أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مزهر بن مدلول - مربط الفرس ... -1-














المزيد.....

مربط الفرس ... -1-


مزهر بن مدلول

الحوار المتمدن-العدد: 1833 - 2007 / 2 / 21 - 08:04
المحور: الادب والفن
    


الغريب

كل مساء ، بعد غروب الشمس ، حيث تترك خلفها الالوان الذهبية الجميلة ، ويرتفع الى اعماق السماء ، صدى ثغاء الاغنام وخوارالابقارالعائدة للتو من مراعيها ، ويهبط منها ، اسراب من الحمام والعصافير ، على سطوح المنازل والاشجار ، فيبدو ذلك الفضاء الدائري ، كبانوراما موسيقية هادئة ورائعة ..
كل يوم ولبضع دقائق قليلة ، اراه واقفا على سطح ( السوباط ) ، روحه تناجي ذلك الجمال ، الذي ينتشر في كل ركن من حوله ..
عاشورة .. اجمل فتيات القرية ، تلبس فستان مزركش ، ضفائرها طويلة مثل ظفائر فتاة غجرية ، تقف في هذا الوقت بالتحديد ، عند عتبة الباب ، تنظر اليه نظرة حالمة ، نظرة مخادعة كمخادعة السراب ، تمنت لو انه ترجّل من سوباطه وعانقها ولو لمرة واحدة ..
لكن شيخ حسين الذي تجاوز الثلاثين من عمره ، كان مسحورا بطريقة حياته الزاهدة ، مشغولا عنها بتأليف الردات الحسينية والهوسات الريفية وبعض من ابيات شعرية ، يرثي فيها حاله واحواله ، انه في هذا الوقت الضيق والمحدود ، لم يعد يستخدم حواسه بطريقة عادية ، انها تجتمع في روحه ، ليعيش لذاته منفردا ، منعزلا ، ويعود متصوفا ..
لا احد في القرية يعرف شيئا عنه .. من اي مكان هو ، اين اهله وعشيرته ماحسبه ومانسبه ، وما السر في حياته ..؟؟ ، وليس من احد مهتم لذلك ، فمنذ سنوات وهو يعيش معهم ، ينام على سطح السوباط في ليالي الصيف وفي مضيف الشيخ ايام الشتاء ..
كل البيوت مشرعة الابواب لشيخ حسين ، يدخلها دون حرج ، يأكل مايأكلون ويلبس مثلهم وكأنه واحدا منهم ..
حين يجتمع اهل القرية وفي كل ليلة ، في مضيف الشيخ ، يشربون القهوة المرة ، ويتبادلون اكياس التبغ من واحد لآخر ، وحين يمتلأ المكان بالدخان ويرتفع سعال كبار السن والمرضى ، كان شيخ حسين هو الاخر يستمتع بفنجان القهوة المرة ويمتص دخان غليونه بنهم ..
يبدأ بقص الحكايا الغريبة على اسماع الفلاحين ، وغالبا ماتكون من نسج خياله ، لكنهم يحبون الاستماع الى قصصه ويطالبون بالمزيد منها ..
وما ان يفرغ من سرد حكايته ، حتى ينتقل الى الغناء ، له صوت جميل ، ناعم وعذب ، يغني الالوان الريفية كلها وخاصة الابوذية ، التي يكتب بعض ابياتها بنفسه ، وعادة مايضمنها بعض الكلمات ، التي تسخر من بعض شخصيات القرية ، او تصف شيئا من حياتهم وسلوكهم بطريقة هزلية تثير دهشة واعجاب المستمعين ، وتضفي جمالا على مجلسه ..
يتحول شيخ حسين الى طبيب قادر عندما يرى مريضا ، ولم يتردد في اظهار امكانياته في معالجته ، خاصة اولئك الذين يتعرضون الى لدغات الافاعي ومااكثرهم هناك ، وفي مناسبات ختان الاطفال السنوية يقوم بالاشراف على تطبيب جروحهم ، ويسكن معهم في مخيم يقيموه بعيدا عن القرية ..
في حوزته كتاب واحد ضخم ، تآكل غلافه ، اصفرت صفحاته ، وضاعت كلماته ، اوراقه تتطاير متناثرة ، حتى انه يجد صعوبة احيانا في اعادتها الى مكانها ، وربما اختفى بعضها عن انظاره ، كتابه الوحيد تراكمت فوقه السنون ..
في هذا الكتاب جميع الردات الحسينية التي يقوم بترديدها في شهر محرم ، وكذلك القصة الكاملة لمقتل الامام الحسين -ع - ..
انه ممثل بارع حين يتقمص شخصية العباس .. شخصية الشجاع المحارب في المسرحية ( التشابيه ) ، والتي يقوم باخراجها وبتوزيع الادوار على الممثلين فيها ..
في صباح اليوم العاشر من محرم ، اجتمع اهل القرية جميعا .. انحشر الرجال والاطفال في داخل المضيف ، حتى ضاقت بهم باحته ، وتجمهرت النسوة خارجه ، جئن ليسمعن قصة مقتل الامام الحسين ..
استعد شيخ حسين كعادته مبكرا لهذا اليوم الاليم .. بدا بالدعاء والصلاة ، ثم اخذ يتدرج في سرد الاحداث ..
كلما اقتربت القصة من نهايتها ، كلما اشتد الحماس ، وزاد الانفعال لدى شيخ حسين .. حرارة المضيف ، والدخان الكثيف ، ورائحة التبغ وعرق الرجال ، كانت لاتطاق ..
اختلطت دموع شيخ حسين بعرق جسده الغزير ، تيبست شفتاه وتعثرت كلماته ..
حين وصل الى ذروة انفعاله ، نهض واقفا وصاح .. ( وا إماما وا حسينا ) ، فضج المكان بالعويل والصراخ ، وتعالت اصوات ضرب الأكف على الصدور العارية ، وكان شيخ حسين يتوسط الجميع يبحث عن نسمة هواء من ثقبٍ لايراه .. فخرَّ الى الارض ، توقف نبضه ، ومات في الحال !!..



#مزهر_بن_مدلول (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سناء الانصار ... سنوات ازدحمت بالمجد- 7-
- وجهة نظر لعام2007
- سناء الانصار .... سنوات ازدحمت بالمجد -6-
- عجائب اخرى
- سناء الانصار... سنوات ازدحمت بالمجد – 5-
- سناء الانصار ... سنوات ازدحمت بالمجد – 4 –
- الرحى مازالت تدور
- الاخضر الذي همنا بشعره
- بعض الم
- عن مشروعي البرنامج والنظام الداخلي للحزب الشيوعي العراقي
- أنا أيضاً تأنفلت
- كابوس
- المؤتمر الثالث لرابطة الانصار الشيوعيين نجاح ام فشل.......؟
- عن مهرجان الانصار في اربيل
- المؤتمر الثالث لرابطة الانصار الشيوعيين مهمة جسيمة وتحدي عظي ...
- سناء الانصار سنوات ازدحمت بالمجد 3
- 2سناء الانصار سنوات ازدحمت بالمجد
- ثلاثون يوما في سجن المطلاع
- العودة
- سناء الانصار سنوات ازدحمت بالمجد


المزيد.....




- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مزهر بن مدلول - مربط الفرس ... -1-