سعد ناجي جواد
الحوار المتمدن-العدد: 8474 - 2025 / 9 / 23 - 10:09
المحور:
القضية الفلسطينية
منذ ان اعاد الرئيس ترامب ترشيح نفسه لولاية ثانية، وقياسا على فترته الأولى، ظهرت آراء واضحة تقول ان عودته للبيت الأبيض ستكون لها اثار سلبية كبيرة على القضايا العربية، وعلى القضية الفلسطينية بالذات. مع الأسف فان عدد غير قليل من العرب والمسلمين، وما زال البعض منهم، خُدِعوا بأقواله واقوال المروجين لحملته. النتيجة كانت انه منذ اليوم الأول لوصوله الى البيت الأبيض، وبعد ان كان قد وعد بوقف الحرب في غزة، (ومعها الحرب في اوكرانيا) في غضون أيام، اتخذ قرارا برفع الحظر عن اسلحة ثقيلة لاسرائيل كانت ادارة بايدن قد اوقفتها لإجبار الاحتلال على إيقاف الحرب، ثم زاد على ذلك بان قدم مشروعا غير معقول ولا يحترم ابسط حقوق الإنسان يقضي بإخلاء غزة بالكامل من سكانها، أكثر من مليوني نسمة، لكي يعيد بنائها (كمنتجع سياحي بسبعة نجوم!)، بينما السبب الحقيقي هو لتقديمها فارغة من السكان هدية لنتنياهو. وبدلا من إجبار الحكومة الإسرائيلية على فتح المعابر وإدخال المساعدات الإنسانية الى القطاع، نجده يعطي نتنياهو المهلة تلو الأخرى لكي يستمر في قتل الآلاف من الفلسطينيين، مغلفا ذلك بكلام لا ينطلي على طفل صغير.
وإذا ما اردنا ان نتجاوز عن موقفه الأخير الباهت والمراوغ من الهجوم الإسرائيلي الغادر على قطر، الدولة الحليفة للولايات المتحدة، وإدعائه بانه اُعلِم بالأمر في اللحظات الأخيرة، فان حديثه في المؤتمر الصحفي الذي عقده مع رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر في لندن (18 ايلول/سبتمبر الجاري) اعطى فكرة أوضح عن رؤيته لما يجري في غزة. فأولا وقبل كل شيء قال انه اختلف مع ستارمر في مسالة اساسية واحدة وهي فكرة اعتراف بريطانيا بدولة فلسطين، بالرغم من علمه بان هذا الإعتراف يبقى معنوي لا يحقق قيام دولة فلسطينية.
هذا الموقف ليس بالجديد لانه سبق وان هاجم فرنسا وهدد كندا وكل من طرح فكرة الإعتراف بدولة فلسطين، حتى وان كان ذلك على الورق. ثم أظهر موقفا واضحا وصريحا اكبر، حينما رد، وبوجه متجهم وعابس وغاضب، عندما سئل عن الحرب في غزة قائلا: ان ما قامت به حماس في 7 اكتوبر هو (جريمة بشعة غير مسبوقة في التاريخ البشري ولا يمكن غفرانها!) وان التركيز يجب ان يكون على إطلاق سراح الرهائن جميعا، الأحياء منهم والأموات، وبأسرع وقت. وعندما سئل فيما اذا كان اطلاق سراح الأسرى سوف ينتج عنه ايقاف الحرب اجاب (ربما). وهذا الجواب بحد ذاته يعني عدم وجود نية لفعل ذلك. بكلمة أخرى فان الرئيس ترامب اعطى دليلا واضحا ان حياة 24 اسيرا او رهينة إسرائيلية عند حماس اهم بكثير عنده من حياة اكثر من مليوني فلسطيني يتعرضون للقتل يوميا (بمعدل 70-100 شخص) على يد جنود إسرائيليين مدججين بأسلحة امريكية فتاكة. أضف إلى ذلك انه منذ ان التقى نتنياهو في البيت الأبيض وأسعده بطرح فكرة إفراغ غزة من سكانها شجع نتنياهو على توسيع المجازر، وظل يكرر نفس الفكرة مؤكدا (ان كل اهل غزة سيرحلون ونحن لسنا في عجلة من أمرنا).
هذه المواقف الواضحة والصريحة جاء ما يؤكدها في نفس اليوم (18 ايلول/سبتمبر) عندما إستخدمت الإدارة الامريكية حق النقض (الفيتو) للمرة السادسة منذ 2023 ضد مشروع قرار تقدمت به الدول العشر غير الدائمة في مجلس الأمن يقضي بالوقف الفوري للحرب واطلاق سراح الاسرى وإدخال كميات كبيرة من المساعدات والإحتياجات الضرورية لسكان غزة. قبل ان يبدا التصويت على مشروع القرار قالت مندوبة الولايات المتحدة في المجلس (سيئة الصيت مورغان اورتيكاس التي عرفت بتهديداتها للمقاومة وللحكومة اللبنانية)، ان قرار الرفض يجب ان لا يفاجئ احد، مكررة النغمات القديمة التي دأبت واشنطن عل ترديدها مثل (ان القرار لم يذكر حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها)، وانه (ساوى بين إسرائيل وحماس)، و (ان القرار يضفي شرعية خاطئة على الروايات الكاذبة التي تنفع حماس) و(ان القرار يسعى لإعادة حماس الى حكم غزة). علما بان القرار حظى بموافقة كل الدول الأعضاء الدائمين (بريطانيا وفرنسا وروسيا والصين) وغير الدائمين، ولم تعارضه سوى الولايات المتحدة. هذا الموقف دفع مندوبة الدنمارك للتذكير بخطورة المجاعة التي تصر اسرائيل على فرضها والتي اجبرت الامهات (على غلي اوراق الاشجار لإطعام اطفالهن، والاباء للبحث بين الانقاض عن قوت لهم).
اما مندوب الجزائر في المجلس السيد عمار بن جامع فلقد تحدث بصوت يعتصره الألم قائلا (ايها الاشقاء والشقيقات في فلسطين سامحونا، وخاصة انتم في غزة حيث النيران تأكلكم والركام يخنقكم، سامحونا لان هذا المجلس لم يتمكن من انقاذ اطفالكم الذين قتلت اسرائيل اكثر من 18000 طفلا منهم، سامحونا لان هذا المجلس لم يتمكن من حماية نسائكم اللواتي قتلت اسرائيل اكثر من 12000 منهن، سامحونا لان المجلس لم يستطع حماية المسنين الذين قتلت اسرائيل اكثر 4000 منهم، سامحونا لان هذا المجلس لم يتمكن من الدفاع عن اطبائكم وممرضيكم ومسعفيكم الذين قتلت اسرائيل اكثر من 1400 فردا منهم، سامحونا لأننا لم نتمكن من الدفاع عن صحافييكم وصحافياتكم الذين قتلت اسرائيل اكثر من 250 منهم، سامحونا لأننا لم نتمكن من حماية عامليكم في المجال الإنساني الذين قتلت إسرائيل اكثر من 500 منهم، سامحونا لأن المجاعة تنتشر بينكم ولم يتمكن هذا المجلس حتى من إيقافها او ايقاف التهجير القسري الذي يفرض عليكم، ولأن المساعدات الإنسانية قد تم تحويلها الى سلاح ضدكم، ولم يتمكن هذا المجلس من كسر الحصار على غزة، سامحونا لأن العالم الذي يتحدث عن الحقوق يحرمكم منها انتم الفلسطينيون، سامحونا لان جهودنا الصادقة تصطدم بجدار الرفض المستمر في هذا المجلس، سامحونا لأننا لم نستطع مساعدتكم لأن اسرائيل محمية ولأنها تفلت من العقاب ليس بسبب القانون الدولي ولكن بسبب الانحياز في نظامنا الدولي، اسرائيل تقتل يوميا وتجوع شعبا بكامله ولا يحرك احدا ساكنا. اسرائيل تقصف المستشفيات والمدارس والملاجئ ولا شيء يحدث، اسرائيل تعتدي على الوسيط المفاوض [قطر] وتدوس بقدمها على الأعراف الدبلوماسية ولا يحرك احدا ساكنا. يا للعار على عجزنا، يا للعار على الابادة الجماعية التي تتجلى امام اعيننا ونحن ساكتون).
واذا كان موقف الادارة الأمريكية الحالية لا يثير الإستغراب لأن الخط البياني الداعم لاسرائيل والخاص بالرؤوساء الأميركان، ومنذ تولي الرئيس ليندن جونسون منصبه في 1963، ظل يتصاعد حتى وصل الى مرحلة الدعم اللامتناهي لإسرائيل، فان ما يثير الإستغراب ان ينظم الفاتيكان الى هذه السياسة. لقد دأبت الكنيسة الكاثوليكية والبابوات الذين توالوا عليها، على الوقوف والدفاع عن حقوق الانسان لكل البشر، إلا ان البابا الحالي ليو الرابع عشر، اتخذ (وفي نفس اليوم 18 ايلول) موقفا لابد وان يثير علامة إستفهام كبيرة، حيث صرح في مقابلة له (ان الناس دأبت على إطلاق صفة الإبادة بصورة متكررة… في حين ان هناك تعريف فني للغاية لمعنى الإبادة)، ليخلص الى القول بانه ( ليس مستعدا لتصنيف حملة إسرائيل في غزة على انها إبادة جماعية) لانها لا تتطابق مع التعريف الذي لم يذكره.
بالإضافة إلى ان تصريحه جاء هذا التصريح متناقضا مع ما قاله وفعله سلفه البابا فرانسيس، الذي دعا في عام 2024 الى اجراء تحقيق في تهمة الابادة الجماعية، فان البابا الجديد لم يعر اي اهمية الى التقرير الصادر عن مجلس حقوق الانسان التابع للامم المتحدة، (الذي صدر قبل يومين من تصريحه في 16 ايلول/سبتمبر)، والذي اكد على ان اسرائيل ترتكب ابادة جماعية في قطاع غزة، ودعا المجتمع الدولي الى وقفها واتخاذ اجراءات ضد المسؤولين عنها. والسؤال هو هل جاء موقف البابا ليو الرابع عشر بتأثير من ادارة الرئيس ترامب، التي قيل انها سعت بقوة من أجل إنتخابه، او من النفوذ الصهيوني الذي استطاع التغلغل في الفاتيكان؟ وايا كان الجواب فان عدم مسارعة البابا ليو الرابع عشر لتصحيح الخطأ الذي وقع فيه سيُخسِر الكنيسة الراي العام في العالمين العربي والإسلامي، وخاصة، والأهم عند الأشقاء المسيحيين الفلسطينيين الذين يرون بأم عينهم صور الإبادة الجماعية وتهديم كنائسهم وتحويل مناطقهم الى مستوطنات يهودية.
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟