عندما يصبح الباسك جزءاً من تاريخنا

فؤاد بكر

الحوار المتمدن-العدد: 8455 - 2025 / 9 / 4 - 21:53
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

إلى شعب إقليم الباسك العظيم،
إلى الجماهير التي خرجت إلى شوارع بلباو، تصرخ من أعماق قلوبها، رافعة ‏أعلام فلسطين، مطالبة بالحرية، بالمقاطعة، وبإنهاء الإبادة الجماعية‎:‎
ما عشناه في المرحلة الحادية عشرة من ‏Vuelta a España ‎لم يكن مجرد ‏فصل عابر في سباق رياضي عالمي. لقد كان لحظة كاشفة، هزّت المشهد بأكمله، وكتبت ‏صفحة جديدة في ذاكرة الشعوب: صفحة تقول بوضوح إن فلسطين ليست وحدها‎.‎
حين أوقفتم السباق قبل ثلاث كيلومترات من خط النهاية، ورفضتم استكمال مراسم ‏التتويج، لم يكن ذلك فعلاً احتجاجياً عادياً، بل كان إعلاناً إنسانياً مدوياً. ففي تلك اللحظة، ‏لم يعد للأسفلت ولا للزمن ولا للمتسابقين أي أهمية تُذكر، لأنكم أنتم منحتم المعنى الحقيقي ‏للفوز: لقد كان المنتصر الوحيد هو فلسطين‎.‎
رفعتم أعلامها عالياً، رددتم اسمها في الهواء الطلق، وربطتم بين تاريخكم ‏وذاكرتها، بين جراحكم وجراحها. جعلتم من الرياضة، التي يحاول البعض تحييدها عن ‏قضايا الإنسانية، ساحة مواجهة أخلاقية مع الاحتلال. أظهرتم للعالم أن عجلات الدراجات ‏يمكن أن تتحول إلى عجلات مقاومة، وأن هتاف الجماهير يمكن أن يصبح أقوى من أي ‏منصة تتويج‎.‎
فلسطين في قلب الباسك
بالنسبة لنا نحن الفلسطينيين، لم يكن المشهد مجرد رفض لفريق إسرائيل-بريمير ‏تك‎. ‎كان الأمر أعمق وأبعد مدى: كان رسالة صريحة أن الاحتلال لا يمكنه الاختباء خلف ‏الألوان الزاهية لقمصان الرياضيين ولا خلف أضواء الإعلام. كانت صرخة تقول إن ‏الرياضة –مثل الفن والثقافة– ليست بريئة إذا تجاهلت دماء الأطفال في غزة، أو تناست ‏جدران الفصل العنصري في الضفة الغربية‎.‎
لقد فضحتم محاولة إسرائيل لتلميع صورتها عبر الرياضة، وأكدتم أن صورة دولة تبني ‏مجدها على قمع شعب أعزل ستبقى ملطخة مهما حاولت الهروب إلى ساحات الملاعب. ‏فقد أثبتم أن صورة الاحتلال لا يمكن غسلها بالتظاهرات الرياضية بينما دماء الأبرياء ما ‏زالت على الأرض‎.‎


روح مشتركة
أنتم أبناء أرض عرفت معنى الحرية منذ زمن بعيد، أرض قاومت ودفعت ثمناً ‏باهظاً كي تبقى واقفة بشموخ. لذلك كان طبيعياً أن تكونوا في مقدمة الصفوف، تهتفون ‏لفلسطين وكأنها جزء لا يتجزأ منكم. في بلباو، لم نرَ مجرد مدينة تستضيف سباقاً، بل ‏رأينا مرآة لذواتنا: مدينة تهتز بالتاريخ والإصرار، مدينة تعشق الدراجات لكنها لا تتخلى ‏عن مبادئها، مدينة قالت للعالم أجمع‎: "‎الرياضة ليست بريئة حين تلوذ بالصمت أمام ‏الظلم‎."‎
لقد تداخلت أصواتكم مع أصواتنا، واختلطت أعلامكم بأعلامنا، فأصبح التضامن ‏بيننا جسراً إنسانياً لا تهدمه المسافات ولا تضعفه الحدود‎.‎
رسالة إلى العالم
أيها الأصدقاء في الباسك،
ما فعلتموه يضيف حجراً جديداً إلى جدار التضامن العالمي مع فلسطين. لقد جعلتم ‏الاحتلال أكثر عزلة، وأعدتم إلى الذاكرة مساراً تاريخياً سبق أن سلكته الشعوب حين ‏أسقطت نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا. يومها كان صوت الناس، وضغط ‏الجماهير، هو الذي هزّ جدران الظلم حتى انهارت. واليوم، بوقوفكم مع فلسطين، تؤكدون ‏أن الطريق ذاته ما زال مفتوحاً، وأن الحرية ستنتصر كما انتصرت في كل معركة عادلة ‏عبر التاريخ‎.‎
لقد أثبتم أن التضامن ليس شعاراً عابراً، ولا مجرد كلمة جميلة، بل فعل حقيقي ‏قادر على إيقاف سباق عالمي، على تحويل مسار مدينة بأكملها، وعلى كتابة فصل جديد ‏من التاريخ. لقد جعلتم من شوارع بلباو منبراً للحرية، ومن جمهوركم درعاً إنسانياً ‏لفلسطين‎.‎
عهد مشترك
نحن الفلسطينيين نشكركم من القلب، ونؤكد لكم التزامنا بالمضي في هذا النضال ‏المشترك. سنواصل معاً رفع الصوت ضد الاحتلال، وسنحافظ على هذا الجسر الإنساني ‏الذي شيّدناه معكم في بلباو. فأنتم برهان حيّ على أن القيم الإنسانية قادرة على جمع ‏الشعوب، وأن العدالة لا يمكن أن تبقى غريبة عن الرياضة أو عن الحياة اليومية‎.‎
لقد أثبتم أن صرخة الحرية يمكن أن تعلو فوق أي منصة، وأن العدالة قادرة أن ‏تُوقِف عجلة الزمن ولو للحظات. ومعكم، سنكتب معاً التاريخ الذي سيشهد يوماً سقوط ‏جدران الاحتلال وولادة فلسطين حرة‎.‎

#فؤاد_بكر (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل