فهمي الكتوت
الحوار المتمدن-العدد: 8490 - 2025 / 10 / 9 - 02:56
المحور:
القضية الفلسطينية
يتعرض الشعب الفلسطيني في قطاع غزة لحرب إبادة منهجية تتجاوز قواعد الصراع المسلح وتندرج ضمن مشروع استعماري استيطاني يهدف إلى اقتلاع السكان وكسر إرادتهم الوطنية. القصف الواسع النطاق للأحياء السكنية، وتدمير المستشفيات والمدارس وشبكات المياه والكهرباء، والحصار والتجويع ومنع المساعدات جميعها تشكل عقابا جماعيا وجرائم حرب ضد الإنسانية
لقد تحول الكيان الصهيوني من مجرد أداة استعمارية إلى دولة تحمل صفات الإمبريالية والفاشية في آن واحد، فهو يمارس دورا توسعيا للسيطرة على الموارد والأسواق، ويشكل قاعدة أمامية للإمبريالية في المنطقة، وفي الوقت نفسه يكرس عبر أيديولوجيته العنصرية وقوانينه الإقصائية مشروعا فاشيا قائما على التطهير العرقي والإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني. وبهذا يغدو هذا الكيان خطرا مزدوجا على شعوب المنطقة كونه أداة إمبريالية من جهة ومشروعا فاشيا استيطانيا توسعيا من جهة أخرى. وانطلاقا من هذه الرؤية يمكن تفسير ما يقترفه الفاشيون الجدد في فلسطين
ومن هنا لا يمكن قراءة المشهد السياسي في الإقليم بمعزل عن السياسات الدولية المرتبطة بمصالح الإمبريالية الأمريكية. فقد أكدت التطورات السياسية أن الصراع في المنطقة ليس جغرافيا فحسب، بل هو صراع وجودي بين مشروعين: مشروع الهيمنة الإمبريالية الصهيونية، ومشروع التحرر الوطني والاجتماعي. وهذا الصراع لا يقتصر على الشعوب العربية وحدها، بل يشمل أيضا الدول التي سعت للتحرر من التبعية وتواجه استهدافا مستمرا من قبل التحالف الإمبريالي الصهيوني بسبب دعمها حركات المقاومة ومحاولتها بناء اقتصاد مستقل. فالولايات المتحدة تسعى إلى تعطيل ولادة نظام عالمي متعدد الأقطاب والدفاع عن مكانة الدولار كعملة احتياطية عالمية بما يعد من أهم عناصر قوتها. في ضوء ذلك نستطيع تفسير الدعم اللامحدود الذي تقدمه الولايات المتحدة في حرب الإبادة والتطهير العرقي ضد الشعب الفلسطيني والتدمير الممنهج لتسجيل مكاسب جديدة في الشرق الأوسط في مواجهة الصراع الدولي
أولا: الخسائر البشرية
بلغ عدد الشهداء في قطاع غزة وفق آخر المعلومات المعلنة أكثر من 64 ألف شهيد، أغلبهم من الأطفال والنساء، وسبعة آلاف مفقود، وعدد الجرحى نحو 160 ألف شخص، كثير منهم بإعاقات دائمة وسط انهيار شامل للخدمات الصحية. ووفق منظمة الصحة العالمية لم يتلق عدد كبير من الجرحى العلاج اللازم بسبب استهداف المستشفيات ونقص الأدوية. كما سُجلت وفيات بين الأطفال جراء سوء التغذية الحاد وانعدام الرعاية الطبية
ثانيا: التدمير المنهجي للبنية التحتية
تعرض قطاع غزة لحصار خانق منذ عام 2007 شمل إغلاق المعابر البحرية والجوية والبرية شبه الكامل، مما أدى إلى شل حركة التجارة والاستثمار. ترافق هذا الحصار مع قيود صارمة على الضفة الغربية بما يحول دون تشكل سوق وطني موحد. وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن ما لا يقل عن 70% من البنية التحتية في غزة قد تم تدميرها
ومن أبرز الخسائر:
• أكثر من 360 ألف منزل دُمر أو تضرر جزئيا
• فقد القطاع الصحي قدرته على تقديم الخدمات الطبية المنقذة للحياة
• أعلنت الأمم المتحدة ووزارة التربية والتعليم أن جميع الجامعات تعرضت لأضرار بالغة، كما تم تدمير أكثر من 80% من المدارس كليا أو جزئيا، مما حرم مئات الآلاف من الطلبة من حقهم في التعليم خلال السنتين الماضيتين، وحرمان جيل كامل من التعليم الأساسي
• تدمير شبكات الطرق وانهيار شبكات المياه والكهرباء بنسبة تتجاوز 90%
ثالثا: تدمير البنية التحتية الإنتاجية
خلال الاعتداءات المتكررة على غزة استُهدفت المصانع والورش والمزارع والمرافق الخدمية الحيوية مثل الكهرباء والمياه. وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن الناتج المحلي في غزة انكمش بنسبة تقارب 83% عام 2024 مقارنة بالعام السابق، وهذا التراجع الكارثي يعكس حجم التدمير المنهجي للإنتاج
• السيطرة على الموارد: يحتكر الاحتلال الموارد الطبيعية الأساسية بما في ذلك الأراضي الزراعية الخصبة والمياه الجوفية والسطحية إضافة إلى المعابر والموانئ، مما يحرم الفلسطينيين من أي إمكانية للاستقلال الاقتصادي
• منع الاستثمار والتنمية: يخضع الاحتلال المشاريع الاقتصادية لنظام تصاريح معقد، كما يستهدفها بالقصف عند إنشائها، مما يؤدي إلى عزوف المستثمرين عن المخاطرة. ويشير تقرير البنك الدولي الصادر عام 2024 إلى أن القيود المفروضة تسبب فقدان عشرات الآلاف من الوظائف وفرص النمو
• التبعية الاقتصادية: فرض بروتوكول باريس الاقتصادي لعام 1994 إطارا تبعيا جعل الاقتصاد الفلسطيني سوقا للمنتجات الإسرائيلية ومصدرا للعمالة الرخيصة، مع تحكم الاحتلال بعائدات الضرائب والجمارك، ما يضع السلطة الفلسطينية تحت ابتزاز مالي دائم
يعد التدمير الاقتصادي أحد أعمدة المشروع الاستعماري الاستيطاني، إذ يستهدف الاحتلال الفلسطينيين ليس فقط في حياتهم اليومية وأمنهم الجسدي، بل أيضا في قدرتهم على إنتاج الثروة وصياغة اقتصاد وطني مستقل
رابعا: الوضع الإنساني والمعيشي
أدى العدوان إلى تهجير داخلي لأكثر من مليون وتسعمائة ألف فلسطيني يعيش معظمهم في ظروف قاسية داخل مخيمات مكتظة تفتقر للخدمات الأساسية. فقد أعلنت منظمة الأغذية العالمية حدوث مجاعة فعلية في شمال القطاع خصوصا بين الأطفال
• الحروب الدورية: تتكرر جولات العدوان التي تدمر البنية التحتية وتعيد الاقتصاد الفلسطيني إلى نقطة الصفر لتبقى غزة في حالة إعادة إنشاء دائمة بدلا من تحقيق تراكم تنموي طبيعي. وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن كلفة إعادة الإعمار والتعافي خلال العقد القادم مرتفعة جدا وتقدر بأكثر من 53 مليار دولار
خامسا: النتائج الاجتماعية الاقتصادية:
تراجع الناتج المحلي الإجمالي من 3.6 مليار دولار عام 2022 إلى 600 مليون دولار عام 2024، كما ارتفعت معدلات البطالة إلى 85% والفقر إلى 90%، ويمكن وصف الوضع الاقتصادي بأنه في حالة انهيار كامل
التدمير الاقتصادي للفلسطينيين سياسة استراتيجية تهدف إلى إبقاء المجتمع الفلسطيني في حالة عجز دائم وربطه باقتصاد الاحتلال وإفقاده مقومات البقاء والاستقرار
الآثار الاجتماعية
• تفكك الروابط الأسرية نتيجة فقدان المعيل أو أحد أفراد الأسرة
• انتشار زواج القاصرات نتيجة الفقر وفقدان الأمان
• توقف التعليم مما أدى إلى تهديد الهوية الاجتماعية والثقافية للأطفال
• انهيار الثقة بالمؤسسات الدولية وتصاعد مشاعر الغضب والعزلة
الخلاصة العامة
يقوم النظام السياسي الصهيوني على أيديولوجية عنصرية إقصائية تضع اليهود في مركز المواطنة وتنفي الوجود الفلسطيني والعربي. إن صعود التيارات الدينية القومية المتطرفة والقوانين التي كرست يهودية الدولة مثل قانون القومية تؤكد انزلاق الكيان الصهيوني نحو الفاشية المؤسسية. أما الممارسات اليومية من حرب الإبادة والتصفية الجماعية فهي تجسيد عملي للفكر الفاشي الذي يبرر الإبادة والتطهير العرقي بهدف وضع الشعب الفلسطيني أمام خيارين لا ثالث لهما: الموت أو التهجير، تمهيدا لإقامة إسرائيل الكبرى في إطار الشرق الأوسط الجديد على أنقاض الوطن العربي
نؤكد أن المسؤولية القانونية والسياسية لا تقع على سلطة الاحتلال وحدها، بل تشمل كل الحكومات الداعمة له بالمال والسلاح والتغطية السياسية، وبشكل خاص الولايات المتحدة الأمريكية التي لا تعتبر مجرد حليف لإسرائيل فقط، بل هي الشريك والممول الأساسي لآلة الحرب الصهيونية، والحامل السياسي الذي يشل قدرة المؤسسات الدولية على مساءلة الكيان عبر استخدام الفيتو المتكرر. وبهذا تتحمل واشنطن مسؤولية مباشرة عن جرائم الإبادة والتطهير العرقي بحق الشعب الفلسطيني، فهي شريك كامل في الجريمة
#فهمي_الكتوت (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟