أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ألكسندر أوريفان - محاكمة العقل في زمن اللامعرفة














المزيد.....

محاكمة العقل في زمن اللامعرفة


ألكسندر أوريفان

الحوار المتمدن-العدد: 8494 - 2025 / 10 / 13 - 15:08
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ـ بقلم الكسندر أوريفان كلام في المعرفة
ما هو الجهل؟

ألا نتفق أن الجهل ليس مجرد عدم امتلاك المعرفة؟ أليس الجهل الحقيقي، الأكثر فتكاً، هو ذلك الذي يجهل صاحبه أنه جاهل؟ أليس هذا هو المستنقع الذي تغرق فيه العقول، وتتحول فيه الأخطاء إلى يقين، والخراب إلى سياسة؟

إذا كان الجاهل يعرف أنه جاهل، فربما يتردد، أو يطلب العون، أو على الأقل، لا يقدم على هدم ما يجهل قوانين بنائه. لكن ماذا عن ذلك الذي جلس على كرسي الحكم، وأحاط نفسه بجوقة من المصفقين، وأصبحت كلمته "علماً" يجب أن يُتبع، وهو في الحقيقة لا يمتلك إلا بضعة شعارات بالية ووعوداً كاذبة؟

أليس هذا النوع من الجهل هو الوباء الذي لا دواء له، لأنه لا يعترف بمرضه؟

كيف يصل الجاهل إلى مقعد القيادة؟

لنسأل أنفسنا بأي حق يُسلَّم مقود الوطن لشخص لم نتحقق من "رخصته" في الفكر، والسياسة، والاقتصاد، والإدارة؟ ألسنا نفحص تاريخ سائقنا، ومؤهلات طبيبنا، وخبرة مهندسنا؟ فكيف نغض الطرف عن تاريخ سياسيينا، وعن فقر مؤهلاتهم، وعن تخبط خبراتهم؟

أليست الآلة التي تصل بهم إلى السلطة – سواء كانت صناديق اقتراع مغلولة، أو وراثة، أو محسوبية – هي نفسها مصممة لتجنب هذا الفحص الدقيق؟ أليست مصممة لترفع الشكل على المضمون، والكلام على الفعل، والولاء على الكفاءة؟

من هو المسؤول الحقيقي؟ أهو الجاهل نفسه، أم النظام الذي ينتجه، ويغذيه، ويحميه من أي محاسبة؟ أليس النظام الفاسد هو الذي يحوّل الجهلاء إلى أبطال، والفساد الصغير إلى استثمار كبير؟

ما هي ملامح حكم الجاهل؟

لا يعلن الجاهل عن جهله بالصياح، بل بالتنكر بلباس العالم. فتسمعه يردد مصطلحات لم يفهمها، ويطلق مشاريع لم يدرسها، ويتخذ قرارات لم يمحص عواقبها.

علامة حكمه الأولى: الفشل المتكرر. لكنه لا يرى الفشل، بل يرى "مؤامرة". كل خطأ يقوده إليه جهله يتحول في خطابه إلى طعنة من خصومه، أو أزمة عالمية، أو تركة ثقيلة من الماضي. هو لا يخطئ أبداً. الجهلة لا يخطئون؛ العالم كله هو المخطئ.

علامة ثانية: الاستبداد بالرأي. لماذا؟ لأن من لا يملك حجة المنطق، يملك سلطة القرار المطلق. من لا يستطيع أن يقنعك، يستطيع أن يجبرك. الجهل خائف، والخائف يستبد.

علامة ثالثة: محاربة العقلاء. سيقوم الجاهل – ونظامه – بمحاصرة كل صوت عاقل، كل ناقد مبصر، لأنه يشكل مرآة تكشف قبح جهله. سيتهمهم بالتآمر، أو بعدم الواقعية، أو بتمييع "الثوابت" التي هي في حقيقتها أوهامه الشخصية.

أليس في هذا هروب من الحوار؟ أليس اعترافاً ضمنياً بالعجز عن مجاراة الفكر؟

ما هو الثمن؟

ثمن حكم الجاهل ليس أرقاماً في ميزانية. ثمنه أرواح. ثمنه مستقبل أجيال. ثمنه تشريد العقول، وتهجير الكفاءات، وتحطيم كرامة الإنسان.

عندما يحكم الطبيب الجاهل، تموت الأجساد. وعندما يحكم السياسي الجاهل، تموت الأمم. تموت ببطء، عبر تآكل التعليم، وانهيار الصحة، وفساد القضاء، وتمزق النسيج الاجتماعي.

من يدفع الثمن؟ أنت. أنا. أبناؤنا. بينما الجاهل ونظامه محصنان في برجهما العاجي، محاطان بثروات سلبوها من عرق الشعب.

أليست هذه الصفقة الأكثر غباءً في التاريخ؟ أن ندفع نحن ثمن جهل من يحكمنا؟

كيف نكون الشركاء في الجريمة؟

قد تقول: أنا لا أريد ذلك. ولكن، أليس صمتنا على جهله مشاركة؟ أليس تبريرنا لأخطائه تواطؤاً؟ أليس اختيارنا له – إذا أتيحت لنا خيارات حقيقية – بناء على عواطف طائفية أو قبلية أو على وعود كاذبة، هو من يصنع تمرده على المعرفة؟

الجهل يزدهر في تربة الخوف، والجهل، واليأس. عندما نترك أنفسنا للتيار، عندما نتخلى عن حقنا في السؤال، عندما نستسلم لقول "كلهم سواء"، فإننا نروي هذه التربة بأنفسنا.

ألسنا، بهذا، نكون مثل من يسلم مقود سيارته – ومعه حياة أسرته – لسائق لمجرد أنه من قريته، أو لأنه وعده برحلة سريعة، دون أن يسأل: هل تعرف قواعد القيادة؟ هل تملك رخصة؟ هل تصلح السياق أصلاً للسفر؟

المعرفة سلاح. والسؤال هو الطلقات الأولى في معركة استعادة الوطن من براثن الجهل. علينا أن نخلق ثقافةً لا تطلب "البطل المنقذ" الجاهز، بل تطلب "الحاكم الكفؤ" الخاضع للمساءلة.

علينا أن نبني نظاماً لا يصل فيه إلى القمة إلا من أثبت – لا بالكلام، بل بالأفعال والنتائج – أنه أهلٌ لثقة الأمة، وأهلٌ لتحمل أمانة الحكم.

جهل حكم، هو حكم بالإعدام على مستقبل وطن. والسؤال الآن: هل سنكون نحن الجلاد، أم سنكون المنقذ؟






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نظرية الثنائية الجوهر و الماهية (الكسندر أوريفان)


المزيد.....




- ترامب يطالب رئيس إسرائيل بمنح نتنياهو العفو خلال خطابة في ال ...
- ترامب أمام الكنيست: هذه ليست مجرد نهاية حرب بل نهاية عصر الر ...
- ترامب عن أمله بالسلام في المنطقة: سيكون عصرًا ذهبيًا لإسرائي ...
- -من يهتم؟-.. ترامب داعيًا الرئيس الإسرائيلي للعفو عن نتنياهو ...
- العاصفة أليس تضرب شرق إسبانيا وجزر البليار بالفيضانات والفوض ...
- وقف إطلاق النار في غزة.. لماذا جاء الاتفاق متأخرًا؟
- بعد إفراج النيابة عن عدد من متهميها .. المبادرة المصرية تطال ...
- تزامنا مع إطلاق سراح الرهائن.. حماس تستعرض قوتها في غزة
- ماكرون يعلن عن دور فرنسي خاص في إدارة غزة
- -خسروها-.. إجابة الشرع للإعلامية مارغريت عن تصنيفه إرهابيا ت ...


المزيد.....

- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ألكسندر أوريفان - محاكمة العقل في زمن اللامعرفة