|
موضوعات حول الواقع الموضوعي والعامل الذاتي
الديمقراطية الجديدة -النشرة الشهرية
الحوار المتمدن-العدد: 8495 - 2025 / 10 / 14 - 23:22
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
تعيش البشرية جمعاء عصر أزمات النظام الامبريالي من جهة وتطلّع عمّال العالم وشعوبه المضطهدة نحو التحرر والديمقراطية من جهة أخرى. ويحكم هذا العصر ثلاثة تناقضات أساسية نوردها مرتبة حسب الأهمية، وهي تناقضات تحدد واقع الصراع الطبقي والنضال الوطني وتطبع أبسط مجرى الأحداث اليومية. أ- التناقض بين الامبريالية وعملائها من جهة والشعوب والأمم المضطهدة من جهة أخرى. ب- التناقض بين رأس المال والعمل أي بين البرجوازية والعمال في البلدان الرأسمالية بما في ذلك تلك المسمّاة زيفا اشتراكية مثل الصين. ج- التناقض بين الدول الامبريالية وبين الاحتكارات في صلب البلد الرأسمالي الواحد. 1- التناقض امبريالية/ شعب. لقد شهدت هذه التناقضات تحوّلات هامة، إذ انقلبت موازين القوى لفائدة النظام الاستعماري الجديد بعد الاختفاء الظرفي لسلطة الكادحين. وفي حين كان التقدم على طريق حسم التناقضات يخدم أساسا النظام الاشتراكي الناشئ – عندما كان النظام الاشتراكي قائم الذات- إذ كانت حركات التحرر الوطني في العالم بمختلف قياداتها تدعم التوجه الاشتراكي فإن الواقع الحالي مختلف تماما، فقد أصبحت التناقضات تُحسم لفائدة الامبريالية وعملائها وهو الطرف الرئيسي في طرفي التناقض امبريالية/شعب. إن التناقضات الثلاثة الأساسية متشابكة ومترابطة وتفعل في بعضها البعض سواء كان ذلك بالسلب أو بالإيجاب، وبالرغم من هذا الترابط فإن التناقض امبريالية-عملاء من جهة وشعوب وأمم مضطهدة من جهة أخرى يظل تناقضا أساسيا ورئيسيا في نفس الوقت محددا يطبع بقية التناقضات. إنه تناقض رئيسي لأن الامبريالية تظل أضعف سيطرة في مناطق آسيا وإفريقيا وأمريكا الجنوبية حيث تتجمع مختلف التناقضات. كما أن النضالات التي تخوضها شعوب هذه المناطق تساهم في تقويض أسس الاستعمار الجديد. وبالرغم من مرور سنوات على إقرار الحركة الشيوعية مقولة مناطق الزوابع الثورية فإن الأحداث الحالية تؤكد على أن هذه المناطق لا تزال مركز التناقضات الأساسية. غير أن اختلال موازين القوى الحالية مكّن الامبريالية الأمريكية خاصة بعد صعود د. ترامب إلى الحكم من فرض خياراتها ووضع منافسيها (روسيا والصين) أمام الأمر الواقع، فقد عززت سيطرتها الاقتصادية والعسكرية في جل المواقع الإستراتيجية، فزرعت فرق التدخل السريع وأرست القواعد العسكرية في جل البلدان، هذا فضلا عن احتلال البعض منها لضمان مصالحها. وتجدر الإشارة إلى أن سلوك الامبريالية هذا ليس بالجديد إذ سبق للحزب الشيوعي الصيني أن أكد في صراعه ضد الامبريالية الاشتراكية على "أن المستعمرين الجدد برئاسة أمريكا يستعبدون البلدان وذلك عن طريق تنظيم الكتل العسكرية وإنشاء القواعد العسكرية وإقامة الاتحادات أو المجموعات وتدعيم الأنظمة القرقوزية، كما أنهم عن طريق المعونة الاقتصادية أو الأشكال الأخرى يُبقون هذه البلدان أسواقا لبضائعهم ومصادر للمواد الأولية ومنافذ لتصدير رؤوس أموالهم كما ينهبون ثرواتها ويمتصون دماء شعوبها. وبالإضافة إلى ذلك يستخدمون الأمم المتحدة كأداة هامة للتدخل في الشؤون الداخلية لمثل هذه البلدان ولممارسة العدوان العسكري والاقتصادي والثقافي عليها. وعندما يعجزون عن مواصلة حكمهم لهذه البلدان بالوسائل السلمية يلجؤون إلى تدبير الانقلابات العسكرية ويقومون بأعمال هدامة إلى حد اللجوء إلى التدخل والعدوان المسلحين المباشرين" (مدافعون عن الحكم الاستعماري الجديد- الحزب الشيوعي الصيني .1963). إن السيطرة الأمريكية الحالية مكنت النظام العالي الجديد (الامبريالية الجديدة إن صح التعبير) من تهميش التناقض امبريالية/شعب إلى حد ما وذلك رغم أهميته كما تمكنت الامبريالية الأمريكية من التحكم ظرفيا في كيفية تطور هذا التناقض وعرقلته من خلال تدخلها المباشر في مجرى الصراع عن طريق أطراف محلية عميلة فأصبح التناقض يُحسم مؤقتا لصالح الامبريالية و ليس لصالح الشعوب ، وقد اتخذ هذا التناقض شكلا مسلحا ودمويا مثل ما هو الحال في العراق وفلسطين أو في النيبال وكولومبيا وفي هايتي و أفغانستان وساحل العاج (الكوت دي فوار).وتثبت الأمثلة المذكورة وغيرها أن الامبريالية والعملاء يعتمدون العنف دون تردد عندما تصبح مصالحهم مهددة بل يطبقون دون حرج أسلوب إبادة المقاومة بدون رحمة مع محاولة استمالة الفرق الانتهازية بمختلف مشاربها. وبما أن الشعوب تناضل من أجل التحرر وترفض الاستعباد والتحول إلى مجرد عبيد في النظام الاستعماري الجديد فإن الاستعمار الجديد يُدرك هذه الحقيقة ويُحاول دائما تأجيل سقوطه وإيجاد الحلول الترقيعية، وفي هذا الإطار ولتهميش الصراع امبريالية/عملاء من جهة وشعوب من جهة أخرى يعتمد الاستعمار الجديد على أساليب عديدة نذكر أهمها: أ- اعتماد كل وسائل الرشوة والفساد لدعم أكثر الأنظمة تخلفا بالمال والسلاح ثم التخلّي عنها عند افتضاحها نهائيا لدى الجماهير المنتفضة للتظاهر بالتغيير والتداول على السلطة ويتم ذلك بهدف ضرب الحركة الشعبية المناهضة الفعلية للنظام الاستعماري وإبقاء الجماهير ضحية التغيير الشكلي: هايتي – الكونغو الديمقراطية سابقا والآن سوريا- لبنان- العراق...) ب- تدبير الانقلابات البيضاء واعتماد التحويرات عند الضرورة أو الالتجاء إلى "الديمقراطية منخفضة الشدة" أو «الانتقال الديمقراطي «من خلال إقامة آليات دستورية ومؤسساتية تقتصر ممارسة "الديمقراطية" فيها على النخبة "الوطنية" بينما يجري إضعاف تأثير كل المنظمات والحركات الشعبية أو النقابية من خلال دمج القيادات في الديكور "الديمقراطي". ج- تبرير التدخل العسكري أو الاحتلال بتعلاّت واهية سرعان ما يفتضح أمرها (أسلحة الدمار الشامل- تجارة المخدرات- ملاحقة الإرهاب- تركيز الديمقراطية...) د- عقد الاتفاقات بين ما يُسمى بالأطراف الاجتماعية ومحاولة تقنين المصالحة الوطنية وسياسة التعاقد لتكبيل تحركات الشغالين وتشريع ضرب المعارضين، هذا فضلا عن تنظيم الانتخابات الشكلية للتظاهر بالتداول على السلطة حفاظا على السلم الاجتماعية. وتهدف هذه الأساليب وغيرها إلى طمس الصراع امبريالية/شعب وتحويله بكل بساطة إلى مجرد صراع محلي بين أجنحة أو رموز في السلطة مرتبطة جميعها بالدوائر الاستعمارية. وتقدم الامبريالية مثل هذا الصراع على أنه صراع ضد الفساد المالي أو سوء التصرف أو صراع من أجل إرساء "الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان" في أن الصراع الذي تحاول الامبريالية والرجعية المحلية طمسه هو نضال الطبقات الشعبية عموما ضد الاستعمار الجديد وضد الأنظمة الواقفة في صف الاستعمار والمدافعة عن مشاريعه. وقد حاولت الامبريالية دوما تجديد نفسها خاصة في مرحلة العولمة وذلك عبر انتزاع الموارد العامة، خصخصة الأراضي والخدمات، وتسليع ما كان خارج منطق السوق. لأن الامبريالية المعاصرة لا تقوم فقط على الغزو العسكري أو السيطرة السياسية، بل على آليات اقتصادية– مالية تجبر الدول على الخضوع للنظام النيوليبرالي وذلك بـ "التراكم عبر نزع الملكية" حيث يجري نقل الثروة والموارد من ـ أشباه المستعمرات إلى البلدان الرأسمالية تحت غطاء السوق الحرة، الخصخصة، وسياسات المؤسسات المالية العالمية. إن الصراع امبريالية/شعب رغم كل الإجراءات الوقائية ورغم كل مناورات الامبريالية والرجعية يظل قائم الذات وتُصبح التنظيرات حول انتهاء عصر الصراع الطبقي مجرد خرافة كما ان التنظير للتحول السلمي وللثورات اللاعنيفة (1) ومقولة إمكانية إنقاذ الرأسمالية من أزماتها الدورية لا أساس لها من الصحة ولن يحل نظام استغلال الإنسان مشاكله وستظل المقاومة صامدة رغم التعتيم الإعلامي وهي تُكذّب دعاة الاستسلام والوفاق الطبقي. إن تصاعد الغضب الشعبي وتعدد التحركات الاحتجاجية وإن كانت عفوية في بعض المناطق يعكس توتر الأوضاع على كل المستويات وهو ما يعني احتداد التناقض بصفة موضوعية، وتدل كل الإحصائيات على أن القطيعة تتعمق باستمرار بين الأقلية الحاكمة وتحديدا مجموعة ال 8 وبين عمال العالم وشعوبه وأممه المضطهدة من جراء سياسات النهب المفضوحة والصفقات المريبة التي تتم ضد مصالح الشعوب. إن مثل هذه الأوضاع لن تؤدي إلى إرساء ما يُسمّى "المجتمع المدني" الذي تريد الامبريالية نحته على قياس مصالحها رئيسيا ومصالح أعوانها ثانويا وذلك باعتماد قوة السلاح حينا وبث الأوهام حول إمكانية إجراء انتخابات حرة بالقانون السائد وبإشراف سلطة عسكرية بوليسية حينا آخر. لقد بينت الأحداث أن الانتخابات في أشباه المستعمرات وإن اتخذت أجواء الاحتفالات والأعراس فهي مهزلة يقع ضبط نتائجها مسبقا، فالبرلمانات التي تنبثق عنها تزكي جوهر الإملاءات الاستعمارية الجديدة ولا تصوّت ولا مرة واحدة على قانون يخدم مصلحة الشعب أو يُدافع عن حرمة البلاد. وبالرغم من افتضاح أكذوبة صندوق الاقتراع العديد من المرات مثال (الفليبين- هايتي- موريتانيا- الجزائر- مصر- تونس ...) فإن الفرق الانتهازية تواصل بث الأوهام حول إمكانية استفادة الشعب من هذا التوجه وفق القانون الجاري به العمل، وهي تعمد إلى: - خلط الأوراق وطمس النضال الوطني بتقديم التناقضات العدائية كتناقضات في صلب الشعب تحسم بالطرق السلمية وهكذا يتم حشر الرجعية العربية في صف الطبقات الشعبية وتبرير عملية التنافس معها في انتخابات غير عادلة بالمرة. - البقاء أساسا ورئيسيا في إطار المسموح به من طرف الاستعمار الجديد فيقع استبدال مرحلة التحرر بمرحلة "الحريات السياسية" كمرحلة ضرورية في انتظار تغير موازين القوى حسب رأي البعض وهو ما يعني ضمنيا إمكانية إحراز الحريات السياسية في ظل أنظمة لا وطنية لن توفر أبسط الحريات للشعب. - بث الغموض حول الديمقراطية والتحدث عنها في المطلق بمعزل عن عملية التحرر فهناك الديمقراطية البرجوازية والديمقراطية الاستعمارية المفروضة على العديد من العملاء خاصة الأكثر تخلفا منهم وهناك الديمقراطية الشعبية التي تمنح الحرية للشعب، كما سبق للإنسانية أن شهدت ديمقراطية أسياد العبيد وديمقراطية الإقطاعيين والملوك. إن الفرق الانتهازية تريد أن يُلدغ الشعب مرارا من نفس الجحر وأن يبقى عميل النظام الاستعماري الجديد الطرف الوحيد الذي يُخول له تقرير مصير الشعوب ورسم نمط حياتها اليومي. غير أن احتداد التناقض بصفة موضوعية غير كاف لوحده لتحويل الحركة العفوية إلى حركة لذاتها، فبدون حزب شيوعي ماوي تظل الحركة العفوية منزوعة السلاح قابلة للاحتواء طالما لم تفرز الحركة الثورية حزبا قادرا على رسم البرنامج الثوري والتقدم في تجسيد الخط العام والارتقاء بوعي الحركة وتجربتها. إن تحول الفكر من هيبة الأفكار إلى هيبة المؤسسات الحزبية يساهم في القطع مع عقلية البرجوازي الصغير بكل ما فيها من حلقية وحرفية وموسمية ومشاغل شخصية. ويعي الاستعمار الجديد خطر التحام الفكر الشيوعي والطرح الوطني الديمقراطي بالطبقات الشعبية لذلك تراه يستنبط كل الأساليب من أجل عزل الثوريين من جهة وإبقاء الجماهير تتخبط في واقع الفقر والتخلف تحت التأثير الرجعي أو الإصلاحي الانتهازي من جهة أخرى، ويعتمد في ذلك كل الوسائل الإعلامية وأحدث التقنيات لتبليد الأذهان وتحويل وجهة اهتمامات الجماهير. إن تجارب الحركة الشيوعية قصيرة جدا مقارنة بأنظمة استغلال الإنسان للإنسان وهي رغم قصرها سجلت دروسا لا يمكن الاستغناء عنها، نذكر من بينها: لا حركة ثورية بدون نظرية ثورية، ولا وجود لحركة ثورية بدون تنظيم ثوري، فتأسيس التنظيم الثوري هو المهمة المركزية المطروحة على كل شيوعي وعلى الشيوعيين عموما مهما كان عددهم. إن تناحر القوى الامبريالية اليوم يكشف للعيان حقيقة هذا النظام المتوحش وتصرفاته في فلسطين أو في أوكرانيا وهي لن تمر دون احتجاجات شعبية عارمة. فقد أصبح العالم على كف عفريت فكل القوى الامبريالية مستنفرة (الحلف الأطلسي - روسيا- الصين) ومستعدة لتفجير حرب عالمية ثالثة إن اقتضى الأمر ذلك – حرب من نوع جديد تجرّب فيها الأسلحة الجديدة الأكثر تطورا (الطائرات المسيرة – السلاح النووي التكتيكي والإستراتيجي - الذكاء الاصطناعي في المجال العسكري-"الروبوتات"- الحرب الإعلامية...) حرب تعكس أزمة الامبريالية التي لن تصمد أمام الانفجارات الشعبية والثورات المستقبلية. وفي هذا الإطار قدمت المقاومة المسلحة في فلسطين رغم الحصار درسا لن ينساه العدو الصهيوني ولا الحلف الأطلسي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية إذ صمدت المقاومة في وجه الأسلحة الأكثر تطورا والمحرمة دوليا وأثبتت أن المعارك تخاض رئيسيا على الأرض وليس في السماء وكسبت تعاطف الجماهير في بلدان العالم ، كما أن التحركات الشبابية الأخيرة والتي انطلقت في البداية من النيبال وبنغلاديش وسريلانكا، قبل أن تصل إلى أفريقيا جنوب الصحراء في كينيا ومدغشقر وتنفجر في المغرب ثم تنتشر كالنار في الهشيم . وقد ذكر إدريس السدراوي رئيس الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان "بأن دعوات التظاهر يومي 27 و28 سبتمبر/أيلول أطلقتها في البداية مجموعة تطلق على نفسها مسمى "صوت الشباب المغربي"، قبل أن "تختفي حساباتها على منصات التواصل الاجتماعي في 22 سبتمبر/أيلول،"ومن ثمة، أخذت مجموعة أخرى هي "جيل زاد 212"، التي أنشأت في سبتمبر/أيلول، زمام المبادرة. وتضم زهاء تسعين ألف متابع على منصة ديسكورد." إن مثل هذه الانتفاضات الشعبية ستجبر الأعداء على تغيير تكتيكاتهم وإيجاد حلول جديدة تصفوية واستسلامية للتخلص من المقاومة مهما كان شكلها وخاصة منها المسلحة مع تشجيع الرجعية العربية على الدفاع عن دويلة غير مسلحة في شبر من فلسطين تحت مراقبة الكيان الصهيوني وتوني بلار الإنجليزي. 2- التناقض بين رأس المال والعمل في البلدان الرأسمالية يشهد هذا التناقض تراجعا ملحوظا لفائدة البرجوازية الحاكمة والمتداولة على السلطة سواء كانت يمينية أو "اشتراكية ديمقراطية" مع بعض الاختلافات على المستوى الاجتماعي خاصة. إن توجه الخوصصة ونقل الشركات والمعامل إلى بلدان أوروبا الشرقية أو إفريقيا وآسيا حيث الإعفاء الجمركي والجبائي، إن هذا التوجه تسبب مباشرة في تفاقم ظاهرة البطالة والمرونة في التشغيل وفي التراجع على المكاسب الاجتماعية المتعلقة أساسا بقوانين الشغل والتعليم والبحث العلمي والصحة...وفي تدهور القدرة الشرائية بفعل الارتفاع المتواصل للأسعار. وإلى جانب تدهور الأوضاع الاجتماعية فإن الحريات الفردية تعاني هي الأخرى من تراجع ملحوظ بتعلة محاربة الإرهاب وضرورة الاستنفار المستمر الذي يفترض المراقبة المستمرة لتحركات المواطنين في كل الأماكن، وقد أدى هذا التضييق على الحريات إلى رد فعل معاكس بحيث تفاقمت ظاهرة العنف والإجرام والسرقة المنظمة وكل الآفات التي تنخر كيان النظام الرأسمالي المتعفن والمبني أساسا على استغلال الإنسان للإنسان. إن توسع هامش المناورة أمام البرجوازية الحاكمة سواء كان ذلك من طرف الحزب "الجمهوري أو الديمقراطي" في أمريكا أو حزب "المحافظين وحزب العمال" في أنجلترا أو من "الجمهوريين والاشتراكيين" في فرنسا و إسبانيا ...إن توسع هذا الهامش بفعل الاستغلال الفاحش لأشباه المستعمرات لا يعني انطفاء الصراع الطبقي أو اندماج الطبقة العاملة في مؤسسات "المجتمع المدني" بل أن الأحداث اليومية تُثبت باستمرار أن الحركة الاحتجاجية ضد ما يُسمى بمؤسسات المجتمع المدني في تزايد ، وبلغت هذه الحركة حد مقاطعة الانتخابات و تجاوزت نسب المقاطعة في بعض البلدان 35% ، وتدل هذه الظاهرة التي لا يجب الاستهانة بها على إفلاس نظام الانتخابات بالشروط البرجوازية المتحكمة كليا في قانون اللعبة وأصبحت الانتخابات وسيلة للتداول على السلطة من أجل الحفاظ على جوهر النظام الرأسمالي كما افتضحت النقابات التقليدية الموالية لهذا الحزب أو ذاك أو لأحزاب "المعارضة" وهي نقابات لم تقف في العديد من المناسبات إلى جانب العمال لذلك أُجبر العمال على تكوين لجان موازية تتعهد بقيادة التحركات مثل الإضرابات والاعتصامات والمظاهرات ...وفي إطار هذا الصراع شهدت فرنسا أخيرا حركة احتجاجية طالت كل الجهات ضد سياسة ماكرون (رئيس الدولة) الذي لم يحصل على الأغلبية في البرلمان ومصرّ على بقاء اليمين في الحكم وهو قد يفتح الباب أمام اليمين المتطرف ماري لوبآن (التجمع الوطني)،علما وأن اليمين في أوروبا الذي افتك العديد من المواقع لن يساعد النظام الرأسمالي على الخروج من أزمته الدورية ولن يقدر على إخماد موجة الإضرابات والاحتجاجات التي ستستمر بصفة تصاعدية لتعلن الإضرابات العامة. وبالفعل فقد برزت بوادر التنسيق على مستوى أوروبي وعالمي خاصة في إطار المنظمات المعارضة للعولمة. وقد خاضت بعض المنظمات معارك ضارية ضد الرأسمال متعدد الجنسيات في العديد من المناسبات واتخذت هذه المعارك أكثر من مرة أشكالا عنيفة في مواجهة البوليس أو في مواجهة مواقع الاحتكارات ورموز النظام العالمي الجديد. إن نضال العمال في هذه البلدان يدعم مباشرة نضال الشعوب ويُضعف في الآن نفسه النظام الاستعماري الجديد كما أن نضال الشعوب يُضعف البرجوازية الحاكمة وينفس نسبيا على العمال وهنا تكمن أهمية التنسيق بين القوى الثورية من منطلقات أممية ويساهم مثل هذا التنسيق في رسم طريق الخلاص وتوسيع رقعة المعارضة للنظام العالمي الجديد. وقد بينت حرب العراق أن المظاهرات الحاشدة التي نُظمت ضد الحرب في أوروبا لم تحصل بنفس الحدة في تونس أو الجزائر أو سوريا ...وقد مثلت هذه المظاهرات عامل ضغط على الحكومات التي ستُجبر على التريّث قبل تقديم الدعم إلى أمريكا. كما أن المظاهرات الصاخبة دعما لغزة وفلسطين وتنديدا بالكيان الصهيوني وأعماله الإجرامية اندلعت في كل البلدان تقريبا وتعددت أشكال النضال من أسطول الصمود إلى مقاطعة الكيان المجرم المسنود مباشرة من قبل ترامب (رئيس أمريكا) وأوروبا وأمراء الخليج المطبعين. 3- التناقض بين الدول الإمبريالية لقد استفادت الامبريالية إلى أقصى حد من ضعف الحركة الثورية ومن غياب الدولة الاشتراكية وتمكنت من الانفراد بالحركة الشعبية والتحكم نسبيا في درجة تطورها وتوجيهها ناحية الوفاق الطبقي أو الاستسلام الوطني بالاعتماد على العملاء والأطراف الإصلاحية والانتهازية، وحاولت الدول الامبريالية رغم تناقضاتها إيجاد مواقف توفيقية لا تمس بجوهر النظام العالمي الجديد. فيقع السكوت المخجل عما يحصل في فلسطين وفي العراق وسوريا أو في أفغانستان والشيشان وأوكرانيا ... وبالرغم من محاولات توحيد الموقف السياسي في المناسبات مثل لقاء مجموعة الثمانية فإن تناقضات الدول الامبريالية بما في ذلك الاحتكارات في صلب الدولة الواحدة اتضحت للعيان وستتواصل طالما هناك مصالح متضاربة لأن الامبريالية اليوم ليست مجرد استمرار للاستعمار الكلاسيكي، بل تحوّلت إلى منظومة عالمية تحركها آليات السوق والخصخصة. فهناك صراع دائم بين حاجات الرأسمالية للتوسع الاقتصادي وحاجات الدول الامبريالية لبسط السيطرة السياسية والعسكرية. لكن رغم احتداد التناقضات بين الدول الامبريالية وتحديدا بين الولايات المتحدة الأمريكية والحلف الأطلسي من جهة وروسيا والصين من جهة أخرى علما وان الوضع الحالي اثبت بروز تناقضات في نفس الحلف أي بين أوروبا وأمريكا فيما يخص أوكرانيا من جهة وبين روسيا والصين من جهة أخرى وهي تناقضات قد تتجه نحو الحسم عبر حرب مدمرة أو قد تبقى في مستوى التهديدات باستعمال النووي التكتيكي التي ما انفكت روسيا تهدد باستعماله في صورة إصرار الناتو (الأطلسي) على محاصرة روسيا وإصرار روسيا على استرجاع بعض البلدان التي انتمت سابقا إلى الاتحاد السوفياتي ،علما وأن بوتين(رئيس روسيا) مصر حاليا على استرجاع أوكرانيا بعد أن استرجع (شبه جزيرة القرم) واحتل الدونباس- في شرق اوكرانيا (2) كما أن الصين تصر على استرجاع تايوان (وتستنفر عسكريا للتصدّي للنوايا) التوسعية لترامب. (وتلعب) الصين على الحبلين وتتظاهر بالحياد رغم توتر العلاقة مع البيت الأبيض فيما يخص تايوان، والدور الريادي لليابان خاصة على المستوى المالي وفي المنطقة عموما. وفي صلب التكتلين الحاليين نجد التناقض بين الصين وروسيا من جهة وأمريكا من جهة أخرى كما نجد الصين وأوروبا من جهة وأمريكا من جهة أخرى وهو ما يُرشح الصين إلى لعب دور محدد مستقبلا باستعمال الأمم المتحدة وتقوية العلاقات جنوب- جنوب مقابل التوجه الأوروبي الذي يدافع عن تعديل العلاقة شمال- جنوب. إن مثل هذه التناقضات مرشحة للتعمق لأن انفراد الإمبريالية الأمريكية حاليا بالعالم يقابله استعداد أوروبا وروسيا إلى تدارك الأوضاع، هذا فضلا عن طموحات الصين نحو الهيمنة. غير أن التدارك الأوروبي يتطلب السنين (وهو مبرمج لسنة 2030) لأن أمريكا سجلت قفزة هائلة في ميدان التسلح والتكنولوجية الحربية والإعلامية والذكاء الاصطناعي ويظل هذا التفوق سلاح أمريكا حاليا في مواجهة منافسيها خاصة إذا تواصلت الخلافات حول كيفية توحيد أوروبا وتشكل الجيش الأوروبي بكل استقلالية عن الحلف الأطلسي. لكن رغم تطور السلاح الأمريكي وبلوغه مستوى "الجندي الآلي" فقد انكشفت نقاط ضعف هذا التطور في العراق وبيّنت الأحداث أن النضال الشعبي المسلح أقوى بكثير من التطور التقني للنظام الاستعماري الجديد. إن افتضاح حقيقة أمريكا لدى الشعوب وتورطها في عدة جبهات يُسهّل على أوروبا تقديم نفسها كبديل استعماري" إنساني" يمكن التعاون معه، أما الصين فهي تحاول الاستفادة من هذه التناقضات والتعاون مع أوروبا وأمريكا وروسيا في الآن نفسه بهدف الحصول على آخر التقنيات ولربح الوقت استعدادا لاسترجاع تايوان. إن التناقضات التي تشق البلدان الامبريالية تشهد هي الأخرى تحولات هامة وستعرف الخارطة الأوروبية تكتلات مختلفة عن التكتلات السابقة التي كانت سائدة إثر الحرب العالمية الثانية وقد تمحورت التكتلات المزمع تشكلها حول قطب أمريكي من جهة وقطب فرنسي أساسا من جهة أخرى. كما كشفت الصراعات الأخيرة أن أمريكا تسعى بكل الوسائل إلى عزل المدافعين عن "أوروبا العجوز" وتحاول استمالة أكثر البلدان "فقرا" في أوروبا لضرب إمكانية تشكل محور أوروبي ينافسها بالتأكيد على كل المستويات. وبالرغم من هذه الصراعات فإن الوفاق الامبريالي هو الذي طبع الفترة الحالية بحيث لم تنفجر الصراعات وسكت الجميع أمام الحل الأمريكي الذي يُمرر كل مرة في (فلسطين – أفغانستان – العراق وسوريا...) وهو ما يُثبت أن التناقض امبريالية/شعب هو تناقض رئيسي وقد انعكس الوفاق الامبريالي سلبا على هذا التناقض وعلى الحركة الوطنية عموما والحركة العمالية خصوصا. لقد سجلت الهيمنة الأمريكية تراكمات كمية لفائدة المعسكر الامبريالي غير أنها أدّت في الآن نفسه إلى توسّع جبهات المعارضة في كل مكان، ويُساهم مثل هذا الوضع في احتداد التناقضات بصفة موضوعية ويساعد بالتالي الجماهير على الانخراط في النضال. إن اختلال موازين القوى إذن لا يعني بالضرورة تغييب العمال والشعوب أي حذف أحد طرفي التناقض بتعلة ضعفه أو عدم تنظمه كما تفعل الفرق الانتهازية التي تبرر تحركها في إطار المسموح به إمبرياليا وتُنظر للقبول بالأمر الواقع. إن من يرى في الوضع العام الجانب الامبريالي فقط يطمس بالتأكيد – عن وعي – المقاومة اليومية التي تُنظم ضد سياسة العولمة وهو لا يمارس إلا "المقاومة" المسموح بها رجعيا كما أن من يرسم تكتيكاته بالنظر إلى الجانب الامبريالي أساسا ورئيسيا فإنه سيجد نفسه في تناقض تام مع البرنامج الثوري ومع نضالات الجماهير ويصبح سجين لعبة "الديمقراطية الاستعمارية" ويُساهم في تبييض وجه الأنظمة التي لن تحترم أبسط الحقوق الفردية. إن تحليل الوضع ليس مجرد لعبة فكرية تتفنن في استعمال "التوصيف والتشخيص" وما إلى ذلك من المصطلحات، فالهدف المباشر من التحليل هو الانطلاق من واقع حركة الطبقات ورسم خطط تساعد الجماهير على التقدم في إنجاز برنامج السلطة الديمقراطية الشعبية من خلال مراكمة المكاسب والتضييق المستمر على أعداء الشعب إلى حد قلب موازين القوى. إن المطروح إذن هو التقدم باتجاه حسم التناقض امبريالية/شعب ولا يمكن حسم هذا التناقض دون طرد الاستعمار الجديد وعزل كل من يتعامل معه لذلك فإن تلقين الشعب دروسا في "الديمقراطية المسؤولة" وتعويده على القبول بسياسة اغتصاب الأرض ودوس الكرامة الوطنية هو في الحقيقة خيانة وطنية تساهم في تأبيد الاستعمار وتزكية السياسات المعادية لمصالح الشعب. حول الوضع الذاتي إن فشل التجربة الاشتراكية وخروج الامبريالية الأمريكية أقوى من ذي قبل وانفرادها بزمام المبادرة طرح العديد من التساؤلات وقوّى تيار "المراجعة" الذي استغل ضعف القوى الثورية ليُشكك في القوانين العامة للاشتراكية من جهة وفي ما حققه عمال العالم وشعوبه من مكاسب على كل المستويات من جهة أخرى، فادعى منظرو البرجوازية أن عهد الصراع الطبقي قد ولّى وحلّ عهد الوفاق والإخاء كما ادعوا أن البروليتاريا لم تعد موجودة بما أن العديد من الصناعات المنجمية قد اضمحلّت واضمحلّت معها التجمعات الكبرى للعمال من جراء تشتيت المصانع وتقسيمها وحلّت محلها تكنولوجيا المعلومات ثم الذكاء الاصطناعي... وراحت الرموز الانتهازية تُنظّر هي الأخرى للوفاق الطبقي وللمصالحة الوطنية مع الطبقات الحاكمة وتزكّي ّسياسة "الديمقراطية الاستعمارية" مقابل تشريع وجودها الشكلي. ودفاعا عن الفكر الشيوعي وجوهر المكاسب التي سجلها الطرح الوطني الديمقراطي ولكشف حقيقة كل من يُحاول السطو على الطرح أو إفراغه من محتواه الوطني الديمقراطي نورد الموضوعات التالية: يقر الخط العام أن الأنظمة في أشباه المستعمرات عموما أنظمة في تناقض تام مع مصالح الشعوب وهي حسب التناقض امبريالية/شعب تجد نفسها في خندق الامبريالية. ويُعتبر هذا التناقض وفق المادية الجدلية تناقضا عدائيا لا يُحسم عن طريق التحول السلمي وصندوق الاقتراع. وقد فند الواقع أكثر من مرة وهم نظرية التحول السلمي والوفاق الطبقي واتضح للجميع أن مصالح الاستعمار ومصالح السماسرة لا يمكن أن تتفق مع مصالح الجماهير، وتطرح هذه الحقيقة أمرا واضحا ألا وهو التوجه تكتيكيا – ومن خلال أبسط التحركات – نحو دعم القطيعة مع الرجعية الحاكمة ورفض لعبة الديمقراطية الاستعمارية وتدريب الجماهير على ممارسة الديمقراطية الشعبية. إن التحليل الملموس لواقع أشباه المستعمرات ولطبيعة الأنظمة يفترض أولا وقبل كل شيء كشف حقيقة الدول المنصبة والمتحكمة في رقاب الشعب وتركيز عملية الدعاية والتحريض والتنظيم حول هذا المحور بالذات أي المحور الأساسي والرئيسي المعبر عن المسألة الوطنية من جهة و الديمقراطية من جهة ثانية ، وبذلك يُصبح المناضل الشيوعي و الوطني الديمقراطي ملزمين بإبراز الطابع الوطني و الديمقراطي في كل تحرك و تعويد الكادحين على التفريق بين الصديق والعدو أي بين من يقف عمليا إلى جانب الشعب ومن يقف عمليا ضد مصالحه أو يناور من أجل تحقيق مصالح ضيقة. لقد بيّنت التجربة أن العديد من الأطراف تطرح برامج قد تبدو ثورية لكن على المحك الأساسي تظل الممارسة العملية والسلوك اليومي الذي يكشف مدى انخراط هذا الطرف أو ذاك في النشاط الثوري هو المحدد لمعرفة حقيقة هذا الطرف، فإن انخرط في سياسة المصالحة الوطنية وبقي في إطار المسموح به رجعيا وزكى نهج الوفاق الطبقي فهو بالتأكيد يغالط الجماهير ولا يسعى في الحقيقة إلى تحريرها وتدريبها على أخذ مصيرها بيدها ، لكن إذا تطابق البرنامج الثوري مع النشاط العملي وحاول دوما تدريب الكادحين على افتكاك حقوقهم وإرساء عقلية الديمقراطية الشعبية فإن ذلك يدفع بالضرورة نحو قيادة الجماهير نحو التحرر. إن وضوح الخط وحده غير كاف إذ لابد أن يقع تطبيقه بصفة خلاّقة في صلب الطبقات الشعبية وخاصة في صفوف العمال والفلاحين، لذلك على القوى الشيوعية أن تدرس حسب الواقع محتوى التوجه للجماهير وأشكال النضال لتحويل الخط إلى سلاح في يد الكادحين. إن أي نشاط مهما كان جزئيا وفي أي مجال كان لابد أن يدعم عملية فرز القوى العمالية القائدة، وعلى القوى الثورية أن تفهم عمليا أن الجماهير هي صانعة التاريخ وأن تُحكم من خلال السلوك اليومي عملية التحالف عمال وفلاحين. إن مثل هذا التوجه يتطلب تركيز كل الأنشطة وكل التحركات أساسا ورئيسيا نحو تحول الخط من مجرد فكر في النوادي أو بعض الأطر الشرعية أو في الحلقات إلى سلاح يقع استعماله على الأرض لمواجهة الاستعمار الجديد وعملائه. إن برنامج الثورة الوطنية الديمقراطية=الديمقراطية الجديدة- مدعو كذلك إلى التقدم في حسم قضية علاقة المدينة بالريف ليس على المستوى النظري فحسب بل خاصة على المستوى العملي أي التطبيق الخلاّق لمقولة محاصرة المدينة بالريف واعتبار الطبقة العاملة قوة قائدة والفلاحين الفقراء قوة رئيسية. إن الريف يظل حاليا تحت سيطرة النظام الحاكم لكنه في الآن نفسه يمثل نقطة ضعف مقارنة بالمدينة حيث تتمركز أهم الأجهزة القمعية، فالريف رغم ما شهده من تحولات يظل منطقة خلفية تسمح للثوريين بالتحرك بكل سهولة خاصة إذا توفّر حد أدنى من التغطيات أو الانصهار النسبي بحيث يمكن الانطلاق من ريف معيّن كنقطة ارتكاز إلى ريف مجاور وحتى إلى المدن المجاورة للقيام بنشاط ثوري حسب ما يُفرزه الواقع من أحداث وحسب ما تُفضي إليه التحقيقات العينية. إن القيام بأعمال ثورية بمناطق شاسعة غير محروسة أسهل بكثير من التحرك أمام أعين البوليس والوُشاة. إن الريف في أشباه المستعمرات يظل محددا في العملية الثورية، وإن تطور عدد الحُضّر وفق الإحصائيات الرسمية التي لها معايير خاصة في تحديد مفهوم البلدية (في تونس كل الأرياف بلديات) وبالتالي عدد الحُضّر مرتفع، لكن الجماهير المرتبطة بالريف سواء عن طريق النشاط أو السكن ...تمثل دوما عددا لا يُستهان به. وقد بيّنت التجارب الحالية في البيرو أو النيبال أو في فلسطين والعراق أن القرى لعبت دورا محددا في تغطية النشاط الثوري وحمايته وتوفير عناصر تواصله رغم عمليات التمشيط والمداهمات. وإلى جانب وجود البرنامج وبلورة الخط العام والتوجه رئيسيا إلى العمال والفلاحين واختيار نهج النضال الوطني والصراع الطبقي ونبذ الاستسلام والبقاء في إطار السياسة الاستعمارية، إلى جانب كل ذلك لابد من الاهتداء في كل مرة إلى أفضل الأشكال التنظيمية التي تدرّب العمال والفلاحين على خوض المعارك ضد مواقع الهيمنة والاضطهاد وضد رموز القمع والاستبداد. وفي خضم هذه المعارك في المدينة والريف يتدرّب العمال والفلاحون على افتكاك السلطة من جهة وإن كان للحظات وعلى إدارتها من جهة أخرى، وهكذا تمارس الجماهير فن المواجهة والصمود وإحباط المناورات وكشف الخونة ...إن الهدف من أيّ تحرك سريا كان أم علنيا هو تدريب الجماهير على ممارسة السلطة وإدارة شؤونها بنفسها وبمساعدة المنظمة الشيوعية المعبرة عن مصالحها الآنية وعن طموحاتها المستقبلية. الشكل الأساسي والرئيسي للتنظّم الحزبي إن الشكل التنظيمي للمنظمة الثورية حسب تحديدات الحركة الشيوعية من جهة، ووفق تجارب الطرح الوطني الديمقراطي وما أفرزه الواقع من استنتاجات من جهة لأخرى يتّبع مبدأ "السمكة في الماء" أي انصهار أفضل العناصر وأقلّها عددا بين الجماهير. وينبع هذا المبدأ من الظروف المادية التي تميّز المجتمع. فالطبقات الحاكمة تخدم أساسا سياسة الاستعمار لأنها مرتبطة به على كل المستويات وهي للحفاظ على السلطة تعتمد أساسا على الجيش والبوليس وعلى كل أنواع الفرق السرية التي تتجسس ليلا نهارا على الجماهير وعلى المناضلين تحديدا، وتجدر الإشارة إلى أن الدول الامبريالية تدعم هذه الأنظمة بالمال والعتاد العسكري الأكثر تطوّرا في بعض الأحيان، وهي لا تسمح بوجود معارضة ترفض استغلال الإنسان للإنسان بل تقنن في غالب الأحيان وحسب الظروف المعارضات الشكلية التي تقبل بالديمقراطية الاستعمارية وبالقوانين الجائرة وبشرعية الأنظمة. ونظرا لهذا الوضع المتّسم بضعف القوى الثورية ووقوع الجماهير تحت السيطرة الرجعية فإن الحفاظ على استمرارية النشاط الثوري يستوجب بالضرورة إخفاء القوى المسؤولة عن المهام الأساسية للمنظمة الثورية عن أعيُن العدو والوُشاة. إن بقاء بعض المهام التنظيمية سرية لبعض العناصر لا يعني البتة إخفاء الموقف السياسي بل على العكس من ذلك فالموقف السياسي يجب أن يكون علنيا وأن يشعّ وينتشر باعتماد كل الوسائل بما في ذلك القانونية لأن تسليح الجماهير بموقف سياسي صلب ومقنع يُعتبر الدرع الوحيد القادر على صيانة المناضل وجعله يتحرك كالسمكة في الماء. وقد بيّن لينين بما فيه الكفاية في "ما العمل" الفرق بين طبيعة المنظمة التآمرية من جهة وعلنية الخط وانتشاره من جهة أخرى، كما أكّدت تجربة الحزب الشيوعي الصيني على الفرق بين طبيعة الحزب الكفاحي وبين الموقف السياسي الذي يجب أن يُجند الجماهير ويجرها للنضال. وقد وقع تطبيق هذا المبدأ بصفة خلاّقة عربيا ومحليا بحيث كان الموقف السياسي الوطني الديمقراطي علنيا بالأساس يستمد شرعيته وحتى قانونيته من عدالة قضيته، لأنه يقف إلى جانب الأغلبية الساحقة للطبقات الشعبية. وقد نجح الشيوعيون في بلورة الطرح في الأوساط الشعبية عملا بالمقولة التالية: "لا حركة ثورية بدون نظرية ثورية"، ومهما اشتدّ القمع وحتى تحت أكثر الأنظمة استبدادا وجد الشيوعيون الأشكال المناسبة لتنظيم المقاومة دون ترقب تأشيرة السلطة أو تزكية بيروقراطية النقابات أو المنظمات الأخرى. لقد تمكنت المجموعات الوطنية الديمقراطية في العديد من المناسبات من نشر الموقف الوطني سواء كان ذلك عبر المناشير والجرائد وبالاعتماد على الذات أو من خلال كل الأطر الشرعية. إن المناضل الشيوعي ليس له أيّ اعتراض على أيّ شكل من أشكال النضال سواء كان ذلك علنيا أو سريا، سلميا أو عنيفا. إن كل الأشكال صالحة طالما تدفع بالنضال الوطني الديمقراطي إلى الأمام وترتقي بتجربة الكادحين في اتجاه استقلالية القرار. إن مسألة القانونية والسرية – وبقية الأشكال التنظيمية – لا يُمكن تناولها في المطلق بل تُحددها طبيعة السلطة الحاكمة وشكلها من جهة ووضع الأحزاب الشيوعية والحركة الشعبية من جهة أخرى، كما أنها تخضع إلى توجه استراتيجي وإلى تجسيد آني لهذا التوجه، لأن الشكل في حد ذاته لا يعني شيئا بل أن محتوى الدعاية وكيفية تنظيم الجماهير هما اللذان يُحدّدان مدى نجاعة هذا الشكل أو ذاك في علاقة مع التقدم في حسم التناقضات لفائدة الشغالين. وفي هذا الإطار فإن الصراع على أشده بين الوطنيين الديمقراطيين وبين الفرق الانتهازية التي أصبحت تلهث وراء القانونية. فالأنظمة الحاكمة ترفع راية "القانون والقانونية" لتوهم البعض بأن من لا يحترم القانون الجائر والمعادي للشعب "إرهابي" أما من يقبل بالتحرك في إطار قانون الاستعمار الجديد فهو "مدني ومتحضّر" يُمكن التعويل عليه والتعامل معه. إن جوهر "القانونية الحزبية" في أشباه المستعمرات ومن بينها الأقطار العربية تعني بالضرورة القبول بالشروط المطروحة حاليا والمساهمة في سياسة الاستسلام والوقوف موضوعيا إلى جانب الديمقراطية الاستعمارية التي تُزيّف الانتخابات وتُبيّض وجه البرلمانات وتحوّلها إلى برلمانات "وطنية وشرعية"... إن مثل هذه القانونية لا تسمح بوجود معارضة فعلية ولا علاقة لها بما يُسمى "دولة القانون" أو "دولة المجتمع المدني" التي رغم الخطب الرسمية تعمل وفق المبدأ التالي: "إذا لم تكن مع الحزب الحاكم أو الائتلاف الحاكم فإنك ضده " ولا يحق لك أن تكون ضد النظام ككل لكن يحق لك أن تظل مجرد ديكور لمعارضة لا تتجاوز إطار السياسة الاستعمارية الجديدة أي أن القبول أولا وقبل كل شيء بشرعية الأنظمة أمر حتمي والالتزام بالتحرك وفق القانون الرجعي أمر ضروري كذلك ... لذلك فإن القانونية بالشروط الموضوعية في العديد من البلدان العربية تخدم كليا مصالح الأنظمة الحاكمة وتُستعمل لتصفية المعارضين أو الزج بهم في معارك خاسرة مسبقا تتحكم الرجعية في إدارة خيوطها. إن مثل هذه القانونية تتعارض كلّيا ومحتوى الدعاية والتنظيم للمنظمة الثورية ولا تسمح لها بالتواجد إلاّ إذا غيّرت أهدافها وأساليبها وأقلمت محتوى دعايتها وفق متطلبات القانون الرجعي والتزمت بتربية الشعب على الذل والخنوع رافعة شعار التسامح والسلم في مواجهة العنف الرجعي وتحوّلت بكل بساطة إلى منظمة لا تختلف عن المعارضات الشكلية المندمجة في "الديكور الديمقراطي". غير أن المنظمة الثورية يمكن لها الحفاظ على استقلاليتها من جهة والاستفادة من مثل هذه القانونية من جهة أخرى باستغلال كل المجالات الممكنة لنشر الفكر الشيوعي وإعادة الاعتبار للمحتوى الوطني والطبقي للطرح الوطني الديمقراطي. إن قبول المنظمة الثورية لشروط القانونية المعمول بها حاليا يُؤدي إلى تحول المنظمة من أداة للصراع الطبقي والنضال الوطني إلى وعاء يُنظر للوفاق الطبقي والمصالحة الوطنية وفق إملاءات العولمة، وعوض تدريب الجماهير على النضال فأنه يقع جرّها نحو طريق مسدود يُحولها إلى مجرد صوت لهذا الائتلاف الطبقي أو ذاك، في حين أن استغلال القانونية على محدوديتها لترويج الخط والطرح وخوض المعارك العلنية لا يُجبر المنظمة الثورية على الالتزام ماديا ومعنويا بالمسموح به إمبرياليا ورجعيا. لكل ذلك فإن القانونية الحزبية حاليا لا تعني التنفيس عن الجماهير أو توسيع هامش الحركة بل بالعكس من ذلك فالقانونية تجر الجماهير إلى قبول الأمر الواقع، ويكفي النظر إلى أبسط الأحداث لندرك أن الجماهير ليس لها حتى حق الاجتماع وفق القانون (منشور 40 مثلا في الحقل النقابي). فهناك من يلتزم بالقانون ويبقى مكتوف الأيدي، بل يعمل على تغييب القواعد رغم ادعائه النضال، وهناك من يُدرب القواعد على افتكاك حقها في الاجتماع وفي نقاش أحوالها وحقها في بلورة تصوّر حول كيفية تحسين ظروفها... وهنا يكمن جوهر القضية، فهناك من يعمل على إيجاد حزب إصلاحي بالمعنى الانتهازي البحت لا يختلف عن جوهر الأحزاب الشكلية أي حزب فوقي يريد نصيبه من الكعكة ويستعمل أصوات الجماهير للوصول إلى أهدافه الضيقة. وهناك من يريد تأسيس حزب ثوري يربي الجماهير في خضمّ المعارك اليومية من أجل أخذ مصيرها بيدها وتصبح صانعة التاريخ والفرق بين الموقفين لا يستحق أيّ تعليق. إن العديد من العناصر الانتهازية تريد بثّ البلبلة حول "القانونية والسرية" فتحاول عبثا إيهام البعض بأن القانونية تساوي بالضرورة الانصهار في الجماهير ونشر الخط، أما السرية فتساوي الانعزال عن الجماهير وانحسار الخط، في حين أن المقصود بالسرية كان دوما يعني سرية المهام الأساسية للمنظمة الثورية لا غير وهي مسألة تقنية محدودة جدا على المستوى العددي تهدف إلى ضمان استمرارية العمل في ظل أنظمة بوليسية عسكرية. وفي المقابل يعتمد الشيوعي كل الأطر الجماهيرية وأماكن العمل والسكن لنشر الفكر وبلورة الطرح بالتعويل على القوى الذاتية وعلى الإبداع الجماهيري في كيفية تطوير أساليب المواجهة والارتقاء بتجربة الكادحين إلى أعلى مستوى من التنظيم لأن الهدف من كل نشاط دعائي هو تدريب الكادحين على التنظّم وعلى تنظيم تحركاتهم في مواجهة النظام الرجعي. إن التيار الإصلاحي الذي لعب دورا محددا في تحويل الأحزاب الشيوعية إلى نقيضها مازال يزايد بالديمقراطية ويتظاهر بالدفاع عن الشعب ، غير أن ممارسته للديمقراطية تتناقض كليا مع ما أتت به التجارب الاشتراكية من دروس في هذا المجال ، فهو يرى الديمقراطية بدون مسألة وطنية بما أنه يُقر "باستقلال البلاد أو الشعب التونسي" كما ورد ذلك في وثائق "المبادرة الديمقراطية" بمختلف مكوناتها وهو يختزل المسألة الديمقراطية في مجرد بعض الحريات السياسية التي قد تسمح له بالتواجد في مؤسسات الدولة التي يعتبرها زيفا وطنية ومستقلة ، كما أنه يستبعد الجماهير ولا يمارس تجاهها أبسط مبادئ الديمقراطية بل يُغيّبها في أخذ القرار وفي نقاش أحوالها ولا يرجع لها إلاّ لابتزازها والحصول على أصواتها تحديدا. وقد بيّنت الممارسة العملية في الحقل الجمعياتي إن العناصر الانتهازية لا تتردد في استعمال أقذر الوسائل من أجل عزل العناصر الشيوعية والوطنية الديمقراطية، وكل ما يهمها هو الحفاظ على الموقع ومواصلة التمعّش منه. وبالرغم من محاولات خلط الأوراق من قبل الإصلاحية والانتهازية فيما يخص قضية القانونية والسرية، وبالرغم من اتهام الشيوعيين والوطنيين الديمقراطيين بالانعزالية والدغمائية فإن تاريخ الحركة الشيوعية واضح في هذه المسألة رغم التأويل الانتهازي كما أن تجربة الطرح واضحة رغم محاولات السطو عليها والتنكّر لجوهر المكاسب، هذا فضلا عن أن طبيعة السلطة وأن شكلها يتجه إلى المزيد من العسكرة و"البولسة" رغم التباهي بالديمقراطية وفق الوصفة الأمريكية. إن قضية العلنية والسرية إلى جانب الحجج المذكورة آنفا تظل نسبية تخضع لموازين قوى محددة. فتارة تتقدم العلنية على السرية وطورا نشهد عكس ذلك وفق مدّ الحركة الشعبية أو جزرها، وفي كل الحالات فإن العناصر الشيوعية وإن تحوّلت إلى عناصر جماهيرية لفترة معيّنة فهي تواصل تطبيق مبدأ "السمكة في الماء" حتى لا يقع اصطيادها بسهولة وحتى تضمن تواصل النشاط في صلب الجماهير ولا تتركها ضحية المناورات الرجعية أو الصفقات الإصلاحية الانتهازية التي تتمّ في الكواليس وعلى حساب مصالح الكادحين وتظل قضية القانونية والعلنية مسألة متحركة بحيث يتسع الهامش القانوني أو العلني باتساع رقعة النشاط الثوري واتخاذه طابعا جماهيريا يفرض نفسه على القانون الرجعي ويجعل الأنظمة الحاكمة تقبل بالأمر الواقع. أما إذا انحسر النشاط الثوري فإن الشيوعي يعتمد أولا على النفس ويستغل كل الهوامش مها كان حجمها ليتحرك كالسمكة في الماء. إن جوهر الصراع ضد الإصلاحية الانتهازية ليس بصراع شكلي ينحصر في مجرد خلاف حول أشكال التنظيم أو حول القانونية والسرية بل إنه صراع سياسي بين خط ثوري وطني ديمقراطي وخط انتهازي يُنظر للوفاق الطبقي، وقد بيّنت الأحداث أن دعاة القانونية في إطار "المبادرة الديمقراطية" قد التحقوا بمن كانوا يعتبرونهم سابقا عملاء موسكو. إن جوهر الصراع يتلخص فيما يلي: هل يقع تنظيم الجماهير من أجل افتكاك السلطة أم يقع استغلال أصواتها من أجل المساهمة في إدارة أزمة النظام العالمي الجديد؟ مدلول الطرح الوطني الديمقراطي إن الطرح الوطني الديمقراطي يظل صامدا رغم محاولات إفراغه من محتواه النضالي والطبقي فهو وحدة متكاملة رغم ثنائية التناقض، فالجانب الوطني يحمل في طيّاته البعد الديمقراطي كما أن النضال الديمقراطي له بعد وطني ويُستغل لدعم المسألة الوطنية إذ يهدف النضال الديمقراطي أولا إلى كشف لا وطنية الأنظمة التي لا علاقة لها بالديمقراطية وتبيان أن الديمقراطية التي يتحدث عنها البعض هي ديمقراطية الاستعمار الجديد. كما أن النضال الديمقراطي لا يقتصر على استجداء الحريات بل يشمل أيضا وأساسا قضية الأرض والفلاحين ويشمل كذلك النضال ضد النظرة الدونية للمرأة والنضال اليومي من أجل الحرية للشعب من خلال التصدي لواقع العسكرة. إن النضال الديمقراطي لا يقتصر على البقاء أساسا تحت رحمة ما يجود به الاستعمار من فُتات أو هامش قانوني بل يعني بالأساس تدريب الكادحين على ممارسة حقوقهم في الدعاية والتحريض والتنظيم رغم القوانين الجائرة وتحويل أبسط الأحداث التي تبدو معزولة إلى مطالب عامة تتعلق بحرية التعبير والتنظيم مثلا وبضرورة التصدي إلى الأجهزة القمعية وفضح المحاكمات الصورية أو بالدفاع عن الأرض وعن الكرامة الوطنية ... إن النضال الديمقراطي يظل حبرا على ورق إن لم تدخل الجماهير باعتبارها صانعة التاريخ حلبة الصراع. فلا يمكن للنضال الديمقراطي أن يبقى فوقيا يقتصر فقط على بعض "النخب" في النوادي والجمعيات بل عليه أن يتحول إلى واقع يُمارس في المدينة والريف ويُساهم في الارتقاء بوعي الكادحين وبتجربتهم من خلال المواجهات اليومية ضد كل أنواع الهيمنة والاضطهاد. إن الوقوف موقف اللاّمبالاة أو الاستقالة إزاء النضال الديمقراطي والاكتفاء بالهامش القانوني بتعلّة اختلال موازين القوى أو واقع العسكرة، إن مثل هذا السلوك يصبّ مباشرة في تزكية السياسة اللاّوطنية ولا يُنير سبيل الشغّالين. غير أن السير ضد التيار ورفض الانحناء إلى العاصفة والانطلاق من النضالات الجماهيرية بهدف تنظيمها وتوجيهها وجهة تقرير المصير بدون وصاية الرجعية أو الأطر البيروقراطية ، إن هذا التوجه يُساعد الطبقات الشعبية على تجاوز واقع الخوف والتردد ويدفع بها نحو التدرّب على المواجهة دون مركّبات ويُعلّمها العمل المشترك وأهمية الوحدة في خضمّ النضال. ويُفيد واقع الجماهير من جهة وآفاق النضال من جهة أخرى أن الاتجاه العام يسير نحو القطع مع الأنظمة الحاكمة ونبذ سياسة المساومة التي تخدم تكتيكات الاستعمار الجديد وتُضعف الحركة الثورية. إن الجماهير تريد ممارسة السلطة ولو لفترة قصيرة للغاية وترسم توجّه النضال الوطني. غير أن الرجعية تُريد إبعادها وتطبيق سياسات الاستعمار المعادية لمصالح الشعب، كما أن الانتهازية تريد اغتصاب كلمة الكادحين والادعاء بتمثيلها لدى السّلط. ذلك هو جوهر الصراع الذي لن يقع التقدم في حلّه طالما لم تتحول العناصر الثورية إلى كيان حزبي منصهر يقود نضالات الجماهير. لذلك "لابد من وجود حزب ثوري مبني على أساس النظرية الثورية والأسلوب الثوري للماركسية اللينينية. لابد من وجود حزب ثوري يعرف كيف يمزج بين حقيقة الماركسية اللينينية العامة وبين الأعمال المحددة للثورة في بلاده. لابد من وجود حزب ثوري يعرف كيف يربط القيادة ربطا وثيقا بالجماهير الواسعة من الشعب. لابد من وجود حزب ثوري يثابر على الحقيقة ويُصلح الأخطاء ويعرف كيف يمارس النقد والنقد الذاتي، مثل هذا الحزب الثوري فقط بوسعه أن يقود البروليتاريا والجماهير الواسعة من الشعب لهزيمة الاستعمار وعملائه ويكسب النصر في الثورة الوطنية الديمقراطية ويكسب الثورة الاشتراكية. وإذا لم يكن الحزب حزبا بروليتاريا بل حزبا برجوازيا إصلاحيا وإذا لم يكن حزبا ماركسيا لينينيا بل حزبا تحريفيا وإذا لم يكن حزبا طليعيا للبروليتاريا بل حزبا يسير خلف البرجوازية وإذا لم يكن حزبا يمثل مصالح البروليتاريا وجميع جماهير الشغيلة بل حزبا يمثل مصالح الأرستقراطية العمالية وإذا لم يكن حزبا أمميا بل حزبا قوميا وإذا لم يكن حزبا بوسعه أن يستخدم عقله ويُفكر لنفسه بنفسه ويُحرر معرفة صحيحة لاتجاهات الطبقات المختلفة في بلاده عن طريق البحث الجاد والدراسة ويعرف كيف يُطبق حقيقة الماركسية اللينينية العامة ويمزجها بالأعمال المحددة لبلاده إذا لم يكن هكذا بل حزبا يردد كالببّغاء كلمات الآخرين وينقل الخبرة الأجنبية دون تحليل فإن حزبا كهذا يُصبح خليطا من التحريفية والجمود العقائدي ومن المستحيل على حزب كهذا أن يقود البروليتاريا والجماهير الشعبية إلى شنّ نضال ثوري وأن يكسب الثورة وأن يُؤدي الرسالة التاريخية العظيمة للبروليتاريا ...لكل ذلك لابد من النضال الحازم ضد كل الجماعات الانتهازية الساعية بمختلف الطرق إلى ترك البروليتاريا دون هذا الحزب الثوري السلاح الرئيسي في النضال ضد الامبريالية.("اقتراح حول الخط العام للشيوعية العالمية" 1963). حول تأسيس حزب الطبقة العاملة لقد وضعت المجموعات المركسية اللينينية منذ بداية السبعينات من القرن الماضي مهمة تأسيس حزب الطبقة العاملة في صدارة جدول أعمالها واعتبرتها مهمة مركزية لا يُمكن التقدم في أيّ عمل ثوري دون إنجازها، وظلت القوى الشيوعية ترسم البرامج والخطط لأحزاب ماركسية لينينية منشودة لم تر النور مع الأسف. فلماذا ظلت هذه المهمة المركزية دوما مؤجلة ومحل صراع دائم في كل مرة تُطرح عمليا للإنجاز؟ إن العائق الأساسي والرئيسي الذي حال دون إنجاز هذه المهمة المركزية هو أولا جوهر الخط العام الذي اتبعته مختلف المجموعات الثورية. وبدون الخوض في التفاصيل يمكن القول أن الطرح الوطني الديمقراطي ناضل ضد الانعزالية خاصة في بداية السبعينات من القرن الماضي وضد التوجهات القومجية في الثمانينات ثم ضد الشرعوية والقانونية في التسعينات وتخلل هذا النضال صراع دائم ضد كل أنواع الحياد والتوجهات الاقتصادوية مثل النقابوية والعمل الحلقي. لقد عرقلت هذه الانحرافات وغيرها تقدم الشيوعيين نحو تأسيس حزب الشغّالين ونجحت العناصر الانتهازية أكثر من مرة في تخريب النشاط من الداخل فادعت تبني النظرية والطرح لكنها بقيت عمليا في إطار المسموح به رجعيا مثل الأطر النقابية والثقافية والجمعياتية عموما، وجسّدت القطيعة بين المقول والممارس وتصدت لعملية تنظيم النشاط وبرمجته فشجعت الارتجالية والعفوية للتخلص عمليا من الخط العام ومن البوصلة الشيوعية والوطنية الديمقراطية. فظل الخط في واد والممارسة العملية في واد آخر فاقتصرت الممارسة على الأطر القانونية مما أدّى عمليا إلى تفسّخ المناضلين وتحوّلهم إلى عناصر إصلاحية وانتهازية تلهث وراء المواقع والامتيازات وفي تناقض تام مع أبجديات الخط والطرح وفي قطيعة تامة مع المكاسب التي حققها الخط على المستوى النظري (الدراسات والتحقيقات والمواقف السياسية من أهم القضايا) وعلى المستوى العملي كذلك. وإذا كانت قضية تقييم التجربة الشيوعية تتطلب الرجوع إلى الوثائق المرجعية فإن الدرس الذي يمكن استخلاصه هو أن النضال ضد النظام الاستعماري الجديد لا يمكن أن يتمّ بمعزل عن النضال ضد الإصلاحية والانتهازية التي نخرت الحركة الشيوعية من الداخل (من كاوتسكي إلى تينغ سياوبينغ مرورا بخروتشوف) وهي لا زالت تمثل خطرا يهدد المجموعات الوطنية الديمقراطية من الداخل. إن تأسيس حزب الطبقة العاملة لا يمكن له أن يرى النور إلاّ في قطيعة مع سلبيات الماضي وتحديدا الانحرافات التي وقع ذكر البعض منها. إن القطيعة ضرورية مع الخط الذي أدى إلى تفسخ المناضلين وإحباط البعض الآخر. إن جوهر هذا الخط كان مبنيا على مهام منشودة وبرامج منشودة لم يقع تطبيقها على الأرض بينما كانت الممارسة العملية وكأنها في بلد رأسمالي وهو ما يتناقض مع الاستنتاجات العملية والنظرية لواقع المجتمع. وهكذا يبقى جل المناضلين في الأطر القانونية ولا يمكن لهذا التكوين أن يؤدي إلاّ إلى تكوين "مناضل إصلاحي" في أحسن الأحوال وإلى تأسيس حزب إصلاحي لا يخرج عن توجه الدمى المتحركة التي يُدير خيوطها النظام الحاكم عندما يتعلق الأمر بجوهر السياسة اللاّ شعبية وهو ما حصل فعلا بعد انتفاضة 17 ديسمبر 2010 إذ فتحت جل المجموعات الوطنية الديمقراطية دكاكينها للمتاجرة بالطرح بعد إفراغه من محتواه الطبقي والوطني. إن المطروح هو إعادة الاعتبار لجوهر المكاسب الوطنية الديمقراطية المذكورة أسفله: * طبيعة المجتمع كبلد زراعي متخلف وأخذ ذلك بعين الاعتبار في الممارسة العملية وعند ضبط محتوى الدعاية والتنظيم. * المسألة الوطنية ومفهوم مقولة الشعوب والأمم المضطهدة واعتبار القطر جزءا لا يتجزأ من الوطن العربي (التاريخ المشترك واللغة المشتركة والثقافة المشتركة وانعدام السوق المشتركة بفعل التدخل الامبريالي والتجزئة الاستعمارية). * المسألة الوطنية والنضال ضد الاستعمار والاستعمار الجديد وضد كل الإجراءات السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية التي تُكرّس الهيمنة والتخلف، واعتبار الأنظمة جزءا لا يتجزأ من النظام الاستعماري الجديد وكل مؤسساتها منصّبة لا تُمثل الشعب ولا يحق لها أن تتكلم باسمه في الظروف الحالية وهو واقع يطرح مهام في تعارض تام وسياسة الوفاق الطبقي التي تنتهجها الفرق الانتهازية. وتطرح هذه القضية تدريب الطبقات الشعبية على افتكاك حقها في استرجاع الأرض وفي ممارسة كل الحريات السياسية دون اعتبار القوانين الجائرة. * دعم النضال الوطني ونبذ سياسة الوفاق الطبقي التي تتم دوما على حساب الشغّالين والإقرار بأن العنف الرجعي الذي يواجهه الشعب يوميا سيقابله العنف الثوري طال الزمان أو قصر. * الإقرار بأن العمال قوة قائدة وأن الفلاّحين قوة رئيسية والتصرف عمليا وفق هذه التوجهات أي إخضاع محتوى الدعاية وكل أشكال النضال والتنظيم لهدف التقدم في تحقيق هذا المبدأ وبذلك تساهم كل الأنشطة سريّة كانت أم قانونية في دعم هذا المسار. * فهم أن الظروف الحالية لأشباه المستعمرات تُحتّم على المنظمة الثورية إبقاء المهام الأساسية سرية ولا يتناقض هذا الواقع مع ضرورة الاستفادة من كل الأنشطة العلنية ومن الهوامش التي يسمح بها القانون الرجعي. * المسألة الديمقراطية وأساسا مسألة الأرض والمرأة والحريات للشعب دون السقوط في تربية أبناء الشعب تربية تقبل فقط بالأمر الواقع ... * وإلى جانب هذه الدروس النظرية وما أفرزته من ممارسة عملية تُكرّس القطيعة السياسية والتنظيمية مع الأنظمة الرجعية فإنه من الضروري تحويل هذه الأفكار إلى هيبة المؤسسات الحزبية والقطع جذريا مع العمل الحرفي أي عمل الهواة الحلقي والموسمي الذي يضرب المكاسب في الصميم ويُفقدها إمكانية التجسيد. إن تحوّل العناصر الشيوعية أو الحلقات الشيوعية إلى منظمة ثورية هي الخطوة الأولى باتجاه تكريس الاستقلالية السياسية والتنظيمية للطبقة العاملة ولجماهير الشعب. ولا يُعتبر هذا التحول أمرا مستعصيا بما أن الأرضية النظرية موجودة وجوهر الخط السياسي واضح لدى أفضل العناصر كما أن التجربة العملية متوفرة رغم تفاوتها من عنصر إلى آخر هذا فضلا عن أن الظرف الموضوعي وتحديدا استكلاب العولمة من جهة واستياء الشعوب من جهة أخرى يُساعد على إيجاد حزب الطبقة العاملة. لذلك تظل الإرادة السياسية من جهة واستعدادات العناصر من جهة أخرى هما المحددان لعملية التحول. (1) *"من الديكتاتورية إلى الديمقراطية: إطار مفاهيمي للتحرر تاليف: الفيلسوف الامريكي جين شارب ترجمة: خالد دار عمر الناشر: مؤسسة البرت انشتاين تاريخ النشر 2002 تاريخ الإصدار للكتاب الأصلي: 1993 From Dictatorship to Democracy Paperback – by Gene Sharp (Author) ✨ الفكرة الأساسية "الكتاب هو دليل عملي واستراتيجي لحركات التغيير السلمي، يشرح بالتفصيل: ✅ كيف يمكن للشعوب إسقاط الأنظمة الديكتاتورية بوسائل لاعنفية. ✅ كيف تُنظّم المقاومة وتبني قوة اجتماعية تؤدي إلى الانتقال الديمقراطي" جين شارب - فيلسوف سياسي أمريكي 1928–2018 مؤسس “مؤسسة ألبرت أينشتاين” لترويج استراتيجيات اللاعنف من أشهر كتبه: The Politics of Nonviolent Action There Are Realistic Alternatives "من الديكتاتورية إلى الديمقراطية كتاب عملي بامتياز، يقدّم وصفة واضحة ومفصلة لبناء حركات لاعنفية منظمة قادرة على تقويض الديكتاتورية وإنشاء ديمقراطية حقيقية". (2) "قبل عام 2022، احتلت روسيا 42 ألفكم مربع (16 ألف ميل مربع) من أراضي أوكرانيا (القرم وأجزاء من دونيتسك ولوهانسك)، واحتلت 119 ألف كم مربع أخرى (46 ألف ميل مربع) بعد الغزو الشامل الذي شنته بحلول شهر مارس من عام 2022، وهو ما بلغ إجماله 161 ألفكم مربع (62 ألف ميل مربع)،أو نحو 27٪ من أراضي أوكرانيا."
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تيار هابط شديد يضرب منطقة أمريكية.. ما هي هذه الظاهرة؟
-
بعد فيضانات مدمرة.. انهيارات أرضية تهدد حياة السكان في المكس
...
-
السعودية.. فيديو لسيدتين ترتديان -جرابين لحمل الأسلحة- والأم
...
-
الشرع يلتقي بوتين في موسكو: نحاول أن نعرف بسوريا الجديدة في
...
-
المحاكمات عن بعد في أنظمة العدالة
-
المحاكمات عن بُعد: قلب العلاقة بين القاعدة والاستثناء
-
حماس تنفذ إعدامات علنية في غزة والسلطة الفلسطينية تصفها بـ-ا
...
-
الأمطار الغزيرة تدمر المكسيك: 64 قتيلاً وعشرات المفقودين
-
إسرائيل تفتح معبر رفح للسماح بدخول شاحنات المساعدات إلى غزة
...
-
الشرع يلتقي بوتين في أول زيارة له إلى موسكو وتسليم الأسد يتص
...
المزيد.....
-
اليسار بين التراجع والصعود.. الأسباب والتحديات
/ رشيد غويلب
-
قراءة ماركس لنمط الإنتاج الآسيوي وأشكال الملكية في الهند
/ زهير الخويلدي
-
مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م
...
/ دلير زنكنة
-
عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب
...
/ اسحق قومي
-
الديمقراطية الغربية من الداخل
/ دلير زنكنة
-
يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال
...
/ رشيد غويلب
-
من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها
...
/ الحزب الشيوعي اليوناني
المزيد.....
|