|
مدخل الی ثنائیة رأس المال والسلطة في کردستان.
عمر الخطاط
الحوار المتمدن-العدد: 8483 - 2025 / 10 / 2 - 21:45
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
مدخل الی ثنائیة رأس المال والسلطة في کردســتان. أولاً: قبل خمس سنوات، اي في عام ٢٠٢٠، نشر الکاتب والأدیب "بختيار علي" مقالاً في صحیفة آوینه- المرآة بعنوان "كيف وُلد الوحش؟". في هذه المقالة تناول بختیــار بالتفصیل خصائص الرأسمالیة الشرقیة وبالأخص الرسمالیة الکردیة والتي من خلال عملیة تطورهــا لا تهتم بالأنســان. لیس هذا فحسب بل ان بنیــان هذا الرأسمال یقوم علی تجویع الأنسان الی اقصی حد. يتناول بختيار في نقاشه التسلسل الزمني لنمو رأس المال في كردستان و ذلك عبر النخب الحزبية. فالنخب الحزبية، ذات النواة القبلية والعائلية، تبني شكلًا من الرأسمالية يطلق عليه بختیــار اسم الرأسمالية الشرقية، وهو الشكل الأكثر وحشية من الرأسمالية الأوروبية في بدايات تشکلها. یقول بختیـــار، ان جوهر هذا النظام هو أنه في أوقات الوفرة والرخاء، يحول المجتمع إلى آلة استهلاكية بشعة، إلى مجتمع من النهمين والمبذرين و في أوقات تراجع الربح، يُبدّد النظام فوائضه و يُصبح تجويع الناس وإهمالهم لمصيرهم المُظلم سمةً من سمات النظام. يُشبّه بختيار النخبة الرأسمالية الکردیة بالنخبة الفاشية. ثانيًا: قبل ثلاث سنوات، ترجمتُ مقالًا لصديقي فلاح علوان بعنوان "المرأة والبنى الفكرية للمجتمع!"، للغة الکردیة، نُشر المقال في أغسطس/آب ٢٠٢٢ في نفس صحيفة "أوينه- المرآة". ایضا. يُمثل بحث الرفيق فلاح فهمًا خاصًا لوضع المرأة في المجتمع العراقي. فعلى عكس النظرة الماركسية الكلاسيكية التي تربط اضطهاد المرأة بالبنية التحتية، أي بالأساس الاقتصادي للمجتمع، يُقلب فلاح هذه النظرة و يُظهر ببراعة أن اضطهاد المرأة في المجتمع العراقي والمنطقة يكمن في البنية الفوقیة ذاتها و لیست التحتية. یستطیع المرء تطبیق رؤية فلاح الخاصة للعلاقة بين رأس المال والبنية التحتية، ليس فقط على قضیة المرأة، بل على البنى السياسية العراقية والمجتمع والسلطة البرجوازية ایضا، إذ يلعب رأس المال في المجتمعات التابعة دورًا أهم من البنية التحتية في ترسيخ سلطة البرجوازية وتشريعاته وقوانينه. من النقاط المهمة الأخرى في تفسير فلاح رؤيته للبنى الفكرية الشائعة للعشیرة والقبیلة. ففي النظرة الكلاسيكية، تعتبر العلاقات التقليدية القدیمة في عصور ما قبل الرأسمالية، بنى قديمة متداعية و تتلاشى مع تطور الصناعة والحداثة، لكن في الواقع، ليس هذا هو الحال، كما يقول فلاح، إذا لم تكن البنى الفكرية القديمة عائقاً أمام نمو رأس المال والربح، فسيتم الابقاء علیها والاحتفاظ بها، لیس هذا فحسب بل سترفع هذه القیم الی مکانة مقدسة، العراق وكردستان مثالا. أن المجتمع العراقي والكردستاني مجتمع رأسمالي، إلا أن البنی الفوقیة فیها لا يزال محافظًا و مترعة بتقاليد وعلاقات اجتماعية ما قبل الرأسمالية! السؤال الرئيسي هو: كيف يُمكننا إیجاد الآليات الاقتصادية التي يعمل بها رأس المال في بلدنا كمجتمع تابع؟ كيف يُمكن للعملية الاقتصادية الرأسمالية أن تعمل بهذا القدر من الضخامة والمرونة في المجتمعين العراقي والكردستاني، في حين أن بنيتهما الفوقیة تعود إلى حقبة ما قبل الرأسمالية؟ أي بنية قبلية، محافظة، رجعیة، وقمعية حتى النخاع، بنیــة لا تكترث لـ"الأنسان" فحسب كما يقول بختيار علي، بل ان تُراكم رأسمالها الضخم یتم اساسا عبر تجويعهم وقمعهم! ستكون مقالتا بختيار علي وفلاح علوان أساسًا لهذه البحث القصیر حول كيفية عمل ثنائية الرأسمالية والسلطة في كردستان. لنبدأ النقاش ببعض الأسئلة البسيطة: لماذا لا تصل الاحتجاجات والمظاهرات في كردستان إلى نتيجة مرضیة؟ اعني بالنتیجة قدرة الأحتجاجات علی تغییر وضع ما. لماذا لا يكترث الرأسماليون الکورد بحياة رعاياهم ويتحملون مسؤولیة حکمهم؟ لماذا توقفت قبلة الصراع الطبقي عن العمل؟ لماذا لا وجود لقوانين العمل والنقابات والاتحادات العمالية، و في حال وجودها الرمزيٌّ تتحول الی خادم للسلطة؟ لماذا نشعر أن المجتمع الكردي قد ابتعد خارج التأریخ؟ لماذا السلطة القومية الكردية تعامل الناس بعنف وقمع وفاشية، ولماذا تتزايد النزعات المحافظة القبلية والدينية وتكتسب هيمنتها یوما بعد یوم، وغيرها الكثير من الأسئلة.
في البيان الشيوعي، يحلل ماركس بنية علاقات الإنتاج في الفترة التاريخية للرأسمالية على النحو التالي: " البرجوازية لا تستطيع البقاء بدون أن تُـثـوِّر باستمرار أدوات الإنتاج، و بالتالي علاقات الإنتاج المجتمعية. بخلاف ذلك، كان الحفاظ على نمط الإنتاج القديم، بدون تبديل، الشرط الأول لبقاء كل الطبقات الصناعية السالفة. و هذا الإنقلاب المتواصل في الإنتاج، و هذا التزعزع الدائم في كل الأوضاع المجتمعية، و القلق و التحرك الدائمان، هذا كله يميّز عصر البرجوازية عمّا سبقه من عصور. فالعلاقات الجامدة الصَّدئة مع ما يستتبعها من تصوُّرات و أفكار قديمة موقّرة، تتفكك كلها، و كل جديد ينشأ يهرم قبل أن يصلُب عوده، و التقسيم الفئوي القائم يتبدد هباء، و كل ما هو مقدّس يدنّس، و الناس يُجبرون في النهاية على التفرّس في وضعهم المعيشي، و في علاقاتهم المتبادلة بأعين بصيرة". وفقًا لتفسير ماركس هذا للعصر الرأسمالي، الذي يُدمّر العلاقات القديمة التي سبقت عصره، و مقارنته مع حاضر كردستان أو العراق والمنطقة عمومًا، إن لم يكن خاطئًا، فهو على الأقل غير متسق. ويبدو أن هذه العملية جرت و تجري في العراق وكردستان على العكس تماما. في العراق، جاء نمو الرأسمالية منذ أواخر عشرينيات القرن الماضي، من قلب العلاقات الأرستقراطية وليس بالضد معها! صحيح أن صعود قطاع التصدير حفز نوعا ما نمو السلعة- النقود في الاقتصاد المحلي و أصبح هذا النمو أساسًا لتطور المنتجات الرأسمالية، إلا أن هذه العملية سارت من خلال برجوازية طفيلية تعتمد على رأس المال الأجنبي مما أدى ذلك إلى تطور وإثراء طبقة أقلية عليا كانت تتألف من كبار ملاك الأراضي الإقطاعيين اي من زعماء القبائل. وقع الكثير من مصادر تراكم رأس المال المحلي في أيدي هذه الطبقة، رأس المال هنـــا لم تُستخدم لتطوير و إعادة الإنتاج، بل أُنفقت على السلع الكمالية. و بعد مرور مائة عام، نرى نفس عملية تراكم رأس المال في العراق الجديد وكردستان. مع اختلاف طفيف، يتم تنفيذ تراكم رأس المال من قبل كبار الشخصيات في الحزب وعائلاتهم، و یتم تقنین العلاقات والتقاليد القديمة من عصور ما قبل الرأسمالية في الدستور والقوانین. يبدو أن تأريخ ينتج لنا فقط المأساة. لذا، فإن عملية نشوء و تطور رأس المال في بلادنا لم تُؤدِّ إلى "ذوبان التصورات القديمة والمقدسة" و لم تؤد الی تُغيِّر "المقدس" إلى "لا مقدس" فحسب، بل نشهد الآن حقبةً أصبحت فيها حركة رأس المال والربح والتجارة وحركة السلع في مجتمعنا، كأي مجتمع رأسمالي آخر، تنمو و تتراکم، ولکن حین ننظر الی البنیة الفوقیة من قوانین و مؤسسات تشریعیة و تنفیذیة و علاقة الدولة بالفرد، نری "دولة امتیازات" تعود الی عصور ما قبل الرأسمالیة، اي الأقطاعیة و حتی العبودیة. هل كان تفسير ماركس لعواقب هذا التطور خاطئًا، أم أن عصر رأس المال الحديث عزز أسس "التقليد" في مواجهة قوانينها المادية؟ لتحليل هذه النقطة، لا يخلو الأمر من استعراض موجز لخصائص رأس المال في بداية تطوره، وایجاد الاختلافات بين هذا التطور الطبيعي والعصر الإمبريالي الحالي. لقد کانت تطورات الرأسمالية في مراحلها الأولى، تأریخیا، و في البلدان ذات المنشأ الرأسمالي، بشكل رئيسي وأساسي، داخل "الحدود الوطنية". استند ترسيخ الرأسمالية والعلاقات السلعية في هذه البلدان بشكل أساسي على الصراع الطبقي، وتطور القوى المنتجة والتغيرات الداخلية. هذه العملية تؤدي تلقائيًا إلى توازن نسبي بين تطور قطاعات الإنتاج المختلفة من جهة، وتدمير الطبقات القديمة وعلاقاتها الاجتماعية ومؤسساتها وقيمها من جهة أخرى. كما تضمن هيمنة طبقة جديدة على البنى السياسية والاقتصادية والاجتماعية. الفقرة السابقة من البيان الشيوعي هي تحليل لعملية التغيير التي تُحدثها العلاقات السلعية في البلدان ذات المنشأ الرأسمالي: التغيير المستمر للقوى المنتجة، یؤدي الی اختفاء القيم والعلاقات الاجتماعية التي فقدت روح عالمها ولم تعد قادرة علی المقاومة. هناك نقطة اخری مهمـة تتعلق بتعریف الأنسان الجدید، انسان العصر الرأسمالي. يُعتبر الإنسان "ذاتًا" حرة في عصر العلاقات الرأسمالية مقارنةً بالعصر الإقطاعي وما سبقه. علاقات الإنتاج الرأسمالية، القائمة على تعميم علاقات السلع (بقدر ما يدخل قوة العمل نفسه السوق كسلعة)، تلغي الامتيازات بين الأفراد وتعترف بهم كأشخاص اعتباريين-قانونیین. يرى ماركس أن المساواة القانونية بين الأفراد تُشكل أرضية مواتية لتوطيد العلاقات السلعیة واستمرارها. من هذه النقطة ينبع مدح ماركس للدور الثوري الذي لعبته البرجوازية في البيان الشیوعي، و ایضا إدانته لها. في القانون البرجوازي، كل فرد هو ذات قانونية. أن تكون "ذاتًا" لشيء ما يعني امتلاكك لأهلية قانونية معينة، وأهمها القدرة على امتلاك الممتلكات والتعامل بها في سوق التبادل. لذا، يمتلك "الذات القانونية" الملكية؛ ولكن لهذا الغرض، يجب عليه أولاً أن يمتلك نفسه، أي أن يمتلك إرادته؛ وهذا يجعله حر الإرادة. يمتلك الشخص القانوني جميع ممتلكاته وينقلها عبر عقد تبادل حر الی "طرف ثالث". "الذات القانونية"، حر في بيع ما یملك (إذا لم یكن یملك شیئا، فقوة عمله) و إذا يملك مالًا، فبإمكانه الشراء، لكن عليه أن يتحمل مسؤولية بيعه وشرائه كشخص مستقل. تتميز الكيانات القانونية الناشئة عن علاقات الإنتاج الرأسمالية، بخاصيتين أساسيتين. أولًا، هي حرة، وثانيًا، هي متساویة. يشرح ماركس مفهوما الحرية والمساواة في هذا الحقل علی النحو التالي: الحرية: "لأن كلاً من مشتري وبائع السلعة، (قوة العمل مثلاً)، لا يخضع إلا لإرادته الحرة. وبصفتهما فردين حرین، يتعاقدان مع بعضهما البعض، وبالتالي يكونان متساويين أمام القانون، إذ يُعد عقدهما نتيجة حرة تتجلى فيها إرادتهما المشتركة تعبيرًا قانونيًا مشتركًا". و المساواة: " بصفتهما مالكًا لسلعة، يتبادل كلٌّ منهما سلعته بالتساوي". من هذا المنظور، يُعَدّ تفسير ماركس لبنية الرأسمالية والعلاقات الاجتماعية والقانونية التي تلتها صحيحًا. ولكن، بينما يُعَدّ هذا التفسیر لنشوء هذه العلاقات داخل كل دولة من الدول الرأسمالية الأصلية في أوروبا صحيحًا، إلا أنه مختلف، بل وخاطئ ظاهريًا عندما يتعلق بنمو رأس المال ومعه العلاقات الاجتماعية والقانونية للمجتمعات التابعة. أين تكمن المشكلة؟ المشكلة لا تكمن في تفسير ماركس الأساسي، الخاطئ ظاهريًا بالنسبة لمجتمعاتنا، بل في البنية المتغيرة للرأسمالية نفسها! دعني اوضح هذا الأمر. منذ بداية القرن العشرين، اتخذ عصر الرأسمالية والتنمية المتواصلة بُعدًا جديدًا لا علاقة له بالحدود الوطنية. ومع تزايد أهمية رأس المال المالي، توسعت عملية تصدير رأس المال دوليًا في القرن العشرين. تدريجيًا، أصبح نمو الناتج المحلي الإجمالي الوطني وزيادة ربحية رأس المال المحلي معتمدين ومرتبطين اکثر برأس مال أكبر على نطاق عالمي. اشتدت المنافسة الشرسة بين رؤوس الأموال الكبيرة في شكل احتكارات وانتقلت إلى ما وراء الحدود الوطنية إلى المستوى الدولي. لذلك، تستلزم الهياكل الرأسمالية في فترة الإمبريالية منافسة شديدة بين رؤوس أموالها حول توزيع وإعادة توزيع مجالات النفوذ على نطاق عالمي. یقول لينين: "إذا رأينا الرأسماليين يقسمون العالم، فذلك ليس بسبب خبثهم الخاص، ولكن السبب هو أن المرحلة الحالية من تركيز رأس المال تجبرهم على اتباع هذا الطريق لتحقيق الأرباح؛ وفي الوقت نفسه، يقومون بإعادة توزيع العالم "بما يتناسب مع رأس المال"، "بما يتناسب مع القوة"، لأنه لا يمكن أن تكون هناك طريقة أخرى للتوزيع في نظام إنتاج السلع والرأسمالية. في هذا السياق، نرى كيف يتدفق رأس المال الكبير نحو دول جنوب العالم (التابعة) لاستخراج المواد الخام، واستغلال العمالة الرخيصة، واستغلال عدد من المناطق عالية الإنتاجية. أبسط نتيجة لهذا السياق الجديد هي أنه يكثف المنافسة الجيوسياسية. في حالة الدول "التابعة"، كالعراق وكردستان، على سبيل المثال، تتأثر التغيرات الاقتصادية والتغيرات في البنية الطبقية لهذه الدول خلال الحقبة الإمبريالية بشكل أساسي برأس المال الخارجي. إذا كانت هيمنة العلاقات الرأسمالية في دول الشمال العالمي نتاج قرون من الصراع السياسي والأيديولوجي البرجوازي والصراع الطبقي مما ادی الی الاستحواذ على السلطة السياسية من قبل البرجوازیة وتحول العلاقات والقيم الاجتماعية الی قیم رأسمالیة بالتدریج؛ فالدول التابعة، في عصر الإمبريالية، و دون المرور بهذه العملية، وقعت في علاقات اقتصادية غير متكافئة وفضاء رأسمالي. هذا يعني أن الإنتاج و رأس المال يتركزان في قطاعات تلبي احتياجات السوق العالمية (في حالتنا، النفط والطاقة). على الرغم من وجود بعض العلاقات الرأسمالية، ولکن هذه الدول لم تشهد نفس العملية التاريخية والصراع الطبقي مثل أوروبا. لا تزال الطبقات القديمة، ومعها القيم والشبكات الاجتماعية المرتبطة بها، قوية. لذلك نری المساهمون المحليون في هذه القطاعات الرأسمالية (الأحزاب والعائلات الكبرى)، التي تتركز ثرواتها بشكل رئيسي في موارد الطاقة، من الطبقات القديمة.
إن لهفة دخول هذه الدول إلى هيكل الرأس المال العالمي لا يُنشئ هياكل اقتصادية غير متكافئة ومعقدة فحسب، بل يُنشئ أيضًا فجوات اجتماعية وأيديولوجية هائلة. من حيث الهيكل الطبقي، فإن نمو العلاقات الرأسمالية في هذه الدول ليس نتيجة صراعات طبقية داخلية، أو إقصاء الطبقات القديمة من هياكل السلطة السياسية والاجتماعية وتهميش مؤسساتها، بل ان وسطاء النمو غير المتكافئ والتابع للرأسمالية في هذه البلدان، هم نفس ممثلي الطبقات القديمة. يوضح فلاح هذه النقطة بوضوح: " إن البناء الفوقي يتغير بتغير البناء التحتي لكي يطابق القاعدة المادية، ويتغير البناء التحتي أما بتطور القوى المادية بشكل ثوري يغير الأساس الإقتصادي، أو بالتحويل الفوري للمجتمع عبر الثورة. أما البنى التي تنتمي الى مراحل تاريخية سابقة، والتي يجري تكريسها في النظم الحالية، فإنها لا تتعرض لمثل هذا التغيير، بسبب مجموعة عوامل تاريخية وذاتية، كما إنها لا تتبدل بتبدل النظم السياسية، كونها ليست نتاجاً لها."! بمعنی إذا اضطر رأس المال في مراكزه الأصلية إلى اللجوء إلى الأفكار الليبرالية لتقويض جميع العلاقات الإقطاعية القديمة، فإن التحديث الحالي للمجتمعات المهمشة يمكن أن يُسقط سيطرة الاستعمار الجديد. "في حال تجاوز التحديث الحدود التي تتعارض مع التقسيم العالمي للعمل، وتقسيم النفوذ وتقاسم الأسواق العالمية، يصار الى إرجاع المجتمعات التي تجرأت على المضي في التحديث أبعد مما هو مسموح، الى عهد ما قبل الصناعة، ويجري تدمير مدن بأكملها وتحويل البلدان الى مخيمات لاجئين." "..ومن هنا فالنظر الى البنى الفكرية القائمة في المجتمعات التابعة على أنها من مخلفات الماضي، وإن التطور التقني والمدني كفيل بالتخلص منها بإعتبارها عادات ضارة، هو تصور غير مادي، إنها ليست بقايا أو مخلفات، أو مظهر من مظاهر نقص في مستوى التطور، إنها البناء الفوقي بالذات، والذي يتعين النضال ضده.". يؤدي هذا الوضع من نمو رأس المال في بلداننا إلى نشوء بنية سياسية قمعية لا تقبل حتى أبسط حريات وحقوق الطبقات الاجتماعية الفقيرة و ذلك بسبب طبیعتها الطبقیة والاستبدادیة المستمدة من الروابط والقيم التقليدية المهیمنة. على عكس البرجوازية الأوروبية، لم تُنتج برجوازية الدول التابعة أيديولوجية موحدة قائمة على قوى الإنتاج المادي الرأسمالي والبنية التحتية الحديثة، أو على صراع طبقي شرس بين الطبقات، لذلك تُعاد الهويات القبلية والدينية والتقاليد والعلاقات الاجتماعية القدیمة وتُرسّخ في البناء الفوقي للمجتمع و تقنن في القوانين والتشريعات. ان الهوية القبلية والدين والتقاليد والقيم القدیمة لا تمنح القوة والسيطرة و"الهيمنة المقدسة" فحسب، بل تُشكّل أيضًا أفيونًا قويًا لخداع الناس. أخيرًا، ما أود قوله هو أن التغيرات داخل أي بنية اجتماعية معينة لا يمكن تتبعها إلا في إطار مجمل العلاقات العالمية الإمبريالية. وبهذا المعنى، إذا كان تحليل البنى السياسية والاقتصادية حتى القرن التاسع عشر يعتمد بشكل أساسي على تغير و توازن القوى الطبقية داخل بلد ما، فإن هذا التحليل بعد عصر الإمبريالية يرتبط بالعمليات التي تحدث على المستوى العالمي. بالطبع، هذا لا يعني أن الصراع الطبقي داخل أي بلد مرتبط تمامًا بالاتجاه العالمي؛ لأنه من الواضح لنا أن للعلاقات الطبقية خصائصها الخاصة و هذا یعتمد على تاريخ الصراع الطبقي والعلاقات الاجتماعية و السياسية والاقتصادية الخاصة بكل بلد. مع ذلك، فإن النقطة الرئيسية للنقاش هي أن تحليل اتجاهات الصراع الطبقي والاجتماعي على المستوى المحلي، واتجاهاتها المعاكسة، دون مراعاة التغيرات العالمية، يُعدّ تحليلاً ناقصاً في جوهره. لطالما كان رأس المال عالميًا، وكان الاستعمار الخارجي أحد مبادئ إنتاجه. بالطبع، هناك فرق بين عولمة سوق رأس المال في "المرحلة التنافسية" و مرحلة "تصدير السلع" و العلاقات الاستعمارية في القرنين السابع عشر و الثامن عشر، و عولمة الرأسمالية الإمبريالية القائمة على "تصدير رأس المال". إذا هناك لا یزال یوجد رفيق يساري أو شيوعي يعتقد أن سبب تراكم رأس المال في كردستان والعراق يتحقق من خلال الصراع الكلاسيكي بين الرأسمالي والبروليتاري كجانبين حرين ومتساوين، أو أن القمع هو وسيلة لتحقيق المزيد من فائض القيمة، او ان لدينا بروليتاريا صناعية موحدة و منظمة، أو أن الروابط التقليدية القديمة، بما في ذلك الدين، يمكن أن تضعف مع النمو "العقلاني" لرأس المال… عليه أن يُعيد النظر في آرائه. إن خطئنا الرئیسي کشیوعیین هو أننا ما زلنا ننظر إلى هياكل رأس المال و العلاقات الاجتماعية من خلال عيون الكتب و الآراء الخالصة والتفسيرات والتشخيصات الأوروبية و آراء ما قبل مائة عام. علی هذا ان يتغير من الیوم. بدلاً من تعميم الأطروحات والنظريات و تطبيقها على جميع الأوقات والأماكن، يجب أن ننتج بأنفسنا تحليلات محددة لظروف محددة و ایضا نستعین بالتاريخ. هذا البحث هو محاولة صغیرة في هذا الاتجاه.
١٥ سپتیمبر ٢٠٢٥
المصادر: مارکس، انجلز، البیـــــان الشیوعي. مارکس، رأس المال، الفصل الأول. لینین، الأمبریالیة، اعلی مراحل الرأسمالیة بەختیار عەلی، چۆن ئەهریمەن لە دایك بوو، کیف ولد الوحش؟ سایتی ئاوێــنە. فلاح علوان، المرأة والبنێ الفکریة اللمجتمع. الحوار المتمدن.
#عمر_الخطاط (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المؤتمر الرابع للحزب الشيوعي العمالي العراقي ، خطوة إلی
...
-
الاجدى تقوية أتحاد المجالس والنقابات العمالية وقيادته!...ملا
...
-
الصور الكامنة خلف الإعدام
المزيد.....
-
غوستافو بيترو.. رئيس كولومبيا اليساري القادم من -حلقة النار-
...
-
صوفيا ملك// الثورات لا تعلق على حروف
-
النهج الديمقراطي العمالي يدين بشدة هجوم الجيش الصهيوني على ا
...
-
نحن أمام مسؤولية تاريخية لوقف المحرقة والحفاظ على قضيتنا
-
شاهد اعتقال متظاهرين خارج منشأة تابعة لإدارة الهجرة والجمارك
...
-
آلاف المتظاهرين في مدن إيطالية رفضًا لاعتراض إسرائيل -أسطول
...
-
بمناسبة الذكرى الـ27 لرحيل جلالة المغفور له الحسن الثاني، وف
...
-
على طريق الشعب.. في الذكرى السادسة لانتفاضة تشرين 2019 المجي
...
-
سيارة شرطة تصدم متظاهرين في المغرب وسط احتجاجات غير مسبوقة ل
...
-
مدغشقر: انتفاضة شعبية جديدة تطالب برحيل الرئيس
المزيد.....
-
كراسات شيوعية(النمو السلبي: مبدأ يزعم أنه يحرك المجتمع إلى ا
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كراسات شيوعية (من مايوت إلى كاليدونيا الجديدة، الإمبريالية ا
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كراسات شيوعية (المغرب العربي: الشعوب هى من تواجه الإمبريالية
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علم الاعصاب الكمي: الماركسية (المبتذلة) والحرية!
/ طلال الربيعي
-
مقال (الاستجواب الدائم لكورنيليوس كاستورياديس) بقلم: خوان ما
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
الإمبريالية والاستعمار الاستيطاني الأبيض في النظرية الماركسي
...
/ مسعد عربيد
-
أوهام الديمقراطية الليبرالية: الإمبريالية والعسكرة في باكستا
...
/ بندر نوري
-
كراسات شيوعية [ Manual no: 46] الرياضة والرأسمالية والقومية
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
طوفان الأقصى و تحرير فلسطين : نظرة شيوعيّة ثوريّة
/ شادي الشماوي
-
الذكاء الاصطناعي الرأسمالي، تحديات اليسار والبدائل الممكنة:
...
/ رزكار عقراوي
المزيد.....
|