أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صالح بوزان - التطورات العالمية القسم الثاني بؤس الفلسفة الوطنية الرسمية















المزيد.....

التطورات العالمية القسم الثاني بؤس الفلسفة الوطنية الرسمية


صالح بوزان

الحوار المتمدن-العدد: 1830 - 2007 / 2 / 18 - 11:42
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


القسم الثاني ــ بؤس الفلسفة الوطنية الرسمية
هناك فلسفة بائسة حول دور العامل الداخلي والخارجي في التغيير والتطوير يجري في العديد من بلدان الشرق الأوسط. هذه الفلسفة التي تمارسها أنظمة الحكم، وكذلك غالبية معارضاتها. فالجميع يتبارون في معركة مصطلحات يسقطون عليها مضامين ينتجها العقل التأملي المفرط في العطالة. ولعل من عجائب الشرق أن القوى السياسية تنشط في مجال الشعارات فقط. فكان شعار لا صوت يعلو على صوت المعركة، وكان الصمود والتصدي، وكانت دول الممانعة..والخ. إنه العقل المهووس بذاتيته، ولا يستطيع إنتاج ما فيه خير الناس والأوطان.
من أهم المصطلحات التي تعرضت للتشويش اللفظي في السنوات الأخيرة هي علاقة الداخل بالخارج أو الخارج بالداخل. أقول التشويش اللفظي لأن الساسة في بلدان الشرق الأوسط مغرمون باللفظ، اللفظ الذي لا يشكل سوى ظاهرة صوتية. هناك من يحاول إجراء فرز تعسفي للساسة والمثقفين وللحركات الاجتماعية والمدنية المختلفة على أساس سؤال في غاية السذاجة، وهو: هل أنت مع التغيير من الداخل أم من الخارج؟ وبالتالي فمن مع التغيير من الداخل هو "وطني"، أما من مع التغيير من الخارج فهو "عميل ولا وطني". إنه فرز ديماغوجي من قبل عقل لا يستطيع استيعاب جدلية العلاقة المتبادلة بين العامل الداخلي والعامل الخارجي، ويستخف بطبيعة العلاقات البشرية وقوانينها. خصوصاً بعد الانعطاف الذي أحدثته العولمة في التفكير الشرقأوسطي نتيجة انهيار الاتحاد السوفييتي.
إن الصراع الدائر اليوم بين المراكز الرأسمالية الأساسية وبين أنظمة الحكم في"العالم الثالث" هو صراع بين المنظومة الاقتصادية والاجتماعية والعلمية الأكثر تطوراً وبين مثيلتها في "العالم الثالث" التي هي أكثر تخلفاًً، بل أن هذه الأنظمة الأخيرة هي وجود نشاز في التاريخ المعاصر، لأنها تخلق شرخاً كبيراً في الاقتصاد العالمي والثقافة العالمية.
إن تسمية هذه الحالة بالاستعمار العولمي ليس خطأً، لكننا إذا استثنينا في هذا الشرق غزوات هولاكو وجنكيزخان وتيمورلنك، وكذلك غزوات العرب المسلمين( لقد قضت الغزوات العربية الإسلامية على أكبر حضارتين في حينها، أقصد الحضارة الفارسية والرومانية)، فإن الاستعمار الغربي كان له جانبين، الأول هو توسيع الاستثمارات الاقتصادية، أما الجانب الآخر فقد أحدث هذا الاستعمار تغييراً جوهرياً في البنية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية في هذه البلدان المستعمَرة، وأخرجها من النمط القديم إلى بوابات النمط الحديث. ومن هذه الزاوية كان للاستعمار الغربي دور تقدمي تاريخياً.
أعتقد أن شعوب "العالم الثالث" أمام مفترق طرق، فإما أن تقف مع التيار الذي يتناقض مع الغرب، ويسعى للقضاء على الحضارة الغربية بالغزو الحديث على طريقة ابن لادن والاتجاهات المتفرعة عنه. أقصد عن طريق منظومة الإرهاب الأصولي الإسلامي والقومي الشوفيني. وهذا الطريق سيوصل شعوب"العالم الثالث" إلى كارثة لا مثيل لها في التاريخ، وإما السعي للاندماج مع الحضارة الغربية في سبيل الخروج من البنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية الموروثة. وللأسف فإن جميع الاتجاهات المعادية للحضارة الغربية تسمى في "العالم الثالث" بالاتجاهات الوطنية، كما تسمى الاتجاهات التي تدعو إلى الاندماج مع هذه الحضارة بالاتجاهات اللاوطنية.
السؤال الذي يطرح نفسه: أين هي الوطنية واللاوطنية في هذا الصراع العالمي وفي العمل الجاد من أجل التغيير المطلوب؟
مما لا شك فيه أن الأنظمة الحاكمة في الشرق الأوسط قد أوصلت الناس إلى قناعة بأن الحاكم هو المغتصِب الأول للشعب، وأن الوطن بالنسبة له ولحاشيته مستعمَرة، والشعب يعيش من أجله. وقد عمم هؤلاء الحكام نظرية استبدادية تقول أن الفصل بين الحاكم والشعب أو مطالبة الشعب بحقوقه التي استلبها هذا الحاكم أو ذاك هي مؤامرة ضد الوطن. والملفت للانتباه أن كل حاكم استبدادي يختبئ وراء الوطنية، وبالتالي يجرد شعبه الذي يطالب بحقوقه من هذه الوطنية. فمن يقف مع الشعب لتحقيق هذه المطالب هو لا وطني وخائن وعميل للجهات الخارجية. يتجلى ذكاء الحاكم الشرقي هنا في معرفته أن معاداة الاستعمار في القرن الماضي وحد الشعب وراء قيادات مازالت أحياء في ذاكرة الشعوب حتى الآن، ولهذا بالذات يريد إخفاء لاشرعيته، وتفرده بالسلطة، وممارسته للاستبداد اليومي وراء هذا الشعار من أجل وضع كل من يخالفه في خانة الخيانة.
هناك من يبحث عن الخصوصية الوطنية من خلال التراث، أو من خلال الانتقائية لبعض مظاهر الحضارة الغربية ودمجها مع التراث لصياغة وطنية رثة. هذا شكل من أشكال تشويه مسار التطور، وبلغة التاجر المفلس هو البحث في الدفاتر القديمة. فهذا النمط من التفكير هو الذي أوصل بلدان الشرق الأوسط إلى الخواء الراهن في مختلف المجالات.
لا شك أن في تاريخ كل شعب حضارة أو حضارات عريقة، لكن العودة إليها من أجل المستقبل هو السير بالاتجاه المخالف لطبيعة تطور البشرية وجدلية التطور. فلا يجوز بأي حال من الأحوال أن تكون العودة إلى القديم تهدف إلى العيش فيه، مهما كان هذا القديم قد جسد من حضارة عظيمة في يوم من الأيام.
لقد ساد في كل عصر مركز حضاري واحد، وعندما كانت هناك حضارتان، فإن الصراع بينهما كان ينشأ عندما كانت تسعى إحدى الحضارتين إلى العالمية، أو كانت كلاهما تسعيان إلى ذلك، وقد أدى هذا الصراع في المحصلة إلى ابتلاع إحداها للأخرى. وبغض النظر عن الحروب التدميرية، ومظاهر الإبادات الجماعية في العصور القديمة، فإن الحضارة التي كانت تفتح المجال للتطور اللاحق هي التي كانت تنتصر. وهذا ما جعل تاريخ البشرية هو تاريخ تصاعدي، رغم بعض النكسات والمراحل الإنحطاطية التي سادت هنا وهناك. لقد كانت الحضارة المنتصرة تستوعب كل العناصر الحيوية في الحضارة المهزومة، ولهذا بالذات كانت تصبح أغنى من سابقاتها.
أريد القول أن المركز الحضاري هو الذي يغير غالباً الأطراف وليس العكس، وجرى ذلك بشكل قانوني، حرباً أو سلماً، خلال التاريخ، بغض النظر عما جلب هذا التغيير من ويلات لهذا الفريق أو ذاك في المراحل الأولى.
المركز الحضاري الراهن هو الغرب، هو أوروبا وأمريكا واليابان. ولعل المقولة التي يطلقها البعض بحوار الحضارات أو صراع الحضارات ما هي إلا نوع من الخديعة. فلا يمكن أن نتحاور مع الغرب على أساس حضاراتنا القديمة التي هي مجرد تاريخ كالحضارة السومرية والآشورية والإسلامية، أمام الحضارة الغربية فهي حضارة راهنة تلبي احتياجات الإنسان المعاصر سواء في الشرق أو في الغرب، ونحن نعيش بفضلها شئنا أم أبينا، بما في ذلك الأصولي والإرهابي.
ما أقصده، كان دائماً للمركز الحضاري دوره الأكبر في تغيير الأطراف مقارنة بالعوامل الداخلية. وبالتالي فالعامل الخارجي(بالمفهوم الحضاري طبعاً) كان وما زال له الدور الرئيس بالنسبة للبلدان المتخلفة. وهناك حقيقة أخرى، فلولا ثورة أكتوبر، وظهور الدولة السوفييتية، لما قامت العديد من الدول التقدمية في "العام الثالث"، ولما تأسست الأحزاب الشيوعية في هذه البلدان، وباعتراف مؤسسيها. ورغم كل الانتقادات الموجهة ضد الشيوعيين في القرن الماضي( بما في ذلك ضد الشيوعيين العرب)، ولا شك أن قسماً هاماً من هذه الانتقادات صحيحة، إلا أن مما لا شك فيه أيضاً أن هؤلاء الشيوعيين كانوا أناساً وطنيين، أرادوا من خلال تشكيل هذه الأحزاب أن يدفعوا بشعوبهم وأوطانهم إلى التطور المتسارع لمواكبة الحضارة. لقد كانوا يضعون الحزب الشيوعي السوفييتي وما حقق من تقدم عام في روسيا نموذجاً للسير على هداه. ولهذا كانت الطبقات التي تقف ضد هذا النموذج من التطور الحضاري تتهم الأحزاب الشيوعية بأنها عميلة لموسكو. وتحت هذه التهمة جرت مجازر للشيوعيين في العديد من بلدان "العالم الثالث" وبمباركة من الغرب الرأسمالي. تماماً كما يتهم حكام اليوم في غالبية "العالم الثالث" جميع الفئات التي تطالب بالديمقراطية وحقوق الأفراد والأقليات، وسيادة سلطة الشعب بأنهم عملاء للغرب وأمريكا، وتجري محاربتهم وزجهم في السجون، وقتلهم أحياناً.
لقد خلف القرن العشرين في "العالم الثالث" حقائق لا يجوز غض الطرف عنها. فجميع الذي حكموا في هذا القسم من العالم بعد الاستقلال كانوا مستبدين، فأحزاب البرجوازية الوطنية حكمت بالاستبداد، والإسلاميون كذالك والاشتراكيون أيضاً حكموا بالاستبداد، بل كانوا أكثر قسوة أحياناً من غيرهم(بول بوت، صدام حسين). يدفعنا هذا القول إلى استنتاج مفاده أن بنية الموروث في هذا العالم الثالثي بنية استبدادية. وقد اتخذت هذه البنية الموروثة لدينا صفة القدسية مع الزمن، وبالتالي فكل ما ينتج عنها هو الآخر مقدس، بما في ذلك الاستبداد. وتعتبر محاربة الاستبداد في هذه الحالة هي محاربة المقدس. وربما هذا ما يفسر النحيب الإعلامي العربي على إعدام الدكتاتور صدام حسين.
الفرق بيننا وبين الأوروبيين هو أن الأوروبيين أزالوا القدسية عن موروثهم، ونقدوه بجرأة وقدموا ضحايا كثيرة حتى استطاعوا التحرر منه, بينما نحن في الشرق مازلنا نعبد موروثنا سواء بطريقة خرافية أو نفاقاً. وقد نتج عن ذلك هذا الإيمان البليد الذي يعتبر كل من هو خارجه يدخل في خانة اللاوطنية والخيانة والعمالة.
إن التشديد الراهن على الوطنية في الشرق الأوسط من قبل المنظومات الحاكمة لا علاقة له بالوطنية، بل هو تمويه للاستبداد والتخلف ونهب الشعوب والأوطان. أما بالنسبة لبعض القوى المعارضة التي تردد هي الأخرى هذه النغمة، ولو بطريقتها، فهي الأخرى تؤسس لمشروع استبداد مقبل، عندما تزيح هي المنظومة الحاكمة وتنفرد بالسلطة.
إذا كانت مقولة أن التاريخ يكتبه المنتصر صحيحة، فإن حكام شرق الأوسط كتبوا بدماء شعوبهم تاريخهم الاستبدادي، واختزلوا الوطن والشعب في شخصيتهم "المقدسة". فالحاكم هنا يقول أنا الوطن وأنا الشعب، ومن يقف ضدي فهو ضد الوطن وضد الشعب، وبالتالي فهو خائن.



#صالح_بوزان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التطورات العالمية
- القضية الكردية في سوريا خلال نصف قرن(رؤية نقدية)
- هل ثقافة الحوار والاختلاف ممكنة؟
- يا علماء الإسلام أنتم تبرهنون على صحة ما قاله البابا
- العلمانية والموروث الإسلامي
- شمعتان.. للشيخ معشوق الخزنوي
- مساهمة في-الحوار العربي الكردي غائب أم مغيب
- الحقيقة الكردية أقوى من الكمالية
- انتفاضة آذار الكردية وأزمة الفكر القومي العربي الكلاسيكي في ...
- يا علماء الإسلام انقذوا الإسلام بفصله عن الدولة
- القراءة الخاطئة لتصريحات السيد خدام
- لماذا كل هذا الضجيج ضد إعلان دمشق؟
- إعلان دمشق يستحق التأييد
- الفدرالية الكردستانية ضمانة للعراق الديمقراطي
- عندما تعتقل الكلمة
- الاصلاح وسيكولوجية الشعب المقهور
- دعوة لتشكيل جمعية وطنية للاضراب عن الكتابة
- وجهة نظر في بيان جماعة الاخوان المسلمين حول القضية الكردية
- أول شهيد للفكر التنويري في سوريا اليوم
- الماركسية إلى أين؟


المزيد.....




- مدير الاستخبارات الأمريكية يحذر: أوكرانيا قد تضطر إلى الاستس ...
- -حماس-: الولايات المتحدة تؤكد باستخدام -الفيتو- وقوفها ضد شع ...
- دراسة ضخمة: جينات القوة قد تحمي من الأمراض والموت المبكر
- جمعية مغربية تصدر بيانا غاضبا عن -جريمة شنيعة ارتكبت بحق حما ...
- حماس: الجانب الأمريكي منحاز لإسرائيل وغير جاد في الضغط على ن ...
- بوليانسكي: الولايات المتحدة بدت مثيرة للشفقة خلال تبريرها اس ...
- تونس.. رفض الإفراج عن قيادية بـ-الحزب الدستوري الحر- (صورة) ...
- روسيا ضمن المراكز الثلاثة الأولى عالميا في احتياطي الليثيوم ...
- كاسبرسكي تطور برنامج -المناعة السبرانية-
- بايدن: دافعنا عن إسرائيل وأحبطنا الهجوم الإيراني


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صالح بوزان - التطورات العالمية القسم الثاني بؤس الفلسفة الوطنية الرسمية