أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - هيثم الشمري - زمن التكنولوجيا... وضياع القيم حين تراجع الإنسان إلى ظله؟ بين التقدّم المذهل والانحدار الإنساني














المزيد.....

زمن التكنولوجيا... وضياع القيم حين تراجع الإنسان إلى ظله؟ بين التقدّم المذهل والانحدار الإنساني


هيثم الشمري

الحوار المتمدن-العدد: 8510 - 2025 / 10 / 29 - 08:31
المحور: الصحافة والاعلام
    


لم يكن الإنسان في أيّ زمنٍ مضى أقرب إلى العالم كما هو اليوم، ولم يكن في الوقت نفسه أبعد عن ذاته كما أصبح في عصر التكنولوجيا،
فهذا العصر الذي حمل لنا الراحة والسرعة والمعرفة، جاء أيضًا محمّلًا بضريبةٍ أخلاقية باهظة، جعلت القيم والمبادئ تتراجع أمام سطوة الشاشة وبهجة العالم الافتراضي، كان الإنسان يومًا ما يقف في مركز الكون، يحلم، يحب، يتأمل، ويخطئ بإنسانيته،
أما اليوم، فقد جلس في ركنٍ صغير من غرفته، يُحدّق في شاشةٍ تُخبره كيف يعيش، ومتى يفرح، وماذا يقول،
لقد تغيّر الزمن، لا لأننا تطوّرنا، بل لأننا نسينا أنفسنا ونحن نلهث خلف الصورة البراقة للتقدّم.
حين صارت الآلة أذكى من القلب
لقد منحتنا التكنولوجيا سرعةً مذهلة، لكنها نزعت من أرواحنا الصبر،
علّمتنا كيف نُمسك العالم بأطراف أصابعنا، لكنها لم تُعلّمنا كيف نُمسك مشاعرنا بلُطف،
أصبحنا نعرف كل شيء بضغطة زر، لكننا فقدنا دفء السؤال البسيط: كيف حالك؟
صارت العقول متّقدة، والقلوب منطفئة،
وها نحن نعيش زمنًا غريبًا، تتحدث فيه الأجهزة أكثر من البشر، وتُسمَع فيه الضوضاء أعلى من ضمير الصمت.
من التقدّم إلى التوحّد
نعيش اليوم بين تطبيقاتٍ ذكية تُنظّم الوقت وتختصر المسافات، لكنها في المقابل قطعت أوصال التواصل الإنساني الحقيقي، صرنا نُحادث بعضنا عبر الشاشات أكثر مما ننظر في الوجوه، نشارك الصور بدل المشاعر، ونقيس الحب بعدد الإعجابات لا بصدق النوايا، لقد غيّرت التكنولوجيا سلوك الإنسان، حتى أصبح أسيرًا لما يمتلكه من أجهزة لا لما يحمله من قيم.
القيم في زمن السرعة
في هذا الركض المستمر، تلاشت أشياء كانت تبنينا بصمت: الصدق، الوفاء، الحياء، والإحساس بالآخر،
كلّها أصبحت ترفًا في زمنٍ يُقاس فيه النجاح بعدد المتابعين لا بنقاء النية،
الناس تبتسم للكاميرا أكثر مما تبتسم للحياة، وتكتب عن الحب أكثر مما تمارسه،
لقد صار كل شيء قابلًا للتجميل... حتى الزيف.
ضياع المعنى وسط الزيف
في الماضي، كانت الكلمة لها وزن، والموقف له مبدأ، والضمير هو الحاكم، أما اليوم، فكثيرون يُزيّنون الكذب بلمسات رقمية، ويُخفون نواياهم خلف صورٍ محسّنة وبرامج تجميلية،
تحوّل الصدق إلى نُدرة، والتواضع إلى ضعف، والكرم إلى منشورٍ يبحث عن تفاعل، إنها أزمة هوية أخلاقية يعيشها جيلٌ يركض خلف الضوء وينسى جوهر الإنسان.
لسنا ضد التكنولوجيا... بل ضد الفراغ
التكنولوجيا لم تخطئ حين دخلت حياتنا، لكننا نحن من أفسدنا معناها،
فبدل أن نجعلها وسيلة للتنوير، جعلناها وسيلة للهروب من الذات،
هربنا من الصمت إلى الضجيج، من اللقاء إلى الرسائل، من الحضور إلى “الاتصال الآن”.
نسينا أن الإنسان لا يُقاس بما يملكه من أجهزة، بل بما يحمله من قلبٍ واعٍ وروحٍ حقيقية.
ومضة ختام
ليس الزمن سيئًا، بل نحن من غيّرنا معناه، وما زال الأمل قائمًا إن عدنا إلى البساطة، إلى لمسة اليد وصدق النظرة، إلى الكلمة التي تُقال لا لتُنشَر، بل لتُشعِر، حين نعيد التوازن بين التقنية والإنسان، سنكتشف أن التقدّم لا يُقاس بسرعة الإنترنت، بل بسرعة القلب في فهم الحياة، التطور ليس خطرًا بحد ذاته، إنما الخطر أن نتطوّر خارجيًا ونتقهقر داخليًا فما جدوى أن نمتلك أسرع هاتف وأضعف ضمير؟ وما قيمة أن نغزو الفضاء... ونحن عاجزون عن احترام إنسانٍ في الشارع؟ إنه زمن التكنولوجيا فعلًا، لكنه لن يصبح زمن الإنسان إلا إذا استعاد القيم التي ضاعت في ضجيج التقدم.






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- تصريح جديد لترامب حيال جدل ترشحه لولاية رئاسية ثالثة.. ماذا ...
- فيديو إسرائيلي مزعوم يُظهر حماس وهي -تُفبرك- عملية العثور عل ...
- مباشر: مقتل 50 فلسطينيا على الأقل بينهم 22 طفلا في غارات إس ...
- ترامب: التعديل الدستوري لا يسمح لي الترشح لولاية رئاسية ثالث ...
- باكستان تعلن فشل محادثات السلام مع أفغانستان
- 63 شهيدا بينهم 24 طفلا في قصف إسرائيلي على منازل وخيام بغزة ...
- عبد الله حمود.. أول عمدة مسلم لمدينة ديربورن بولاية ميشيغان ...
- طوفان أرهورمان الرئيس السادس لقبرص التركية
- كاثرين كونولي.. رئيسة أيرلندا المدافعة عن فلسطين
- 63 قتيلا منذ استئناف الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة


المزيد.....

- مكونات الاتصال والتحول الرقمي / الدكتور سلطان عدوان
- السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي / كرم نعمة
- سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية / كرم نعمة
- مجلة سماء الأمير / أسماء محمد مصطفى
- إنتخابات الكنيست 25 / محمد السهلي
- المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع. / غادة محمود عبد الحميد
- داخل الكليبتوقراطية العراقية / يونس الخشاب
- تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية / حسني رفعت حسني
- فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل ... / عصام بن الشيخ
- ‏ / زياد بوزيان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - هيثم الشمري - زمن التكنولوجيا... وضياع القيم حين تراجع الإنسان إلى ظله؟ بين التقدّم المذهل والانحدار الإنساني