أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فتحي حبوبي - من شارون إلى نتنياهو.. توظيف القوّة الغاشمة لا ينهي الحرب و لا يحقّق السلام















المزيد.....

من شارون إلى نتنياهو.. توظيف القوّة الغاشمة لا ينهي الحرب و لا يحقّق السلام


فتحي حبوبي

الحوار المتمدن-العدد: 8490 - 2025 / 10 / 9 - 00:30
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


المهندس فتحي الحبوبي
كلّ استعمالٍ مفرطٍ للقوّة يولّد عشرات الإرهابيين ويزيد في كراهية إسرائيل. «فلا سلام بلا عدالة، ولا أمن بلا كرامةٍ للآخر.» — ميشال روكار
رؤية روكار: القوة كفخٍّ استراتيجي وأخلاقي
في رسالة مطوّلة و مفتوحة إلى شارون، نشرتها صحيفة لو فيغارو Le Figaro الفرنسية بتاريخ 15 افريل2002، قال فيها رئيس الحكومة الفرنسيّة الأسبق، الاشتراكي ميشال روكار لشارون رئيس حكومة الكيان المحتلّ أنذاك بوضوح: «كلّ عمل من أعمال تساهال tsahal (جيش دفاع الكيان المحتلّ) ينتج عشرات الإرهابيين الجدد... أنت يا سيادة رئيس الوزراء تنشر معاداة إسرائيل في جميع أنحاء العالم، وأناس مثلي، ممن يحاربون معاداة السامية منذ شبابهم، عاجزون عن كبح جماح سيل الغضب والكراهية الذي فتحت له أبوابه ». بهذه الجمل المكثفة وضع إصبعه على ما سمّاه “المنطق الانتحاري للقوة”. لم يكن روكار يعترض على حقّ الكيان المحتلّ في الدفاع عن نفسه، فهو لا يعترض على الغاية، بل على الوسيلة التي اختارها شارون، بما هي تحوّل الدفاع إلى عقيدةٍ هجومية مطلقة، تجعل من كلّ طفل فلسطيني مشروع عدوٍّ محتمل، ومن كلّ بيتٍ فلسطيني هدفًا مشروعًا.
كما اعتبر ميشال روكار أنّ هذه المقاربة لا تحمي الكيان، بل تعزله أخلاقيًا ودبلوماسياً، لأنها تجعل العالم يتساءل: ما جدوى النصر إذا خسرنا المعنى؟ ما جدوى القوة إذا أُهدرت العدالة؟
سنة 2002 خلال حكم شارون، كانت عزلة الكيان رمزية: انتقادات أوروبية متزايدة، ارتباك في الموقف الأمريكي، وخسارة معنوية في الرأي العام العالمي. أمّا اليوم، فقد صارت تلك العزلة واقعية، ملموسة، تشبه تمامًا ما تنبّأ به روكار قبل ثلاثةٍ وعشرين عامًا.
من عزلة التحذير إلى عزلة الواقع
أمّا سنة 2025 مع نتنياهو ، ففقد تنامت غطرسة الكيان المسخ وعجرفته، وباتت دولة الاحتلال في مفترقٍ خطير من تاريخها: دولةٌ أقوى عسكريًا من أيّ وقت مضى، لكنّها أضعف سياسيًا وأشدّ عزلةً في الوجدان العالمي.
فقد اختار السفّاح نيتنياهو، كما فعل السفاح شارون بالأمس، منطق «القوة المفرطة» بدل منطق التفاوض، وأمعن بكل صلف وعنجهية لا تليق إلا بالوحوش المفترسة، أمعن في الحصار على غزة إلى حدٍّ جعل البحر ذاته يتحوّل إلى جدارٍ من العزلة.
لم تعد العزلة الآن مجرّد موقفٍ دبلوماسيٍّ بارد، كما كانت زمن شارون وروكار، بل وعيٌ كونيٌّ بالاختلال الأخلاقي.فكلّ قصفٍ لحيٍّ مدني، وكلّ منعٍ لقافلةٍ إنسانية، يثير في العالم ردّة فعلٍ أقوى من أيّ بيانٍ سياسي. حيث أصبح التضامن مع فلسطين اليوم ليس شعارًا أيديولوجيًا، بل رمزًا لضميرٍ كونيٍّ يرفض منطق الإفلات من العقاب.
أسطول الصمود: البحر الذي كشف الحصار
لم يكن «أسطول الصمود» الذي أبحر نحو غزة انطلاقا من إسبانيا الأبيّة التي برهنت بكل اقتدار، أنّها أكثر عروبة من العرب الأحرار و العربان في أن معا، لم يكن مجرّد قافلة مساعدات، بل كان أسطولا يحمل رمزية التاريخ. على متنه ناشطون من شتّى الجنسيات، في مشهدٍ يعيد إلى الأذهان مشهد الأسطول الأول سنة 2010، إلّا أنّه في سياقٍ مختلف: عالمٌ لم يعد يكتفي بالمشاهدة، بل يريد أن يُمسك بزمام المبادرة الأخلاقية..
اعترضت بحرية الكيان الأسطول في المياه الدولية، كما لو أنها تريد أن تمدّد حدود سيادتها إلى ما وراء البحر، غير مدركةٍ أنّها بذلك تمدّد أيضًا حدود عزلتها. فما إن انتشرت صور الاعتراض، حتى ارتفعت الأصوات في البرلمانات الأوروبية والأمريكية، وفي الشوارع، وفي الجامعات، تسائل:إلى أي مدى يمكن لدولة أن تبرّر حصارا باسم الأمن، وهي تحاصر الحياة نفسها؟ وذلك بمنعها دخول المساعدات، إلّا النزر القليل منها، فيما هو لا يفي بحاجة سكّان غزّة بالحدّ الأدنى، ثمّ هي تقتلهم إن هم حاولوا الحصول على بعض الفتات منها، أملا في سدّ الرمق لا أكثر. لقد تحوّل البحر، عند مرور الأسطول في اتّجاه غزّة، إلى مرآةٍ للعالم، كلّما زاد القمع والعنف على الناشطين فيه، كلّما انعكست صورة الكيان البشعة بأكثر صفاءً، لتنحت في الضمير الإنساني الذي لا يزال حيّا، رغم الجهود المبذولة لاغتياله من الكيان المحتلّ وأعوانه من عرب وعربان، فضلا عن العمّ سام وأذياله من اليمين المتطرّف في أوروبا.
الكيان المحتلّ بين القوة والعزلة
لو أنّنا نقارن وضع الكيان اليوم بما كان عليه الحال سنة 2002، فإنّنا نقف، قطعا،على مفارقةً ماثلة لكل ذي عينين وبصيرة، بما هي تناسب عكسي، بلغة علماء الرياضيات؛
فكلّما زاد الكيان تفوّقًا عسكريًا، كلّما ازداد فقدانًا للمشروعية، وكلّما توسّع في القمع والعنف، تقلّصت قدرته على الإقناع. فالقوة التي كان روكار يسمّيها «الوهم الخطر» تحوّلت إلى عقيدةٍ سياسية تحكم العقل الصهيوني الحديث وفق معادلات لا تستقيم إلّا لدى المهوسين ومن كانوا واقعين تحت تاثير جنون العظمة ممّن تعوزهم الرؤى الاستشرافية البعيدة المدى، لذلك:
فأمنهم لا يهدأ إلا فوق الركام،
وسياستهم ترى في المفاوضة ضعفًا،
ومجتمعهم بات يُقاس توازنه بمستوى خوفه لا بمستوى حريته..
الكيان المحتلّ يتجاهل التحوّلات الجيوسياسية المستجدّة.
لم يعد الإعلام مُسيطرًا عليه بالكامل، ولم تعد رواية بني صهيون أحادية الصوت. إذ أنّ أكثر من 140 دولة اليوم، تعترف بدولة فلسطين، وبعض الدول الغربيّة التي كانت متردّدة بدأت تميل نحو الاعتراف الكامل، مدفوعةً بتراكم الشواهد على اختلال ميزان العدالة. وفي المحافل الدوليّة تُطرح مسألة المساءلة الجنائية لا كاستثناء، بل كضرورةٍ لإعادة التوازن الأخلاقي للعالم.
تحقّق نبوءة ميشال روكار
حين كتب ميشال روكار إلى شارون، كان يتحدث كرجل خبر معنى التاريخ. لذلك ذكّره، في جوهر رسالته: "إنّ من يستخدم القوّة كأداةٍ مطلقة، ينتهي به الأمر محاصرًا بها".
واليوم، تتحقّق تلك النبوءة بوضوح، فالكيان المحتلّ يمتلك السلاح، لكنه فقد الكلمة؛
يملك التفوّق العسكري، لكنه فقد الرأي العام
يتحكّم في الأرض، لكنه يخسر السماء الأخلاقية التي تغطيه
قد يكون الكيان المحتلّ قد حقّق ما يشبه الأنتصار على خصومه الميدانيين، لكنه انهزم أمام مرآته التي باتت تعكس له صورته المقرفة، بدل صورة أعدائه فقط، كما في الماضي القريب.
فالعزلة، في النهاية، ليست في انقطاع التحالفات، بل في انقطاع الصلة بالقيم التي تمنح الشرعية لأيّ وجود سياسي..
تأمّل ختامي
ليست هذه المقارنة بين سنتي2002 و2025 مجرّد تمرينٍ لتنشيط الذاكرة، بل هي مرآةٌ عاكسة، تُظهر كيف يمكن لدولةٍ أن تمتلك كلّ عناصر القوّة، ومع ذلك تفقد القدرة على إقناع العالم بما تعتبره دفاعا عن الوجود..
فالقوة، حين تُفرط في استعمالها، تنقلب على صاحبها، كما النار التي تلتهم من أشعلها.
ولذلك، يظلّ قول روكار – وقد صار اليوم حكمةً سياسية وإنسانية – صالحًا لكلّ زمان:
«السلام الحقيقي لا يُبنى بقوة السلاح، بل بقوة الفكر»
المهندس فتحي الحبّوبي






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من شارون إلى نتنياهو ..التوظيف المفرط للقوّة لا ينهي الحرب و ...


المزيد.....




- بعد دعوة السيسي.. أول تصريح لترامب بشأن إمكانية زيارة الشرق ...
- قصف مستشفى في الفاشر.. عشرات القتلى والجرحى ونكبة إنسانية تت ...
- اختطاف أطفال وقتل معلمة: سوريا تغرق في دوامة انفلات أمني
- ألمانيا: نجاة عمدة هيرديكه من الموت والسلطات تشتبه في ابنتها ...
- ما نعرفه عن الرهائن المحتجزين في غزة
- روسيا: زخم لقاء بوتين وترمب تبدد ونعرف كيف نتعامل مع -توماهو ...
- وصول 200 عنصر من الحرس الوطني إلى مقربة من شيكاغو
- رئيس تايوان يغازل ترمب بجائزة نوبل للسلام
- توقيف 8 عاملين بمنظمة إنسانية بينهم 3 أوروبيين في بوركينا فا ...
- إثيوبيا في رسالة إلى غوتيريش: إريتريا تستعد للحرب


المزيد.....

- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فتحي حبوبي - من شارون إلى نتنياهو.. توظيف القوّة الغاشمة لا ينهي الحرب و لا يحقّق السلام