الديالكتيك

عائد ماجد

الحوار المتمدن-العدد: 8454 - 2025 / 9 / 3 - 22:47
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    

الجدل بالمعنى الكلاسيكي للكلمة هو طريقة خاصة بالحجاج والمناظرة، تُطرح فيها وجهات نظر متعارضة أو مختلفة، فتظهر كل واحدة عيوب الأخرى حتى يكونوا فكرة أعلى ينتمي إليها الطرفان فيما بعد. وإن الشكل الأكثر كلاسيكية للديالكتيك أو الجدل يمكن رؤيته عند أفلاطون ناقلًا عن سقراط أحيانًا، ففي المحاورات نجد هذا الأسلوب في طريقة النقاش، ويمكن ملاحظة هذا في محاورة مثل محاورة يوثيفرو، حيث اختلف مع سقراط على تعريف التقوى لكنهما اتفقا على تعريف واحد فيما بعد.

أما الجدل بمعناه الحديث فلم يعد أسلوب حوار أو أسلوب تبادل آراء، وتحول لشكلِه الحديث بعد سبات طويل، خاصة مع هيمنة العصور الوسطى على أوروبا، فاختفت هذه الكلمة في الميدان الفلسفي حتى وصلنا إلى هيغل. هيغل كان أول من يقيم منطقًا كاملًا على أساس الجدل يرتكز على مفهوم الجدل، ولم يبتدع هيغل قواعد الجدل، فإن لهذه الفكرة جذورًا أعمق وأكثر تعقيدًا، لكن الفكرة لم تتبلور وتظهر بشكل منظم إلا عند هيغل، حيث أنشأ هيغل فلسفته المثالية على أساس الديالكتيك وجعله تفسيرًا كافيًا للتاريخ وكل مظاهر الحياة.

إن الجدل بمفهومه العام في المنطق الكلاسيكي كان طريقة حجاج أو نقاش فلسفية تجتمع فيها الأضداد والتناقضات الفكرية في نقاش واحد بين الأطراف المتضادة، وهذا هو الشكل الأكثر كلاسيكية للجدل، حيث يبدأ الحجاج بفكرتين مختلفتين وتبدأ كل واحدة منهما بمنافسة الأخرى، فتتحول إلى مفاهيم أكبر حتى تصل إلى حقيقة موحدة بين الطرفين.

أما الجدل الهيغلي فيعتمد على ثلاث لحظات أساسية:
الأطروحة (Thesis) وهنا تظهر الفكرة بصورة معينة.
النقيض (Antithesis) وهو الطرح المضاد، حيث يظهر من داخل الفكرة نفسها ويحمل داخله تناقضًا يولد المعارضة.
التركيب (Aufhebung) وهذا المصطلح الأكثر تعقيدًا في الجدل الهيغلي، فهو ثلاثي المعنى في وقت واحد:
– الإلغاء (negation): إزالة الشكل القديم.
– الحفظ (preservation): الاحتفاظ بجوهره الإيجابي.
– الرفع (elevation): الارتقاء إلى مستوى أعلى.

وبعد وفاة الفيلسوف هيغل بسنوات عديدة جاء الفيلسوف الألماني الشاب كارل ماركس لقراءة أفكار الفيلسوف هيغل، حيث تأثر بها وبالهيغليين الشباب الذين استعملوا جدل هيغل في إنشاء أفكار ثورية، حتى اتخذ ماركس الاتجاه المادي وأقر بأن هيغل ألبس الجدل الثوب المثالي العقلي.

وماركس لم يختلف في بنية الجدل الحديث مع هيغل، لكنه حوّله إلى المادية بدل المثالية، فعنده الفكر ليس هو الأساس ولا هو المحرك، بل التناقض يحدث في الواقع المادي وفي الاقتصاد كعلاقات الإنتاج وقوة الإنتاج، وفي المجتمع كالأسياد والعبيد، والإقطاعيين والفلاحين، والعمال والبرجوازيين، وفي التاريخ كالنظام الإقطاعي والبرجوازي. بالتالي فإن التاريخ عند ماركس يتطور بسبب التناقضات المادية والاجتماعية.

إذا لاحظنا الجدل بين ماركس وهيغل، سنلاحظ في ظل هذا الصراع بين المادية والمثالية أن حتى هذا الاختلاف بين ماركس وهيغل هو في نفسه جدلي ديالكتيكي.

#عائد_ماجد (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل