أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سناء عليبات - حين يصبح الترند معيار البطولة: البلوغر VS الشهيد في عصر الحداثة السائلة















المزيد.....

حين يصبح الترند معيار البطولة: البلوغر VS الشهيد في عصر الحداثة السائلة


سناء عليبات

الحوار المتمدن-العدد: 8463 - 2025 / 9 / 12 - 09:05
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


لم يعد زمن الأبطال ممكنًا، كما لم يعد زمن الشهداء أو زمن الذاكرة التي تحفظ أسماءهم. لم تعد التضحية معيارًا للمجد، ولم يعد الفعل وحده قادرًا على تثبيت المعنى. اليوم، يُختبر الصدق في الصورة: صورة تتكرر، تُعرض، وتُستهلك، فتكتسب خلودًا يتجاوز أي فعل أو اسم. ما كان يومًا رمزًا للبطولة صار مادة للاستهلاك، والذاكرة التاريخية صارت عرضة للزوال قبل أن تُفهم. في هذا التحوّل، يصبح الترند معيارًا جديدًا للبطولة، والمشهور مثالًا يُحتذى به، لا الفعل المجيد.
ما يحدث ليس مجرد تبدّل في الذائقة، بل تحوّل جذري في بنية الفهم. الطريقة التي نعي بها ذواتنا اهتزّت، ومفهوم المعنى صار هشًّا، متحوّلًا بحسب إيقاع الصورة الرقمية. المجتمع الذي يزيح الشهيد من ذاكرته الجمعية ينسحب من التاريخ بوصفه فاعلًا، ويصبح أسيرًا للعرض، أسيرًا للترند. أمّا الفرد الذي يقاس وجوده بالظهور، فلا يملك سوى هوية عابرة، متشظية، مسيّرة بخوارزميات الصورة لا بقوانين الفعل ولا بواجب الأخلاق.
انحسر المجد عن شرطه التراجيدي، وصار المعنى يُنتج في الفضاء الرقمي، في ما يلمع ويجذب الأنظار. الفعل تراجع أمام المشهد، والصورة أسرع من أي اسم خُطّ في ذاكرة الجماعة. حتى التضحية الرمزية أصبحت تُقاس بعدد اللايكات وبمدى قابليتها للانتشار، لا بمعناها الأخلاقي أو التاريخي.
يمكن أن نلاحظ ذلك في مشهديات العصر الرقمي: فيديوهات قصيرة على تيك توك أو إنستغرام تحقق ملايين المشاهدات، في حين أن الفعل الحقيقي أو التضحية الكبرى غالبًا ما تمرّ دون تقدير. الترند صار ساحة المعركة الجديدة، واللايك علامة الانتصار، كما يؤكد باومان: "الإنسان في الحداثة السائلة لا يبقى إلا ليُرى، والروابط الاجتماعية تتحلل أسرع من أن يُبنى أي معنى"
هنا يبرز التحوّل الرمزي: البطولة لم تعد تُقاس بما يُقدّم من دم أو تضحية، بل بما يُعرض ويُستهلك، وبمدى حضور الصورة في فضاء الافتراضي، حيث الزمن السائل يلتهم كل أثر قبل أن يُفهم.
الهوية اليوم انفصلت عن جذورها الصلبة، ولم تعد تتكوّن من ذاكرة أو مشروع جماعي. صارت سيرورة متحركة، تتشكّل وتذوب وفق إيقاع الترند وضغط الخوارزميات. المعنى لم يعد يُنتج من الالتزام أو الفعل الأخلاقي، بل من الاعتراف البصري، حيث الفلتر يحل محل الماهية، وعدد المتابعين يصير معيار الوجود: "في عالم تتدفق فيه العلاقات والهويات، يصبح الماضي غير مضمون والحاضر مؤقتًا، ويتشكل كل شيء وفق متطلبات اللحظة الراهنة."
الفرد يبحث عن تأكيد ذاته في أنظار الآخرين، فتتفتت الذاكرة، ويغدو الاستمرار بلا مضمون، الهوية هنا ليست مشروعًا متماسكًا، بل انعكاس متحوّل، مرهون بالعرض الرقمي، بلا جذور، بلا استمرار، بلا التزام بالقيم. هذه الهوية السائلة تعكس هشاشة المجتمع ذاته: الفرد يعيش في "لحظة بعد لحظة"، يتحرك من صورة إلى أخرى، من ترند إلى آخر، دون رسوخ أو جوهر.
الانتماء لم يعد يُبنى على الدم أو على مشروع جماعي يضمن استمراريته، بل صار هشًّا ومؤقتًا، يتشكل في فضاء المنصات الرقمية حيث الهاشتاغ هو الرابط وعدد المتابعين معيار الاعتراف. ما يبدو مشاركة هو في جوهره عرض رقمي: كل صورة، كل منشور، كل قصة، تسليم جزئي للخصوصية ولمنطق اقتصاد الانتباه. الفرد يُقدّم ذاته كسلعة في السوق الاجتماعي، والانتماء صار انعكاسًا لحركة المؤشرات الرقمية :" الهوية الإنسانية لم تعد مشروعًا جماعيًا أو ذاكرة متواصلة، بل انعكاس متحوّل، مرهون بالتفاعل الاجتماعي الظاهر، غالبًا عبر الشاشات."
كل ترند يُلاحق، وكل محتوى يُنتج، يمثل بيعًا للذات وللاستمرارية، بينما تتحوّل الجماعة إلى جمهور يستهلك الظهور، لا إلى فضاء لتوليد المعنى أو تثبيت الذاكرة. كما يلاحظ باومان: "نحن نعيش زمنًا يصير فيه الإنسان عاريًا أمام الشاشة، وتُقاس الروابط الاجتماعية بمدى قدرة الذات على البقاء مرئية، لا بمدى تماسك الجماعة أو رسوخها. الانتماء أصبح لحظة استعراضية، مرتبطة بخوارزميات المشاهدة، لا بعهد أو مشروع جماعي.
انفصلت المسؤولية عن مشروع جماعي أو التزام أخلاقي طويل المدى، وتحولت إلى لحظات فردية تُقاس بمدى قابليتها للظهور. الفعل السياسي صار عرضًا، والفعل الأخلاقي صار استجابة للترند، لا للعدالة أو التضحية. الإنسان أصبح يقدّر ذاته حسب تفاعل الآخرين معه، لا حسب التزامه بالقيم :" الفعل في الحياة السائلة لم يعد مرتهنًا بالالتزام أو بالقيم، بل بقياس قدرته على البروز والظهور؛ الأخلاق والسياسة أصبحا لحظات عرضية أكثر من كونهما مشاريع جماعية."
في هذه اللحظة التاريخية تتهاوى مؤسسات الفعل الجمعي، حيث لا مكان لها في هذه المرحلة لأن هذه الروابط مجرد علاقات تخضع لقيم الاستهلاك وهذا ما يتفق فيه زيجمونت باومان مع آلان تورين حيث يقول : " لقد انهار العالم الذي سميناه اجتماعيا، وذلك حكم لا يفاجئنا، طالما أن ملايين الناس يعربون عن أسفهم لانقطاع الروابط الاجتماعية وانتصار النزعة الفردية المفكرة."
لكن الوعي بهذه الديناميكية هو السبيل لاستعادة الحد الأدنى من العمق: الفعل النقدي اليوم ليس الامتناع عن الظهور فحسب، بل خلق مساحة للمعنى خارج دائرة العرض والمشاهدة، حيث يمكن للذات أن تنتج قيمة لا تتوقف على التفاعل الرقمي، بل على الالتزام الأخلاقي والفعل السياسي الحقيقي.
البطولة لم تسقط، لكنها تغيّرت وسُرقت من فعلها. الهوية لم تعد جوهرًا بل انعكاسًا متحوّلًا، والانتماء صار مؤقتًا، والمسؤولية مجرد انعكاس هشّ. ما يجري ليس مجرد تبدّل اجتماعي، بل انكسار في أفق الكينونة: الوجود صار مرئيًا أكثر مما هو فعلي، وكل صلابة ذابت في سيولة، وكل معنى صار أثرًا عابرًا.
الفلسفة هنا ليست حنينًا إلى الماضي، بل مقاومة للصورة التي تبتلع الإنسان. السكون أمام هذا التحوّل يعني الشراكة في المحو: محو الكثافة الوجودية، ومحو آخر ما تبقّى من الإنسانية. الفعل النقدي هو رفض الانكشاف، هو إعلان قدرة الذات على إنتاج معنى خارج المنصة الرقمية، خارج دائرة الترند، خارج اقتصاد الانتباه.
هذا ما يستدعي ضرورة إعمار الفضاء العام باعتباره فضاء تتشكل فيه حركة الفكر وتتبلور فيه أشكال النقد أمام كل ما يتنافى مع إنسانية الانسان، فلا يمكن استرجاع الوعي الفردي الا عبر الفضاء العام: ى لا يمكن للفرد الصوري بحكم القانون إلى الفرد الفعلي بحكم الواقع من دون أن يصر المواطن قبل كل شيء، فما من أفراد مستقلين من دون مجتمع مستقل."






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- من هو الرئيس البرازيلي صديق ترامب الذي حاكمه القضاء بالسجن 2 ...
- الإمارات تستدعي نائب السفير الإسرائيلي وتبلغه إدانتها الشديد ...
- واشنطن بوست: حرب الهند الخفية ضد إحدى أقدم حركات التمرد في ا ...
- الجزيرة نت ترصد تفاصيل ساعات عصيبة عاشتها مدينة طولكرم
- بريانكا شوبرا ونيك جوناس يلفتان الأنظار بأسبوع الموضة في نيو ...
- بعد -هجوم الدوحة-.. الإمارات تتخذ خطوة دبلوماسية تجاه إسرائي ...
- إسرائيل تعرض على سوريا إدخال المساعدات إلى قطاع غزة ولكن كيف ...
- مكتب التحقيقات الفيدرالي ينشر فيديو للمسلح المشتبه به في إطل ...
- إسرائيل أخذت مكان إيران كأكبر تهديد أمني لدول الخليج - في ال ...
- أنقرة بدأت تدريب ودعم الجيش السوري بموجب اتفاق تعاون عسكري


المزيد.....

- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سناء عليبات - حين يصبح الترند معيار البطولة: البلوغر VS الشهيد في عصر الحداثة السائلة