محمد عبد الرؤوف محاميد
الحوار المتمدن-العدد: 8474 - 2025 / 9 / 23 - 02:16
المحور:
الادب والفن
منذ العروض الأولى لمسرحية "العالقان بين نقطتين" يحقق مسرح الميادين - أم الفحم نجاحا منقطع النظير، يقدم عملاً مسرحياً عميقاً يناقش قضايا الهوية والحرية والاضطهاد. ويحصل على جائزة أفضل ممثل في مهرجان تسافتا للمسرح لعام 2025.
افتتح مسرح الميادين عرضه الأول في قاعة مسرح مركز العلوم والفنون في ام الفحم (يوم الثلاثاء 09/09/2025)، حيث قدم الممثلان سامي محاميد واحمد عادل جبارين عرضاً استثنائياً لمسرحية "العالقان - بين نقطتين" من تأليف خالد صالح محاميد، وإخراج محمد عبد الرؤوف محاميد، ومن إنتاج جمعية الميادين لتطوير المسرح والفنون الأدائية الفحماوية. العمل الذي يحمل عنواناً فرعياً "بين نقطتين" يطرح تساؤلات عميقة حول طبيعة الوجود الإنساني والصراع بين القوة والضعف، بين المضطهِد والمضطهَد.
ملخص المسرحية: تدور أحداث المسرحية في إطار سوريالي على جزيرة منعزلة، حيث يجد شخصان - "الأنا" و"الآخر" - نفسيهما مقيدين بالسلاسل بعد أن قذف بهما البحر إلى هذا المكان. يدور بينهما حوار طويل يكشف عن تناقضات جذرية في فهم الحياة والحرية والكرامة الإنسانية.
العمل مقسم إلى عدة لوحات تتنوع بين الحوار الفلسفي المباشر والمشاهد الرمزية التي تصور معاناة الشعوب المضطهدة. يظهر "الأنا" كممثل للمقاوم الذي يؤمن بالكرامة والحرية رغم القيود، بينما يمثل "الآخر" المنطق البراغماتي للقوة والسيطرة.
المواضيع المطروحة بالمسرحية
يناقش الفنان المسرحي خالد صالح محاميد في نص المسرحي عدة محاور أساسية في حياة المجتمع ومنها:
الحرية والاضطهاد: يناقش العمل مفهوم الحرية الداخلية مقابل الحرية الجسدية، حيث يرى "الأنا" أن القيود الجسدية لا تلغي الحرية الروحية والفكرية، بينما يعتبر "الآخر" أن القوة هي المقياس الوحيد للحرية.
الهوية والانتماء: تبرز المسرحية قضية البحث عن الهوية في ظل ظروف القهر، وكيف يمكن للإنسان أن يحافظ على جوهره رغم محاولات الآخرين طمسه.
العدالة والظلم: يطرح النص تساؤلات عميقة حول طبيعة العدالة، ودور الفرد في مواجهة الظلم، ومفهوم المقاومة كواجب أخلاقي.
الذاكرة الجماعية: تؤكد المسرحية على أهمية الذاكرة الجماعية كوسيلة للبقاء والمقاومة، حيث يقول "الأنا": "لدي ذاكرة جماعية.. بيني وبين الهواء والشمس والمطر".
جائزة أفضل ممثل
وفي عرضه الثاني (يوم السبت: 13/09/2025)، شارك مسرح الميادين في مهرجان تسافتا السنوي في مدينة تل-أبيب. واقتنص جائزة أفضل ممثل من بين عشرات الممثلين الذين شاركوا بالمهرجان (من 22 فرقة مسرح) من مختلف أنحاء البلاد.
الأداء التمثيلي: قدم سامي محاميد أداءً مميزا ومقنعاً في دور "الأنا - المضطهد"، مجسداً شخصية معقدة تتأرجح بين القوة والضعف، بين الثقة والشك. نجح في إظهار التناقضات الداخلية لشخصية تمثل منطق القوة والسيطرة.
من جانبه، قدم أحمد عادل جبارين بأداءً متميزاً في دور "الآخر - المسيطر"، حيث نجح في إيصال عمق المعاناة الإنسانية والصمود أمام المحن. كان أداؤه مليئاً بالشاعرية والقوة الداخلية التي تتطلبها شخصية "الأنا".
التفاعل بين الممثلين كان طبيعياً وعميقاً، مما خلق توتراً درامياً مستمراً يحافظ على انتباه الجمهور طوال العرض.
الإخراج والرؤية الفنية: نجح محمد عبد الرؤوف في إخراج عمل مهني متماسك يوازن بين الفلسفة والدراما. الإخراج اعتمد على البساطة في الحركة والتركيز على قوة النص والأداء. كان واضحاً اهتمام المخرج بإبراز الطابع الحركي والحواري للعمل دون الوقوع في فخ الرتابة.
التقنيات المسرحية
الإضاءة: قام نعمة زكنون بتصميم إضاءة ذكية تدعم المعنى العام للعمل. استخدام تقنية اللعب بالضوء والظل عكس التناقضات الموجودة في النص، وساهم في خلق أجواء تتراوح بين الأمل واليأس.
السينوغرافيا: تميز التصميم بالبساطة والرمزية، حيث اعتمد على عناصر قليلة لكنها معبرة. استخدام السلاسل كعنصر أساسي في الديكور عكس المعنى المحوري للمسرحية حول القيود والحرية.
الموسيقى: صوت الوجدان الخفي
أما الموسيقى من إعداد محمود جبارين، فقد رافقت أحداث "العالقان بين نقطتين" كظلٍّ يكشف عن الأحاسيس المتقلبة، فكانت العود والجيتار أكثر من مجرد أدوات عزف، بل أصواتًا داخلية تُعبّر عن صراع الأنا والآخر في دواخلهم قبل أن تنطق به الشفاه.
تعتبر مسرحية "العالقان - بين نقطتين" عمل مسرحي جاد وعميق يطرح قضايا إنسانية مهمة بلغة شاعرية وفنية راقية. العمل يؤكد على أهمية المسرح كمنبر للتفكير والحوار حول القضايا الجوهرية في الحياة.
رغم بعض التحديات المتعلقة بالكثافة الفلسفية، إلا أن العمل يستحق المشاهدة والتأمل، خاصة لمن يبحث عن مسرح حقيقي يحاور العقل والوجدان معاً.
هذا العمل يضع مسرح أم الفحم البلدي وجمعية الميادين في مقدمة المؤسسات المسرحية التي تهتم بالمضمون الفكري والفني العالي، مما يساهم في إثراء الحركة المسرحية المحلية والعربية.
إن هذا العمل متميز يستحق المتابعة والحوار، يؤكد على دور المسرح في طرح الأسئلة المهمة وإثراء الحوار الثقافي في المجتمع.
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟