أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أماني المناعي - بين الحقيقة و الوهم: مقاربة أفلاطونية لفلسفة الصورة في السينما المعاصرة.














المزيد.....

بين الحقيقة و الوهم: مقاربة أفلاطونية لفلسفة الصورة في السينما المعاصرة.


أماني المناعي

الحوار المتمدن-العدد: 8510 - 2025 / 10 / 29 - 11:51
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


منذ بداية التأمل الفلسفي، شكلت العلاقة بين الحقيقة و الوهم إحدى أشد و أعمق الإشكالات التي تصدت الفلاسفة و المفكرين. و لربما أفلاطون كان من ضمن الأوائل الذين حاولوا فهم أصل هذه العلاقة عبر نظريته في المُثُل ووجهة نظره و موقفه من المحاكاة (الميميسيس)، إذ لاحظ أن الفن بما فيه من الصورة لا يعطي و لا يبلغ لنا الحقيقة بل ظلا للحقيقة، أي وهما و زيفا مزدوجًا.
واليوم، مع تقدم و تطور السينما المعاصرة و تحولها إلى وسيط بصري قادر على مراجعة و إعادة تشكيل العالم الواقعي و الإفتراضيعلى حد السواء، و يعود السؤال الأفلاطوني القديم ليطرح نفسه بشدة:
هل الصورة السينمائية سبيل للحقيقة، أم مجرد وهم رائع و جميل يحجب عنا الواقع؟
‎أولا: من كهف أفلاطون إلى شاشة السينما:
يعد تشبيه الكهف لأفلاطون مفتاحًا لفهم موقفه من الصورة. ففي هذا الكهف، يقبع السجناء مقيدين، لا يرون من العالم عدا ظلال الأشياء المنعكسة على الجدار أمامهم بتأثير النار المتأججة و المضطرمة خلفهم، تلك الظلال تجسد بالنسبة لهم الواقع كله، بينما الحقيقة (العالم الخارجي) تظل مجهولة.
وإذا نقلنا هذا التشابه إلى فضاء العرض السينمائي، ندرك تشابها دقيقا بين المتفرج الأفلاطوني و المشاهد السينمائي كل منهما يجلس في عتمة، يقابل سطحًا تعرض عليه صور متحركة ناتجة عن مصدر ضوء خلفي. بذلك تتغير القاعة المظلمة إلى كهف حديث، و تصبح الشاشة جدارًا فلسفيًا تلقى عليه ظلال الوجود.
إن ما لاحظه أفلاطون في الكهف من تضليل و خداع للحواس يعاد إنتاجه في السينما، غير أن السينما المعاصرة بخلاف الكهف تشكل من تجربة الوهم فعلاً واعيًا يفضل فيه الإنسان أن يعيش داخل الصورة، لا لأنه لا يعرف الحقيقة، بل لأنه يبحث عن شكلٍ جديدٍ لتجربتها.
‎ثانيا: من الميميسيس إلى الصورة الرقمية-تحولات الوهم:
لاحظ أفلاطون أن الفن محاكاة للعالم الحسي، الذي هو بدوره انعكاس للعالم المثالي، أي أن الصورة الفنية تبعدنا عن الحقيقة. بيد أن السينما المعاصرة، خصوصا بعد ظهور التقنيات الحديثة و الذكاء الاصطناعي خرقت مفهوم المحاكاة البسيطة لتدخل في ميدان و فضاء الخلق البصري، إذ لم تعد الصورة تنقل الواقع فحسب، بل تصنع عوالم جديدة لم تشهد من قبل.
في أفلام مثل Inception (2010) لكريستوفر نولان أو The Matrix (1999) للأخوين واتشوسكي، تتشابه و تتقارب الحدود بين الحقيقي و الوهمي، حيث صار السؤال الافلاطوني عن أصل الوجود أكثر راهنية: هل ما نراه حقيقي لأننا نعيشه، أم هو مجرد بناء ذهني تنتجه الصورة ؟
هكذا، تعيد السينما طرح الفلسفة الأفلاطونية في شكل معاصر، حيث الوهم ليس عكس الحقيقة، بل وسيطا لفهمها. هنا تلتقي أفكار أفلاطون القديمة مع مفاهيم جان بودريار عن “الواقعية الفائقة” (hyperreality)، إذ لا يعود التمييز بين الواقع ز الوهم ممكنًا، لأن الصورة نفسها أصبحت أصل الوجود الجديد.
‎ثالثا: الصورة كأداة كشف لا كحجاب: (الصورة كافق للمعرفة).
على الرغم من الإعتقاد السلبي لأفلاطون من الفن، فإن الفلسفة المعاصرة للصورة كما نجدها عند موريس ميرلوبونتي و جيل دولوزردت الإعتبار للتمثيل البصري بوصفه شكلا من أشكال الفكر المتجسد.
يرى دولوز في كتابه Cinéma 1:l’Image-mouvement أن الصورة السينمائية لا تُقلد الواقع، بل تًفكر بالحركة و الزمن، أي أنها نوع وشكل من أشكال الفلسفة المرئية. هكذا لم تعد الصورة حاجزًا يحجب الحقيقة، بل فضاء لتجليها من خلال التجربة الإدراكية.
بهذا المعنى، يمكننا أن نقول إن السينما قد تجاوزت حدود الكهف الأفلاطوني، لا لأنها أنكرت الظلال، بل لأنها جعلت من الظلال أداة تفكير في معنى الوجود نفسه. الصورة إذن ليست وهما يضللنا بل مرآة معقدة تعكس هشاشة الحدود بين الواقع و الخيال.
فالحقيقة وفق هذا التصور، لا تستعاد بالخروج من الكهف، بل تكتشف داخله، عبر إعادة تأمل الظلال التي تصنع وعينا.
‎وفي الختام تبين المقاربة الافلاطونية لفلسفة الصورة في السينما أن العلاقة بين الحقيقة و الوهم لم تعد علاقة تضاد، بل علاقة جدلية، يتبادل فيها كل من الحقيقي و الوهمي أدوارهما، فالسينما لا تنفي الكهف الأفلاطوني، بل تؤنسنه و تحوله من فضاءٍ للوهم و الزيف إلى فضاءٍ للتفكير.
لقد أصبحت الصورة السينمائية، في زمن المحاكاة الرقمية، أداة أنطولوجية لإعادة تعريف ماهو حقيقي، بحيث تغدو الظلال نفسها طريقا نحو النور و من ثم، يمكن القول إن الفلسفة التي بدأت داخل الكهف لم تبرحه، لكنها تعلمت أن تفكر بالضوء.



#أماني_المناعي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين الحقيقة و الوهم: مقاربة أفلاطونية لفلسفة الصورة في السين ...


المزيد.....




- كوريا الجنوبية تمنح ترامب تاجًا ملكيًا كأحد أفراد العائلة ال ...
- نم بحذر.. تجربة مبيتٍ في فندق بطابع المهرّجين سيّئ الصيت في ...
- كيتي بيري تخطف الأنظار بإطلالة فستان أحمر أنيق في باريس
- إسرائيل تعلن استئنافها وقف إطلاق النار في غزة بعد غارات ليلي ...
- نحو 100 قتيل في غزة خلال أقل من 12 ساعة.. والجيش الإسرائيلي ...
- بعد أكثر من مئة عام.. العثور على زجاجة تحمل رسائل جنود أسترا ...
- ابن مروان البرغوثي يقول إن إسرائيل يستهدفون والده لأنهم يرون ...
- صور أقمار اصطناعية تظهر أجساماً يُرجح أنها تعود لجثث بشرية ف ...
- إسرائيل تُعلن -إعادة تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار-، وكاتس يؤك ...
- ملفات حقوقية وسياسية شائكة تلقي بظلالها على أول زيارة لميرتس ...


المزيد.....

- من تاريخ الفلسفة العربية - الإسلامية / غازي الصوراني
- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أماني المناعي - بين الحقيقة و الوهم: مقاربة أفلاطونية لفلسفة الصورة في السينما المعاصرة.