أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - *نور حسن - من الحكاية إلى التاريخ وصوت الهامش















المزيد.....

من الحكاية إلى التاريخ وصوت الهامش


*نور حسن

الحوار المتمدن-العدد: 8459 - 2025 / 9 / 8 - 14:29
المحور: الادب والفن
    


بين الحكاية والفلسفة وصوت الهامش: قراءات في أساليب حسن عبد الهادي، عمر يونس، وملك الشيهي**

حسن عبد الهادي… بين الحكاية والفلسفة

يطلّ الكاتب حسن عبد الهادي على القارئ عبر نصوصه القصصية (أرض الخمول) ومقالاته الفكرية (تأملات) بملمح أسلوبي خاص، يزاوج فيه بين البساطة التعبيرية والعمق الفلسفي، في بناء لغوي يميل أحيانًا إلى الشعرية وأحيانًا أخرى إلى التقرير المباشر. هذا التنوع يضعه في منطقة وسطى بين القاص الحكّاء والمفكر المتأمل.

1. السرد القصصي: المشهد والرمز

في أرض الخمول، يتجلى ميل عبد الهادي إلى اللقطة المكثفة أكثر من البناء السردي التقليدي. قصص مثل نملة، مرآة، طفولة لا تقوم على حبكة مطوّلة، بل على مشهد واحد يحمل طابعًا رمزيًا:

النملة المسحوقة تصبح مرآة لضعف الإنسان أمام السلطة.

المرآة تكشف هشاشة الهوية.

الطفولة تتحول إلى جرح أول يظل مفتوحًا.


أسلوبه هنا يقوم على:

التكثيف: جمل قصيرة، متوترة، تخلق إيقاعًا سريعًا.

المفارقة: النهاية المفاجئة التي تترك أثرًا صادمًا في ذهن القارئ.

التناص الرمزي: حضور الحيوان، الأشياء، أو المكان كرموز تتجاوز ظاهرها.


2. الكتابة التأملية: الفلسفة المبسطة

أما في تأملات، فيميل الكاتب إلى الخطاب الفلسفي المبسّط، حيث يستحضر أسماء كـ"سقراط، أبيقور، كانط، هيوم" إلى جوار الأمثال الشعبية والحِكم اليومية.

أسلوبه في المقالات يتسم بـ:

المزج بين المرجعيات: الفلسفة الغربية مع التراث الديني والشعبي العربي.

الحوار مع القارئ: عبر أسئلة مباشرة مثل: هل تخاف؟ مم تخاف؟، الأمر الذي يحوّل المقال إلى مساحة تفكير مشترك.

النبرة الوجودية: تركيزه على موضوعات مثل الشر، المعاناة، الحرية، الهوية، وهي قضايا تعكس قلق الإنسان المعاصر.


3. اللغة بين الشعرية والتقريرية

يمتلك عبد الهادي لغة متقلبة بين:

شعرية مكثفة في نصوص مثل بكاء صامت ومرآة، حيث تتخلل السرد صور بلاغية وانفعالية.

مباشرة تقريرية في مقالاته الفلسفية، حيث يميل إلى الشرح والتبسيط، وربما التضحية بالعمق أحيانًا لصالح وضوح الفكرة.


4. ملامح الأسلوب

التجريب: كسر القوالب التقليدية للقصة القصيرة.

الاغتراب: حضور دائم لشخصيات منكسرة، خائفة، أو متأملة في مرارة الوجود.

الازدواجية: الجمع بين صوت "القاص" الذي يروي لحظة، وصوت "المفكر" الذي يحلل معنى الحياة.


خلاصة أسلوب حسن عبد الهادي يمكن وصفه بأنه: أسلوب جدلي-تأملي؛ فهو لا يكتفي بسرد الحكاية بل يبحث عن فلسفتها، ولا يكتفي بطرح الفكرة بل يلبسها ثوب الحكاية. قوته تكمن في القدرة على تحويل التفاصيل الصغيرة إلى رموز كبرى، وضعفه أحيانًا في غياب الوحدة أو سقوط بعض النصوص في المباشرة. ومع ذلك، فإن نصوصه – قصصًا ومقالات – تظل مساحة مفتوحة للتفكير والحوار، وتحفر مكانًا خاصًا له في المشهد الأدبي العربي المعاصر.


---

عمر يونس… حين تتحول الرواية إلى مرآة للتاريخ

في روايته “راية جماعة البك”، يدخل عمر يونس مغامرة سردية شاقة، يقتنص فيها لحظة مصر ما بين ثلاثينيات القرن الماضي وليل يوليو 1952. ليست الحكاية هنا مجرد سرد لتواريخ أو وقائع محفوظة في كتب السياسة، بل هي محاولة لإعادة التاريخ إلى الشارع، إلى الملاجئ المظلمة، وإلى العيون المرتعشة التي عاشت الاحتلال كجرحٍ يومي.

يمتاز أسلوب يونس بقدرته على نسج لوحة بانورامية واسعة: شخصياته يتامى، جنود، راقصات، فدائيون، وسياسيون، يلتقون جميعًا تحت سماء القاهرة المضطربة. لكنه لا يكتفي بترتيبهم على خشبة مسرح التاريخ، بل يمنحهم لغة داخلية وصوتًا متباينًا؛ فالفصحى تنساب في السرد لتصنع جدية الموقف، بينما العامية في الحوار تستحضر حرارة الأزقة وتفاصيل اللهجة المصرية التي تختلف تمامًا عن حاضرنا.

يملك الكاتب موهبة التقاط التفاصيل الحسية: رائحة الجدران، صرير الأبواب، طعم الخوف في الحلق، نظرة الأم التي تتوارى خلف دمعة. هذه التفاصيل تمنح النص حياة، وتجعله يقترب من أسلوب السينما الواقعية أكثر منه من الحكي التقليدي. غير أن هذا الثراء قد يتحول أحيانًا إلى إفراط وصفي يثقل إيقاع الرواية ويؤخر اندفاعها.

أما شخصياته، فهي محمّلة دائمًا بالتناقض: شنودة، اليتيم الذي يبحث عن وطن في قلب بلا ملامح، وكلارك، الجندي الإنجليزي الذي ينقلب على جلاده، ونبوية التي تحمل عبء الأمومة والخيانة معًا. أما شخصية القصاب والتباينات الصعبة الكامنة فيها، فقد أصابت القارئ بالذهول أمام قدرة عمر على كتابتها بهذه البلاغة. في كل شخصية نجد بعدًا رمزيًا، كأن يونس يريد أن يقول إن الفرد ليس إلا مرآة لوطنه، وإن الخيانة أو البطولة لا تنفصل عن الأرض التي نعيش عليها.

لكن اتساع الرقعة السردية وتعدد المسارات قد يُربك القارئ، إذ يضيع الخيط المركزي أحيانًا بين توثيق حادثة تاريخية ومشهد درامي نابض. يونس يكتب بروح المؤرخ والعاشق معًا، إلا أنه يحتاج أحيانًا إلى مقصٍّ سردي يقتطع الزائد ليترك الحكاية أكثر صفاءً.

مع ذلك، تبقى “راية جماعة البك” شهادة أدبية جريئة. عمر يونس يبرهن من خلالها أنه كاتب يسعى إلى كتابة التاريخ من أسفل، من عيون البسطاء وأجسادهم المرهقة، لا من خطب الساسة. أسلوبه واقعي، مليء بالصور، ومشحون بالعاطفة، وإن كان يحتاج إلى إحكام أوضح في البناء، إلا أنه يكشف عن صوت روائي واعد، قادر على أن يجعل من الرواية سجلًا للروح المصرية في لحظة شديدة الاضطراب.


---

ملك الشيهي… الفتاة التي أضاءت الهامش

يأتي ديوان “كومبارس” ليكشف لنا ملامح تجربة شعرية شابة، تحمل توقيع الكاتبة ملك الشيهي، تجربة تستمد طاقتها من الشارع والهمّ اليومي، وتؤكد أن الشعر لا يحتاج إلى أبراج عالية ليولد، بل يكفي أن ينبع من قلب الناس.

الصدق العاطفي

أسلوب ملك الشيهي يتسم قبل كل شيء بـ الصدق العاطفي. لا تتوارى خلف أقنعة لغوية أو زخارف لفظية، بل تواجه القارئ بكلمات مباشرة، حارة، ومشحونة بوجعها الخاص ووجع الجماعة. هذه المباشرة ليست فقرًا بلاغيًا، بل هي خيار جمالي يُعيد للشعر وظيفة الشهادة والاعتراف، حيث تقترب القصيدة من الاعتراف الشخصي أو المونولوج الداخلي الذي يمكن أن يقوله أي إنسان بسيط في لحظة انكسار.

النفس السردي

من السمات البارزة في أسلوبها أيضًا النَفَس السردي؛ فقصائدها غالبًا ما تتحرك كحكاية تُروى، بشخصيات ومشاهد وصراع داخلي. نقرأ في بياع جرايد أو شهيد للعرض مثلًا قصصًا صغيرة عن بشر عاديين، يتحولون بالكتابة إلى رموز للهامش وللإنسان المقهور. هذا التداخل بين السرد والشعر يمنح النصوص بعدًا دراميًا، ويجعلها قريبة من وجدان القارئ.

بين الغنائي والسياسي

كما تتميز ملك الشيهي بقدرتها على الانتقال بين المستويات: من الغنائي العاطفي في قصائد مثل ماحصلش نصيب ومجانين، إلى السياسي والوجودي في نصوص مثل مجرمة، إعمل عبيط، طبول الحرب. هذا التنوع يخلق توازنًا بين الذات الفردية والهمّ الجمعي، ويعكس وعيًا بأن الشعر الحقيقي لا ينفصل عن عصره ولا عن قضاياه.

اللغة العامية الشعرية

اللغة عندها عامية مصرية صافية، لكنها ليست عامية عابرة أو مسطحة، بل لغة تنبض بالإيقاع الشعبي وبالمجازات المستوحاة من الحياة اليومية. هي عامية تكتب كما يتحدث الناس، لكنها قادرة أن ترتقي بالحديث إلى مقام الشعر.

ملاحظات نقدية

ومع ذلك، لا تخلو التجربة من بعض الملاحظات: إذ تتكرر أحيانًا بعض المفردات (الموت، الغربة، المجانين)، كما تميل بعض القصائد إلى الإطالة التي تُضعف التكثيف الشعري. غير أن هذه الملاحظات لا تنتقص من القيمة الأساسية: أن ملك الشيهي تمتلك صوتًا خاصًا، طازجًا، يكتب من قلب الهامش، ويمنح البطولة لمن اعتادوا أن يكونوا مجرد كومبارس في الحياة.

إنها كتابة تبحث عن عدالة مفقودة، وعن إنسانية مهدورة، وعن مكان لصوت البسطاء في زمن يُقصيهم. وهذا ما يجعل تجربتها، رغم بدايتها، جديرة بالانتباه والاحتفاء.


من الحكاية إلى التاريخ وصوت الهامش

إذا تأملنا تجارب حسن عبد الهادي وعمر يونس وملك الشيهي، وجدنا أن ما يجمع بينها هو البحث عن معنى أعمق خلف الكلمات:

عند عبد الهادي تتحول القصة القصيرة والمقال الفلسفي إلى مساحة جدلية تمزج بين الحكاية والفكرة، بين الرمز والتأمل.

عند يونس تصبح الرواية مرآةً للتاريخ الشعبي، حيث الأبطال الحقيقيون هم المهمَّشون الذين صاغوا اللحظة الوطنية بأجسادهم وخوفهم وأحلامهم.

وعند الشيهي يغدو الشعر صوتًا للهامش، شهادة شخصية وجماعية في آن، تعيد للقصيدة وظيفتها الأولى: أن تكون تعبيرًا عن الإنسان البسيط في مواجهة قسوة الواقع.


بهذا المعنى، تتكامل التجارب الثلاث في رسم صورة للأدب العربي المعاصر، الذي لم يعد يبحث فقط عن الجماليات الشكلية، بل عن جدوى الكتابة نفسها: كيف يمكن للقصة أن تطرح سؤالًا فلسفيًا؟ كيف تستطيع الرواية أن تعيد كتابة التاريخ من أسفل؟ وكيف يملك الشعر العامي أن يمنح البطولة لمن لا يراهم أحد؟

إنها أصوات متباينة في الأسلوب والوسيط، لكنها تلتقي في نقطة جوهرية: تحويل الأدب إلى فعل مقاومة للخذلان والنسيان، وإلى مساحة للحوار مع الذات والآخر والتاريخ.






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- ليدي غاغا تفوز بجائزة -فنّان العام- في حفل توزيع جوائز MTV
- ليدي غاغا -فنانة العام- وأريانا غراندي صاحبة أفضل فيديو في ج ...
- ماريا كاري تفوز بأول جائزة فيديو كليب في تاريخها من MTV VMA ...
- بنون النسوة.. -التبوريدة- إرث الأجداد في عهدة أحفاد المغرب
- يهدد عرش هوليود.. أول فيلم رسوم متحركة بالذكاء الاصطناعي
- تعزيز التمثيل النسائي في مجالس الإدارة الفلسطينية
- بالفيديو.. الفنان الفلسطيني أشرف الشولي يداوي القلوب بالموسي ...
- -مذكرات في فلسطين وإسرائيل-… كتاب يوثق تجربة مصرية في غزة ما ...
- مسسلسل -The Studio- الأكثر فوزًا بجوائز -إيمي- للفنون الإبدا ...
- حبّ تحت التقنين


المزيد.....

- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - *نور حسن - من الحكاية إلى التاريخ وصوت الهامش