عثمان الماجد
الحوار المتمدن-العدد: 8479 - 2025 / 9 / 28 - 15:11
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بعد توجيه إسرائيل ضربة عسكرية للدوحة بهدف اغتيال قادة من حماس كانوا يتدارسون المقترحات الإسرائيلية لإقرار هدنة عسكرية تسمح بالإفراج عن المحتجزين الإسرائيليين وبإدخال الغذاء والدواء إلى غزة المحاصرة برًا وبحرًا وجوًا، وفي محاولة منه لاستثمار هذا العدوان لخلق تكييف سياسي مناسب يخدم الحزب ودول محور «المقاومة»، تفتقت عبقرية أمين عام «حزب الله» نعيم قاسم عن فكرة التقدم بدعوة المملكة العربية السعودية إلى حوار وفتح صفحة جديدة. هذا الطلب أحاطت به الغرابة وأثيرت من حوله الأسئلة الكثيرة. وفي تقديري إن دعوة نعيم قاسم السعودية للحوار ليس سوى توجيه إيراني يتوجب على نعيم قاسم تنفيذه؛ ذلك أن إيران دولة لها مصالح تتبعها بغض النظر عما يدور في رؤوس المقاومات داخل أوطانها. إيران وجدت في هذه الأحزاب مطايا تستخدمها متى شاءت وكيفما شاءت؛ لتعظيم مكاسبها في الإقليم على حساب الدول الأخرى.
لم ينسَ نعيم قاسم ربط حواره وفتح صفحته الجديدة ببعض «الشروط» مثل: أن يتركز الحوار حول مخاوف المقاومة وهواجسها...! وأن «يُذكر» السعودية بأن إسرائيل هي العدو الذي ينبغي مواجهته وليس المقاومة.. متناسيًا، أن «الحزب» هو من صنَّف المملكة العربية السعودية عدوًا له إلى جانب إسرائيل. وفي ظني أنه قد نسى أن يضيف شرطًا آخر ليضفي على حزبه صفة الدولة، وهو أن يكون الحوار غير مباشر، كما تحاور إيران الولايات المتحدة الأمريكية بخصوص مفاوضاتها حول مشروعها النووي وصواريخها البالستية! الحزب يتخبط، وهذا التخبط من علامات السقوط.
ألم يقل حسن نصر الله بالأمس، وكرر القول في كل خطبه وردود أفعاله الكثيرة الموجهة ضد المملكة العربية السعودية: إن الجهاد الحقيقي هو ضد السعودية؟! وبذل من المحاولات ما وسعته حيلته لاستجلاب صنوف الشرور إلى المجتمع السعودي بدءًا من الاشتراك مع الحوثيين في محاربة السعودية وتهريب السلاح إليها وانتهاء بالمخدرات والكبتاغون، ولكن كل محاولاته هذه باءت بالفشل والخذلان، وكانت نتيجتها خسارة مصدري السلع اللبنانيين للسوق السعودية الكبيرة. أفلا يستحي من قال زعيم حزبه ذلك أن يطلب الحوار مع المملكة العربية السعودية؛ ليأتي ويقول: «نريد الصلح مع السعودية»، في تكتيك نعتقد أنه قد أُجبِر عليه بسبب اختلال موازين القوة في المنطقة بعد تلقي المقاومة، وإيران منه في القلب، الضربات التي لن يسترد بعدها عافيته.
قبل أن يجف حبر خطبة الأمين العام الجديد لـ«حزب الله»، كان السؤال يتردد في أذهان المتابعين وهم يستمعون إلى نقاطه الست أو شروطه الستة التي لم تغادر الماضي: هل حقًا نحن بصدد دعوة جادة للحوار وفتح صفحة جديدة؟ حوار بين المملكة العربية السعودية، الدولة التي لا تحتاج إلى تعريف، بثقلها السياسي والاقتصادي والثقافي، وبين تنظيم تصنّفه معظم دول العالم – باستثناء إيران وبعض الجماعات التي تعيش على أنفاسها – كجماعة إرهابية متورطة في غسيل الأموال وتجارة الممنوعات؟ باختصار الحوار مع الحزب عيب ويهدم سمعة أي مقدم عليه.
هل يُعقل أن تجلس الرياض، التي تقود جهود مكافحة الإرهاب وتدفع بعجلة الاستقرار في المنطقة، إلى طاولة واحدة مع حزبٍ يوزع المخدرات كما توزع الجمعيات الخيرية التمور في رمضان؟ هل نصدق أن دولة بحجم السعودية ستناقش مستقبل الإقليم مع من لا يزال يعتقد أن الحشد الشعبي هو مشروع نهضة، وأن «حماس» تمثل الاعتدال، وأن بقايا اليسار العربي لم يضلوا الطريق بل ينتظرون إشارة من طهران ليهتدوا؟ إنها دعوة للحوار وفتح صفحة جديدة، نعم، لكنها أقرب إلى دعوة لحفل تنكري، حيث يرتدي الجميع أقنعة الاعتدال بينما تتناثر حولهم رائحة البارود. هذا كان همسي الأول، وربما ضحكتي المكتومة، حين سمعت الدعوة. فكيف بدا الأمر لكم أنتم؟
طرافة دعوة الحوار تبلغ ذروتها حين نتذكر أن السيد حسن نصر الله، الأمين العام السابق، لم يكن منذ زمن بعيد يخفي عداءه الصارخ للمملكة، بل كان يحتفل علنًا باستهداف منشآتها النفطية، وكأن ضرب الاقتصاد العالمي جزء من برنامج المقاومة الأسبوعي. ثم يأتي قاسم ليقترح حوارًا سياسيًا واقتصاديًا، وكأننا نسينا أن الحوارات تُعقد بين دول، لا بين دول وتنظيمات مدرجة على لوائح الإرهاب، إلا إذا قررنا فجأة أن نعيد تعريف الدولة والمنظمة والإرهاب في قاموس من تأليف الحزب. والأكثر طرافة من ذلك كله أن هذا الحزب يقرر من تلقاء نفسه أن يفتح حوارًا مع دولة تقيم أفضل العلاقات مع لبنان الرسمي، وتسعى بكل أدواتها السياسية والدبلوماسية إلى دعم استقراره.. فهل أصبح الحزب الناطق الرسمي باسم الدولة اللبنانية؟ أم أنه يظن أن امتلاكه للسلاح يمنحه حق التفاوض باسم الجميع؟
نصيحتي للأمين العام لـ«حزب الله» نعيم قاسم أن يقرأ الواقع الحقيقي وينزع عنه غشاوة الآيديولوجية المضللة والتي أهلكت سابقيه وعطلت قطار التنمية في لبنان، ولن يكون حظ لبنان منها غير التشظي والتفكك. وأن يلتفت إلى بيئته - وهذا مصطلحهم الأثير- التي هي بحاجة إلى من يأخذ بيدها ويخرجها من خديعة الانتصارات الوهمية إلى أرض الواقع، وأن يعمل على ربط مستقبل الطائفة الشيعية الكريمة بمستقبل الدولة اللبنانية. أما مسألة الحوار، وفتح صفحات جديدة للعلاقات مع الدول التي كان الحزب سببًا في ضربها، وتحديد مصالح الدولة اللبنانية، فليتركه لرئيس دولة لبنان وحكومتها، فهي الممثلة الحقيقية والشرعية لمكونات الشعب اللبناني.
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟