مروان فلو
الحوار المتمدن-العدد: 8445 - 2025 / 8 / 25 - 22:57
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
إسرائيل وتركيا والجيش السوري:
صراع النفوذ وإعادة تشكيل المنطقة
تشهد الساحة الإقليمية في الشرق الأوسط حالة من السيولة السياسية والعسكرية، حيث تتقاطع مصالح القوى الإقليمية والدولية على الأرض السورية، لتجعل منها بؤرة تنافس مفتوحة على كل الاحتمالات. من بين أبرز المستجدات، ما نشرته صحيفة يني شفق التركية عن شروع أنقرة في تنفيذ برامج تدريبية لعناصر من قوات ما يُعرف بـ "سلطة دمشق المؤقتة"، تشمل وحدات الكوماندوز والمشاة، وذلك بموجب مذكرة تفاهم للتدريب والاستشارات المشتركة وُقعت بين الطرفين في 13 آب الجاري.
وبحسب الصحيفة، فإن المئات من العناصر السوريين سيُنقلون إلى الأراضي التركية لتلقي تدريبات مكثفة تحت إشراف مباشر من القوات التركية، يليها تدريب إضافي داخل سوريا. هذه الخطوة، وفق مراقبين، لا تأتي بمعزل عن مشروع تركي متكامل يسعى إلى ربط أي جيش سوري ناشئ بالقرار السياسي والعسكري لأنقرة، بما يضمن لها موطئ قدم راسخ في مستقبل سوريا ما بعد الصراع.
مشروع تركي قديم بصيغة جديدة
تركيا، التي خبرت تجربة النفوذ العسكري في العراق، الصومال، وليبيا، وغيرها …تسعى إلى استنساخ التجربة في سوريا عبر إنشاء كليات حربية ومدارس لضباط الصف داخل الأراضي السورية، مع تخصيص مقاعد للطلاب السوريين في المؤسسات العسكرية التركية. هذه الخطوة تحمل أبعاداً استراتيجية تتجاوز مجرد التدريب العسكري، فهي ترسخ ولاء القيادات المستقبلية للجيش السوري لأنقرة، ما يعني أن أي قرار عسكري في دمشق سيكون خاضعاً بصورة أو بأخرى للتأثير التركي.
بعبارة أخرى، تحاول أنقرة أن تضمن "الجيل القادم" من الضباط السوريين في حساباتها، لتتحول من مجرد قوة فاعلة على الأرض إلى "وصي عسكري" على الدولة السورية الناشئة.
الموقف الإسرائيلي: رفض استراتيجي
في المقابل، تنظر إسرائيل بقلق بالغ إلى هذه التحركات. فتل أبيب ترى أن تمكين تركيا من السيطرة على مفاصل الجيش السوري الجديد سيشكل تهديداً مباشراً لأمنها القومي، خاصة وأنها تعيش منذ سنوات على وقع توترات أمنية متكررة عبر الجبهة الشمالية.
إسرائيل، التي خبرت تجربة المواجهة مع نفوذ إيران وميليشياتها داخل سوريا ولبنان، لا ترغب برؤية قوة إقليمية أخرى – تركيا – تتحكم بالمشهد السوري. ومن هنا، فإن الموقف الإسرائيلي تجاه المشروع التركي جاء حاسماً: رفض قاطع ومواجهة محتملة.
المصادر الإسرائيلية تتحدث عن عدة مسارات:
المسار الدبلوماسي: عبر الضغط السياسي وتحريك ملف الاتفاقيات الدولية ذات الصلة بسوريا.
المسار الأمني: من خلال مراقبة دقيقة لأي انتشار عسكري تركي جديد، وربما استهدافه إذا اقتضت الضرورة.
الخيار العسكري: يظل مطروحاً على الطاولة إذا ما فشلت الأدوات الناعمة في احتواء التمدد التركي.
مأزق تركيا الإقليمي
المفارقة أن أنقرة نفسها تواجه مأزقاً داخلياً وخارجياً في آن واحد. فمن جهة، لم يعد دورها الإقليمي يتمتع بالزخم الذي كان عليه قبل عقد من الزمن، نتيجة التغيرات في موازين القوى الدولية والإقليمية. ومن جهة أخرى، تُقيدها القضية الكردية بشكل كبير، إذ إن أي تراجع عن نفوذها في سوريا يفتح الباب أمام بروز كيان كردي في شمال شرق البلاد، شبيه بما يُعرف بـ "إقليم الدروز" في الجنوب السوري، الذي يمتد عبر محافظات السويداء ودرعا والقنيطرة.
هذه المعادلة تجعل أنقرة أمام خيارين متناقضين:
1. الاستمرار في سياسة التمدد العسكري، رغم ما يحمله ذلك من احتمالات صدام مع إسرائيل أو قوى دولية أخرى.
2. إعادة تعريف دورها الإقليمي عبر إصلاح داخلي، يقوم على الاعتراف الدستوري بالتعدد القومي، وخاصة بحقوق الكُرد، بما يعزز استقرارها الداخلي ويفتح لها هامشاً أكبر في العلاقات الخارجية.
نهاية شعار "شعب واحد"
المشهد التركي الداخلي يشير بوضوح إلى أن الشعار الكمالي القديم: "شعب واحد، لغة واحدة، علم واحد" لم يعد صالحاً لتغطية التحديات القائمة. فتركيا دولة متعددة القوميات والأديان، وأي تجاهل لهذه الحقيقة سيُفاقم التوترات الداخلية ويضعف موقعها الخارجي.
النموذج الجديد في المنطقة يقوم على دول تعترف بتعدد مكوناتها دستورياً، وتكف عن الاعتداء على جيرانها، بما يحقق الطمأنينة في الداخل ويعزز الثقة على الصعيد الخارجي. تركيا، إذا ما أرادت أن تبقى لاعباً إقليمياً مؤثراً، لا مفر أمامها من تبني هذا المسار.
الخلاصة
بينما تمضي أنقرة في مشروعها لتدريب قوات مايسمى " الجيش العربي السوري " وربطها بمؤسساتها العسكرية، تصر إسرائيل على رفض أي دور تركي بهذا الحجم وترى فيه تهديداً لمصالحها الحيوية. وهكذا، تتحول سوريا مجدداً إلى ساحة صراع نفوذ بين قوتين إقليميتين كبيرتين، تسعى كل منهما لإعادة تشكيل خريطة المنطقة وفق حساباتها الاستراتيجية.
الأسابيع والأشهر القادمة ستكون حاسمة: هل ستبقى المواجهة محصورة في الدبلوماسية، أم تنزلق إلى مستويات أكثر حساسية قد تفتح الباب أمام مواجهة عسكرية مباشرة؟ المؤكد أن مستقبل سوريا لن يُرسم في دمشق وحدها، بل على طاولات القرار في أنقرة وتل أبيب، وربما أيضاً في واشنطن وموسكو.
مروان فلو
25 / 8 / 2025
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟