محمد عبد الكريم فيصل
الحوار المتمدن-العدد: 8479 - 2025 / 9 / 28 - 02:10
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 25 سبتمبر الجاري أمرا تنفيذيا يحدد الأطر والبنود التي سيتم عليها إنهاء صفقة استحواذ الولايات المتحدة على عمليات منصة "تيك توك" داخل أمريكا، وتم نشر عدد من بنود الاتفاق المتوقع والذي نتج عن المحادثات الشاقة التي تمت بين الجانبين الأمريكي والصيني، بعد عدد كبير من التصريحات المثيرة من الجانبين عن التطبيق في إطار الحرب الاقتصادية والتقنية التي تدور بين بكين وواشنطن منذ سنوات..
لكن، هل الأمر يستحق هذا التعنت الأمريكي في إجبار الصين على الوصول لاتفاق بشأن المنصة في الولايات المتحدة، وهي الدولة الأكثر استخداما للتطبيق في العالم بنحو 170 مليون مستخدم نشط!
هناك غايات وأهداف منها المعلن وغير المعلن عن الصفقة وكواليسها، ويكفي أن نشير لعدد من النقاط المحورية التي تساعدنها في معرفة وفهم دلالات هذه الصفقة وانعكاسها على الأوضاع السياسية والأمنية في الولايات المتحدة والعالم.
ترى الحكومة الأمريكية أن "تيك توك" – المملوك لشركة بايت دانس Byte Dance الصينية – قد يتيح للحكومة الصينية الوصول إلى بيانات ملايين المستخدمين الأمريكيين، كالموقع، والاهتمامات، أنماط السلوك، وحتى البيانات الحساسة عنهم. والصين لديها قوانين محلية تسهل على الحكومة استخدام هذه البيانات عند الحاجة إليها. وهذا يمثل لواشنطن خطر محتمل وهاجس دائم في ظل الصراع بين البلدين، فتطبيق تيك توك منصة ضخمة لنشر الأخبار والمحتوى السياسي، ويعتقد بعض المسئوليين الأمريكيين أنه يمكن تسخير لتلك الإمكانيات التقنية للتطبيق في التأثير على الرأي العام الأمريكي خاصة في الانتخابات، عن طريق التحكم في المحتوى المعروض، بالحذف أو التوجية أو التحكم في معدلات انتشاره.
التطبيق تفوق في السنوات الأخيرة بشكل ملحوظ بين الفئات العمرية الشابة والتي تمثل المستخدم الأكثر عددا في جميع منصات التواصل الاجتماعي عالميا. وهذا أمر يسهل من فرض أي رواية سياسية أو اجتماعية في أي سياق كان، ويمكن ملاحظة ذلك على سبيل المثال داخل الصراعات الجارية في الشرق الأوسط والحرب الروسية الأوكرانية. في نهاية العام الماضي 2024 بلغ عدد مستخدمي التطبيق للفئة العمرية 18-24 سنة حوالي 36% من إجمالي مستخدمي التطبيق. وبلغت الفئة العمرية 25-34 نحو 33% من إجمالي مستخدمي التطبيق، أي بلغت فئة الشباب التي تستخدم التطبيق من إجمالي المستخدمين حول العالم قرابة 69-70%، وهو عدد ضخم يعكس مدى سهولة توظيف هذا التطبيق في التأثير على توجهات الرأي العام لهذه الفئة الأكبر عددا والأكثر ديناميكية في المجال العام لأي دولة.
البنود المعلن عنها في الصفقة – التي تقدر بـ 14 مليار دولار - تشير إلى نية الحكومة الأمريكية الاستحواذ على نصيب الأسد من حصة السوق الأمريكي، والتي تقارب الـ 80%، مقابل 20% للشركة الصينية الأم المالكة للمنصة. الأمر المثير للاهتمام في الصفقة هو نية الحكومة الأمريكية إلى إعادة برمجة خوارزمية المنصة في أمريكا ليتفق مع محددات الأمن السيبراني والمعلوماتي الأمريكي، وهي من النقاط موضع الخلاف حاليا بين الجانبين في مساعي إتمام الصفقة، وهذا يعكس ربما وجود خطط أمريكية لوضع استراتيجية جديدة لإعادة توجيه الرأي العام لمستخدمي التطبيق صوب أيديولوجيات معينة تتوافق مع السياسيات الأمريكية.
تشير الشواهد المختلفة أنه من المستفيدين المحتملين من إتمام هذه الصفقة الحكومة الإسرائيلية.. قد يبدو الأمر غريبا بعض الشيء، خاصة أنه لا توجد روابط مباشرة في مفاوضات الصفقة بين الجانبين الأمريكي والصيني وإسرائيل، إلا أن التصريحات الأخيرة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن التطبيق توحي باهتمام إسرائيلي عميق بالمنصة وأثره في الرأي العام العالمي، وتحديدا في ظل الحروب العنيفة التي تشنها إسرائيل في غزة ومناطق مختلفة من الشرق الأوسط. قال نتنياهو نصا في أحد اجتماعاته الأخيرة: "علينا أن نقاتل بالأسلحة المناسبة.. لساحات المعارك التي نشارك بها وأهمها وسائل التواصل الاجتماعي وأهم عملية شراء تتم الآن هي منصة تيك توك.. تيك توك رقم واحد وأتمنى أن تتم لأن نتائجها حاسمة".
لا برهان أدق من هذه التصريحات على نية واهتمام الحكومة الإسرائيلية بتدجين تلك المنصة لتتسق مع الرواية والبروباجندا الإسرائيلية التي فقدت بريقها وشوهت صورتها بفعل جرائم الحرب التي ارتكبتها بحق آلاف المدنيين والأبرياء في غزة وخارجها. حديث نتنياهو المفعم بالتمني والتلهف لإتمام الصفقة نابع من حاجة إسرائيلية عميقة لترميم صورة الدولة التي انتفض ضدها الآلاف من النشطاء والمؤثرين في جميع أنحاء العالم، وظهر ذلك جليا في أحدث صوره خلال خطاب نتنياهو الأخير في الجمعية العامة للأمم المتحدة أثناء خروج عددد كبير من وفود وممثلي البلدان الحاضرة عند صعوده للمنصة لإلقاء كلمته المقررة في المؤتمر.
لا شك أن إسرائيل تعتبر من أقوى الدول تقنيا في مجال الأمن السيبراني، والشركات التقنية الإسرائيلية في تعاون دائم مع وزارة الدفاع والشركات الأمريكية الكبرى، وأية قيود جديدة على تيك توك أو نقل بياناته للولايات المتحدة يمكن أن تتيح فرص لشركات إسرائيلية تبيع خدمات حماية البيانات والمراقبة والتحليل للكيان الجديد الذي سيدير المنصة في أمريكا. وفي خضم الجدل حول الصفقة برز اسم رجل الأعمال الأمريكي "لاري إليسون" كأحد الشركاء في الصفقة الجديد للتطبيق، ويرى مراقبون أن لدى إليسون تاريخ طويل من التعاون مع المخابرات الأميركية، والدعم السياسي والعسكري لإسرائيل، ويتوقع أن ينضم إمبراطور الإعلام اليهودي روبرت مردوخ إلى الصفقة أيضا، الأمر الذي فتح الباب للعديد من التكهنات حول الدور الجديد للمنصة في ظل زيادة النفوذ الإسرائيلي داخل أروقة الشركات التقنية والأمنية الكبرى في الولايات المتحدة، ومدى تأثير ذلك مستقبلا على العالم الافتراضي والرأي العام المرتبط به.
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟