في حضنها اثر مرض الم به . هذه المرة لم تقمعني مدرسة الواقعية الاشتراكية , بل منعني من البكاء تربيتي كشرقي يرى بالبكاء والنواح شيمة من شيم النساء لا تليق بالرجال .
3- موضوع الانتحار :
حول هذه القضية احتدم الصراع في داخلي بين القديم والجديد , القديم يرى بهذا الفعل جبنا وضعفا وهروبا من الحياة لا يليق بالمناضلين . والجديد يرى بفعل كهذا - من قبل شخص يحيا حياة بائسة من كافة وجوهها ليست سوى تعذيب مستمر - شجاعة ونبلا واحتجاجا على حياة لا تليق بالانسان من كونه انسان .
اليوم الثاني عشر :
دخل الطبيب صباحا في مقدمة رتل من الشرطة . فحصني بدقة , توقف مليا عند قياس الضغط . عرفت ان وضعي ليس بخير , قال لي من واجبي ان أخبرك والباقي عليك , وجودك بين يديهم وأسلوبهم في التعامل معك هبة باردة : هبة ساخنة , يسبب تذبذبا في الضغط قد يصل الأمر بلحظة مفاجئة الى شلل في احد الأطراف , وقد يترك أثرا عليك مدى الحياة , تنهدت بارتياح , فكلامه يشير الى انتهاء الهبة الساخنة , وهذا يعني ان الترحيل الى تدمر مؤجل اليوم .
خرج الطبيب . هجم الشرطة على راسي
- ماذا تريدون ؟
- ذقنك
- ما بها
- نريد تنظيفها من الشعر
- هاتوا لي الأدوات انا احلق بنفسي
حاول المدير سابقا مرات معي ورفضت ان احلق ذقني قبل الانتهاء من محنتي والآن أعطى أمرا عسكريا بسوقي الى الإدارة حليق الذقن .
دخلت الادارة وجدت المدير بلباس مدني ووجه باسم .
بادرني بالاعتذار عن تصرفه البارحة تجاهي , والذي كان نتيجة مباشرة للقائه قبلي كما قال مع ذلك الأحمق المغرور الذي نصب نفسه محاميا عن الانسان وحقوقه في سوريا
خاطبني قائلا اترك الحكم لضميرك على ما فعله زميلك معي :
بدأ حديثه يا أخي وفي مكتبي وأمام عناصري هكذا
أنت سراق , حرامي , الزيارة الخاصة سعرها عندك الف ليرة سورية
طنجرة محشي الكوسا تسرقها من زيارات السجناء وتبيع الواحدة منها للسجناء غير المزارين بعشر ليرات سورية ,
يحقد يا علي يا اخي لأنني كنت استدعي زميله اذا أردت الاستيضاح عن منظمة حقوق الانسان وهو يعد نفسه الزعيم , ما ذنبي أنا ؟ الأوامر تأتي من الفرع العسكري , وانا وسجني تابعين له , هل أستطيع مخالفة أوامرهم ؟ , هل تظن هذا قد اضرب عن الطعام من اجلك ؟
قلت في سري : رسول حمزاتوف يقول : يحتاج المرء الى سنتين لتعلم اللغة والى خمسين عاما ليتعلم الصمت . ابلغ جواب هو الصمت .
عندما عجز المدير عن فك عقدة لساني حول ما جرى بينه وبين زميلي .
انتقل الى موضوعي وتمنى الا يتطور فيسيء لي وله , وعد بالذهاب الى فرعي ليأتيني منه بضابط يقابلني : قلت له أقبل بعنصر يأتي حاملا جوابا على تساؤلي , ومن ثم سآكل أمامكما .
عدت الى غرفتي , خلوت مع نفسي , عجبت من لقائنا نحن الثلاثة , انا ومدير السجن ومسئول حقوق الانسان ’ من ثلاثة قرى متجاورة ( بشراغي , , درميني , بسنديانا ) من ريف جبلة الفقير ’ وكلٌ منا يغني على ليلاه , هل جمعتنا الصدفة ’ ام انها تندرج ضمن فانون ؟ ..... لست أدري .
اليوم الثالت عشر :
جاء المدير بنفسه وبدون مرافقة الى قاووشي , وإمارات القلق بادية على محياه ,لقد عاد بخفي حنين من إدارة امن الدولة كما يقول : كان جوابهم النهائي والقاطع – لاتعد الينا الا بعد ان يصبح جثة هامدة – بعد ذلك الباقي علينا نحن نتكفل بموضوع الجثة –
يشعر المدير انه ضمن ورطة كبيرة قد تكلفه منصبه وامتيازاته فيه اذا لم يستطع انهاء الاضراب , اما انهاؤه بالعنف فقد يكون أشد ايلاما له في قريته وبين معارفه من خسران منصبه , يزيد الأمور تعقيدا انه في قرارة نفسه يجد اني على حق وأمن الدولة على باطل , وهو لايستطع ان يفعل شيئا , والحل عندي بالضبط .
اليوم الرابع عشر :
لم يراني احد اليوم سوى الطعام المكدس على جانبي قضبان قاووشي , ادفشه يوميا الى الخارج ويعيده السجان إلى الداخل , كان غذاء اليوم صحن برغل مع قطعة من اللحم المسلوق , اكتملت الغواية بوصول البطاطا المسلوقة عشاء الى جانب قطعة اللحم , أطيب المأكولات عندي ما تم سلقه , لكونه يصبح سهل الهضم ومعقم جيدا , ماذا لو ابتلعت قرص بطاطا مع جزء من قطعة اللحم ؟ لن يراني أحد ولن يستطيعوا معرفة ذلك , وسوس الشيطان في صدري , تحركت من فراشي , أعوذ بالله من الشيطان الرجيم – انها مغامرة – عدلت عنها لسببين , أمني وطبي ( الأمن يا امي هنا كلمة تستعمل بدرجة استعمال كلمات الشراب والطعام ) قد تسبب لي مغامرتي إشكالات هضمية بعد انقطاع طويل عن تناول الأطعمة الجافة , ومن تم يفتضح أمري عن طريق الطبيب .
اليوم الخامس عشر :
فُتح الباب عند الساعة السادسة مساء , دخله ثلاثة من رفاقي صفر الوجوه , زرق الشفاه ’ قبل السلام علي بدؤوا بالتبول في المرحاض المسدود , دفعة واحدة , انهم في طريقهم الى زنزانات بعمق ستين مترا تحت الأرض , ولهم منذ الساعة الثامنة صباحا وقوفا ووجوههم الى الحائط , وهم يحملون أمتعتهم ’ علمت منهم ان الهيئة الحزبية انشغلت بموضوع اضرابي طوال اليوم الماضي وقد كانت نتيجة المداولات , انقسامها ما بين مؤيد لمساندتي - عن طريق اضراب مفتوح حتى تتم اعادتي الى مهجعي - وبين معارض , وقد فاز المعارضون بأغلبية ضئيلة فقرروا خرق القرار الحزبي ودقوا الباب صباحا وأعلنوا اضرابا مفتوحا عن الطعام حتى تعيدني الادارة الى مهجعي . وعلى الأثر تحركت الشرطة والادارة بالزي العسكري الميداني , ودخلت الجناح , عزلت الرفاق وبدأت تسأل البقية واحدا اثر الآخر عن رأيه وطلباته الشخصية .
خرج الرفاق من عندي تحت زمجرة الحراس .
بعد ساعتين استدعاني المدير الى غرفته
- شغلتني فيك – طوال النهار وأنا واقف على رجلي
- الشغل ملح الرجال , وهو مفيد لكرشك , ألا تمل الجلوس ؟
تشاء الصدف ان يكون احد المضربين ابن قريتي وقد تجاوز الخمسين من العمر , ويمت بنفس الوقت الى صلة رحم وقربى مع المدير , وحالته الصحية سيئة والدنيا برد وزمهرير .
ضّمنت حديثي معان كبيرة ومتناقضة أحيانا , ربما استطيع ثنيه عن قراره بإرسالهم إلى الزنزانات السفلية – السواليل - في هذه الظروف الجوية البالغة السوء , وعدته بكتابة قصة قصيرة فيه , تدخله التاريخ ان استجاب لطلبي . لكن إلحاحي فعل العكس وأوقعني في الفخ .

عدت الى غرفتي ضربت أخماسا بأسداس , وجدت ألا جدوى من أي مواجهة مع سلطة بكل تلك العنجهية .
طرقت الباب الساعة الثانية صباحا . جاء المساعد , قلت له اعلم المدير أنني أريد طعاما .
وما هي الا دقائق حتى أصبح المدير بين يدي ومعه جوقة شرف كاملة ,
نفش ريشه كا الطاووس , بعينيه فرح طفولي , لقد نجح في كسر الاضراب , فليفرح ولتستقر الكرسي تحت اليتيه , اما انا فلا أريد لرفاقي ان يصابوا بأذى ,
جاء رفاقي الى عندي في الحال وقد كانوا فعلا في ظروف يصعب تصورها,
طلبت منه مسئول حقوق الانسان , قادني المدير بيديه الى الحائط المجاور وفتح الباب ,
كان زميلي كومة عظام بهما عينان تشعان كبرياء وتصميما على التحد ي حتى النهاية , علمت انه مضرب منذ يومين عن الطعام والشراب .
حضنته بكلتا يدي وأدخلته سيارة إسعاف سريع - كانت معدة حقا لنقله الى المستشفى من اجل غسل كليتيه .
انتهت رحلتي السندبادية مصادفة في اليوم الخامس عشر كما كان مخططا لها , وعدت مع رفاقي الثلاثة الى قريتنا بنفس اللحظة التي غادر بها زميلنا الى المستشفى .
اليوم السادس عشر .
قرقع باب مهجعنا كالعادة عندما أدخل السجان المفتاح بالباب الساعة السابعة صباحا . نهضت من فراشي حالا واتجهت نحو الحمام , حيث كانت مفاجأة غير سارة تنتظرني ’ لا أخفيك يا امي ان احد دوافع إضرابي الخفية هو بروز كرش صغير لي كسائر السجناء , وهو ما امقته مقتا شديدا , الكرش بحسب منظومتي الفلسفية الخاصة بي يليق بالخروف او الحمار ولا يليق بالانسان , اعتبره حملا ثقيلا يعاقب صاحبه نفسه بحمله له ليلا نهارا . الجسد الثقيل يضغط على الروح , والجسد الخفيف يبقيها حرة طليقة ’ وانا اكره ان اسجن روحي بيدي ’ المفاجأة أنني وجدت كرشي كما هو في حين ضمرت عضلات رجلي وهذا يعني ان الشحم الذي تفكك من جسدي فترة صيامي كان من الأطراف وليس من البطن .
عدت الى المهجع وجدته قد امتلأ بالرفاق الوافدين من المهاجع المجاورة , وهم بانتظار معرفة ما جرى لي بالتفصيل بعد خروجي من عندهم , صحت بهم بأعلى صوتي : انني نادم على اضرابي . مما ضاعف من شوقهم لمعرفة التفاصيل ’ جلست على منصتي – فراشي – وبدأت بالحكاية ’ وجعلت المقدمة مفاجأتي في الحمام التي كانت سبب الندم .



#كامل_عباس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من أجل يسار لبرالي عربي جديد
- اللبرالية والوضع الراهن في سوريا
- اللبرالية في التاريخ السوري - خالد العظم نموذجٌ
- اللبرالية في التاريخ السوري - الكواكبي رائداً
- اللبرالية والعلمانية
- اللبرالية وعلاقتها بالديمقراطية
- اللبرالية ومسيرة التطور الاجتماعي
- نجيب محفوظ في ذمة التاريخ
- عماد شيحا في روايته الثانية - غبار الطلع -
- شرق أوسط جديد بفوضاه !!
- تعريف برابطة العمل الشيوعي في سوريا
- اليسار السوري والتحرر الجنسي
- الطريقة السورية في تكريم المثقفين عند بلوغهم سن الستين
- الخف الوطني
- إذا كان بيتك من زجاج فلا ترجم بيوت الناس بالحجارة
- متى يصبح مناضلونا موضوعيين تجاه المفكرين الأمريكيين أمثال هن ...
- احتراف ثوري على طريقة ما العمل في مدينة حماه عام 1977
- اليسار السوري وتحرر المرأة
- أين تكمن مصلحتنا ؟
- علاقة الداخل بالخارج الراهن والآفاق


المزيد.....




- رئيس وزراء فرنسا: حكومتي قاضت طالبة اتهمت مديرها بإجبارها عل ...
- انتخاب جراح فلسطيني كرئيس لجامعة غلاسكو الا?سكتلندية
- بوتين يحذر حلفاء أوكرانيا الغربيين من توفير قواعد جوية في بل ...
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 680 عسكريا أوكرانيا وإسقاط 13 ...
- رئيس جنوب إفريقيا يعزي بوتين في ضحايا اعتداء -كروكوس- الإرها ...
- مصر تعلن عن خطة جديدة في سيناء.. وإسرائيل تترقب
- رئيس الحكومة الفلسطينية المكلف محمد مصطفى يقدم تشكيلته الوزا ...
- عمّان.. تظاهرات حاشدة قرب سفارة إسرائيل
- شويغو يقلّد قائد قوات -المركز- أرفع وسام في روسيا (فيديو)
- بيل كلينتون وأوباما يشاركان في جمع التبرعات لحملة بايدن الان ...


المزيد.....

- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد
- تشظي الهوية السورية بين ثالوث الاستبداد والفساد والعنف الهمج ... / محمد شيخ أحمد


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - كامل عباس - الصيام الأكبر